سقطت الأنظمة حينما أطلقت الرصاص على الشعوب
مجدى داود
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ابتلى الله شعوبنا العربية والإسلامية بحكام طغاة بغاة ظلموا الناس وأفسدوا فى الأرض، نهبوا وسرقوا وقتلوا وباعوا مقدرات البلاد وارتموا فى أحضان أعداء الله وتحالفوا معهم ضد الشعوب فقهروهم وأذلوهم وسلطوا عليهم أجهزة الأمن تقتل وتعذب وتجلد ولا رقيب ولا حسيب.
قدر الله أن تكون حادثة انتحار الشاب البوعزيزي التونسي هى لحظة اندلاع الثورات العربية، وكانت البداية فى تونس نفسها لكي تتفجر فيها انتفاضة عظيمة ضد الظلم والقهر، فأمر الطاغية جنوده بإطلاق النار على الشعب ظنا منه أنه لا يزال يعيش فى عصور الظلام والقهر، وأنه فى حمى أجهزته الأمنية الظالمة ولن يجرؤ أحد على أن يخرج عن طوعه ولا أن يطالب بحقه المسلوب، فما لبثت أجهزته الأمنية أن قامت بإطلاق النار على الشعب فقتل العشرات وجرح المئات، ولكن هذا الرصاص الذى أطلق على الشعب وهؤلاء القتلى والجرحى وهذه الدماء التى أهرقت وسالت على الأرض لم تزد المتظاهرين إلا إصرارا على المطالبة بحقوقهم، بل لقد طالبوا بأقصى ما يمكن أن يطالبوا به فقد طالبوا بإسقاط النظام بأكمله.
سقط النظام التونسى وتوجهت كل الأعين إلى مصر التى أعلن عن تنظيم مظاهرات فيها، ولم تكن المطالب قد وصلت إلى درجة المطالبة بإسقاط النظام، ولكن الطغاة دائما منهجهم واحد فقد أمر مبارك رجاله بأن يمنعوا هذه التظاهرات وأن يفضوها فى أقل وأسرع وقت، وأطلق الرصاص على المتظاهرين وسالت الدماء ووقع القتلى والجرحى، ولكن هذا لم يمنع المتظاهرين من الإستمرار بل لقد رفعوا سقف مطالبهم إلى الحد الأقصى وطالبوا بإسقاط النظام وأمر النظام رجاله وأتباعه بمنع تظاهرات جمعة الغضب فكانت الكارثة وسقط المئات من القتلى وآلاف الجرحى، وكانت هذه الدماء الذكية هو وقود الثورة ودافع استمرارها حتى سقط النظام بل سجن الرئيس السابق وأولاده ورموز نظامه.
لقد كان حريا بكل عاقل أن يوقن بعد سقوط النظام التونسى وتلاه النظام المصرى أن عصر القهر قد انتهى بلا رجعة، وأنه كلما سالت الدماء بكثرة كلما كان الثبات على المطالب والصبر حتى تحقيق الأهداف مهما طالت المدة، لقد تعلمت الشعوب الدرس ولم تتعلمه النظم، تعلمت الشعوب أن القرار بيدها وهى صاحبة الأمر، تعلمت الشعوب أن الحقوق لا تعطى ولا تمنح ولكنها تسلب سلبا، تعلمت الشعوب أن الدماء دافع لاستمرار الثورة وليست سببا فى انتكاستها لكن الأنظمة لم تتعلم هذا.
إن الدماء التى سالت فى شوارع تونس ومصر كانت سببا رئيسيا فى سقوط ابن على ومبارك، لقد وصل الحكام إلى الحد الأقصى فى تعاملهم مع الشعوب، فماذا بعد إطلاق النار على الرجال والنساء والأطفال؟! ما الذى يستطيع أى حاكم أن يفعله بعد هذا؟! هل هناك شئ يخيف الناس أكثر من إطلاق النار عليهم وقتلهم أو إصابتهم بعاهات مستديمة؟!
لقد اندفع الحكام بغبائهم وأوصلوا شعوبهم إلى المرحلة التى لا يستطيعون التراجع عنها، فالثمن الذى سيدفعونه فى حالة الإستمرار فى التظاهر أقل بكثير مما سيدفعونه فى حالة التراجع والقبول بالفتات الذى يرميه الحكام، فالشعوب قد أدركت أن الحاكم الذى يطلق النار على شعبه وهم ثائرون عليه لن يتوانى فى قتلهم بعد أن يسكنوا وتهدأ ثورتهم، بل سيكون القتل أرحم مما سيفعله بهم من سجن واعتقال وتعذيب غير مسبوق، إلا إنه فى حالة الإستمرار فى الثورة فسيكون هناك نتيجة عظيمة وهى الحرية التى سيحصل عليها هؤلاء الثوار وكذلك حقوقهم المشروعة طبقا لكافة المواثيق الدولية وقبل ذلك الشريعة الإسلامية فى اختيار الحكام ومحاسبتهم وعزلهم، وهذه تستحق كثيرا من العناء والتعب والتضحيات.
لقد كانت معظم الشعوب تعيش فى ظل الأنظمة القمعية مضطرة للقبول بوجودها ظنا منها أنها طالما تعيش فى أمان فليس ثمة داع إلى الدخول فى صراعات مع الحكام، لكن تلك الدرجة من الإجرام التى أظهرها الحكام منذ الثورة التونسية وحتى الآن بالإضافة إلى كم الفساد الذى ظهر وكذلك ظهور عمالة هؤلاء الحكام لأعداء الأمة قد أوصل رسالة واضحة إلى الشعوب أنه كلما طال بقاء هؤلاء الحكام كلما ساءت الظروف أكثر وأكثر، وتدهورت أحوال البلاد وازداد القمع والذل وسيطر أعداء الأمة عليها وصعب إزالة هؤلاء الحكام فيما بعد.
إن كافة الأحداث التى عاشتها الأمة كلها منذ اندلاع الثورة التونسية لتؤكد أنه يجب على الشعوب أن تمسك بزمام المبادرة وأن تبذل الغالى والنفيس فى سبيل التحرر من قيود الذل والقهر ومن هؤلاء الحكام العملاء البغاة الطغاة، ولقد ادركت الشعوب هذا جيدا، فعلى الرغم مما فعله المجرم معمر القذافى فى شعبه من قتل للرجال والنساء والأطفال واغتصاب لحرائر ليبيا الشريفات لم يتوقف الثوار ولم يسكنوا بل إنهم أكدوا منذ اللحظة الأولى ولا يزالون أنه لا رجعة أبدا إلا عن إسقاط النظام والحصول على الحقوق كاملة غير منقوصة.
وعلى ذات الدرب سار أحرار اليمن ولم ينخدعوا بمرواغة المجرم على عبدالله صالح ومناوراته بل أثبتوا انهم أذكى من أن يتم خداعهم رغم المآسى ورغم الظروف الصعبة التى يعيشونها، وهم لا يزالون متماسكين ثابتين بينما بات واضحا أنه سيسدل الستار قريبا بإذن الله على هذا النظام اليمنى ورئيسه المجرم.
أما سوريا فهى تعيش أسوأ الظروف منذ اندلعت ثورتها المباركة المنتصرة بإذن الله، فالمجرم بشار الأسد يفعل كل ما بوسعه من أجل إخماد هذه الثورة، فقد أمر جيشه الذى يدين له بالولاء والطاعة بان يذبح الشعب ولا يرحم أحدا فلم يلبث قادة الجيش أن نفذوا أوامر قائدهم المجرم، وقد ظن أنه بهذا سيستطيع أن ينهى الأمر ويبقى هو رئيسا حتى يموت، ولكن هيهات هيهات، فقد وصلت الأمور إلى مرحلة اللا رجعة، ولم تعد هناك فرصة لبقائه وبقاء نظامه إلا عدة أسابيع حتى تكلل هذه الثورة بالنجاح.
ليعلم هؤلاء الطغاة أنه لم يعد هنالك أمل فى أن يبقوا فى مناصبهم بعد اليوم، وليعلموا أنهم قد سقطوا وأن أنظمتهم قد سقطت يوم أن أطلقت أجهزتهم الامنية والعسكرية النار على الشعب فقتلوا أبناءه، قضى الأمر وانتهى ومن كان عنده ذرة من عقل فلا يعاند شعبه بعد اليوم أبدا، وعلى الحكام أن يتعلموا من الشعوب التى ظنوا أنها قد ماتت ولا سبيل إلى إحيائها مرة أخرى.
كاتب مصري.
المصدر : موقع "قاوم"