الإفادة من مال اليتيم في عقود المعاوضات
وفيه مطالب :
المطلب الأول : بيع الولي وشراؤه من نفسه
اختلف العلماء رحمهم اللَّه في بيع وشراء الولي من مال اليتيم لنفسه على قولين :
القول الأول : أنه يجوز للولي أن يبيع وأن يشتري مال اليتيم لنفسه. إذا زالت التهمة، بأن يزيد على ثمن المثل في الشراء ، وينقص عنه في البيع.
وهو مذهب الحنفية ( )، لكن استثنى أبو حنيفة: القاضي ووصيه فلا يملك ذلك، والمالكية ( )، وهو رواية عن الإمام أحمد ، فقد ورد عن الإمام أحمد الجواز بشرطين:
أ – أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء .
ب – أن يتولى النداء غيره ( ).
وبه قال ابن حزم إلا أنه لم يشترط الزيادة ، بل يشترط عنده عدم المحاباة( ).
وحجة هذا القول :
1 – قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن( ).
وجه الدلالة : أن الآية أفادت جواز قربان مال اليتيم بالبيع والشراء إذا كان ذلك بالتي هي أحسن ، وهذا عام يشمل الولي ، ,غيره .
2 – ما ورد أن ابن عمر رضي اللَّه عنهما "أنه اقترض مال اليتيم"( ).
وجه الدلالة : أن في القرض نوعاً من التبرع ، فإذا جاز ذلك في القرض، فجوازه في عقود المعاوضات من باب أولى.
ونوقش : بقول الإمام أحمد : "إنما استقرض نظراً لليتيم ، واحتياطاً إن أصابه شيء غرمه " ( ).
3 – أن تصرف الولي بولاية مستقلة فأشبه الأب والجد ( ).
4 – أنه متى باع من نفسه بزيادة على ما يباع به علم ، أنه أراد نفع اليتيم ، فنفذ تصرفه فيه كما لو باعه من أجنبي( ).
5 – أنه يجوز لـه بيعه من الأجنبي بما لا زيادة فيه متيقنة ، فبيعه من نفسه – أي الولي - بالزيادة المتيقنة أولى ( ).
6 – أن الغرض من البيع حصول الثمن لا أعيان المشترين بدليل أن الوكيل إذا ابتاع لموكله ولم يسمه جاز ، فإذا ثبت ذلك فمتى حصل الثمن مستوفى فيجب أن يصح الشراء ، كما لو حصل من أجنبي( ).
واحتج ابن حزم : أن الولي مأمور بالقيام بالقسط ، والتعاون على البر، فإذا فعل ما أمر به فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل ، ولم يأت قط نص قرآن ولا سنة بالمنع ( ).
القول الثاني : أنه ليس للولي أن يبيع أو يشتري من نفسه.
وهو مذهب الشافعية ( )، والحنابلة ( )، لكن استثنى الشافعية الجد، فقالوا: لـه أن يشتري ويبيع من نفسه .
وحجته :
1 – ما يُروى عن النَّبِيّ : " لا يشتري الوصي من مال اليتيم" ( ).
ولعله يناقش : بأنه لا يثبت عن النَّبِيّ .
2 – ما ورد أن رجلاً من همدان جاء إلى ابن مسعود على فرس أبلق، فقال: "إن رجلاً أوصى إليَّ وترك يتيماً فأشتري هذا الفارس، أو فرساً آخر من ماله، فقال عبد اللَّه : لا تشتر شيئاً من ماله ، وفي الكتاب : لا تشتر شيئاً من ماله، ولا تستقرض شيئاً من ماله" ( ).
ولعله يناقش : بأنه محمول على الاحتياط لليتيم .
3 – أنه متهم في طلب الحفظ لـه في بيع ماله من نفسه فلم يجعل ذلك إليه( ).
ولعله يناقش : بأن الجواز مشروط بعدم التهمة .
4 – أن من لا يجوز لـه أن يشتري بثمن المثل لا يجوز لـه أن يشتري بأكثر كالوكيل ( ).
ولعله يناقش : بأن الأصل المقيس عليه موضع خلاف بين أهل العلم.