ـ أبق :
جاء في المصباح المنير:
" أَبِقَ العبد "أَبْقًا" من بابي تعب وقتل في لغة، والأكثر من باب ضرب إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كدّ عمل؛ هكذا قيّده في العين، وقال الأزهري: "الأَبْقُ" هروب العبد من سيده و"الإِبَاقُ" بالكسر اسم منه فهو "آبِقٌ" والجمع "أُبَّاقٌ" مثل كافر وكفّار".
قال السمين الحلبي (ت 756 هـ) في تفسيره الدر المصون:
" قوله: { إِذْ أَبَقَ }: ظرفٌ للمرسَلين، أي: هو من المرسلين حتى في هذه الحالة ".
وقال القرطبي (ت 671 هـ) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن:
قال الترمذي الحكيم: سماه آبقاً لأنه أبق عن العبودية، وإنما العبودية ترك الهوى وبذل النفس عند أمور اللّه؛ فلما لم يبذل النفس عندما اشتدّت عليه العَزمة من المَلَك ... وآثر هواه لزمه اسم الآبق، وكانت عزمة الملك في أمر اللّه لا في نفسه، وبحظّ حقّ اللّه لا بحظ نفسه؛ فتحرى يونس فلم يصب الصواب الذي عند اللّه فسماه آبقاً ومُلِيماً ".
وقال الفخر الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير:
اختلف المفسرون:
فقال بعضهم: إنه أبق من الله تعالى، وهذا بعيد لأن ذلك لا يقال إلا فيمن يتعمد مخالفة ربه، وذلك لا يجوز على الأنبياء .
واختلفوا فيما لأجله صار مخطئاً:
فقيل: لأنه أمر بالخروج إلى بني إسرائيل فلم يقبل ذلك التكليف وخرج مغاضباً لربه، وهذا بعيد سواء أمره الله تعالى بذلك بوحي أو بلسان نبي آخر.
وقيل: إن ذنبه أنه ترك دعاء قومه، ولم يصبر عليهم.
وهذا أيضاً بعيد لأن الله تعالى لما أمره بهذا العمل فلا يجوز أن يتركه.
والأقرب فيه وجهان:
الأول: أن ذنبه كان لأن الله تعالى وعده إنزال الإهلاك بقومه الذين كذبوه فظن أنه نازل لا محالة، فلأجل هذا الظن لم يصبر على دعائهم، فكان الواجب عليه أن يستمر على الدعاء لجواز أن لا يهلكهم الله بالعذاب وإن أنزله، وهذا هو الأقرب، لأنه إقدام على أمر ظهرت أماراته فلا يكون تعمداً للمعصية، وإن كان الأولى في مثل هذا الباب أن لا يعمل فيه بالظن، ثم انكشف ليونس من بعد أنه أخطأ في ذلك الظن، لأجل أنه ظهر الإيمان منهم فمعنى قوله: { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ } ما ذكرناه.
الوجه الثاني: أن يونس كان وعد قومه بالعذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمستور عنهم فقصد البحر وركب السفينة، فذلك هو قوله: { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ }.
وقال الألوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني:
{ إِذْ أَبَقَ } هرب، وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه كما هو الأنسب بحال الأنبياء عليهم السلام؛ حسن إطلاقه عليه، فهو إما استعارة أو مجاز مرسل من استعمال المقيد في المطلق، والأول أبلغ.
وقال بعض الكمل: الإباق الفرار من السيد بحيث لا يهتدي إليه طالب أي بهذا القصد، وكان عليه السلام هرب من قومه بغير إذن ربه سبحانه إلى حيث طلبوه فلم يجدوه، فاستعير الإباق لهربه باعتبار هذا القيد لا باعتبار القيد الأول، وفيه بعد تسليم اعتبار هذا القيد على ما ذكره بعض أهل اللغة أنه لا مانع من اعتبار ذلك القيد فلا اعتبار بنفي اعتباره
منقول