مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: كتاب التوحيد- النذر لغير الله الإثنين مايو 10, 2010 2:05 pm | |
| باب من الشرك النذر لغير الله(صالح بن عبد العزيز ال شيخ) قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- باب: "من الشرك النذر لغير الله -تعالى-، وقول الله -تعالى-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وقوله: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .
قال: باب: "من الشرك النذر لغير الله" "من الشرك" "من" هاهنا تبعيضية، من الشرك النذر، النذر مبتدأ مؤخر، النذر لغير الله كائن من الشرك، والشرك هنا المقصود به الشرك الأكبر، النذر لغير الله شرك أكبر بالله -جل وعلا-، ووجه كون النذر شركا بالله -جل وعلا- أن النذر المطلق والمقيد إيجاب عبادة على المكلف؛ لأن النذر هو إلزام المكلف نفسه بعبادة لله -جل وعلا-، هذه حقيقة النذر، فالنذر إلزام بالعبادة، فهو عبادة، ويلزم المرء نفسه بعبادة إما مطلقا، أو بقيد.
ويدل -أيضا- على أن النذر عبادة أن الله -جل وعلا- مدح الذين يوفون بالنذر، فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا فهذا يدل على أن الوفاء بالنذر أمر مشروع واجب، أو مستحب، وهو محبوب لله -جل وعلا-، يعني: من حيث الدلالة، وإلا فإن الوفاء بالنذر واجب؛ لأنه إلزام بطاعة، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: من نذر أن يطيع الله فليطعه .
فإذن الوفاء بالنذر مدح الله أهله، وإذا كان كذلك فيكون عبادة؛ لأنه محبوب لله -جل وعلا-، وكذلك قوله: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ هذا يدل على محبة الله -جل وعلا- لذلك الذي حصل منهم تعظيما لله -جل وعلا- بالنذر، وإذا كان كذلك فإنه عبادة من العبادات، وإذا صرف النذر لغير الله -جل وعلا- كان شركا بالله -جل وعلا-.
وهاهنا سؤال معروف في هذا المقام، وهو أن النذر مكروه، قد كره النبي -صلى الله عليه وسلم- النذر، وسئل عنه فكرهه، وقال: إنه لا يأتي بخير فكيف -إذن- يكون عبادة، وقد كرهه -عليه الصلاة والسلام -؟.
والجواب: أن النذر قسمان: نذر مطلق، ونذر مقيد، والنذر المطلق هو أن يلزم العبد نفسه بعبادة لله -جل وعلا- هكذا بلا قيد، يعني: يقول -مثلا-: لله علي نذر أن أصلي ركعتين، ليس في مقابلة شيء يحدث له في المستقبل، أو شيء حدث له، فيلزم نفسه بعبادة صلاة، أو عبادة صيام، أو نحو ذلك، فهذا النذر المطلق، وهو إلزام العبد نفسه بطاعة لله -جل وعلا- أو بعبادة، ليس هو الذي كرهه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الذي كرهه وصفه بقوله: إنما يستخرج به من البخيل وهذا هو النذر المقيد الذي يجعل إلزام نفسه بطاعة لله -جل وعلا- مقابلا بشيء يحدثه الله -جل وعلا- له، ويقدره ويقضيه له.
يقول -مثلا-: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر أن أتصدق بكذا وكذا، إن نجحت فأصلي ليلة، إن عُينت في هذه الوظيفة، فسأصوم أسبوعا، ونحو ذلك، فهذا كأنه يشترط به على الله -جل وعلا- فيقول: يا رب إن أعطيتني كذا وكذا صمت لك، إن أنجحتني صليت أو تصدقت، إن شفيت مريضي فعلت كذا وكذا، وهذا بالمقابلة، وهذا هو الذي وصفه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: إنما يستخرج به من البخيل ؛ لأن البخيل هو الذي لا يعمل العبادة حتى يقاضى عليها، فصار ما أعطاه الله من النعمة، أو دفع عنه من النقمة كأنه في حس ذلك الناذر قد أعطي الأجر، وأعطي ثمن تلك العبادة.
وهذا يستحضره كثير من العوام، والذين يستعملون النذور، فإنهم يظنون أن حاجاتهم لا تحصل إلا بالنذر، وقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله-، وغيره من أهل العلم: إن من ظن أنه لا تحصل حاجة من حاجاته إلا بالنذر فإنه في اعتقاد محرم؛ لأنه ظن أن الله لا يعطي إلا بمقابل، وهذا سوء ظن بالله -جل وعلا-، وسوء اعتقاد فيه -سبحانه وتعالى-، بل هو المتفضل المنعم على خلقه.
فإذن إذا تبين ذلك فالنذر المطلق لا يدخل في الكراهة، وإذا قلنا النذر عبادة، فننظر فيه إلى جهة المطلق، وإلى جهة عدم التقييد فيما إذا قيد، ووفَّى بالنذر، فإنه يكون قد تعبَّد الله بتلك العبادة، وألزم نفسه بها؛ فيكون النذر على ذلك نذرا يظهر أنه عبادة لله -جل وعلا-.
والكراهة إنما جاءت لصفة الاعتقاد لا لصفة أصل العبادة، فإنه في النذر المقيد إذا قال: إن كان كذا وكذا فلله علي نذر كذا، وكذا الكراهة راجعة إلى ذلك التقييد لا إلى أصل النذر، دل على ذلك التعليل حيث قال: فإنما يستخرج به من البخيل .
إذن فلا إشكال إذن، والنذر عبادة من العبادات العظيمة، وهنا قاعدة في أنواع الاستدلال على أن عملا من الأعمال صرفه لغير الله -جل وعلا- شرك أكبر، وذلك أن الاستدلال له نوعان، فكل دليل من الكتاب أو السنة فيه إفراد الله بالعبادة، يكون دليلا على أن كل عبادة لا تصلح إلا لله، هذا نوع من الأدلة، كل دليل فيه إفراد لله -جل وعلا- بالعبادة يصلح أن تستدل به على أن عبادة ما لا يجوز صرفها لغير الله -جل وعلا-، بأن تقدم، بأن تقول: دل الدليل على وجوب صرف العبادة لله وحده، وعلى أنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله -جل وعلا-، وأن من صرفها لغير الله -جل وعلا- فقد أشرك، وتلك العبادة الخاصة -مثلا- عندنا هنا النذر تقول: هذه عبادة من العبادات فهي داخلة في ذلك النوع من الأدلة.
والنوع الثاني من الاستدلال أن تستدل على المسائل بأدلة خاصة، وردت فيها، تستدل على الذبح بأدلة خاصة وردت في الذبح، تستدل على وجوب الاستغاثة بالله وحده دون ما سواه على أدلة خاصة بالاستغاثة، وعلى أدلة خاصة بالاستعانة، ونحو ذلك.
فإذن الأدلة على وجوب إفراد الله بجميع أنواع العبادة تفصيلا وإجمالا، وعلى أن صرفها لغير الله شرك أكبر يستقيم بهذين النوعين من الاستدلال، استدلال عام بكل آية، أو حديث فيها الأمر بإفراد الله بالعبادة، والنهي عن الشرك، فتدخل هذه الصورة فيها؛ لأنها عبادة بجامع تعريف العبادة.
والثاني أن تستدل على المسألة بخصوص ما ورد فيها من الأدلة، بهذا قال الشيخ -رحمه الله- هنا: باب: "من الشرك النذر لغير الله" واستدل عليها بخصوص أدلة وردت في النذر، والآيات التي قدمها في أول الكتاب كقوله -جل وعلا-: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وكقوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وكقوله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وكقوله: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .
هذه أدلة تصلح بأن تستدل بها على أن صرف النذر لغير الله شرك، فتقول: النذر لغير الله عبادة، والله -جل وعلا- نهى أن تصرف العبادة لغيره، وأن من صرف العبادة لغير الله فهو مشرك، وتقول: النذر عبادة؛ لأنه كذا وكذا؛ لأنه داخل في حد العبادة حيث إنه يرضاه الله -جل وعلا-، ومدح الموفين به.
الدليل الخاص أن تستدل بخصوص ما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على النذر؛ ولهذا الشيخ هنا أتى بالدليل التفصيلي، وفي أول الكتاب أتى بالأدلة العامة على كل مسائل العبادة، وهذا من الفقه الدقيق في التصنيف، وفقه الأدلة الشرعية، من أن المستدل على مسائل التوحيد ينبغي له أن يدرك التنويع؛ لأن في تنويع الاستدلال، وإيراد الأدلة من جهة، ومن جهة أخرى، وثالثة، ورابعة ما يضعف حجة الخصوم الذين يدعون الناس لعبادة غير الله، وللشرك به -جل وعلا-، وإذا أتيت مرة بدليل عام، ومرة بدليل خاص، ونوَّعت فإنه يضيق، أما إذا كان ليس ثَمَّ إلا دليل واحد فربما أوَّله لك، أو ناقشك فيه؛ فيحصل ضعف عند المستدل، أما إذا انتبه لمقاصد أهل العلم، وحفظ الأدلة، فإنه يقوى على الخصوم، والله -جل وعلا- وعد عباده بالنصر إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ .
وقد قال الشيخ -رحمه الله- في "كشف الشبهات": "والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء المشركين" وهذا صحيح فإن عند العوام الذين علموا مسائل التوحيد، وأخذوها عن أهلها عندهم من الحجج، ووضوح البينات
في ذلك ما ليس عند بعض المتعلمين.
قال: وقول الله -تعالى-: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وجه الاستدلال ظاهر، وهو أن الله -جل وعلا- مدح الموفين للنذر، ومدحه للموفين بالنذر يقتضي أن هذه العبادة محبوبة له -جل وعلا-، وأنها مشروعة، وما كان كذلك فهو من أنواع العبادات، فيكون صرفه لغير الله -جل وعلا- شرك أكبر.
كذلك قوله: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ دال على أن النذر عظَّمه الله -جل وعلا- بقوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وعظَّم أهله، وهذا يدل على أن الوفاء به عبادة محبوبة لله -جل وعلا-.
قال: وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها-: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .
قال: وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها-: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوجب الوفاء بالنذر، فقال: من نذر أن يطيع الله فليطعه وذلك إيجاب الوفاء بالنذر الذي يكون على طاعة، كأن يقول: لله عليَّ أن أصلي كذا أو كذا، وهذا يجب عليه أن يوفي بهذا النذر.
أو يكون نذرا مقيدا فيقول: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أتصدق بمائة ريال، فهذا يجب عليه أن يوفي بنذره لله جل وعلا.
وإيجاب ذلك يدل على أنه عبادة محبوبة؛ لأن الواجب من أنواع العبادات، وأنَّ ما كان وسيلة إليه بأنه أيضا عبادة؛ لأن الوسيلة للوفاء بالنذر هو النذر؛ فلولا النذر لم يأت الوفاء، ومتى أوجب الوفاء لأجل أن المكلف هو الذي ألزم نفسه بهذه العبادة قال: ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه لأن إيجاب المكلف على نفسه معصية الله -جل وعلا- هذه معارِضة لنهي الله - جل وعلا- عن العصيان.
وإذا نذر العبد العصيان، فإن النذر كما هو معلوم في الفقه قد انعقد، ويجب عليه أن لا يفي بفعل تلك المعصية، لكن يجب عليه أن يكفر عن ذلك كفارة يمين، ومحل ذلك باب النذر في كتب الفقه.
المقصود من هنا أن استدلال الشيخ -رحمه الله- بالشق الأول، وهو قوله: من نذر أن يطيع الله فليطعه وهذا ظاهر، وذلك قوله من نذر أن يعصي الله فلا يعصه فأوجب عليه كفارة يمين، فهذا يدل على أن أصله منعقد، فإنه عُقِدَ لكونه عبادة، وإذا كانت عبادة فصرفُها لغير الله شرك أكبر به جل وعلا.
النذر لله -جل وعلا- عبادة عظيمة كما ذكرنا، والنذر لغير الله -جل وعلا- أيضا عبادة، فإذا توجه الناذر لغير الله بالنذر فقد عبده، وإذا توجه الناذر لله -جل وعلا- بالنذر فقد عبد الله -جل وعلا- فالنذر إذا كان لله أو كان لغير الله فهو عبادة، فإذا كان لله فهو عبادة لله -جل وعلا- وإذا كان لغير الله فهو عبادة لذلك الغير.
ونكتفي بهذا القدر، وأسأل الله -جل وعلا- لي ولكم الانتفاع، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. | |
|