بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وقول الله تعالى:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وقوله:
</A>
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وعن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير -رضي الله عنه- فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت. قال فما صنعت؟ قلت: استرقيت، قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت: حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال:
</A>
لا رقية إلا من عين أو حُمَة قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
</A>
عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي، ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد؛ إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فنهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك.
فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: سبقك بها عكاشة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فإن الاهتمام بالعلم، والرغب فيه، والحرص عليه، والإقبال عليه دليل صحة القلوب؛ لأن القلب إذا صحا لنفسه وعرف ما ينفعه فإنه سيحرص على العلم؛ ذلك لأن الله -جل جلاله- مدح أهل العلم ورفعهم على غيرهم درجات قال سبحانه:
</A>
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وقال -جل وعلا-:
</A>
أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ .
فعدم استواء من يعلم مع من لا يعلم، هذا إنما يذكره ويعيه أهل الألباب:
</A>
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ وأما الجاهل فهو لا يعرف أنه جاهل، ويقنع بالجهالة، ثم هو لا يعلم معنى العلم وأهمية العلم، وأن العلم هو الشرف الأعظم في هذه الحياة.
ولهذا قال العلماء: من دلائل أهمية العلم أن الله -جل جلاله- ما أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو بالازدياد من شيء إلا من العلم فقال سبحانه لنبيه:
</A>
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا وما أمره بالازدياد أو بدعاء الازدياد من غير العلم وكفى بذلك شرفا.
العلم يشترك كثيرون في الاهتمام به، لكن لا يستوون في أخذه، ولا في طريقة أخذه، وهم طبقات فمنهم المتعجل الذي يظن أن العلم يحصل في أسابيع أو في أشهر، أو في سنين معدودة، وهذا بعيد عن الصواب؛ لأن العلم لا ينتهي حتى يموت المرء، وبقي من العلم أشياء كثيرة لم يعلمها، فإن العلم واسع الأطراف واسع الجنبات.
والله -جل وعلا- هو ذو العلم الكامل، وأعطى البشر بمجموعهم أعطاهم بعض علمه، فهذا يفوت عليه شيء من العلم، وذاك يفوت عليه شيء من العلم، ولكن بمجموعهم لو جمع علم من فيها لكان شيئا قليلا جدا من علم الله كما تضع الإبرة في البحر ثم تخرجها لم تنقص من ماء البحر شيئا.
وإذا كان كذلك فإن رَوْم العلم لا يمكن أن يكون بإطلاق بل ينبغي لطالب العلم أن يكون متدرجا فيه، والتدرج سنة لا بد منها، هي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي سنة الصحابة، وهي سنة أهل العلم بعدهم.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما علم الصحابة العلم جملة واحدة وإنما علمهم في سنين عددا. في مكة علمهم أصل الأصول الذي به سلامة القلب وصحته وسلامة العقل وصحته ألا وهو توحيد الله -جل جلاله- والبراءة من كل ما سوى الرب -جل وعلا-.
ثم بعد ذلك أتى العلم شيئا فشيئا لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكل أخذ من العلم بقدر ما يسر له وقدر له، هكذا أهل العلم من بعد الصحابة لا تجد أن أولئك خاضوا العلم خوضا واحدا، فمنهم من برز في علم العربية، ومنهم من برز في علم الأصول، ومنهم من برز في التفسير، ومنهم من برز في الحديث، ومنهم من برز في علوم الآلة الأخرى كالمصطلح ونحوه، ومنهم من برز في الفقه، وهكذا في علوم شتى.
وإذا كان كذلك كانت وصية ابن شهاب الزهري التي لا بد أن نحفظها كانت وصيته نِعْم الوصية حيث قال: "من رام العلم جملة ذهب عنه جملة، إنما يطلب العلم على مر الأيام والليالي".
فالمتعجلون لا يُحَصِّلون العلم فلا بد إذن من التدرج، ثُمَّ ثَمَّ صنف آخر أيضا من الشباب أو من طلاب العلم وهم المتذوقون، المتذوقون أهل التذوق في أخذ العلم يأتي ويطلب علما ما مدة قليلة، ثم يأتي ويحكم على هذا العلم أو يحكم على مَن يعلم ذاك العلم، وأيضا ينتقل إلى آخر، ثم يحكم على ذلك العلم الآخر، وعلى من يعلم ذلك العلم الآخر.
وهذا دليل نقص في العلم ونقص في الإدراك والعقل؛ لأن العلوم لا يحكم عليها إلا من حواها من جميع جنباتها، وأحاط من ورائها، وهذا لا يتأتى لأكثر الشباب الذين يتذوقون تجد أنه في مدة من الزمن، أشهر أو سنة حضر عند فلان من أهل العلم، أو من المعلمين من طلبة العلم، فحكم على نفسه، أو على ذلك المعلم بأنه كذا وكذا، ثم انتقل إلى غيره.
ثم في الآخر تجد أن هذا النوع ييأس، ولا يُحَصِّل علما كثيرا ذلك؛ لأنه تعجل وكان متذوقا في العلم والتذوق بمعنى كثرة التنقل، والأخذ من هذا بشيء، والأخذ من ذاك بشيء، هذا لا يكون المرء به عالما، ولا طالب علم، وإنما كما قال الأولون: يكون أديبا؛ لأنهم عرفوا الأدب بأنه الأخذ من كل علم بطرف، وهذا مما لا ينبغي أن يسلك.
يعني: أن يكون طالب العلم الذي أراد صحة العلم وصحة السلوك فيه، لا يصلح أن يكون متذوقا، إذن فرجع السبيل إلى أن يكون مؤصلا نفسه متدرجا في العلم، والتأصيل أمره عزيز جدا، تأصيل العلم وتأصيل طالب العلم، وأن يحفظ كما حفظ الأولون.
انظر إن كنت معتبرا، انظر كتب التراجم، حيث ترجم أولئك المصنفون لأهل العلم تجد أنه في ترجمة إمام من الأئمة، وحافظ من الحفاظ تجد أنهم يذكرون في أوائل ترجمته، أنه قرأ الكتاب الفلاني من الكتب القصيرة من المتون المختصرة، وقرأ الكتاب الفلاني، وحفظ كذا، وحفظ كذا، لماذا يذكرون هذا ويجعلونه منقبة لأولئك؟
لأن حفظ تلك المتون وقراءة تلك المختصرات هي طريقة العلم في الواقع، وهذه سنة العلماء، ومن تركها فقد ترك سنة العلماء في العلم والتعليم منذ تشعب العلم بعد القرن الرابع الهجري؛ لهذا ينبغي لك أن تكون حريصا على التأني في طلب العلم، وأن تُحْكِم ما تسمع وما تقرأ شيئا فشيئا.
ومن المهمات أيضا ألا تدخل عقلك إلا صورة صحيحة من العلم، لا تهتم بكثرة المعلومات بقدر ما تهتهم بألا يدخل العقل إلا صورة صحيحة للعلم، إذا أردت أن تتناولها تناولتها بالاحتجاج أو بالذكر أو بالاستفادة تناولتها تناولا صحيحا.
أما إذا كنت تدخل في عقلك مسائل كثيرة، وإذا أتى النقاش لاحظت من نفسك أن هذه المسألة فهمتها على غير وجهها، والثانية فهمتها على غير وجهها لها قيد لم تهتم به، لها ضوابط ما اعتنيت بها فتكون الصور في الذهن كثيرة، وتكون المسائل كثيرة، لكن غير منضبطة وليس ذلك بالعلم.
إنما العلم أن تكون الصورة في الذهن للمسألة العلمية منضبطة من جهة الصورة، صورة المسألة، ومن جهة الحكم، ومن جهة الدليل، ومن جهة وجه الاستدلال فهذه الأربع تهتم بها جدا.
أعيدها: الأولى: صورة المسألة.
الثانية: حكم المسألة في أي علم في الفقه، أو في الحديث، أو في المصطلح، أو الأصول، أو النحو، أو التفسير إلى آخره، حكم المسألة.
الثالث: دليلها، ما دليل هذا الذي قال كذا وكذا.
الرابع: ما وجه الاستدلال؟ استدل بدليل كيف أعمل عقله في هذا الدليل فاستنبط منه الحكم؟ فإذا عودت ذهنك على هذه الأربع سرت مسيرا جيدا في فهم العلم.
والذي يحيط بذلك الاهتمام باللغة العربية والاهتمام بألفاظ أهل العلم؛ لأن من لم يهتم بألفاظ أهل العلم، وبلغة العلم لم يدرك مراداتهم من كلامهم هذه كلمة لأجل أن بعض الإخوة طلب أن تكون مقدمة لهذا الدرس حتى يجتمع من يريد حضور درس التوحيد، ولو تهيأ أن نجعل كل يوم عشر دقائق في بيان وصية أو في بيان شيء مما تهتمون به لكان ذلك مناسبا، إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
هذا الباب باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وقد ذكر في الباب قبله، فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وهذا الباب أرفع رتبة من بيان فضل التوحيد، فإن فضل التوحيد يشترك فيه أهله، وأهل التوحيد هم أهل الإسلام، فلكل من التوحيد فضل، ولكل مسلم نصيب من التوحيد وله بالتالي نصيب من فضل التوحيد وتكفير الذنوب.
أما خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد؛ ولهذا عطف هذا الباب على ما قبله؛ لأنه أخص، باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وتحقيق التوحيد هو مدار هذا الباب تحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله.