هبته ، ووقفه ، والصدقة به ، ونحو ذلك
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هبة ماله بلا عوض
لا يجوز التبرع بمال اليتيم مجاناً باتفاق الأئمة ( ).
ويدخل في ذلك : هبته بلا عوض ، ووقفه ، والصدقة به ، والمحاباة به في البيع والشراء ، والإجارة ونحو ذلك .
والحجة في هذا :
1 – ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن( ).
2 – أن هبة مال اليتيم والصدقة به ونحو ذلك إزالة لملكه من غير عوضن فكان ضرراً محضاً ( ).
لكن إذا تضمن العفو عن شيء من ماله إدراك بقية ماله ، فللولي ذلك( ) وجوباً ( ).
لقوله تعالى : وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها ، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً ( ).
فالخضر رحمه اللَّه فوت جزءاً من السفينة بالعيب إدراكاً لجميعها( )؛ وما لا يدرك كله لا يترك كله.
ولأن تصرفات الولي منوطة بالمصلحة ، والمصلحة هنا بالعفو( ).
المسألة الثانية : أن يكون بعوض :
مثل أن يهب كتاب اليتيم مقابل دراهم .
فاختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول : الجواز .
وهو مذهب الحنابلة ، بشرط كون العوض مثل قيمة الموهوب فأكثر( ).
وحجته :
1 – ما تقدم من الأدلة على جواز التجارة بمال اليتيم بالبيع والشراء، والهبة بعوض في معنى البيع ( ).
2 – أن الهبة بعوض معاوضة المال بالمال فملكها كما يملك البيع( ).
3 – أن العوض إذا كان أقل من قيمة الموهوب ، فهو نوع من المحاباة والولي لا يملك ذلك ( ).
القول الثاني : أن هبة الثواب ،لا تجوز إلا بغبطة ظاهرة ( ).
وهو مذهب الشافعية ( ).
ولم أقف لـه على دليل ، ولعل دليلهم : أن تصرفات الولي منوطة بالمصلحة ولا مصلحة إلا إذا كانت الهبة بعوض أكثر من القيمة، والله أعلم .
القول الثالث : عدم الجواز مطلقاً .
وهو مذهب الحنفية ( )، والمالكية ( ).
وحجة هذا القول : أما الحنفية فعللوا : أن الهبة بعوض هبة ابتداء ، بدليل أن الملك فيها يتوقف على القبض ، وذلك من أحكام الهبة ، فلم تنعقد هبته ، فلا يتصور أن تصير معاوضة ( ).
ولعله يناقش : بعدم التسليم ، بل الهبة بعوض مبادلة مال اليتيم ، وهذا هو البيع .
وأما المالكية : فعللوا : أن الهبة إذا فاتت بيد الموهوب لا يلزمه إلا القيمة، والوصي لا يبيع بالقيمة ( ).
وتقدم أن المالكية : لا يرون بيع مال اليتيم بالقيمة إلا إذا كان البيع لحاجة( ).
ولعله يناقش: بأن البيع بالقيمة جمهور أهل العلم على جوازه( ).
الترجيح : يترجح – والله أعلم – جواز هبة الثواب بمثل القيمة ، أو أكثر، إذ هذا هو البيع ، والولي يملكه.
المسألة الثالثة : التضحية عنه من ماله
اختلف أهل العلم رحمهم اللَّه في شراء الأضحية لليتيم من ماله على قولين:
القول الأول : أن الولي ونحوه يملك شراء الأضحية لليتيم من ماله إذا كان موسراً .
وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية ، والمالكية ، والحنابلة( ).
وحجته :
1 – قوله تعالى : ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ( ).
وقوله تعالى : وأن تقوموا لليتامى بالقسط ( ).
وقوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( ).
وجه الدلالة : أن شراء الأضحية لليتيم من ماله من الإصلاح في ماله، والقيام لـه بالقسط وقربانه بالتي هي أحسن لما فيه من جبر قلبه، وإلحاقه بمن لـه أب، وإدخاله السرور عليه ( ).
2 – حديث نبيشة الهذلي أن النَّبِيّ قال : " أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر لله عز وجل" ( ).
وهذا يشمل بيت اليتيم وغيره ، فتشرع التضحية لـه من ماله.
3 – أن المصلحة في التعامل مع مال اليتيم لا تقتصر على المصالح الدنيوية، بل تشتمل المصالح الأخروية، ومن ذلك الأضحية من ماله.
4 – أن شراء الأضحية بمنزلة الثياب الحسنة ، وشراء اللحم ( ).
ونوقش: أن الأضحية عبادة مقصودة شرعاً، وشراء الثياب واللحم من العادات فافترقا.
القول الثاني : أنه لا يجوز أن يضحى عنه .
وهو مذهب الشافعي ( )، ورواية عن أحمد ( ).
وحجته :
1 – أنه إخراج شيء من ماله بغير عوض ، فلم يجز كالهدية ( ).
ولعله يناقش : بالفرق فالهدية إخراج من ماله بلا مصلحة لليتيم، بخلاف الأضحية فيترتب عليها مصلحة جبر قلبه ، وإدخال السرور عليه.
قال ابن قدامة : " ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الروايتين على حالين، فالموضع الذي منع التضحية إذا كان الطفل لا يعقل التضحية ، ولا يفرح بها، ولا ينكسر قلبه بتركها ، لعدم الفائدة فيها ، والموضع الذي أجازها إذا كان اليتيم يعقلها ... "( ).
2 – أنه مأمور بالاحتياط لماله ، ممنوع من التبرع ، والأضحية تبرع( ).
الترجيح : الراجح – والله أعلم – مشروعية التضحية عن اليتيم من ماله، لما يترتب عليها من مصالح دينية ، ودنيوية.