صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13

{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9

يسعدنا ان تشارك معنا
صحبة الخير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صحبة الخير

منتدي اسلامي ثقافي دعوي اجتماعي عام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
 
بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
صدق الله العضيم


 

 من مظاهر حب الله لك 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
soft
مشرف عام
مشرف عام
soft


عدد المساهمات : 2125
نقاط : 5953
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 20/05/2011

من مظاهر حب الله لك  2 Empty
مُساهمةموضوع: من مظاهر حب الله لك 2   من مظاهر حب الله لك  2 Emptyالسبت أغسطس 20, 2011 12:41 pm

تاسعًا: خطابـــــــه الودود
الذي يخاطبـــك به
الله عز وجل يملك كل شيء في هذه الأرض التي نسكنها، والسماء التي تراها أعيننا للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة: 120].
وكل المخلوقات التي نراها من جبال وأنهار وبحار وأشجار ورمال وأحجار ودواب و...
كل هذا خاضع لله عز وجل وَللهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ [الرعد: 15].
وخضوع الكون كله لله عز وجل خضوع سرمدي يغلّفه الحمد لإتاحته سبحانه الفرصة للوجود من العدم، واستمرار بقائه وحفظه، ويغلِّفه كذلك الإجلال لعظمته، والرهبة من جبروته وسلطانه وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد: 13].
ومن مظاهر الإجلال والرهبة والخضوع لله عز وجل عبودية الملائكة له سبحانه، فهناك بعضهم في حالة من الركوع منذ أن خلقه الله عز وجل، ومنهم من هو في حالة السجود له سبحانه منذ أن خلقهم وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ  يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 19، 20].
يقول صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة في السماء قيامًا إلى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافته، ما منهم ملك تقطر من عينيه دمعة إلا وقعت على ملك يسبح، ولله ملائكة سجدوا منذ خلق الله السماوات والأرض لم يرفعوا رءوسهم، ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وصفوفًا لم يتفرقوا عن مقامهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربهم عز وجل، فينظرون إليه تبارك وتعالى، فقالوا: سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك»( ).
من أنت؟
هذا الإله العظيم بعظمته وجبروته, بجلاله وكماله, بعزه وسلطانه كيف يخاطبك أنت؟! ومن أنت؟! أنت ذرة يسيرة في ملكه لا تساوي شيئًا بجوار جبل من الجبال أو بحر من البحار، بل إن الأرض كلها بمن عليها بالنسبة لمملكته لا تساوي مقدار حبة رمل من صحراء شاسعة لا حدود لها.
وبالإضافة إلى ذلك فلا تنس أن ربك هو الذي أوجدك من العدم، فقبل شهور من ولادتك لم تكن شيئًا مذكورًا.
وتذكر أن حياتك كلها متوقفة على إمداداته، ولو توقفت تلك الإمدادات لانتهت حياتك.
ما المتوقع أن يكون خطاب العزيز للذليل، والغني للفقير، والقوي للضعيف، والعظيم للحقير، والكبير للصغير، والمعطي للآخذ، والقادر للعاجز.
أليس من المتوقع أن يكون الخطاب الموجه إلينا يتناسب مع صفاته سبحانه وصفاتنا؟
أليس من المتوقع من إله عظيم له هذا الملك والجلال والكمال أن يكون خطابه عبارة عن تعريف بمهمتنا مع بيان بالأوامر المطلوبة منا وكفى؟!
ولكنه ليس كذلك.
إنه خطاب عجيب يقطر ودا وحبًا.
خطاب عنوانه وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163].
خطاب يطمئن مستمعه
لو تفكرنا فقط في خطاب الله لعباده – مؤمنهم وكافرهم – لتأكدنا من حبه سبحانه لهم، وحرصه عليهم.
إنه خطاب يطمئن من يسمعه ويدفعه ويستدرجه للفرار في اتجاه قائله.. الفرار إلى الله، لا الفرار منه.
ولنبدأ بصيغة النداء:
تأمل نداءه سبحانه للعصاة والمجرمين الذي يحادونه، ويجاهرون بارتكاب كل ما يغضبه، ويصرون على ذلك، بل ويستهزئون بالمؤمنين.. بماذا يناديهم: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].
إنه يناديهم بـ: يا عبادي، بكل ما يحمله هذا النداء من ود، وتلطف، وحنان. ثم انظر إلى ندائه للبشر جميعًا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ [فاطر: 5].
وتأمل نداءه للنصارى الذين ادعوا عليه زورًا وبهتانًا أن له ولدًا وزوجة – حاشاه- يناديهم بقوله: يا أهل الكتاب، فيشعرهم بأن هناك صلة قوية بينهم وبينه، وأنهم ليسوا ببعيدين عنه.
ثم تأمل وتأمل نداءه لليهود الذين ارتكبوا من الآثام، ومظاهر العلو والاستكبار ما ارتكبوا .. قتلوا الأنبياء، وعبدوا العجل، وحاربوا المسيح – عليه السلام – وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم و ... ومع ذلك يناديهم فيقول لهم «يا بني إسرائيل» ..يا أبناء النبي إسرائيل .. نداء لطيف رقيق من المفترض أن يستثير مشاعرهم، ويستدرجهم لإصغاء سمعهم لما يتضمنه الخطاب الإلهي.
خطاب يقول لك: أقبل ولا تخف
نعم، أخي القارئ، إن خطاب الله عز وجل للبشر جميعًا خطاب مطمئن، يؤكد لهم فيه أن بابه مفتوح للجميع «يا ابن آدم إنك إن دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي».
«يا عبادي إنك تخطئون باليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم» إنه خطاب عجيب يناشدنا فيه الله عز وجل أن نستغفره ليغفر لنا... أن نستفيد بالفرصة المتاحة أمامنا قبل أن يحل بنا الأجل.
ففي كل ليلة وبالأخص ثلثها الأخير يوجِّه الله عز وجل نداءه لعباده ويقول لهم: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟! ( ).
فماذا تقول بعد ذلك؟!
ماذا تقول لمن يناديك وينادي عباده جميعًا فيقول: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم» ( ).
ماذا تقول لمن يطلب منك دومًا أن تحسن به الظن فهو لن يضيعك، ولن يتركك، فمراده دخولك الجنة. قال صلى الله عليه وسلم «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى»( ).
خطاب يستثير الهمم
ومن سمات خطابه سبحانه لعباده أنه يستثير همتهم لفعل الخير، وذلك من خلال قوة طرقه على مشاعر الرغبة، واستجاشته للعاطفة، والتركيز على الجزاء العظيم المترتب على الفعل الذي يريد منهم فعله.
فعلى سبيل المثال: الإنفاق في سبيل الله عمل عظيم يطهر نفس صاحبه من الشح، ويسمو بها إلى السماء، ويخلصها من جواذب الأرض، ومن ثم يصبح من اليسير عليها العمل للآخرة والزهد في الدنيا بمفهومه الصحيح.
هذا العلاج الناجع للنفس البشرية يريد الله عز وجل أن يجعلنا نتناوله بكثرة حتى ننتفع به، لذلك فهو يحببه لنا، ويرغبنا في القيام به بأساليب شتى، من أهمها رصد الجوائز الكبيرة والمغرية لمن ينفق من ماله في سبيل مرضاته كما قال عز من قائل: مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد: 11].
ويتكرر هذا النوع من الخطاب الذي يستثير الهمم كثيرًا في القرآن: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ من هم؟!
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ  أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران: 133، 136].
النصائح الغالية
أتَذْكر كم من المرات سمعت فيها نصائح غالية من أبويك وهما يوجهانك من خلالها نحو المعالي، ويحذرانك من العقبات التي قد تعترض طريقك؟
هذه النصائح ما انطلقت من ألسنتهما إلا بدافع الحب والشفقة والحرص على أن تكون في أحسن حال.
وكذلك يفعل الله مع عباده مع الفارق الكبير بين نصائحه ونصائحهم، وبين حبه وحبهم، وبين علمه وإحاطته بما يصلحك وبين علمهم.
فإن كنت تريد دليلا على ذلك فتأمل معي هذا الخطاب الناصح منه سبحانه للناس جميعًا والذي يقول فيه يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 5، 6].
وكذلك قوله لهم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ [النساء: 170].
وانظر إلى الخطاب الموجه لأهل الكتاب وما يحمل في طياته من نصائح غالية لهم على الرغم مما فعلوه من كفر وعصيان: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ [النساء: 171].
وتأمل كذلك خطابه الناصح لليهود: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ  وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة: 40، 41].
أما المؤمنين فوصاياه لهم كثيرة منها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ  وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 9، 10].
وأحيانًا نجد الخطاب جامعًا بين لهجة النصح ولهجة الإشفاق والحنو، التي يُشعر الله فيها عباده المؤمنين بمدى حبه لهم، وخوفه عليهم من الحساب في الآخرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33].
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ [الشورى: 47].
التوجيه غير المباشر
ولعلمه سبحانه بطبيعة نفوسنا، وصعوبة قبولها النقد والتوجيه المباشر، كانت توجيهاته سبحانه غاية في التلطف والتوجيه الغير مباشر، وإن أردت أن تتأكد من ذلك بنفسك – أخي القارئ- فما عليك إلا أن تقوم بإحصاء أوامره المباشرة في القرآن فستفاجأ أنها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وفي المقابل تجد أن الله عز وجل كثيرًا ما يعرض لك أمرين ويبين سمات كل واحد منهما ثم يترك لك حرية الاختيار مثل قوله تعالى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف: 46] وقوله: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ [الشورى: 20].
وقوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة: 11].
مراعاة النفسية البشرية
ومن أبرز صور مراعاة الخطاب الإلهي لطبيعة النفس البشرية عدم الإكثار من قوله «أنا» عند سرده لنعمه على عباده، وفضله الذي لا حدود له.
فالنفس لا تحب سماع هذه الكلمة بكثرة من الطرف الذي يخاطبها، ومع أن الله عز وجل هو الذي خلقنا من العدم، وأعطانا من النعم ما لا يُعد ولا يُحصى، وأن من حقه أن يحدثنا بضمير المتكلم «أنا» وهو يعرفنا بنفسه وبنعمه وبقيوميته وقدرته و...
إلا أنه سبحانه لا يفعل ذلك، بل يتحدث عن نفسه – في غالب القرآن – بضمير الغائب «هو» هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس: 22].
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ [غافر: 13].
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [يونس: 5].
فأي رب رءوف ودود حي كريم هو ربنا.
ما بال أقوام؟!
ومن صور مراعاته سبحانه لطبيعة النفس البشرية توجيهه الغير مباشر لعباده في خطابه لهم، فحين يريد تحذير المؤمنين من القيام بفعل ما، فإنه لا يتوجه مباشرة بذلك – في غالب الأحيان – بل يحدثهم عن أناس آخرين – بصيغة النكرة – ويشهَّدهم عليهم، ويجعلهم يستنكرون أفعالهم، مع أنهم قد يكونون هم المعنيين بهذا التحذير، ومن ذلك قوله تعالى: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا" [إبراهيم: 34] الخطاب هنا موجه لنا بأن علينا أن نجتهد في إحصاء نعم الله كصورة من صور الشكر، ومن المفترض أن يكون التحذير الذي تتضمنه الآية بعد ذلك من مغبة عدم ذكر النعم حتى لا نقع في دائرة الظلم والكفر موجه لنا كذلك، فهل جاء الخطاب يحمل هذا المعنى المباشر.
لا، لم يحدث ذلك، بل جاء وكأنه يخاطب شخصًا آخر: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34].
الخطاب موجه للإنسان, وكأنه شخص آخر بعيد لا نعرفه، مع أن الخطاب في بدايته موجه لنا، ومما لا شك فيه أن هذا التلطف العجيب في التوجيه والنصح له دور كبير في استقبال النصيحة بنفس هادئة.
لماذا العقاب؟
ومن مظاهر خطابه المطمئن لعباده أنه يذكر لهم دومًا السبب الذي من أجله عاقب فردًا أو قومًا في الماضي، مع أنه الإله العظيم ملك الملوك الذي لا ينبغي أن يُسأل عما يفعل، لكنه في نفس الوقت الرب الودود الذي يحب عباده ويريد منهم أن يفروا إليه، لا أن يفروا منه، لذلك تراه سبحانه يُفصَّلِ في الأسباب التي أدت إلى عقوبة العصاة، وأنه قد صبر عليهم وأمهلهم وأعطاهم الفرصة تلو الفرصة، ولكنهم هم الذين أبوا العودة إليه، وأصروا على طغيانهم، واستكبروا عليه سبحانه، وحاربوا عباده، فاستدعوا بأفعالهم الكثيرة الظالمة غضب الحليم عليهم وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص: 59].
ومع العقاب المستحق للظالمين، والذي يقع بعد طول إمهال، نجد التعقيب القرآني: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس: 30]. فالله عز وجل لا يرضى لعباده هذا المصير، وأنهم هم الذين أبوا أو استكبروا إلا أن يسيروا إليه، ولو تأملنا القرآن لوجدنا أن هذا الأمر واضح فيه تمام الوضوح، وأن الله عز وجل لا يظلم أحدا، لذلك نجده سبحانه يذكر لنا دومًا أسباب العقوبة التي يعاقب بها الناس.
تأمل معي قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ.
فماذا فعل أهل سبأ؟ هل شكروا هذه النعم العظيمة؟ لم يفعلوا ذلك، بل أكلوا من رزق ربهم ولم يشكروا له؟ وتبطروا على نعمه، فاستدعوا العقاب من الله عز وجل لهم فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ثم تأتي حيثيات هذه العقوبة ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ويتلوها الخطاب المطمئن وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ [سبأ: 15- 17].
وتأمل قوله تعالى وهو يحدثنا عن اليهود ولماذا عاقبهم بما عاقبهم، وكيف أنه صبر عليهم طويلا، ولكنهم هم الذين أصروا على طغيانهم يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا تأمل قوله: فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ.
وتمضي الآيات تعدد مظاهر حلم الله عليهم وتعدد كذلك مظاهر طغيانهم وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا  فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً  وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء: 154- 156].
وكأنه يطلب منك الشهادة على الناس:
وفي بعض الأحيان نستشعر بأن الخطاب المتوجه إلينا يطلب منا الشهادة على فعل من الأفعال المشينة، كل ذلك لتزداد اطمئنانًا بأن الله عز وجل لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس: 44] ومن ذلك قوله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة: 75]. وقوله: وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ [الأعراف: 102].
مواساته للمبتلين
ومن عجيب خطابه سبحانه وتعالى لعباده مواساته لهم عندما يحدث لهم مكروه بسبب ذنوبهم أو تقصيرهم.
فعلى سبيل المثال: عندما خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثت الهزيمة نجد أن الخطاب القرآني يخفف عن الصحابة آثار ما حدث لهم، ويبين الأسباب، وأن ربهم نصرهم في البداية نصرًا مؤزرًا ولكنهم هم الذين اختلفوا وخالفوا أمر رسولهم فكان ما كان: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 152].
ومع بيانه سبحانه لأسباب هزيمة المؤمنين وأنهم هم الذين تسببوا في ذلك إلا أنه يواسيهم، ويضمد جراحهم بكلام يقطر حنانًا وشفقة: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ  إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران: 139، 10].
ويطمئنهم على إخوانهم الشهداء بأنهم في أحسن حال: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 169- 171].
وفي النهاية:
وفي نهاية الحديث عن هذا المظهر العظيم من مظاهر حب الله لنا ولعباده أجمعين أتركك أخي القارئ مع هذا الحديث القدسي لكي تقرأه وتعيش معه بعقلك ومشاعرك:
«إني والجن والإنس في نبأ عظيم: أخلقُ ويُعبد غيري، وأُرزقُ ويُشكر سواي, خيري إلى العباد نازل وشرهم إليَّ صاعد. أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليَّ بالمعاصي، وهم أفقر شيء إليَّ.
من أقبل إليَّ تلقيته من بعيد. ومن أعرض عني ناديته من قريب. ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد. ومن أراد رضاي أردت ما يريد. ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد.
أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقنَّطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إليَّ فأنا طبيبهم. أبتليهم بالمصائب، لأطهرهم من المعايب...».
* * *
عاشرًا: من مظاهر حب الله لك:
ترغيبــك وترهيبك
ليس بخافٍ على أحد أن النفس البشرية إذا ما رُغَّبت في فعل شيء ما، وعلمت بما ينتظرها من جزاء حسن نظير قيامها بهذا الفعل فإنها تتشجع، وتقدم عليه بقدر ما تستثار فيها مشاعر الرغبة.
وفي المقابل فإنها إذا ما خُوَّفت، ورُهَّبت من القيام بفعل ما، وأن مكروهًا سيصيبها إذا ما فعلته، فإنها تُحجم عن القيام به بقدر ما ينسكب داخلها من خوف ورهبة.
هذه خاصية أصيلة من خصائص النفس البشرية, هذه الخاصية لها دور كبير في إقدام المرء على أداء العمل أو إحجامه عنه، ففي الحديث «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة»( ).
ويعلق المناوي في فيض القدير على هذا الحديث فيقول:
فكل من خاف الردى أو فَوْت ما يتمنى لا يركن إلى الراحة ولا ينتظر الصباح، بل يبادر إلى الحركة والسفر ولو كان بالليل( ).
التربية الربانية
ولأنه سبحانه هو الذي خلق فينا هذه الخاصية، فإنه يستخدم أسلوب الترغيب والترهيب في تربيتنا وتوجيهنا نحو المبادرة لفعل الخير واجتناب فعل الشر.
تأمل معي قوله تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء: 59].
فالآية تدل دلالة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى يخوفنا لنخاف ونترك طريق الضلال ونتجه نحو صراطه المستقيم فندخل الجنة.
انظر مثلا إلى قوله تعالى: لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر: 16].
أرأيت صيغة الخطاب: ذلك الذي يخوف الله به عباده .. يا عباد فاتقون.
فمع أن الآية تتحدث عن النار وما فيها من عذاب، إلا أنها تحمل في طياتها دلالات عظيمة عن حب الله لعباده، وكيف لا ونحن نلمح فيها مناشدة من الله عز وجل لعباده بأن يخافوا، ويحذروا عقابه لأنه لا يريد لهم أن يدخلوا هذه النار.
هل قامت القيامة؟!
ثم إن ثمة أسئلة قد تقفز إلى أذهان البعض وهي:
هل قامت القيامة أم لم تقم؟
هل بالفعل دخل بعض الناس الجنة والبعض الآخر النار؟!
الإجابة معروفة للجميع, بأنه إلى الآن لم تقم القيامة ولم يتوزع الناس بين الجنة والنار.
إذن فلماذا يقص القرآن هذه الصور التفصيلية عن القيامة، والجنة والنار، وكأن الأمر قد انقضى، والأمور قد حُسمت مثل ما جاء في قوله تعالى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ  الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف: 50، 51].
هذا الحوار بين أهل النار وأهل الجنة لم يتم حتى الآن، فلماذا يعرضه الله لنا ويسرده بهذا التفصيل؟!
لماذا يحتل الحديث عن القيامة والجنة والنار هذه المساحة الواسعة من القرآن؟!
ألا توافقني -أخي القارئ- أن هذا التفصيل في عرض الجنة وكأننا نراها رأي العين، وكأن أهلها قد سكنوها وبدءوا في التمتع بما فيها من نعيم, ألا توافقني أن الغرض من ذلك هو استثارة رغبتنا لدخولها ومن ثمَّ الوفاء بحقها والسباق نحوها؟!
وكذلك عرض النار بهذه الصورة البشعة الكريهة، المنفرة لنخاف منها ونجتهد في الابتعاد عنها؟!.
وتأكيدًا على هذا المعنى أتركك مع هذه الآيات لتقرأها وتتدبر معانيها.
إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ  أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ  فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ  فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ  عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ  يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ  بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ  لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ  وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ  كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ  يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ  أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ  قَالَ هَلْ أَنْتُم مُّطَّلِعُونَ  فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ  قَالَ تَاللهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ  وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ  أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ  إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ  أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ  إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ  إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ  طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ  فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ  ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ  ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات: 40، 68].
معنى ذلك أن التوسع في الحديث عن أحداث اليوم الآخر وما فيها من ترغيب وترهيب ما هو إلا مظهر عظيم من مظاهر حب الله لعباده.
وإليك هذا الدليل:
يقول تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: 30].
أرأيت ما تحمله الآية من تحذير وتخويف؟ ورأيت بماذا انتهت؟!.
فالآية تدل دلالة قاطعة على أن الله عز وجل يخوَّفنا ويحذَّرنا رحمةً ورأفةً بنا لكي نرتدع ونبتعد عما نهانا عنه.
فإن قلت وما الداعي لوجود النار من الأصل في ظل وجود هذه الرأفة والرحمة الإلهية؟!
هذا السؤال أجاب عنه القرآن في عدة مواضع منها قوله تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم: 35، 36].
وقوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية: 21].
لا يمكن أن يستوي – بأي حال من الأحوال – المجد المجتهد الذي ألزم نفسه الاستقامة على أمر الله مع من أسرف على نفسه، ولم يبال بأوامر ربه واستهان بها، وعاث في الأرض فسادًا.
إن من دواعي العدل والرحمة الإلهية ألا يستوي هذا مع ذاك أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ [السجدة: 18].
اللص والسجن
هب أن لصًا قد اقتحم قرية من القرى، واختبأ في بعض نواحيها،وظل يُغير كل ليلة على منزل من منازلها فيهدد أهله، ويسرق ما فيه.
تُرى على أي حال سيكون أهل هذه القرية التي كانت قبل مجيء هذا اللص آمنة مطمئنة؟!
بلا شك سيتبدل أمنهم فزعًا، وطمأنينتهم رعبًا وهلعًا، وكيف لا وكل واحد منهم يتوقع كل ليلة هجوم اللص على داره... لايعرف النوم إلى عينه طريقًا، بل ينخلع قلبه من الفزع إذا ما سمع صوتًا غريبًا حول داره.
هل من المناسب في ظل هذا الوضع المأساوي أن يُترك اللص هكذا دون العمل علىالقبض عليه والقصاص منه تحت مسمى الرحمة.
إن الرحمة تقتضي سرعة الإمساك به وحبسه لتعود السكينة للناس، ويعود إليهم أمنهم.
نعم، أخي القارئ، لا بد من عقاب المخطئ الذي أساء الأدب مع ربه وخالف أوامره، واستخدم ما سخره له من النعم الكثيرة في معصيته.
استخدم يده ورجله وعقله وعينيه ولسانه وشفتيه في محادَّة الله وعصيانه واستحلال محارمه، استخدم كل هذه الأشياء وغيرها -رغمًا عنها- يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور: 24].
ومع هذا كله فالله عز وجل الرءوف الرحيم يحذر العصاة والكافرين, يستحثهم على التوبة ويرغبهم في الجنة ويخوفهم من النار لعلهم يعودون إليه قبل فوات الأوان .
تأمل معي هذه الآيات التي تؤكد هذا المعنى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ  أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ  أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [النحل: 45-47].
هل رأيت أخي القارئ بماذا اختتمت هذه الآيات التي تحمل تحذيرًا شديدًا للعصاة فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ .
نعم, إن ربنا لرءوف رحيم، وما عاقب إنسانًا إلا لأنه هو الذي استدعى واستحق العقوبة بأفعاله الكثيرة المخالفة لأوامر ربه والمستهينة به.
ولو كان الله عز وجل يريد بالفعل أن يعاقب كل مخطئ على خطئه، وأن يقيم ميزان العدل على الجميع ما خوفنا كل هذا التخويف, يكفي أن يقول لنا بأن هناك حساب للمخطئ على خطئه، وأن النار في انتظاره، ولكنه-سبحانه – لم يفعل ذلك، بل حذرنا وحذرنا بأساليب شتى، وقص علينا ما سيحدث في يوم القيامة حتى صرنا وكأننا نراه رأي العين يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ [الحج: 1، 2].
كل ذلك مبعثه الشفقة والرحمة بالناس جميعًا إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة: 143].
شمول الترغيب والترهيب
ولا يكفي أسلوب الترغيب والترهيب بذكر اليوم الآخر والجنة والنار، بل يتسع ويمتد ليشمل أمورًا كثيرة في حياة الفرد والجماعة، وليتناول الماضي والحاضر والمستقبل، كل ذلك ليحقق المقصود من استخدامه ألا وهو الاستقامة على أمر الله.
وإليك أخي القارئ بعضًا من التفصيل في هذا الأمر:
الناس جميعًا
لأن الله عز وجل يحب عباده ويريد لهم الخير فإنه سبحانه قد شملهم جميعًا بتوجيهاته ما بين الترغيب والترهيب، فتراه – على سبيل المثال- يرغب اليهود فيقول لهم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ثم تراه يخوفهم فيقول لهم: وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ [البقرة: 122، 123].
وأهل الكتاب يخوفهم بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً [النساء: 47].
ويرغبهم بقوله وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [المائدة: 65].
والمشركين يقول لهم: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء: 48].
بل وحتى المؤمنين: لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28].
الترهيب والترغيب في قصص السابقين
ومع شمول أسلوب الترهيب والترغيب لجميع الناس فإنه يمتد ليشمل الزمن كله ماضيه وحاضره ومستقبله.
فالله عز وجل يدعونا في كتابه للاستفادة مما حدث مع السابقين في الأزمنة الماضية، فيرغبنا في الاحتذاء بالنماذج الصالحة، ويخوفنا من النماذج الطالحة.
فنجد أن الله سبحانه قد قدم إبراهيم – عليه السلام – في القرآن، وفي أكثر من موضع كنموذج صحيح لما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، لذلك فقد عرضه القرآن بطريقة ترغب القارئ وتحفزه على الاقتداء به إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ  وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ  ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 120- 123].
أما قارون، فكان نموذجًا فاسدًا لعبد آبق اغتر بماله وتوهم أن له مكانة أعلى من سائر البشر، وكذلك فرعون الذي طغى وتكبر، وقوم عاد وثمود وغيرهم من نماذج الظالمين المتكبرين, هذه النماذج أفاض القرآن في ذكرها، والمآل الذي صار إليه أصحابها ترهيبًا وتخويفًا لنا كي نجتنب ما فعلوه: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ [يوسف: 111].
الرسائل الإلهية
هذا في الماضي، أما في الحاضر فيظهر أسلوب الترغيب والترهيب من خلال الرسائل الإلهية التي يُرسلها الله لعباده متشابكة مع أحداث حياتهم، فالبرق رسالة ترغيب وطمع في رحمة الله لما يبشر به من نزول المطر، وهو كذلك ترهيب لمن يراه حين يضيء السماء، ويشق السحب وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا [الروم: 24].
والزلازل والبراكين والأعاصير، وكسوف الشمس، وخسوف القمر .. كل هذه رسائل تخويف، يخوف الله بها عباده، لعلهم يقدروه حق قدره فيعبدوه حق عبادته فيدخلوا الجنة: وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء: 59].
المستقبل والترغيب والترهيب
وأما ما يخص المستقبل فنرى القرآن والسنة قد امتلآ بالآيات والأحاديث التي تحدثنا عن اليوم الآخر والجنة والنار – كما أسلفنا – بأسلوب مثير، يستجيش عواطف الرغبة والرهبة, تأمل معي – على سبيل المثال – هذه الآية وما تحمله من خطاب يستثير العاطفة: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد: 15].
الترغيب والترهيب في أفعال العباد:
ومع شمول أسلوب الترغيب لجميع الناس وامتداده عبر الزمان كله، فإنه كذلك يتناول الكثير من أفعال العباد, فيرغب في الإتيان بالأعمال الصالحة، ويُرهَّب من الإتيان بأعمال الفسق والفجور والعصيان.
فعلى سبيل المثال:
الترغيب في الإنفاق في سبيل الله :
الله عز وجل أعطى للإنسان حرية الاختيار واتخاذ القرار ، فهو لا يجبره على فعل شيء لا يريده، ومع ذلك فهو سبحانه يريد للبشر جميعًا دخول جنته، لذلك نجده سبحانه في خطابه إلينا يرغبنا في كل ما يقربنا من جنته، ويبعدنا من ناره ... يستثير رغبتنا لاتخاذ القرار بفعل الخيرات وترك المنكرات.
ولأنه سبحانه قد أسكننا الأرض ويعلم أن من أشد ما يحول بيننا وبين دخول الجنة: التعلق بزينة الحياة الدنيا، وأن أهم رمز للدنيا هو المال، لذلك فقد أخبرنا بأن من أهم العقبات التي تقف في طريق الجنة هي التعلق بالمال: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ  فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد: 11- 13].
والتغلب على هذه العقبة إنما يكون بدوام الإنفاق.
فالإنفاق إذًا طريق سهل لدخول الجنة, ولكن النفس لا تحب الإنفاق وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ [النساء: 128].
من هنا نجد تنوع أساليب الحث عليه، وإنشاء الرغبة فيه, كل ذلك ليتغلب المرء على شح نفسه وخوفها من الفقر، ومن ثم اجتيازها للعقبة, ومن هذه الأساليب: التذكير بأهميتها وأنها من أبواب الجهاد في سبيل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ  تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف: 10، 11].
ومنها: التذكير بأن الإنفاق يرضي الله عز وجل ويقرب صاحبه منه سبحانه: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم: 38].
ومنها: التذكير بفضل العمل وثماره المتوقعة: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَّشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].
وأن من هذه الثمار ما يجدها صاحبها في الدنيا: وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39].
والتذكير بأن المستفيد الأول من الإنفاق هو المنفق: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103].
والترهيب من تركها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ [البقرة: 254].
ويطمئننا بأن الذي يأخذها هو الله، ومن ثمَّ فلن تضيع على صاحبها: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة: 104].
هذه المعاني العظيمة وغيرها كثيرًا ما نجدها تتكرر في القرآن بأساليب مختلفة.
وهكذا يصبح استخدام أسلوب الترغيب والترهيب من أعظم مظاهر حب الله لعباده.

كلمة أخيرة عن مظاهر حب الله لنا
عشنا سويًا في ظلال شجرة المحبة، ورأينا بعضًا من مظاهر الحب الإلهي لنا جميعًا ليبقى سؤال أوجهه إلى نفسي وإليك أخي القارئ وهو:
أما آن لي ولك أن نبدأ مع الله عز وجل صفحة جديدة من الحب الصادق الذي يثمر طاعة له، وأنسًا به وشوقًا إلى لقائه؟!
ألا يستحق هذه الإله الودود الكريم أن نعامله معاملة تليق بجلاله وتتناسب مع ما يعاملنا به؟!
فلنبدأ إذن من الآن، وقبل أن تذهب تلك الحالة الشعورية التي صاحبتنا ونحن نتعرف على مظاهر حب الله لنا.
لنبدأ بدعائه سبحانه دعاء فيه إلحاح وتضرع ونسأله فيه أن يرزقنا حبه، وأن يهيمن هذا الحب على مشاعرنا حتى يصير حبه سبحانه الأحب إلينا من كل شيء، وندعو كذلك بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام: «اللهم إني أسالك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك, الله ما رزقتني ما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا فيما تحب، اللهم اجعل حبك أحب إلى من أهلي ومالي، ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم أحيي قلبي بحبك واجعلني لك كما تحب، اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله، وأرضيك بجسدي كله، اللهم اجعل حبي كله لك، وسعيي كل في مرضاتك»( ).

و
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من مظاهر حب الله لك 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من مظاهر حب الله لك
» من مظاهر حب الله لك 3
» من مظاهر حب الله لك 4
» مظاهر اللحن في اللغة العربية
» بسم الله ماشاء الله ، بارك الله فيكم ولكم وبارك عليكم .

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صحبة الخير  :: الاقسام الدينية :: «۩۞۩ مقالات اسلامية ۩۞۩»-
انتقل الى: