السؤال :
فضيلة الشيخ أريد أن أعطي أبنائي هبة فهل يلزمني أن أسوي بينهم في المقدار أم أعطي الولد ضعف البنت كما في الميراث .
الجواب :
الحمد لله. ابتداء ينبغي التنبيه على أنه يجب العدل بين الأولاد على الصحيح إذا كانت العطية هبة من باب الإكرام ليست من باب النفقة والحاجة وهذا مذهب الحنابلة. أما النفقة فيعطى كل ولد على حسب حاجته ولا يلزم التسوية بينهم. قال ابن قدامة: (فإن خص بعضهم بالعطية، لمعنى يقتضي تخصيصهم مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو أكثر عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله تعالى أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك).
فإن كانت العطية هبة فقد اختلف الفقهاء في كيفية التسوية بين الذكور والإناث من الأولاد في الحياة على قولين مشهورين:
الأول: يلزم التسوية بينهم في المقدار فيعطى الذكر نفس ما تعطى الأنثى في العدد فإن أعطى الذكر ألفا أعطى الأنثى ألفا وهكذا لما في الصحيحين عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: (إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه). وفي رواية: (فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم فقال لا قال اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة). فظاهر الحديث يدل على عدم التفريق في المقدار بين الذكر والأنثى. ولأن هذا مقتضى العدل التسوية في المقدار فلا يؤثر أحد على أحد. ويفسر ذلك ما رواه سعيد بن منصور من حديث ابن عباس بلفظ: (سووا يبن أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء). لكن هذا الحديث ضعيف لأنه من رواية سعيد بن يوسف تكلم فيه أحمد وابن معين والنسائي. وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية. وقال ابن عبد البر في التمهيد بعد سياق الاختلاف: (ولا أحفظ لمالك في هذه المسألة قولا).
الثاني: تكون القسمة بينهم على حسب الميراث فيعطى الذكر ضعف ما تعطى الأنثى لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ). فإذا كان الله عز وجل قد رضي لنا إعطاء الذكر ضعف نصيب الأنثى وهو أعلم بمصالحنا وطبيعتنا وحاجة الذكر وما أنيط به من واجبات والتزامات مالية دل ذلك على كمال العدل وحسن القسمة وعطاؤه وقسمته خير عطاء وقسمة ولا أحد أعدل وأحكم قسمة منه. فيلحق بذلك العطاء في الحياة لعلة نفع الذكور والإناث في كلتا الحالتين وعدم وجود الفرق المؤثر في هذا الباب فتكون الهبة تقسم على هذا الكيفية. وهذا مذهب الحنابلة.
والصحيح أنه يجب التسوية بين الذكور والإناث في المقدار كما ذهب إليه الجمهور لأن ظاهر الخبر يدل على المساواة بين الجنسين من كل وجه دون تخصيص ولم يرد دليل يفضل الذكر على الأنثى حال الحياة فبقينا على الأصل ومقتضى العدل في الأصل التسوية بينهما في قدر المال كما يسوى بينهما في العشرة وحسن المعاملة والتودد. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للنعمان: (أيسرك أن يكونوا في البر سواء. قال: بلى. قال: فلا إذن). وقال ابن بطال: (والحجة على من قال نجعل حظ الذكر مثل حظ الأنثيين كالفرائض قوله عليه السلام (أكل ولدك نحلت مثل هذا). ولم يقل له هل فضلت الذكر على الأنثى ولو كان ذلك مستحبا لسأله عنه كما سأله عن التشريك في العطية. فثبت أن المعتبر عطية الكل على التسوية. فإن قيل لم يكن لبشير بنت فلذلك لم يسأله. قيل قد كان للنعمان أخت لها خبر نقله أصحاب الحديث). انتهى. ولأنه لا يصح قياس الهبة حال الحياة على الميراث حال الممات لوجود الفرق بينهما في كثير من الأحكام فالميراث أصل مستقل له أحكام وشروط تخصه لا يصح إلحاق سائر التبرعات والنفقات به حال الحياة فالقسمة في المواريث تغاير القسمة في النفقة. ولأن تفضيل الذكر على الأنثى يوغر الصدر ويوقع العداوة والبغضاء بين الإخوة والأخوات والشارع رغب في تحقيق أسباب الألفة والمودة بين الأسرة ومنع الوسائل المفضية للنزاع والشقاق وهذا مقصد معتبر ينبغي العناية به وتحقيقه حسب الإمكان.
ويجب على الأم كذلك أن تسوي بين أولادها في العطية فلا تؤثر أحدا على أحد لأنها في معنى الأب من حيث الحكم والعلة ولأن تفضيلها يترتب عليه مفسدة ظاهرة ونفرة وجفاء.
أما الجد والجدة فيجوز لهما أن يفضلا بعض الأحفاد على بعض لأن النص لا يتناول الحفيد ولأن الحفيد ليس في منزلة الولد من حيث الرغبة والإيثار ولأن الجد لا تجب عليه النفقة أصالة ولا يحصل تشوف ومشاحة من قبل الأحفاد غالبا فالأمر في ذلك واسع وإن كان التعديل بينهم أفضل وأقرب لكمال العدل وهذا القول وجه عند الحنابلة.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كيفية التسوية في الهبة بين الذكور والإناث