مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: كتاب التوحيد - باب التغليظ من التعبد عند قبور الصالحين الإثنين مايو 10, 2010 2:25 pm | |
| باب ما جاء من التغليظ فيمن عَبَدَ الله عند قبر رجل صالح بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى: باب ما جاء من التغليظ فيمن عَبَدَ الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟
وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم سلمة ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: أولئك شرار الخلق عند الله، أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصورا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله .
فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
ولهما عنها قالت: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، فقال -وهو كذلك-: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا .
ولمسلم عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وأن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك .
فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم أنه لعن -وهو في السياق- من فعله، والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: خشي أن يتخذ مسجدا فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قُصِدَت الصلاةُ فيه فقد اتُّخِذَ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعا إن من شرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد رواه أبو حاتم في صحيحه.
هذا باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده ؟.
هذا الباب مع الأبواب بعده في بيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان حريصا على هذه الأمة، وكان بالمؤمنين -عليه الصلاة والسلام- رءوفا رحيما، ومن تمام حرصه على الأمة، أن حذرهم كل وسيلة من وسائل الشرك التي تصل بهم إلى الشرك، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، وغلظ في ذلك، وشدد فيه حتى إنه بيَّن ذلك خشية أن يفوت تأكيده وهو في النزع، وهو يعاني سكرات الموت، عليه الصلاة والسلام.
فهذه الأبواب في بيان وسائل الشرك الأكبر، وأن الشرك الأكبر له وسائل، وله ذرائع يجب سدها، ويجب منعها، رعاية وحماية للتوحيد؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غَلَّظَ فيمن يفعلون شيئا من تلك الوسائل، أو الذرائع الموصلة إلى الشرك.
هذا الباب في بيان أحد الوسائل الموصلة إلى الشرك والذرائع التي يجب منعها، قال -رحمه الله-: باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح.
صورة ذلك أن يأتي إلى قبر رجل صالح، يعلم صلاحه، إما أن يكون من الأنبياء والمرسلين، أو يكون من صالحي هذه الأمة، أو صالحي أمة غير هذه الأمة، فيتحرى ذلك المكان، لكي يعبد الله وحده، دونما سواه، فيأتي إلى هذا القبر، أو يأتي إلى هذه البقعة، لكي يعبد الله فيها رجاء بركة هذه البقعة.
وهذا يَرُوج عند كثيرين، في أن ما حول القبور قبور الصالحين، أو قبور الأنبياء مبارك، وأن العبادة عندها ليست كالعبادة عند غيرها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غلَّظ في ذلك مع أن المغلَّظ عليه، لم يعبد إلا الله -جل وعلا- ولم يعبد صاحب القبر، لكنه اتخذ ذلك المكان رجاء بركته، ورجاء تَنَزُّل الرحمات، كما يقولون، رجاء تنزل النسمات، والفضل من الله عليه.
واختاره لأجل بركته، ولكنه لم يعبد إلا الله -جل وعلا- ومع ذلك لعن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذلك الصنف الذين يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، وقوله هنا فيمن عبد الله يعني: لم يشرك بالله، عَبَدَ الله وَحَّدَه، صلى لله مخلصا، أو دعا لله مخلصا، أو تبرع واستغاث، واستعاذ لله -جل وعلا- مخلصا عند قبر رجل صالح، لكنه تحرى القبر؛ لأجل البركة.
والرجل الصالح -كما سبق أن ذكرنا- هو المقتصد الذي أتى بالواجبات وابتعد عن المحرمات، وأعلى منه درجة السابق بالخيرات، فالصالحون من الرجال والنساء لهم مقامات لهم درجات عند الله.
بعض أهل العلم يعبر في تعريف الرجل الصالح بقوله: الصالح من عباد الله هو القائم بحقوق الله، القائم بحقوق عباده، وهذا صحيح؛ ولأن المقتصد قائم بحقوق الله، قائم بحقوق عباده، أتى بالواجبات، وانتهى عن المحرمات.
وأعظم منه درجة السابق بالخيرات، فأهل السبق بالخيرات من العباد الصالحين، لا يجوز أن تعظم قبورهم، وأن يغلى فيها بظن أن البقعة التي حول القبر بقعة مباركة، فإن هذا جاء فيه الوعيد الذي يأتي في هذا الباب وغلظ فيه -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "فكيف إذا عبده" يعني: هذا التغليظ، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ومن أسرج على القبور، أو من عظَّم القبور، وعظَّم من فيها، وعبد الله -جل وعلا- عندها، عبد الله وحده، جاء فيه اللعن، وجاء فيه أنه من شرار الخلق عند الله.
فكيف إذا توجه ذلك العابد إلى صاحب القبر يدعوه ويرجوه، أو يخافه، أو يأمل منه، أو يستغيث به، أو يصلي له، أو يذبح له، أو يستشفع به؟ لا شك أن هذا أعظم وأعظم في التغليظ من عبادة الله وحده عند قبر رجل صالح، بهذا قال الشيخ -رحمه الله-.
ومن تأمل هذه الأحاديث التي سترد، فإن هذا مقتضى كلام الشيخ في التبويب، فإنه يجد أن التغليظ يكون أشد وأشد، لو كان في القلوب إيمان ومحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويكون أشد وأشد، إذا عبد صاحب ذلك القبر، فإذا صلى له، هل هو بمنزلة من صلى لله عنده؟
ذاك وسيلة وهذا غاية، هذا شرك أكبر، فأولئك شرار الخلق عند الله، مع أنهم فعلوا وسائل الشرك، ووسائل المحرمات، فكيف بمن فعل الشرك الأكبر بعينه، وتوجه إلى قبور الصالحين، واتخذها أوثانا مع الله -جل وعلا- لا شك أن هذا أبلغ، وأبلغ في التغليظ؛ وذلك لأنه من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام إذا فعله مسلم.
قال: "فكيف إذا عبده"؟ عبده يعني: عبد القبر، أو عبد الرجل؛ لأن العبادة عبادة القبوريين تارة تتوجه إلى القبر، وتارة تتوجه إلى صاحب القبر، بل وتارة تتوجه إلى ما حول القبر، فالأبنية المحاطة بالقبور في قبور الأولياء عندهم التي بنيت على القبور، وصارت مشاهد، تارة تتخذ تلك الستور الحديدية أنها آلهة.
فإذا تمسحوا بها رَجَوْا منها البركة واتخذوها وسيلة إلى الله -جل وعلا- ويقفون عندها فيتخذون تلك المشاهد أوثانا يعبدونها، ويرجونها ويخافونها، وإذا ضم أحدهم إلى صدره تلك المشاهد، أو الحديد، أو الستور ونحو ذلك، فكأنه صار مقربا عند الله، وقبلت وسيلته تلك.
وهذا نوع من أنواع اتخاذ المشاهد أوثانا، كذلك اتخاذ القبور أوثانا، أو اتخاذ الرجل الصالح الذي هو متبرئ من أولئك، ومن عبادتهم له، يتخذونهم آلهة مع الله، إذا توجهوا إليهم بالعبادة.
وقد علمنا أن العبادة معناها واسع، وأنه قد تكون بالصلاة له أو بدعوته بسؤاله بطلبه كشف المدلهمات، أو جلب الخيرات، أو الذبح له، أو وضع النذور له، ونحو ذلك من أنواع العبادة، وهذا هو الواقع عند أولئك الذين يعبدون الأوثان وقبور الصالحين.
قال: في الصحيح عن عائشة أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور. فقال -عليه الصلاة والسلام-: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله .
أم سلمة -رضي الله عنها- لما كانت في الحبشة رأت كنيسة ورأت في تلك الكنيسة صور الصالحين، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح قد يكون نبيا من أنبيائهم، أو عبدا من عباد الله الصالحين فيهم ماذا عملوا معه؟
قال: بنوا على قبره مسجدا فيجعلون المسجد، وهو مكان العبادة في اللغة بما يدخل فيه الكنيسة مكان العبادة، يقال له مسجدا، والمسجد مكان السجود، والسجود هو الخضوع والتذلل لله جل وعلا.
فالمسجد يطلق على كل مكان يتخذ لعبادة الله وحده لعبادة الله -جل وعلا -كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فمكان العبادة يقال له: مسجد، فالكنيسة هنا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في شأنها بنوا على قبره مسجدا، يعني: مكانا للعبادة.
فإذن الكنائس بنيت على القبور، قبور أولئك الصالحين، وصوروا فيها الصور، جعلوا صورة ذلك العبد جعلوها على قبره، أو فوق قبره على الحائط، لكي يدلوا الناس على عبادة الله بتعظيم ذلك الرجل الصالح، وتعظيم قبره، فاتخذوا البناء على القبور -الذي هو وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، ومن البدع التي يحدثها الخلوف بعد الأنبياء- اتخذوا ذلك فوق القبور، وتعبدوا فيها.
قال -عليه الصلاة والسلام-: أولئك شرار الخلق عند الله جل وعلا أولئك الخطاب لأم سلمة. والخطاب إذا توجه إلى مؤنث تكسر فيه الكاف، كاف الخطاب، أولئكِ شرار الخلق عند الله من هم شرار الخلق عند الله؟ هم الذين عظموا الصالحين، فبنوا على قبورهم مساجد.
هل في هذا الحديث أنهم توجهوا بالعبادة لأولئك الصالحين؟ لا. إنما عظموا قبور الصالحين، وجعلوا لهم صورا، فجمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة الصور.
وفتنة الصور وسيلة من وسائل حدوث الشرك الأكبر، وكذلك فتنة القبور بالبناء عليها، وبتعظيمها وبإرشاد الناس لها، هذا وسيلة إلى أن يعتقد في صاحب القبر أن له شيئا من خصائص الإلهية، أو أنه يتوسط عند الله -جل وعلا- في الحاجات، كما حصل ذلك فعلا.
قال المصنف الإمام -رحمه الله-: "فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. وهذا هو الواقع، وهذا التغليظ في أنهم شرار الخلق عند الله، هذا نفهم منه التحذير، تحذير هذه الأمة، أن يبنوا على قبر أحد مسجدا؛ لأنه إن بني على قبر أحد مسجد، فإنه من بنى ذلك، ودل الخلق على تعظيم ذلك القبر، فإنه من شرار الخلق عند الله.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع فإذن وجه الدلالة من هذا الحديث أنه قال: أولئك شرار الخلق عند الله وهذا تغليظ فيمن عبد الله في الكنيسة التي فيها القبور والصور، والقبور والصور من وسائل الشرك بالله جل وعلا.
قال: ولهما عنها يعني: عن عائشة قالت: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يعني نزل به الموت) طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال -وهو كذلك-: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
هذا الحديث من أعظم الأحاديث التي فيها التغليظ في وسائل الشرك، وبناء المساجد على القبور، واتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، ووجه ذلك أنه عليه الصلاة والسلام، وهو في ذلك الغم، وتلك الشدة، ونزول سكرات الموت به عليه الصلاة والسلام يعانيها، لم يغفل عليه الصلاة والسلام.
بل اهتم اهتماما عظيما، وهو في تلك الحال بتحذير الأمة من وسيلة من وسائل الشرك، وتوجيه اللعن والدعاء على اليهود والنصارى بلعنة الله؛ لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، سبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام في تلك الحال يخشى أن يتخذ قبره مسجدا، كما اتخذت قبور الأنبياء قبله مساجد، ومن الذي اتخذ قبور الأنبياء مساجد؟ شرار الخلق عند الله من اليهود والنصارى الذين لعنهم النبي -عليه الصلاة والسلام -.
فقال: لعنة الله على اليهود والنصارى واللعنة هي الطرد والإبعاد من رحمة الله، وذلك يدل على أنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب، وهذا كذلك: البناء على القبور واتخاذ قبور الأنبياء مساجد، هذا من وسائل الشرك، وهو كبيرة من الكبائر.
قال: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فإذن سبب اللعن أنهم اتخذوا قبور الأنبياء مساجد، والنبي -عليه الصلاة والسلام - يلعن ويحذر، وهو في ذلك الموقف العصيب، فقام ذلك مقام آخر وصية أوصى بها عليه الصلاة والسلام: ألا تتخذ القبور مساجد فخالف كثير من الفئام في هذه الأمة، خالفوا وصيته عليه الصلاة والسلام.
قال: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد اتخاذ القبور مساجد يكون على أحد ثلاث صور: الصورة الأولى: أن يسجد على القبر يعني: يجعل القبر مكان سجوده اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يعني: جعلوا القبر مكان السجود، هذه صورة.
وهذه الصورة في الواقع لم تحصل بانتشار؛ لأن قبور الأنبياء لليهود والنصارى لم تكن مباشرة للناس، يمكن أن يصلوا إلى القبر، وأن يسجدوا عليه، بل كانوا يعظمون قبور أنبيائهم، فلا يصلوا عليها مباشرة.
لكن قوله: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أبلغ صوره أن يتخذ القبر نفسه مسجدا يعني: يصلي عليه مباشرة، وهذه أفظع تلك الأنواع، وهي التي تدل على أعظم وسيلة من وسائل الشرك والغلو بالقبر.
والصورة الثانية: أن يصلي إلى القبر أن يتخذ القبر مسجدا، يعني أن يكون القبر أمامه يصلي إليه، فإنه اتخذ القبر -وما حوله له حكمه- اتخذه مكانا للتذلل والخضوع، والمسجد لا يعنى به مكان السجود الذي هو وضع الجبهة على الأرض فقط، وإنما يعنى به مكان التذلل والخضوع.
فـ اتخذوا قبورهم مساجد يعني: جعلوها قبلة لهم، ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلى إلى القبر؛ لأجل أن الصلاة إليه وسيلة من وسائل التعظيم، وهذا يوافق قول الشيخ -رحمه الله- في الباب، باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح.
قوله: "عند قبر" نفهم منه هذه الصورة التي هي أن يكون أمامه القبر فيجعل القبر بينه وبين القبلة تعظيما للقبر.
الصورة الثالثة: أن يتخذ القبر مسجدا بأن يجعل القبر في داخل بناء، وذلك البناء هو المسجد، فإذا دفن النبي قام أولئك بالبناء عليه فجعلوا حول قبره مسجدا، واتخذوا ذلك المكان للتعبد، والصلاة فيه.
هذه هي الصورة الثالثة، وهي أيضا موافقة لقول الشيخ -رحمه الله- "عند قبر رجل صالح" وهذا يبين لك بعض المناسبة في إيراد هذا الحديث تحت الباب.
قال: قالت عائشة: يحذر ما صنعوا يعني ما سبب اللعن، لماذا لعن النبي -عليه الصلاة والسلام- اليهود والنصارى في ذلك المقام العظيم؟ وهو أنه في سكرات الموت، السبب أنه يريد أن يحذر الصحابة من ذلك قالت: يحذر ما صنعوا .
وقد قبل الصحابة -رضوان الله عليهم- تحذيره وعملوا بوصيته. قالت: ولولا ذلك أبرز قبره أبرز قبره يعني: أظهر، وجعل قبره مع سائر القبور في البقيع، أو نحو ذلك.
ولكن كان من العلل التي جعلتهم لا ينقلونه -عليه الصلاة والسلام- من مكانه الذي توفي فيه قوله هنا عليه الصلاة والسلام: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: يحذر ما صنعوا ولولا ذلك أبرز قبره .
فهذه إحدى علتين، والعلة الثانية قول أبي بكر -رضي الله عنه-: إنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الأنبياء يُقْبَرُون حيث يُقْبَضُون قالت: غير أنه خَشي هنا أو خُشِيَ تروى بالوجهين غير أنه خشي يعني عليه الصلاة والسلام أن يتخذ مسجدا يعني: أن يتخذ قبره مسجدا.
ويجوز أن تقرأها غير أنه خُشِيَ أن يتخذ مسجدا يعني خشي الصحابة أن يتخذ قبره مسجدا، وهذا تنبيه على إحدى العلتين، الصحابة -رضوان الله عليهم- قبلوا هذه الوصية، وجعلوا دفنه عليه الصلاة والسلام في مكانه، وحجرة عائشة التي دفن فيها عليه الصلاة والسلام، كانت عائشة تقيم، أو أقامت جدارا بينها وبين القبور، فكانت غرفة عائشة فيها قسمان:
قسم فيه القبر، وقسم هي فيه، كذلك لما توفي أبو بكر -رضي الله عنه- ودفن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جهة الشمال، كانت أيضا في ذلك المقام في جزء من الحجرة، ثم بعد ذلك لما دفن عمر تركت الحجرة -رضي الله عنها- ثم أغلقت الحجرة، فلم يكن ثَمَّ باب فيها يُدْخَل، وإنما كان فيها نافذة صغيرة.
وكانت الحجرة كما تعلمون من بناء ليس من حجر، ولا من بناء مجصص، وإنما كانت من البناء الذي كان في عهده عليه الصلاة والسلام من خشب، ونحو ذلك.
ثم بعد ذلك لما جاءت الزيادة في المسجد النبوي في عهد الوليد بن عبد الملك، وكان أمير المدينة يوم ذاك عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- وأخذوا شيئا من حُجَر زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- بقيت حجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- كذلك.
فأخذوا من الروضة - روضة المسجد - أخذوا منها شيئا، وجعلوا عليه بناء، فبنوه من ثلاث جهات، جدار آخر غير الجدار الأول، بنوه من ثلاث جهات، وجعلوا الجهة التي تكون شمالا يعني جهة الشمال، جعلوها مسننة، جعلوها مثلثة قائمة هكذا.
وصار عندنا الآن جداران: الجدار الأول مغلق تماما، وهو جدار حجرة عائشة، والجدار الثاني الذي عمل في زمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله ورضي عنه- في زمن الوليد بن عبد الملك، جعلوا جهة الشمال وهي عكس القبلة جعلوها مسننة؛ لأنه في تلك الجهة جاءت التوسعة وسعوها من جهة الشمال.
فخشوا أن يكون ذلك الجدار مربعا يعني: مسامتا للمستقْبِل، فيكون إذا استقبله أحد مُستقبِلا للقبر، فجعلوه مثلثا يبعد كثيرا عن الجدار الأول، وهو جدار حجرة عائشة؛ لأجل ألا يمكن أحد أن يستقبله؛ لبعد المسافة؛ ولأجل أن الجدار صار مثلثا.
ثم بعد ذلك بأزمان جاء جدار ثالث، أيضا وبني حول ذينك الجدارين، وهو الذي قال فيه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في النونية في وصف دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد قال: فأجـاب رب العالمين دعاءه وأحاطــه بثـلاثة الجــداران حـتى غـدت أرجاؤه بدعائه فـي عـزة وحمايـة وصيـان
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صار قبره في ثلاثة جدران، وكل جدار ليس فيه باب، ولا يمكن لأحد حتى في زمن الصحابة أن - في زمن المتأخرين منهم في عهد الوليد وما قبله - لا يمكن أن يدخل ويقف على القبر بنفسه؛ لأنه صار ثَمَّ جداران، وكل جدار ليس له باب.
ثم بعد ذلك وضع الجدار الثالث، وهذا الجدار أيضا كبير مرتفع إلى فوق، وضعت عليه القبة فيما بعد، وهذا الجدار أيضا ليس له باب، فلا يستطيع الآن أحد أن يدخل إلى القبر، أو أن يصل إلى القبر، أو أن يتمسح بالقبر، أو أن يرى قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم بعد ذلك وضع السور الحديدي هذا.
وهذا السور الحديدي بينه وبين الجدار الثالث الذي ذكرت لكم بينه نحو متر ونصف في بعض المناطق، ونحو متر في بعضها، وبعضها نحو متر وثمانين إلى مترين، في بعضها يضيق ويزداد، لكن من مشى فإنه يمشى بين ذلك الجدار الحديدي، وبين الجدار الثالث.
فقبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عمل المسلمون بوصيته عليه الصلاة والسلام، وأُبْعِدَ تماما فلا يمكن أن يصل أحد إلى القبر، ولا يمكن أيضا أن يتخذ ذلك القبر مسجدا.
ولهذا لما جاء الخرافيون في الدولة العثمانية جعلوا التوسعة التي هي من جهة الشرق جعلوا فيها ممرا؛ لكي يمكن من يريد أن يطوف بالقبر، أو أن يصلي في تلك الجهة، ذلك الممر الشرقي الذي هو قدر مترين، أو نحو ذلك أو يزيد قليلا.
ذلك الممر الشرقي في عهد الدولة السعودية الأولى، وما بعدها مُنِعَ من الصلاة فيه، فكأنه أخرج من كونه مسجدا؛ لأنه إذا كان من مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يجوز أن يمنعوا أحدا من الصلاة فيه؛ فلما منعوا أحدا أن يصلي فيه؟
جعلوا له حكم المقبرة، ولم يجعلوا له حكم المسجد، فلا يمكن لأحد أن يصلي فيه، بل يغلقونه وقت الصلاة؛ أما وقت السلام، أو وقت الزيارة فإنهم يفتحونه للمرور، فإذن تبين بذلك أن قبر النبي -عليه الصلاة والسلام - لم يتخذ مسجدا، وإنما دخلت الغرف في التوسعة في عهد التابعين في المسجد، ولكن جهتها الشرقية خارجة عن المسجد فصارت كالشيء الذي دخل في المسجد، ولكن حيطان متعددة تمنع أن يكون القبر في داخل مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وإنما فيه أربع جدران تفصل بين المسجد، وبين قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني مكان الدفن، وأعظم من ذلك مما يدل على أخذ الصحابة والتابعين، ومن بعدهم بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه، وسد الطرق الموصلة إلى الشرك به عليه الصلاة والسلام، وباتخاذ قبره مسجدا -أنهم أخذوا من الروضة الشريفة، أخذوا من الروضة التي هي روضة من رياض الجنة كما قال عليه الصلاة والسلام: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة أخذوا منها قدر ثلاثة أمتار؛ لكي يقوم الجدار الثاني، ثم يقوم الجدار الثالث، ثم يقوم السور الحديدي، وأكثر من ثلاثة أمتار.
فهذا من أعظم التطبيق، وهو أنهم أخذوا من الروضة، وأجازوا أن يأخذوا من المسجد؛ لأجل أن يحمى قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- من أن يتخذ مسجدا، وهذا ولا شك من أعظم الفقه، فيمن فعل ذلك، ومن رحمة الله -جل وعلا- بهذه الأمة، ومن إجابة دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله فيما سيأتي بعد هذا الباب: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد .
إذن فقوله -عليه الصلاة والسلام -: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذر ما صنعوا فإنه عليه الصلاة السلام لم يتخذ قبره مسجدا، واليوم الموجود قد يكون صورته عند غير المتأمل وغير الفقيه صورته صورة قبر في داخل مسجد، وفى الحقيقة ليست صورته، وليست حقيقته أنه قبر في داخل مسجد؛ لوجود الجدران المختلفة التي تفصل بين المسجد وبين القبر؛ ولأن الجهة الشرقية منه ليست من المسجد.
ولهذا لما جاءت التوسعة الأخيرة كان مبتدؤها من جهة الشمال بعد نهاية الحجرة بكثير حتى لا تكون الحجرة في وسط المسجد من جهة أنه يكون ثَمَّ توسعة من جهة الشرق، وثم الروضة من جهة الغرب، فتكون وسط المسجد، فيكون ذلك من اتخاذ قبره مسجدا عليه الصلاة والسلام.
المقصود من هذا البيان المهم الذي ينبغي أن تعيه جيدا أن قبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اتُّخِذَ مسجدا، ولكن وصيته -عليه الصلاة والسلام- في التحذير قد أُخِذَ بها في مسجده وفي قبره.
ولكن خالفتها الأمة في قبور الصالحين من هذه الأمة، فاتخذوا قبور بعض آل البيت مساجد، وعظموها كما تعظم الأوثان.
قال: ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذا إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من آمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .
سبب ذلك أن الخلة هي أعظم درجات المحبة، وهى التي تتخلل الروح، وتتخلل القلب وشغاف الصدر بحيث لا يكون ثَمَّ مكان لغير ذلك الخليل؛ لهذا النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس له من أصحابه خليل، قال: ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا .
وجه الشاهد من هذا الحديث قوله بعد ذلك: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك وهذا جاء في رواية أخرى أيضا كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد .
وهذا هو الذي وقع في هذه الأمة، وهذا وسيلة من وسائل الشرك، مناسبته للباب ظاهرة من أن تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد مع أنه قد يكون العابد لا يعبد إلا الله؛ لأنها وسيلة من وسائل الشرك الأكبر، والوسائل تفضي إلى ما بعدها، وقد تقرر في القواعد الشرعية، وأجمع عليها المحققون أن سد الذرائع الموصولة إلى الشرك، وإلى المحرمات واجبة.
فإن الذريعة التي توصل إلى المحرم يجب سدها؛ لأن الشريعة جاءت بسد أصول المحرمات وسد الذرائع إليها، فيجب أن يغلق كل باب من أبواب الشرك بالله، ومن ذلك اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد؛ ولهذا لا تصح الصلاة في مسجد بني على قبر، المسجد الذي يبنى على قبر، فإنه لا تصح الصلاة فيه؛ لأن ذلك منافٍ لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى، وهم فعلوا، والنهي توجه إلى بقعة الصلاة، فبطلت الصلاة، فالذي يصلي في مسجد أقيم على قبر صلاته باطلة لا تصح؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ألا فلا تتخذوا القبور مساجد يعني: بالبناء عليها، وبالصلاة حولها فإني أنهاكم عن ذلك قال: فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن -وهو في السياق- من فعله.
والصلاة عندها من ذلك، وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: خشي أن يتخذ مسجدا يعني الصلاة عند القبور لا تجوز، سواء صلى إليها أو صلى عندها، رجاء بركة ذلك المكان، أو لم يرجُ بركة ذلك المكان، وإنما صلى صلاة نافلة غير صلاة الجنازة عندها؛ كل هذا لا يجوز سواء كان ثَمَّ بناء على القبر كمسجد، أو كان قبرا، أو قبرين في غير بناءٍ عليهما، فإن الصلاة لا تجوز.
ولهذا جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا وفي البخاري أيضا معلقا من كلام عمر -رضي الله عنه- أنه رأى أنسا يصلي عند قبر، فقال له: القبر القبر يعني: احذر القبر، احذر القبر.
وهذا يدل على أن الصلاة عند القبور لا تجوز؛ لأنها وسيلة من وسائل الشرك، وأعظم إذا كان ثَمَّ بنيان، واتخاذ لما حول القبر من الأبنية مسجدا للصلاة والدعاء والقراءة ونحو ذلك.
في البخاري -أيضا- معلقا من كلام عمر -رضي الله عنه- أنه رأى أنسا يصلي عند قبر، فقال له: القبر القبر، يعني: احذر القبر، احذر القبر.
وهذا يدل على أن الصلاة عند القبور لا تجوز؛ لأنها وسيلة من وسائل الشرك، وأعظم إذا كان ثم بنيان، واتخاذ لما حول القبر من الأبنية مسجدا للصلاة والدعاء والقراءة ونحو ذلك.
قال: وهو معنى قولها: "خشي أن يتخذ مسجدا" فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا، وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .
وهذا ظاهر، قال: ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعا: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد ورواه أبو حاتم، يعني: ابن حبان في صحيحه .
وجه الشاهد من هذا الحديث أنه قال: والذين يتخذون القبور مساجد يعني: أنهم من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد من شرار الناس؛ وذلك لأن اتخاذ القبور مساجد كما ذكرنا وسيلة من وسائل الشرك بالله -جل وعلا- وقوله: "والذين يتخذون القبور مساجد" هذا يعم كل متخذ القبر مسجدا، سواء اتخذه بالصلاة عليه، أو بالصلاة إليه، أو بالصلاة عنده.
فذلك القصد للصلاة عند القبر يجعل من قصد في شرار الناس الذين وصفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة، فإنه ذكر أن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد.
والقصد من اتخاذ القبر مسجدا أن يعبد الله عند قبر ذلك الرجل الصالح، فكيف حال الذي توجه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعبادة. القبر لا يخلص إليه، والاستغاثة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وتأليه النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا قد يقع بحسب الاعتقادات وبحسب المناداة كما حصل من الجاهليين مناداة الملائكة واتخاذ الملائكة آلهة مع الله -جل جلاله- كذلك اتخاذ الأولياء معبودين هل هؤلاء من خيار الناس عند الله، بل هم من أشر من الذين وصفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد .
فإن الذي اتخذ القبر مسجدا ملعون بلعنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو كان لم يعبد إلا الله -جل وعلا- فكيف حال الذي عبد صاحب ذلك القبر نسأل الله -جل وعلا- العافية والسلامة من كل وسائل الشرك.
تأمل هذا مع ما فشا في بلاد المسلمين من البناء على القبور والقباب عليها، ومن بناء المشاهد وتعظيم ذلك وتوجيه الناس إليها، وذكر الحكايات الطويلة في مناقب أولئك الأولياء، وفي إجابتهم للدعوات وإغاثتهم للهفات، ونحو ذلك يتبين لك غربة الإسلام أشد غربة في هذه الأزمنة وما قبلها، كيف إذا قالوا: إن ذلك جائز، وذلك توحيد؟ بل كيف إذا اتهموا من نهاهم عن ذلك بعدم المعرفة وعدم الفهم، وهو يدعوهم إلى الله -جل وعلا- وهم يدعونه إلى النار؟ نسأل الله السلامة والعافية | |
|