نسوه فألقى بنفسه منتحراً..
رسالة إلى المتثاقلين
صالح محمود الشناط
بسم الله الرحمن الرحيم
يصيب أحدنا الهمّ والحزن أحياناً، وأحياناً أخرى يطول، لن أبحث في الصيدليات عن دواء يزيل الهم، فما في الصيدليات إنما هو للآلام العضوية، ولن أذهب إلى الأطباء، فإنّ يد الطبيب الحانية لن تذهب همي، ولن أذهب إلى أمي لتمسح دمعي فعندها الحب والحنان، بيد أنها لا تملك إزالة الهم..
التحق بمسجدنا شاب وسيم، تظهر على قسمات وجهه السماحة، مواظب على صلاة الفجر، دخل مرة لصلاة الفجر، فإذا به يضحك، فأثار الدهشة عندي، فإنه يضحك لوحده دون سبب، فلما انتهينا من الصلاة، سارعت إليه، وقلت يا هذا ما الذي أضحكك؟ فقال: لا شئ لا شئ، وولى مدبراً ولم يعقب..
جلست معه، بين صلاتي المغرب والعشاء، قال لي: أنا متعب لا عمل، لا زوجة، لا مال، أبي مقعد. قلت: يا فلان اصبر، الله أنعم علينا بنعم كثيرة، وما أنت فيه لعله ابتلاء من الله، وتكفير للسيئات.
ما هي إلا أيام حتى بدأت ضحكاته تعلو في المسجد وفي الشارع، وتجمعت صبيان الحي حوله، فاتفق بعض المصلحين، على أن يجدوا له عملاً، ولوالده حلاً، فهو لا يعمل، وأبوه مقعد، وليس لهم صلة قرابة في هذه المنطقة.
ونسي المصلحون أمره أياماً، حتى سمعنا بأنه ألقى بنفسه من الطابق الثالث، فسارعنا إليه فوجدنا رجال الإسعاف يهمون بحمله..
لطف الله به وكان سقوطه على سيارة مرتفعة، واقتصر الأمر على بعض الكسور..
كفانا أنانية
أخواني في الله، كفانا تفكيراً بأنفسنا، إن هناك من يموت في اليوم مرات عديدة، من الآلام النفسية الحادة والاكتئاب، الذي سببه "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"، و"صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء"..
ونحن لا زلنا نقول: لسنا أهلاً للوعظ!
يعقون، يسكرون، يزنون، يتطاولن، يسبون..
ونحن لا زلنا نقول: لا زلنا طلاب علم!
سمعت من الشيخ محمد العريفي حفظه الله، أن أحد المشايخ، أتى محطة البنزين بسيارته، فقال لعاملها هل أنت مسلم؟ فقال: لا.
قال الشيخ: أنا سآتيك، ببعض الكتيبات لتقرأ عن الإسلام، فصرخ العامل قائلاً: أنت كاذب.
فقال ما بالك! ما ذا تقول؟
فقال العامل أنا هنا منذ سنوات ومرّ علي غير واحد مثلك وقالوا مثل قولك. وما أعطاني أحد شيئاً.
كن داعياً
اعلم يا رعاك الله، أن الخذلان كل الخذلان أن يكلك الله لنفسك.. ادعوه، توكل عليه، ناجيه، تذلل بين يديه..
أما يحزنك حال المذنبين، والغارقين في الشهوات! لا يكفي أن تكون عندك الغيرة على دين الله، عند رؤية المعاصي، بل لا بد أن تبذل ما بوسعك لترك تلك المعصية، بالحكمة والموعظة
قال عبد الله بن عبد الغفار: قلت لزهير بن نعيم: أوصني!
قال: أوصيك بتقوى الله، والله؛ لأن تتقي الله أحب إلي من أن يكون لي وزن هذه الأسطوانة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز وجل، ووالله! لوددت أن جسمي قرض بالمقاريض وأن الخلق أطاعوا الله عز وجل.
خذ بيده لجنة الدنيا
أيها الأخوة، ارحموا العصاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ"، وكما يقول شيخنا صالح العصيمي حفظه الله: "ومن آكد الرحمة رحمة العالم بالمتعلم"..
فهذا العاصي، قد يكون جاهلا أو غافلا..
فخذ بيده، إلى جنة الدنيا، قال ابن القيم رحمه الله: "فإنه لا نعيم له ولا لذة، ولا ابتهاج، ولا كمال إلا بمعرفة الله ومحبته، والطمأنينة بذكره، والفرح والابتهاج بقربه، والشوق إلى لقائه، فهذه جنته العاجلة، كما أن لا نعيم له في الآخرة، ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة، فله جنتان، لا يدخل الثانية منهما إن لم يدخل الأولى.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية، قدس الله روحه، يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
وقال بعض العارفين: إنه ليمر بالقلب أوقات، أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب..