أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد خلق الله العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، وحدّ لهم حدودًا ليقفوا عندها ولا ينتهكوها، ومنها إزهاق الروح لأي نفس بشرية بغير حق، ويعني بغير حق: أن قتل أي نفس قد يكون بحق وقد يكون بغير حق كما ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم، وذكر ذلك رسول الله في الحديث الشريف، إذًا قتل النفس التي حرم الله بغير حق كبيرة من كبائر الذنوب التي توبق صاحبها، وتوجب له العذاب في نار جهنم، سواء أقدم الشخص على قتل غيره من بني آدم أو قتل نفسه.
أما قتل النفس بحق فمنها قتل الكفار المحاربين في ساحات الجهاد دفعًا أو طلبًا، وقتل الصائل دفاعًا عن الأنفس والأعراض والأموال، وقتل النفس المسلمة حدًا أو قصاصًا أو تعزيرًا، وأنواع هذا القتل ليس فوضى ولكل أحدٍ من الناس، بل هو مرتبط بالقضاء وولاة أمر المسلمين، ويأتي تفصيل لهذا في خطبة مستقلة إن شاء الله تعالى.
أما الذي يعنينا هنا فهو قتل النفس التي حرم الله بغير حق، عن أنس بن مالك عن النبي قال: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور))، أو قال: ((شهادة الزور)) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله واللفظ للبخاري. وفي الحديث التالي جاء القتل للنفس مقيدًا بالتي حرم الله، وجاء في آيات وأحاديث أخرى التقييد بالحق، عن عبادة بن الصامت قال: إني لمن النقباء الذين بايعوا رسول الله ، بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل النفس التي حرم الله، ولا ننهب، ولا نعصي، فالجنة إن فعلنا ذلك... الحديث، رواه البخاري ومسلم. وهذا الإطلاق لأحاديث متعددة في قتل النفس ورد تخصيصه وتقييده في أحاديث أخرى، وفي آيات محكمة من كتاب الله العزيز.
قال الله تعالى في المحرمات التي حرمها الله على المسلمين: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام:151].
إذًا موضع الشاهد في هذه الآية قوله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وهذا يشمل أي نفس حرم الله قتلها بغير حق، وإن كان قد ورد في نفس الآية مما حرم الله قتل الأولاد لوجود الفقر كما هو منصوص عليه في هذه الآية، أو خشية الفقر وخوفًا منه كما هو في سورة الإسراء التي جاء الضمير فيها مناسبًا للسياق القرآني، فقال تعالى في سورة الأنعام: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151]، وفي سورة الإسراء: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [الإسراء:31]، وقال تعالى: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8، 9]، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: ((أن تدعو لله ندًا وهو خلقك))، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)) الحديث، رواه البخاري ومسلم.
لذا أعود للقول بأن الإطلاق في الحديث السابق جاء مقيدًا ومخصصًا في الآية السابقة وفي قول الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الإسراء:33]، وفي قوله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68]، وفي حديث رسول الله الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي رحمهم الله الذي جاء من رواية أبي هريرة بأن رسول الله قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)).
لقد جاء تحريم قتل النفس التي حرم الله بغير حق في آيات مختصرة، وكما جاء الوعيد الشديد أيضًا في آية عند سماعها أو قراءتها تقشعر الجلود من مصير قاتل المؤمن عمدًا، كما هو الحال فيما ورد من إيضاح وبيان لهذا الأمر الخطير والكبيرة العظيمة، وسوف يأتي ذكر بعض هذه الآيات.
إذًا نبدأ بنفس المسلم التي لا يجوز إزهاقها والتعدي عليها بغير حق، قال رسول الله : ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: مُلحِد في الحرم، ومُبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومُطَّلِب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه)) رواه البخاري رحمه الله. وعن ابن مسعود أن رسول الله قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))، فلو وقع من أي مسلم شيء من هذه الثلاث فليس لأي أحد أن يقتل ويقوم بتنفيذ ذلك في الدولة المسلمة، وإنما ذلك إلى ولي أمر المسلمين بعد إقامة البينة والبراهين والدلائل الواضحة لدى القضاء، حتى لو وجد رجلٌ رجلاً مع زوجته أو إحدى محارمه فإنه لا يجوز له الإقدام على إزهاق روح أي مسلم سواء الرجل أو المرأة مهما كانت الغيرة، هذا من الناحية الشرعية بعيدًا عن العصبيات والعادات القبلية والعشائرية الموجودة في بعض الدول المنتسبة للإسلام التي تعطي الحق مطلقًا بإقدام الرجال من المحارم على قتل المرأة فورًا دون تثبت ورَوِيّة، وقد تكون وشاية وتخطيطًا ومكرًا للإيقاع بالطرفين وإزهاق الأرواح البريئة، وقد يكون الطرفان غير متزوجين، وليس هذا عقابهما، وليس هو عقابهما بعد الإحصان، بل هو الرجم بعد الاعتراف وإقامة البينة التي يعجز عنها الطرف المتهم بالإتيان بالشهود الأربعة.
أرجع لأقول بأنه ليس من حق آحاد الناس الإقدام على القتل وإقامة الحدود، بل هي للدولة المسلمة ولولاتها بعد حكم قضاتها، وليس للفوضى التي تعصف بالأمة مهما بلغت الغيرة على المحارم أو على ارتكاب المنكرات وإرادة تخليص الناس منها، وهذا يأتي الكلام عنه ـ إن شاء الله تعالى ـ عندما يتم التطرق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وارتكاب تلك الفئة الضالة المنحرفة عن منهج الكتاب والسنة وإقدامهم على تغيير المنكرات في كثير من الدول، والنتائج المؤلمة التي أثرت على المسلمين عامة في جميع بقاع الأرض.
إذًا ليس للمؤمن أن يقتل مؤمنًا بأي وجه من الوجوه، ويجب أن لا يقع منه ذلك إلا عن طريق الخطأ، وقد ورد في الآية القرآنية والأحاديث النبوية كفارة ذلك، ولو قتل مؤمن مؤمنًا متعمدًا وقاصدًا قتله بأي طريقة وأسلوب فإن العقوبة تقع عليه في الدنيا والآخرة.
وللقتل العمد أسباب ودوافع كثيرة تدفع الشخص للتخلص من الطرف الآخر سواء كان شخصًا واحدًا أو عشرات أو مئات أو الألوف وعشراتها ومئاتها أو أكثر من ذلك أو أقل، كما يحصل من قادة الظلم والطغيان في أزمنة كثيرة، ومنها هذا الزمان الذي نعيش مآسي المجرمين فيه الذين لا يبالون بما أقدموا عليه من إزهاق للبشرية وتدمير لمصالحها، ولكن بداية النهاية المؤلمة لهم في الدنيا يشاهدها العالم ليروا نتيجة الظلم والطغيان، والتي انتهت بالمهانة وسكنى الجحور في الدنيا بعد الأبّهة والعظمة والتعالي والتفاخر والتنقل بين رَدَهات عشرات القصور، فعلى كل ذي لبّ وبصيرة أن يدرك ويأخذ العبر والعظات بمن أزهق مئات الآلاف، بل الملايين من الأنفس البشرية بغير حق، وما ينتظره من العقاب الأليم يوم الوقوف بين يدي رب العالمين، وقبل ذلك في الحياة البرزخية التي نؤمن بما ورد عنها في القرآن والسنة.
قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً [النساء:92]. وبعد تفصيل الكفارة في هذه الآية جاء قول الله عز وجل في الآية التي تليها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. قال رسول الله : ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار))، قلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: ((إنه كان حريصًا على قتل صاحبه)).
وهنا إشارة لا بد من إيضاحها في الحديث مع أنها واضحة من نفس الحديث في أوله، وحيث أخطأ بعض الكتاب فهمه وفشا بين المسلمين بأن المقتول في النار بكل حال، وهذا خطأ فادح وتحميل النص النبوي ما لم يرد فيه، وليس الأمر كذلك، فالحديث في بدايته يقول فيه رسول الله : ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما))، أي: أن الاثنين يحمل كل منهما سيفًا ليقتل صاحبه، إذًا الالتقاء والمواجهة من قبل الاثنين كل على صاحبه، القاتل والمقتول لديهما الحرص على الانتصار على الطرف الثاني، بعكس المقتول في كثير من الأحيان الذي ليس لديه أي نية وقصد لقتل الطرف الثاني، فليس كل مقتول يدخل تحت هذا الوعيد الوارد في الحديث، وهذا الفرق الموضح سابقًا يجب أن يعلمه كل من يستدل بهذا الحديث ليعرف من دقة الألفاظ المراد والمقصود لئلا يخلط ويدخل كل مقتول في النار حسب فهمه العابر دون تدقيق في العبارة الأولى الواردة في بداية الحديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما))، وبهذا يزول الالتباس والفهم الخاطئ والتفسير والتأويل البعيد للمقصود من الحديث النبوي الشريف.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم)) رواه الإمام مسلم رحمه الله والنسائي والترمذي رحمهما الله. وعن البراء بن عازب أن رسول الله قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) رواه ابن ماجه والبيهقي رحمهما الله. وعن معاوية قال: سمعت رسول الله يقول: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا، أو الرجل يموت كافرًا)) رواه النسائي.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله.
أما بعد: فإن من أهم الأسباب والدوافع التي بسببها يُقدِم الشخص على القتل الغضب والاستعجال، بعد استفزاز الشيطان للشخص انتقامًا من الطرف الآخر، وقد يكون ظلمًا وعدوانًا وطغيانًا وحسدًا وعداوة وبغضاء وغير ذلك من الأسباب.
أما الطرق والوسائل فكثيرة جدًا، والشديد القوي حقيقة هو الذي يملك نفسه عند الغضب، كما ورد بذلك الخبر عن سيد البشر محمد ، حيث يقول: ((ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)). وقد ورد النهي عن الإشارة إلى أي مسلم بأي حديدة، فضلاً عن السلاح المعدّ للقتل، فالملائكة تلعنه حتى يضع حديدته أو سلاحه، وعدم إشهاره في وجه أخيه المسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((لن يزال المؤمن في فُسْحَة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا)).
فالدم الحرام ليس لقتل المسلم لمسلم آخر بعيدٍ عنه فحسب، بل يشمل المسلمين عمومًا، ويدخل في ذلك نفس الشخص، فليس من حقه التخلص من نفسه والإقدام على إزهاقها بأي طريقة من طرق الانتحار المعروفة الآن.
ولا يجوز أن يقدم المسلم أيضًا على قتل أولاده للفقر أو خشيته والخوف منه، ولا قتل أي معاهد ومستأمن ولا أي كافر غير محارب، والمحارب أيضًا له شروط وضوابط تأتي عند الكلام عن الجهاد، والنهي عن قتل الأولاد من أجل الفقر أو الخوف منه قد ورد في بداية الخطبة.
أما عن الشخص لنفسه فقول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [النساء:29، 30]، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يَجَأ بها بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يتحسّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردّى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)) رواه البخاري ومسلم والترمذي رحمهم الله بتقديم وتأخير في الألفاظ. وروى الإمام البخاري رحمه الله من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله : ((الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار، والذي يقتحم يقتحم في النار)). وعن جندب أن النبي قال: ((كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، فحرّمت عليه الجنة)) رواه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله واللفظ لمسلم. وذلك الذي كان في ساحة القتال مع رسول الله ولم يترك شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، وجرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، ووضع سيفه على الأرض وذُبَابه بين ثدييه، وتحامل على سيفه وقتل نفسه، وأخبر رسول الله بأنه من أهل النار، من حديث مطول رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. ومن ضمن الحديث المروي عن ثابت بن الضحاك من قول رسول الله الذي جاء فيه : ((ومن قتل نفسه بشيء عُذّب به يوم القيامة)) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وأما عن قتل المعاهد والمستأمن فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)) رواه البخاري واللفظ له، والنسائي إلا أنه قال: ((من قتل قتيلاً من أهل الذمة)). وقال رسول الله : ((من أمّن رجلاً على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة)) رواه ابن ماجه، وفي الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات".
فليحذر كل مسلم من الإقدام على قتل غيره أو الإسهام في ذلك ولو بشطر كلمة، فضلاً عن المساعدة الفعلية والاشتراك في الجريمة أو تسهيل المهام أو الفتوى ونشرها وترويجها وتوزيعها بأي أسلوب كان، فإذا كان ابن آدم الأول يتحمل جزءًا من كل نفس تقتل ظلمًا لأنه أول من سنّ القتل فإن الأدلة من الكتاب والسنة واضحة جلية فيمن يشترك في قتل الأنفس المعصومة بأي مساهمة ولو بشطر كلمة، ولا يتسع المقام لذكرها.
والتوبة من كل الذنوب واجبة على كل مؤمن، وإن كان قاتلاً لغيره عمدًا أو خطأ، وتقبل التوبة بإذن الله عز وجل بشروطها، ولأن الحقوق في القتل ثلاثة: حق متعلق بالله عز وجل فتجب التوبة منه، وحق لأولياء المقتول ففيه القصاص أو العفو، وقتل الخطأ فيه الكفارة والدية على تفصيل في ذلك. وأما حق المقتول فلا يسقط بتوبة القاتل، بل هو حق للمقتول يحاكم به القاتل ويقتص منه يوم القيامة منه بين يدي رب العالمين، وهناك حق عام للمجتمع يتعلق بولي الأمر.
وأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة هو الدماء، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه رحمهم الله، وللنسائي رواية توضح بجلاء واضح اللبس في أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله وأول ما يحاسب عليه مما يتعلق بحقوق الخلق قال رسول الله : ((وأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء)).
وفي خطبة قادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ يكون الكلام عن القصاص وإقامة الحدود التي هي من عدالة الإسلام، والتفصيل عن التوبة التي التبس أمرها على كثير من المسلمين في القتل والجرائم المتعددة وغيرها، وما يتعلق بالأحداث الراهنة من مواضيع أخرى.
(1/4836)
________________________________________