استيقظت على رسالة من أمي تقول:
"ها قد مر يوم الأم الذي يحتفلون به عندكم في بلاد الغرب، لكن ما يبدوا لي أن هذا اليوم لا يعنيك من بعيد أو قريب، (عجبا لك ! تشابههم في قطيعتي ولا تشابههم في صلتي). لا تخدعني بقولك أن السنة كلها لي وليس يوما واحد كما يفعل القوم. فإن كنت لا أجد منك يوما واحدا فكيف تمنيني بسنة ! هل يجب أن أكون شجرة أو إشارة مرورية حتى يكون لي أسبوعا يخصني. بني إني اقدر انشغالك بدراستك وانهماكك في أبحاثك لكني مشتاقة إليك....كتبتها بمداد من دمع، أمك المُحِبة"
شخصيا لم اسمع عن يوم الأم إلى في مرحلة متقدمة من عمري وحين سمعت عنه سمعت عن التحذير من هذه البدعة الغربية المنكرة و التي لا تناسبنا كمسلمين، وقبل فترة طلب مني ابني أن اشتري له هدية سيقوم بالذهاب بها لمدرسته حيث يغلفها ويكتب عليها ما يجعل منها هدية يقدمها لأمه في يوم الأم. ترددت في ذلك فلدي نموذج جاهز يقول أن الإسلام أعطى للأم السنة كاملة وليس مجرد يوم واحد.
نعم، هذا هو الإسلام الذي جعل الجنة تحت أقدامهن والذي علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عظم حقهن حين قال (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك). لكن ماذا عن المسلمين؟ هل جعلوا لأمهاتهم السنة كاملة؟
هناك كثير من الأمهات تمني نفسها باتصال من ابنها أو بنتها للاطمئنان على صحتها، خصوصا أولئك الأبناء المنتشرون في بقاع الأرض بعيدا عن أمهاتهم. بل إن بعض أولئك الأبناء حتى في إجازته السنوية - مدفوعة التكاليف - يفضل السفر إلى مكان آخر مستكثرا على أمه أن تلقاه أو تمتع نفسها بملاعبة أطفاله لبضعة أيام. إخوتي وأخواتي المبتعثين إن أمهاتنا يسكبن الدمع على فراقنا فلنمسح هذه الدموع بشيء من التواصل الدائم الذي يشعرهم بالطمأنينة علينا ولنكن ايجابيين في خطابنا لهم ولنبتعد عن نقل مشاكلنا لهم فهي تؤرقهم كثيرا.
أعزائي القراء لنكن صرحاء مع أنفسنا فحتى من يعيش قريبا من أمه ليسأل نفسه ولينظر حوله ليرى كم هن أولئك الأمهات الآتي افتقدن طعم الكلمة الحلوة و الهدية المعبرة من أبنائهن، وكم منهن أصبحت علاقتهن بأبنائهن علاقة جامدة لا تحمل شيء من المشاعر القلبية العميقة أو بعبارة أدق هي علاقة في اتجاه واحد. ولا اعتقد أن الوضع يختلف مع الآباء.
إن الأسباب التي دعت بعض المجتمعات للتنادي بالحاجة إلى التركيز على هذا اليوم والترويج له في مجتمعهم من خلال مدارسهم ووسائل إعلامهم هي ذاتها الأسباب التي انتقلت إلى مجتمعاتنا فهل نشابههم في القطيعة ولا نشابههم في الصلة كما قالت رسالة "أمي".
إن تاريخ يوم الأم مختلف من بلد إلى آخر وليس المهم أن هناك يوم محدد للاحتفاء بالأم عالميا، بل المهم أن يسبق هذا اليوم أو الأسبوع حملات توعوية من خلال المدارس التي تركز كل مناشطها الترفيهي والتعليمي لتنبيه الطلاب بحق الأم ومكانتها والتذكير بوسائل متنوعة من الصلة والبر تهدف إلى إدخال السرور لقلوب الأمهات الآتي يحببن أبنائهن مهما كانت مللهن أو ثقافاتهن. أصدقكم القول أني كأب سررت كثيرا بالهدية التي قدمها لي ابني في العام الماضي في يوم الأب فقد كانت هدية من صنع يده تحمل بصمته الطفولية البريئة.
ولمن يقول أن هذا من البدع المحدثة وهذا عيد لغير المسلمين فنطلب منهم أن تكون هناك حملات توعوية - على الطريقة الإسلامية - من خلال منبر الجمعة وإذاعة المدرسة والقنوات الرسمية تنبه إلى حقوق الوالدين مرتكزة على قال الله وقال رسول الله بطريقة عصرية جذابة مثلها مثل الأسابيع التوعوية الأخرى "أسبوع الشجرة و أسبوع المرور و أسبوع المساجد و أسبوع مرضى السكري...."
أمي الحبيبة اعذريني على تقصيري وجفوتي، فلك ولكل أم أقول: بارك الله جهودكن ورفع درجاتكن وأقر أعينكن ببر أبنائكن وأهديك وكل أم أبياتا أتذكرها لشاعر شامي يقول فيها:
ألقيت بين يديـــــك السيف والقلما .. أرجو رضاكِ الذي أعلو به القمما
أنتِ الهنـــــا والمنى أنتِ الدنا .. وأنــــــا على ثراكِ وليدٌ قد نمـا وسما
أمـــــــاه هذا اللحن يسحرني .. ويلهب الشوق بي والحزن والندمـــــــا
أمــــاه أنت حديث الروح إن هدأت .. أو أرسلت دمعةً أو رتلت نغمــا
وأنتِ أنتِ حياتي في مطامحهــــا .. وأمنياتي ولم لا يــــــا منايا لمــــا
فإن جفوتكِ في ما فـات من عمري .. فالدمع من ندمي رغم الثبات هما
فلتغفري الذنب لي يا أم واحتسبي .. أوحاكميني وكوني الخصم والحكما
أمــــــاه لو كانت الأيــــام تسعفني .. ما كنت يا أم بالتقصير متهمـــــــا
لكم أتوق إلى لقياك ضــــــاحكةً .. فألثم الوجه والكفيـــن والقدمــــــــا
أمــــــــاه ها أنا ذا بالباب اطرقه .. ذلاً وآمل منكِ الصفح والكرمــــــا
أمــــــــاه قلبي جريح لا دواء له .. إلا رضــــــاكِ يعيد الجرح ملتئمــا
أمي ... أرجوك أن تسامحيني يا حبيبتي.