مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: كتاب التوحيد -باب انما ذلكم الشيطان الإثنين مايو 10, 2010 9:30 pm | |
| باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ.. باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
وقوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .
وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ .
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعا: إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره .
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس رواه ابن حبان في صحيحه.
باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ؛ هذا الباب في بيان عبادة الخوف ومناسبته لكتاب التوحيد ظاهرة، وهي أن خوف العبد من الله -جل وعلا- عبادة من العبادات التي أوجبها الله -جل وعلا- الخوف والمحبة والرجاء عبادات قلبية واجبة، وتكميلها تكميل للتوحيد، والنقص فيها نقص في كمال التوحيد، والخوف من غير الله -جل وعلا- ينقسم إلى ما هو شرك، وإلى ما هو محرم، وإلى ما هو مباح، فهذه ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الخوف الشركي وهو خوف السر يعني: أن يخاف في داخله من هذا المخوف منه، وخوفه لأجل ما عند هذا المخوف منه مما يرجوه أو يخافه من أن يمسه سرا بشرك، أو أنه يملك له في آخرته ضرا أو نفعا، فالخوف الشركي متعلق في الدنيا بالخوف السري بأن يخاف أن يصيبه ذلك الإله بشر.
وذلك شرك، وربما يأتي تفصيله والخوف المتعلق بالآخرة خاف غير الله، وتعلق خوفه بغير الله؛ لأجل ذلك لأجل أنه يخاف ألا ينفعه ذلك الإله في الآخرة، فلأجل رغبة أن ينفعه ذلك الإله في الآخرة وأن يشفع له، وأن يقربه منه في الآخرة، وأن يبعد عنه العذاب في الآخرة خاف منه، فأنزل خوفه به، فالخوف من العبادات العظيمة التي يجب أن يفرد الله -جل وعلا- بها، وسيأتي مزيد تفصيل لذلك.
والخوف المحرم وهو القسم الثاني أن يخاف من مخلوق لامتثال واجب أو البعد عن المحرم مما أوجبه الله، أو حرمه يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض الله يخاف من مخلوق في أداء واجب من الواجبات، لا يصلي خوفا من مخلوق، لا يحضر الجماعة خوفا من ذم المخلوق له، أو استنقاصه له، هذا محرم، قال بعض العلماء: وهو نوع من أنواع الشرك يترك الأمر والنهي الواجب بشرطه خوفا من ذم الناس أو من ترك مدحهم له، أو من وصفهم له بأشياء، هذا خوف رجع على الخائف بترك أمر الله هذا محرم. لأن الوسيلة إلى المحرم محرمة.
النوع الثالث: الخوف الطبيعي المأذون به هذا أمر طبيعي كخوف من عدو أو خوف من سبع أو خوف من نار خوف من مؤذي ومهلك ونحو ذلك، قال: باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
وجه الاستدلال من هذه الآية إنه قال: "فلا تخافوهم" وهذا نهي والنهي للتحريم، ونهى عن إنزال عبادة الخوف بغيره، فهذا يدل على أنه نهي عن أحد أفراد الشرك، قال: وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وأمر بالخوف، فدل على أن الخوف عبادة من العبادات، وتوحيد الله بهذه العبادة توحيد وإشراك غير الله معه في هذه العبادة شرك؛ ولهذا قال فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ و الخوف من الخلق كما ذكرنا في ترك فريضة الجهاد إنما يكون من جراء الشيطان، فالشيطان هو الذي يخوف المؤمنين من أوليائه، ويخوف أهل التوحيد وأهل الإيمان من أعداء الله -جل وعلا- لكي يتركوا الفريضة؛ فلهذا صار ذلك الخوف محرما، يعني: الخوف من الأعداء الذي يترتب عليه ترك فريضة من فرائض الله من الجهاد وغيره.
والواجب ألا يخاف العبد إلا ربه -جل وعلا- وأن ينزل خوفه به، وألا يخاف أولياء الشيطان، وقوله -جل وعلا- هنا: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ معناها على الصحيح من التفسير، أو على الراجح، يخوفكم أوليائه، يعني: يخوف أهل الإيمان أولياء الشيطان، ففاعل يخوف محذوف دل عليه السياق، يخوف الناس، الفاعل هو الشيطان يخوف الشيطان الناس أولياءه، أولياء الشيطان يعني: يجعل الشيطان أهل التوحيد في خوف من أعدائهم؛ لهذا قال السلف في تفسيرها: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ يعني: يخوفكم أولياءه.
وهذا ظاهر من الآيات قبلها، كقوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قال الشيخ -رحمه الله-: وقوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ وجه الدلالة من الآية قوله: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ وهذا نهي واستثناء، ومر معنا أن مجيء أداة الاستثناء بعد النفي يدل على الحصر والقصر، فإذن الآية دالة بظهور على أن الخشية يجب أن تكون في الله، وأن الله أثنى على أولئك بأنهم جعلوا خشيتهم في الله وحده، دون ما سواه، والخشية أخص من الخوف.
قال: وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ جعل فتنة الناس كعذاب الله بأن خاف منها، فترك ما أوجب الله عليه، أو أقدم على ما حرم الله عليه خشية من كلام الناس.
قال: عن أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعا: إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره .
وجه الاستدلال من هذا الحديث: قوله: إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله من ضعف اليقين يعني: من أسباب ضعف الإيمان، والذي يضعف الإيمان المحرمات، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فدل على أن إرضاء الناس في سخط الله معصية وذنب ومحرم؛ لأن هذا الذي أرضى الناس بسخط الله خافهم أو رجاهم، وهذا مناسبة إيراد الحديث بالباب.
قال: وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس رواه ابن حبان في صحيحه.
هذا الجزاء الذي أفرد الله بعبادة الخوف هو جزاء الذي لم يكمل التوحيد بعبادة الخوف، فالذي التمس رضا الله في سخط الناس، هذا عظم الله وخافه، ولم يجعل فتنة الناس كعذاب الله، بل جعل عذاب الله -جل وعلا- أعظم وخاف الله وخشيه، وطمع فيما عنده، فلم يلتفت إلى الناس، ولم يرفع بهم رأسا، قال: ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس لأنه ارتكب ذنبا أن خاف الناس، وجعل خوفه من الناس سببا لعمل المحرم أو ترك فريضة من فرائض الله؛ لهذا قال: من التمس رضا الناس بسخط الله فكان جزاءه أن سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
ونقف عند هذا، وأسأل الله -جل وعلا- لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يثيبكم على طول المقام والجلوس، وهي أيام قليلة لكن تكتسبون فيها -إن شاء الله- ما تقصرون به مدة القراءة في أشهر طويلة فيما لو فرقت هذه الدروس، وجعلت في دروس كل أسبوع أو كل أسبوع درس أو درسين أو ثلاثة، ربما لم تختم كتاب التوحيد إلا بعد زمن طويل.
فهذه المدة أيام قليلة أربعة أو خمسة، فتابعوا واصبروا وجزاكم الله خيرا ونفعكم بما علمتم، وزادكم علما وعملا، والله ولي التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا، اللهم نور قلوبنا بطاعتك، وألهمنا ذكرك، واجعلنا من الشاكرين لنعمك المتبعين لشرعك، يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فهذا باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وهذا الباب عقده الإمام المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في هذا الكتاب العظيم كتاب التوحيد عقده لبيان أن التوكل على الله فريضة من الفرائض وواجب من الواجبات، وأن إفراد الله -جل وعلا- به توحيد، وأن التوكل على غير الله شرك مخرج من الملة، والتوكل على الله شرط في صحة الإسلام، وشرط في صحة الإيمان، فالتوكل عبادة عظيمة، فعقد هذا الباب لبيان هذه العبادة .
وحقيقة التوكل على الله جل جلاله أن العبد يعلم أن هذا الملكوت إنما هو بيد الله -جل وعلا- يصرفه كيف يشاء، فيفوض الأمر إليه، ويلتجئ بقلبه في تحقيق مطلوبه وفي الهرب مما يسوءه، يلتجئ في ذلك ويعتصم بالله جل جلاله وحده، وينزل حاجته بالله، ويفوض أمره إلى الله، ثم يعمل السبب الذي أمر الله به، فحقيقة التوكل في الشرع تجمع تفويض الأمر إلى الله -جل وعلا- وفعل الأسباب، بل إن نفس الإيمان سبب من الأسباب التي يفعلها المتوكلون على الله، بل إن نفس التوكل على الله -جل وعلا- سبب من الأسباب، فالتوكل حقيقته في الشرع تجمع عبادة قلبية عظيمة، وهي تفويض الأمر إليه والالتجاء إليه والعلم بأنه لا أمر إلا أمره، ولا شيء إلا بما قدره وعلم به. كونه ثم فعل السبب الذي أوجب الله -جل وعلا- فعله أو أمر بفعله، فترك فعل الأسباب ينافي حقيقة التوكل الشرعية كما أن الاعتماد على السبب وترك تفويض الأمر إلى الله -جل وعلا- ينافي حقيقة التوكل الشرعية.
فالمتوكل في الشرع هو من عمل السبب وفوض الأمر إلى الله -جل وعلا- في الانتفاع بالسبب وفي حدوث المسبب من ذلك السبب، وفي توفيق الله وإعانته، فإنه لا حول ولا قوة إلا به -جل وعلا- .
والتوكل كما قال الإمام أحمد: عمل القلب فالتوكل عبادة قلبية محضة؛ ولهذا صار إفراد الله تعالى بها واجبا، وصار صرفها لغير الله -جل وعلا- شركا.
والتوكل على غير الله -جل وعلا- له حالان:
الحالة الأولى: أن يكون شركا أكبر، وهو أن يتوكل على أحد من الخلق فيما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، يتوكل على المخلوق في مغفرة الذنب، يتوكل على المخلوق في تحصيل الخيرات الأخروية، أو يتوكل على المخلوق في تحصين ولد له أو في تحصيل وظيفة له، يتوكل عليه بقلبه، وهو لا يقدر على ذلك الشيء، وهذا يكثر عند عباد القبور وعباد الأولياء، فإنهم يتوجهون إلى الموتى بقلوبهم يتوكلون عليهم، بمعنى يفوضون أمر صلاحهم فيما يريدون في الدنيا والآخرة على أولئك الموتى وعلى تلك الآلهة والأوثان التي لا تقدر من ذلك على شيء، فهذا عبادة صرفت لغير الله -جل وعلا- وهو شرك أكبر بالله -جل وعلا- مناف لأصل التوحيد.
والنوع الثاني: أن يتوكل على المخلوق فيما أقدره الله -جل وعلا- عليه، يتوكل على مخلوق فيما أقدره الله عليه، وهذا نوع شرك، بل هو شرك خفي وشرك أصغر؛ ولذا قال طائفة من أهل العلم: إذا قال: توكلت على الله وعليك، فإن هذا شرك أصغر؛ ولهذا قالوا: لا يجوز أن يقول: توكلت على الله ثم عليك؛ لأن المخلوق ليس له نصيب من التوكل؛ فإن التوكل إنما هو تفويض الأمر والالتجاء بالقلب إلى من بيده الأمر، وهو الله -جل وعلا-، والمخلوق لا يستحق شيئا من ذلك، فإذن التوكل على المخلوق فيما يقدر عليه هذا شرك خفي ونوع شرك أصغر، والتوكل على المخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، وهذا يكثر عند عباد القبور والمتوجهون إلى الأولياء والموتى، هذا شرك مخرج من الملة، وحقيقة التوكل الذي ذكرناه لا يصلح إلا لله -جل وعلا-؛ لأنه تفويض الأمر إلى من بيده الأمر.
والمخلوق ليس بيده الأمر التجاء القلب وطمع القلب ورغب القلب في تحصيل المطلوب إنما يكون ذلك ممن يملكه، وهو الله -جل وعلا-، أما المخلوق فلا يقدر على شيء استقلالا، وإنما هو سبب فإذا كان سببا، فإنه لا يجوز التوكل عليه؛ لأن التوكل عمل القلب، وإنما يجعله سببا بأن يجعله شفيعا، يجعله الواسطة ونحو ذلك، فهذا لا يعني: أنه متوكل عليه، فيجعل المخلوق سببا فيما أقدره الله عليه، ولكن يفوض أمر النفع بهذا السبب إلى الله -جل وعلا-، فيتوكل على الله، ويأتي بالسبب الذي هو الانتفاع من هذا المخلوق لما جعل الله -جل وعلا- له من الانتفاع أو من القدرة ونحو ذلك.
قال الإمام -رحمه الله- باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هذه الآية فيها الأمر بالتوكل، ولما أمر به علمنا أنه من العبادة، ولما قدم الجار والمجرور في قوله: وَعَلَى اللَّهِ قدمه على ما يتعلق به وهو الفعل: توكلوا، دل على وجوب إفراد الله -جل وعلا- بالتوكل، وأن توكل العبادة يحب أن تحصر وتقصر في الله -جل وعلا-.
هذا وجه الدلالة من الآية، ودليل آخر في هذه الآية، وهو قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ جعل الإيمان لا يصح إلا بالتوكل، قال: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا يعني: أفردوا الله بالتوكل وحده إن كنتم مؤمنين، فجعل الشرط إن كنتم مؤمنين، فأفردوا الله بالتوكل، جزاء الشرط هو إفراد الله بالتوكل، فصارت دلالة الآية من جهتين، وكذلك قوله -جل وعلا- في آية سورة يونس: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ قال: فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا أفرد التوكل به -جل وعلا-، وأمر به، وقدم الجار والمجرور بما يفيد الحصر والقصر والاختصاص بالله -جل وعلا- بما جعل إفراد التوكل به -جل وعلا- شرط في صحة الإسلام، فقال: إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فهاتان الآيتان دلتا على أن التوكل عبادة، وأن إفراد الله به -جل وعلا- واجب، وأنه شرط في صحة الإسلام، وشرط في صحة الإيمان، وهذا كله يدل على أن انتفائه مذهب لأصل التوحيد، ومناف لأصله إذا توكل على غير الله في ما لا يقدر عليه إلا الله -جل جلاله- قال: وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .
وجه الدلالة من الآية أنه وصف المؤمنين بهذه الصفات الخمس وآخرها قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وظاهر من دلالة الآية حيث قدم الجار والمجرور على أنهم أفردوا التوكل في الله -جل وعلا- فوصف المؤمنين بهذه الصفات، فدل على أن هذه هي أعظم مقامات أهل الإيمان، وأن هذه العبادات الخمس هي أعظم المقامات، وهذا عظيم التنبه له في كل أمور الدين والعبادات، والفروع العملية التي يعملها العبد إنما هي فرع عن تحقيق هذه الخمس التي جاءت في هذه الآية: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ .
وهذه الصفة تجمع الكلمات الشرعية، وتجمع الدين جميعا؛ لأن ذكر الله فيه القرآن وفيه السنة.
قال: وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ يعني: كافيك الله وكافي من اتبعك من المؤمنين؛ لأن الحسب هو الكافي والكلمة المشابهة لها: حَسَب، تقول: هذا بحسب كذا يعني: بناء على كذا.
وأما الكافي فهو الحسْب بسكون السين، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني: كافيك الله وكافي من اتبعك من المؤمنين.
وجه مناسبة هذه الآية لهذا الباب أن الله حسب من توكل عليه، قال -جل وعلا- وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ فالله حسب من توكل عليه، فدل على أن الله -جل وعلا- أمر عباده بالتوكل عليه حتى يكون كافيهم من أعدائهم، وحتى يكون -جل وعلا- كافي المؤمنين من المشركين، قال -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ يعني: كافيك الله؛ ولهذا أعقبها بالآية الأخرى وهي قوله -جل وعلا-: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ والتوكل على الله -جل وعلا- كما ذكرنا لك يرجع إلى فهم توحيد الربوبية، وإلى عظم الإيمان بتوحيد الربوبية، فإن بعض المشركين قد يكون عنده من التوكل على الله الشيء العظيم.
والتوكل على الله من العبادات التي تطلب من المؤمن، ومن العبادات الواجبة والعبادات العظيمة؛ لهذا نقول: إن إحداث التوكل في القلب يرجع إلى التأمل في آثار الربوبية، فكلما كان العبد أكثر تأملا في ملكوت الله، وفي السماوات والأرض وفي الأنفس وفي الآفاق كان علمه بأن الله هو ذو الملكوت، وأنه هو المتصرف، وأن نصره لعبده شيء يسير جدا بالنسبة إلى ما يجريه الله -جل وعلا- في ملكوته، فيعظم المؤمن بهذا التدبر الله -جل وعلا- ويعظم التوكل عليه، ويعظم أمره ونهيه، وينظر أن الله -جل جلاله- لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، سبحانه وتعالى.
قال: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ رتب الحسب وهو الكفاية بالتوكل عليه، وهذا فضيلة التوكل وفضيلة المتوكلين عليه.
قال: وعن ابن عباس قال: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ هذا يبين عظم هذه الكلمة، وهي قول المؤمن: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فإذا تحقق العبد التوكل على الله وحققه في القلب معناه أنه حقق هذا النوع من التوحيد توحيد التوكل في النفس، فإن العبد إذا أعظم رجاءه في الله وتوكله على الله، فإنه وإن كادته السماوات والأرض ومن فيهن، فإن الله سيجعل له من أمره يسرا، وسيجعل الله من بينها مخرجا، "حسبنا الله" يعني: كافينا الله، "ونعم الوكيل" يعني: ونعم الوكيل ربنا هذه كلمة عظيمة، قالها إبراهيم -عليه السلام- في الكرب، وقالها النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه في الكرب لما قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا .
وذلك لعظم توكلهم على الرب -جل وعلا- | |
|