اضاءات لحافظات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
لماذا حديثنا إليك الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
إن حديثي في هذا اليوم إلى تلك الفتاة العظيمة..التي حازت على الفضل، ولحقت بالركب...
إلى من استضاءت لها دروب الخير، وسمت نفسها وعلت على الغير، وأسرعت في الخطى تحث السير، فأصبحت تُنافس في عالم حافظات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فهي بذلك تلحق بركب أهل الله وخاصته.
إنـني أبعث حديثي هذا إلى صفوة الفتيات...إلى تلكم الدرة الثمينة...
أبعثه إليكن بمداد الأخوة، وقرطاس الصدق، ومحبرة النصح, لعل الله أن ينفعنا بما نقول ونسمع...
أفخري بنفسك ولتفخر بك أمتك:
نعم إن حافظة الوحيين (كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ) من أمثالكن المباركات لهي أولى الناس بأن تفخر بنفسها وحق على أمتها أن تفخر بها فقد شُرفتِ وكُرمتِ لشرف العلم الذي تحملين:
* يا حافظة القرآن لك يجب التوقير والاحترام...لما جاء في الحديث( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه) حديث حسن.
* بل يكفيك شرفاً وعزةً وفخراً أنك من أهل الله وخاصّته...
فيكفي أهل القرآن شرفًا أن أضافهم الله إلى نفسه، واختصهم بما لم يختص به غيرهم، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام( إن لله أهلين من الناس، فقيل: مَن هم؟ قال أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته ) رواه أحمد .
* يا حافظة القرآن هنيئاً لكِ فقد عمَّرت قلبكِ بكلام الله وأقبلتِ على مأدبته...
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنِّي لا أَعْلَمُ شَيْئًا أَصْغَرَ مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِي لا سَاكِنَ لَهُ "
* يا حافظة القرآن لكِ يشفع أقدس كتاب...قال النبي صلى الله عليه وسلم(اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم
* أنت ممن اصطفاهم الله ليستعملك في حفظ كتابه.. فقد قال تعالى:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر
ففي صدرك كتاب لا يغسله الماء، قال الله تعالى : { بَلْ هُوَ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} العنكبوت
* وياحافظة السنة المطهرة يكفيك شرفاً أن تحدثي مبتدئة بقراءة سلسلة شريفة ينتهي سندها إلى خير من وطئ الثرى محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام .
* ياحافظة السنة المطهرة أنتِ من دعا لك النبي صلى الله عليه وسلم فقال(نضَّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ) صحيح أبي داوود
قال سفيان بن عُيَينة: "ليس من أهل الحديث أحد إلا وفي وجهه نضرة ، لهذا الحديث " .
* ياحافظة السنة هنيئاً لكِ فبك يحفظ العلم من عبث المفسدين وتأويل الجاهلين قال صلى الله عليه وسلم(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) رواه أحمد.
ولما اُختصت حافظة الوحيين بهذه الفضائل العظيمة والشمائل الكريمة...كان لزاماً علينا أن نهتم بها وأن نضيء الدروب من حولها...
لتسير بخطىً ثابتة, قدماها في الثرى وهمتها في الثريا...
نريدها أن تسير بعزة المؤمن وشموخه محافظة على أعظم كنز فازت به حين حُرم منه الكثير...
سلسلة إضاءات في دروب الحافظات... أخيتي هي من أجلكِ, نقف فيها عند شيء مما حفظتيه من الوحيين الشريفين, ننهل من معينهما ونقتبس من نورهما لنضيء بهما الآفاق لنا ولمن حولنا...
نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع متوجاً بالعمل الصالح, ويرزقنا الإخلاص قولاً وعملاً...
والله الله بإصلاح النية وتجديدها وتنقيتها مما يشوبها... فرب عمل صغير تكبره النية ورب عمل كبير تصغره النية...
احرسي وعائك ( غض البصر )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
يمتن الله سبحانه وتعالى على عباده بنعم شتى, لا تعد ولا تحصى, ومن عظيم هذه النعم هي نعمة البصر..
فهي قوة للمبصر, يقضي حاجته دون مساعد, ويدفع الأذى عن نفسه, ويتمتع في عظمة الكون حوله...ولا يُقدّر هذا إلا من كف بصره..
هذه الحاسة تأتي في المرتبة الثانية بعد حاسة السمع من حيث الأهمية حيث قال الله تعالى:{ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراً} الإنسان
ومما لا شك فيه أن البصر من أعظم المنافذ إلى القلب، يقول الإمام القرطبي رحمه الله:" البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه"
البصر عند حافظة الوحيين
حافظة الوحيين تحفظ قول ربها عز وجل..{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} النور
وتحفظ قول نبيها عليه الصلاة والسلام(اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم) صحيح الترغيب
فهيا أيتها المباركة, لننطلق من هذين النبعين الصافيين, لننهل منهما الدروس والفوائد, حتى يثمر هذا الحفظ فنكون جمعنا بين العلم والعمل...
ماذا نقصد بغض البصر؟
يُقصد به أن يكف المرء بصره عن جميع ما حرم الله عليه, ولا ينظر إلا لما أباحه الله له.
وفي الآية التي مرت بنا نجد أن الله سبحانه وتعالى قد قدم غض البصر على حفظ الفرج لأن إطلاق البصر في الحرام سبيل إلى الزنا والعياذ بالله وتأملي قول النبي عليه الصلاة والسلام(إِنَّ الله كَتَبَ على بن آدَمَ حَظَّهُ من الزِّنَا أَدْرَكَ ذلك لا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تتمنى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلك كُلَّهُ أو يكذبه) رواه الشيخان
و غض البصر ليس مختصًّا بالرجال، بل كما تحفظين من كتاب ربك حيث الأمر موجّه كذلك للنساء لأن لديها شهوة كما هي عند الرجال فأمرت بغض بصرها كي لا تطلق النظر فيهم فترى منها ما يدعوها للتعلق بهم, وتمكنهم من قلبها, فحرصاً على قلبها من الفتن والشهوات وأن يتأثر بما ترى ويؤجج نار الشهوة فيه وجب عليها غض بصرها عن الحرام ليغلق باب الفتنة دونها.
فالواجب على المرأة أن تغض بصرها فهو أقوى لدينها وأصلح لقلبها.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول(وخير صفوف النساء المؤخر،وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن لا ترين عورات الرجال) الحديث.
خطر إطلاق بصرك في الحرام
إن النظر إلى ما حرم الله عز وجل من أعظم المصائب التي تصب المرء, ويورث الحسرات والزفرات، والألم الشديد وتفسد عليه دينه الذي هو أثمن شيء يحمله الواحد منافي نفسه...فإذا خسرت دينك فماذا ربحت إذاً من هذه الحياة؟؟!!
فمن آثاره السيئة التي يجب أن تحذر منها حافظة الوحيين:
1- يفسد قلبك:
هذا القلب الذي تحملين فيه أشرف العلم وأعظمه, يجب أن يكون حصناً حصيناً من سهام إبليس المسمومة وإلا أفسده عليك, فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته.
2- يعيق مسيرتك إلى ربك عز وجل:
فإذا اشتغل القلب بما حرم الله عز وجل, أورث صاحبه كسلاً عن الطاعة, وهروباً عن ذكر الله, حتى يوقعه في نهاية المطاف إلى الغفلة عن ربه عز وجل والدار الآخرة.
3- يسبب نسيان القرآن والعلم النافع:
فإن من عقوبات النظر المحرّم إبطال الطاعات وهذا والله أعظم الخسران,
وتأملي قصة هذا الشاب لتدركي خطر البصر:
قال عبدة بن عبد الرحيم: خرجنا في سرية إلى أرض الروم فصحبنا شاب لم يكن فينا أقرأ للقرآن منه ولا أفقه ولا أفرض, صائم للنهار قائم لليل, فمررنا بحصن فمال عنه العسكر ونزل بقرب الحصن فظننا أنه يبول فنظر إلى امرأة من النصارى تنظر من وراء الحصن فعشقها, فقال لها بالرومية: كيف السبيل إليك ؟, قالت: حين تتنصر يُفتح لك الباب وأنا لك. ففعل فأُدخل الحصن, قال عبدة: فقضينا غزاتنا في أشد ما يكون من الغمِّ, ثم عدنا في سريةٍ أخرى فمررنا من فوق الحصن مع النصارى, فقلنا: يا فلان ما فعلت قراءتك؟ ما فعل علمك ؟ ما فعلت صلواتك وصيامك ؟.قال: اعلموا أني نسيت القرآن كله, ما أذكر منه إلا هذه الآية وقرأ{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}
4- من أخطاره كذلك أنه لا يقف عند حد معين:
فإذا تركت لبصرك أن ينطلق حيث شاء دون رادع, فإن البصر سيسترسل إلى مطالعة الصور ، الواحدة بعد الأخرى ، والصورة بعد الصورة ، دون أن يشفي غليله أو يطفئ لهيبه بل هو في ازدياد وانحدار مخيف.
5- هو أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان:
فإن النظرة تولد الخطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع, ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
6- يفقدك أعظم لذة وهي لذة الأنس بالله عز وجل:
فحينما تطبق المعاصي على القلب, يذهب نور بصيرته, وتصيبه الوحشة, إذ أنه فقد لذة القرب والطاعة لربه.
ما أسباب إطلاق البصر؟
تتعدد الأسباب في ذلك ونذكر منها :
1- ضعف الوازع الديني وقلة خشية الله عز وجل, وجعله أهون الناظرين إليك.
2- إتباع هوى النفس الأمارة بالسوء والاستسلام لحبائل الشيطان.
3- عدم إدراك الخطر الحقيقي من عاقبة إطلاق البصر في المحرمات.
4- تغليب جانب الرجاء وأن الله سيعفو ويغفر ونسيان أن الله كذلك هو شديد العقاب.
5- التساهل في نظر الفجاءة, وعدم غض البصر مباشرة تدفع إلى الاستزادة في الإطلاق فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( يا عليُّ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) أبي داوود
6- وجود لذة كاذبة يشعر بها الناظر في نفسه، وهي أثر من آثار الغفلة عن الله وقلة تعظيمه في القلب.
ولكن اللذة الحقيقية هي تلك التي استوطنت في قلوب من عظموا الله عز وجل وغضوا أبصارهم عما نهاهم عنه..
هل أجد لذة حقيقية في غض البصر؟
نعم يا رعاك الله, فغض البصر تجنين منه فوائد عظيمة ذكرها ابن القيم رحمه الله وها أنا أورد لك شيئاً منها:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح.
3- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات.
4- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
5- أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة.
6- أنه يورث محبة الله، قال الحسن بن مجاهد: غض البصر عن محارم الله يورث حب الله.
7- أنه يورث الحكمة، قال أبو الحسين الوراق: من غض بصره عن الحرام أورثه الله بذلك حكمة على لسانه، يهدى بها سامعوه.
8- أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بما ينجيه يوم القيامة.
كيف السبيل لتحقيق هذه اللذة؟
من منا لا يخطئ قط؟؟ ومن منا كانت له الحسنى فقط؟؟
كلنا ذلك المخطئ المقصر ولكن الخير فيمن بادر بالتوبة قبل حلول ساعة الندم قال صلى الله عليه وسلم(كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين : التوابون) الترمذي
فيا من أصيبت بهذا الداء, لا تقنطي من رحمة الله وإليك بعض الوسائل التي تعينك على غض بصرك:
1- الإستعانة بالله عز وجل والإنطراح على أعتابه والإلحاح في دعائه فاعلمي أنه لا ملجأ لك منه إلا إليه, فقد كان رسولك وقدوتك عليه الصلاة والسلام يقول( اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي) رواه أبو داود
2- تذكري أنه مهما غبتِ عن أعين الناس وأوصدتِ الأبواب إلا أنه مازالت عين الرحمن تنظر إليك, ويرصد حركاتك وسكناتك قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور } غافر
فإياك أن تجعلي الله أهون الناظرين إليك.
3- تذكري أن هاتين العينين من نعم الله عليك, وهذه النعمة تحتاج إلى شكر حتى تدوم..فهل تقابلين هذه النعمة بالكفر والعصيان؟؟ وهل تجعلين منها وسيلة لإغضاب الله عز وجل؟؟
4- تذكري نعيم الجنة وما أعده الله لعبادة الصالحين الطائعين له كما قال تعالى عن نعيمها{وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وانتم فيها خالدون}, وأدركي أن الدنيا ساعة فاجعليها طاعة.
5- ابتعدي عن المواطن التي فيها فتنة عليك, من مواقع ومجلات وأسواق ومجالس.
6- داومي على ذكر الله عز وجل وأكثري من النوافل فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض ، سببٌ في حفظ جوارح العبد ، قال الله تعالى في الحديث القدسي ( وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه) البخاري
7- ادفعي وساوس الشيطان وأغلقي دونه كل باب, وكلما نفخ في قلبك بادري بالإستعاذه وارفعي همتك في وجهه قائلة[ لا إني أخاف الله رب العالمين] فإن كيد الشيطان ضعيفاً وإذا رأى منك القوة ولّى هارباً.
8- احذري من أن تكون خاتمتك وأنت مطلقة العنان لبصرك فيما حرم الله...فتبعثين على تلك الحال المخزية.
9- الله الله بالصبر...والمجاهدة في ذلك ولا تيأسي وابشري بالإعانة من ربك حيث قال{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}العنكبوت.
10- متعي بصرك بالنظر في ملكوت الله عز وجل, في عظمته وبديع صنعه, في آياته في السموات والأرض, فهذا من شأنه أن يزيد إيمانك ويشغلك فيما ينفعك..
ختاماً...
يا حافظة الوحيين احرسي قلبك ولا تجعلي عينيك منفذاً للشيطان إليه...فقلبك يحمل آيات بينات وعلم من أشرف العلوم...وأنتِ مؤتمنة عليه..
فإياكِ إياكِ أن تبدلي نعمة الله كفراً...وأنتِ أولى الناس بإمتثال أوامر الله واجتناب نواهيه..ثم كوني سفيرة خير لأهلكِ وأخواتكِ ومن حولكِ صححي أخطائهم وابذلي النصح لهم..فالمؤمن يحب الخير لإخوانه كما يحبه لنفسه...
احذري الحفظ العقيم
(تدبر القرآن )
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
القرآن الكريم...كلام الله عز وجل, وهو كتابنا الخالد, ودستورنا المنزه عن العيب والنقائص...
القرآن الكريم هو النور والضياء, إذ به تستضيء لنا الدروب, وتشرق لنا الحياة قال تعالى{وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـَـاءُ مِنْ عِبَادِنَا}الشورى
القرآن الكريم هو حبل الله المتين فبه تحصل الهداية والنجاة قال تعالى{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } الإسراء
ولذلك يجد المتأمل في سيرة سلفنا الصالح كيف كان الاهتمام بهذا الوحي العظيم...
اهتماماً لم يقف عند مجرد الحفظ لحروفه وآياته, بل الأمر عندهم أعظم من هذا بكثير...
فقد أخذوه بحقه... تلاوة وحفظاً, وتدبراً وفهماً, وتطبيقاً وعملاً.
في وقت صببنا جل اهتمامنا بالحفظ المجرد, الخالي من البحث والتأمل...
وليس المقصود بهذا أننا ندعو لترك حفظه وتلاوته وتجويده؛ ففي ذلك أجر كبير, لكن ما نطمح إليه ونبحث عنه التوازن بين الحفظ والتلاوة والتجويد من جهة وبين الفهم والتدبر, ومن ثم العمل به من جهة أخرى كما كان عليه سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ...
التدبر عند حافظة الوحيين:
تحفظ حافظة الوحيين قول باريها عز وجل حيث قال{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ}ص
وهي كذلك تعلم من خبر نبيها عليه الصلاة والسلام حين نزل قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}آل عمران
فقال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها". صحيح الترغيب
فلنتوقف لحظات أيتها المباركة عند هذين الموردين..نقف وقفة تأمل ومحاسبة دقيقة لأنفسنا المقصرة...نحن أهل القرآن لكن هل قمنا بحق القرآن على الوجه الأتم؟؟؟ أم مجرد كل اهتمامنا هو حفظ الآيات حفظاً عقيماً خالياً من التدبر والتأمل؟؟؟
ماذا نقصد بتدبر القرآن؟
التدبر بشكل عام هو النظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه.
وتدبر القرآن: هو تفهم معاني ألفاظه ومقاصد آياته, والتفكر فيما تدل عليه؛ ليتعظ القلب وتخشع النفس وتهتدي بنوره, وتخضع لأوامره, وينشرح الصدر للعمل الصالح.
درجات تدبر القرآن الكريم:
الدرجة الأولى: التفكر والنظر والاعتبار, قال تعالى{كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}البقرة
الدرجة الثانية: التأثر وخشوع القلب, قال تعالى {إن الذين أُتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا*ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا* ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}الإسراء
الدرجة الثالثة: الاستجابة والخضوع لله, ,هذا من أعظم مقاصد التدبر, وقد قال تعالى {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} الأنعام
الدرجة الرابعة: استخراج الحكم, واستنباط الأحكام.
علامات تدبر القرآن الكريم:
هذه العلامات تحدث الله عنها عز وجل في كتابه, مبيناً حال عباده الصالحين مع كلام ربهم.
يصف لنا بكل دقة وجلاء, كيف تعاملوا مع الوحي الذي يُتلى عليهم, ويحفظونه في صدورهم...قال الله في وصفهم:
* {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }المائدة
* {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}الأنفال
* {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} الإسراء
* {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} الفرقان
* {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}الزمر
فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
1- انسكاب العبرات خشية وتلذذاً.
2- وجل وخشية تستقر في القلب.
3- زيادة ملحوظة في الإيمان.
4- السجود تعظيماً لله عز وجل.
5- اجتماع القلب والفكر أثناء التلاوة والاستماع.
6- قشعريرة البدن من خشية الله وتعظيمه.
7- ثم يعقبها الرجاء والسكينة.
فهنيئاً لمن كان هذا حاله مع كلام ربه, هنيئاً له تلك اللذة والأنس التي تتسرب إلى قلبه, هنيئاً له فهو يعيش مع القرآن عيشة حقيقة, تختلف وتبتعد كما بين المشرقين عمن يعيش مع القرآن وهمه آخر السورة, يقلب صفحات المصحف وتمر به الآية تلو الآية والقلب منشغل غافل لاهٍ, حارماً نفسه من ثمرات عظيمة..
فما هي ثمرات تدبر القرآن الكريم؟
لاشك أن من يقف متأملاً ومتدبراً لكلام ربه عز وجل, أنه رابح ربحاً عظيماً وخيراً وفيراً يقول ابن القيم رحمه الله:
"فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته..."
فمن ثمرات التدبر...
1- رسوخ اليقين في القلب, قال تعالى{ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ }الجاثية
فكلما زاد تمعنك وعرض قلبك على آيات ربك...ازددت يقيناً, وثباتاً وعلواً.
2- زيادة الإيمان، قال تعالى{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
ففهمك لما تقرأين واستشعار عظمة الخطاب الموجه إليك, يزيد من إيمانك بربك,ويجعلك مستبشرة بعظيم فضله ومنته, بعكس المنافق المعرض صاحب القلب المريض إذ لا تزيدهم إلا شكاً ومرضاً وإعراضاً.
3- وفي التدبر الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى فلقد أمرنا بذلك فقال{أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء.
4- بالتدبر تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب, قال تعالى{ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين*قل بفضل اله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} يونس
5- به تنالين العلم الصحيح النافع المثمر, ففيه هدايتك وبصيرتك, قال تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }سورة فصلت
6- يزيد من زهدك في الدنيا لأنك عرفت حقيقتها, ويتعلق قلبك بالحياة السرمدية المقبلة... قال الحسن :" يا ابن آدم: والله إن قرأت القرآن ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حُزْنُك، وليشتدَّنَّ في الدنيا خوفُك، وليكثُرَنَّ في الدنيا بكاؤك".
7- يزيد من همتك ونشاطك في التزود من الطاعات والبعد عن السيئات, وهذا نتيجة طبيعية لزيادة الإيمان الحاصلة بسبب التدبر.
كيف السبيل إلى تدبر القرآن الكريم؟
كلنا يطمع في أن يصيب الهدف, ويجني الثمار اليانعة للتدبر...وسنعرض هنا بعض الوسائل التي تعيننا بإذن الله على تحقيق ذلك:
1- الإخلاص لله في طلب التدبر, فلا تقصدين بذلك رغبة في الشهرة أو التعالي والارتفاع على صويحباتك وأخواتك فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال(من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة [ يعني ريحها]) سنن أبي داوود
2- استشعار أن الله سبحانه وتعالى يخاطبكِ أنتِ بهذه الآيات, وقد قال محمد بن كعب: " من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله "
3- الاستجابة الفورية لما يمر بك من أوامر ونواهي قال ابن مسعود في قوله تعالى { يتلونه حق تلاوته} قال:" والذي نفسي بيده إن حق التلاوة أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرؤه كما أنزله الله ".
4- الإقبال على القرآن بحب وتهيئ من حسن التطهر واختيار المكان المناسب فإن هذا مما يزيد من نشاط النفس والإقبال على الطاعة.
5- الاستعانة بالله واللجوء إليه والاستعاذة من وساوس الشيطان عند الشروع في التلاوة قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان : "الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن ، وهو تدبره وتفهمه ، ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه ، فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن ، فلا يكمل انتفاع القارئ به ، فأُمر عند الشروع أن يستعيذ بالله تعالى منه " أ.هـ
6- العناية بترتيل القرآن امتثالاً لقول الله عز وجل{ ورتل القرآن ترتيلا} المزمل..
والترتيل يُقصد به القراءة المتأنية المتمهلة, فلا يكن الهم وشغلك الشاغل أن أنهي هذه السورة أو هذا الجزء, قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" اقرؤوا القرآن ، ولا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، حركوا به القلوب،ولا يكن هم أحدكم آخر السورة"
7- احضري قلبك عند تلاوته وسماعه, قال ابن قيم رحمه الله:"إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}ص
8- الجهر بالتلاوة وتحسين الصوت مما يزيد الخشوع في النفس ويعين على التدبر, فعن ابن أبي ليلى رحمه الله قال:"إذا قرأت فاسمع أذنيك فإن القلب عدل بين اللسان والأذن"
9- رددي الآية التي تؤثر فيك وتحرك معها قلبك.. فعن أبي ذر رضي الله عنه قال:قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها وهي قوله تعالى{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}المائدة
10- استدعاء البكاء والخشية عند قراءته.
11- الاستعانة بعد الله بكتب التفاسير للعلماء الثقات, فلا يمكن أن تحققي التدبر إلا بعد أن تفهمي معاني ما تقرأينه من آيات وأسباب نزولها والأحداث المصاحبة لها.
12- تخصيص ورد يومي للتدبر, فتكون ختمتك هذه ختمة تدبر تلخصي فيها ما استفدتيه من فوائد وعبر, ولا بأس إن أخذتِ فيها السنة أو أكثر.
13- التدرج في التدبر والتأمل حتى لا يكثر على النفس فتمل ثم تترك هذا العمل وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتعلموا عشر آيات فلم يجاوزوهنّ حتى يعرفوا معانيهنّ والعمل بهنّ.
14- التجاوب مع الآيات فإذا مررت بآية فيها استعاذة فتعوذي, وإن مررتِ بتسبيح لله فسبحي, وإذا مررتِ بدعاء واستغفار فادعي واستغفري وقد كان هذا هدي نبيك عليه الصلاة والسلام.
لقد كانت هذه جملة من الأسباب والمفاتيح التي تعين على تدبر كتاب ربنا عز وجل...
هل هناك موانع تحول بيني وبين تحقيق التدبر؟
نعم أيتها الفاضلة فهناك أسباب وصوارف تحول بينك وبين التدبر ومنها:
1- الذنوب والإصرار على المعاصي قال تعالى{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}الأعراف
فالذنوب سبب لظلمة القلب والإقفال عليه وحجبه عن نور الله عز وجل.
2- التعلق الزائد بالدنيا وملذاتها, فهذا مما يصرف القلب عن التلذذ بالخطاب الرباني.
3- التكلف المبالغ فيه وحصر الإهتمام فقط بتحسين الصوت بالقراءة بعيداً عن التدبر.
4- الإعتقاد بأن التدبر هو مهمة مقصورة على العلماء والمفسرين, وهذا خطأ فالتدبر واجب مأمور به الجميع قال ابن كثير:"يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون القرآن" فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب.
ختاماً...
ما أجمل أن نعيش مع كتاب ربنا عز وجل.... نبحر في معانيه, ونغوص في لطائفه وأسراره...وتجول خواطرنا في الحكم النابعة منه...
فإذا ذقتِ هذه الحلاوة, ووجدتِ لذتها في نفسك...فابتدري بها من حولك, من أهلك وإخوانك وأخواتك وصديقاتك...لنحيي هذه العبادة العظيمة, التي شغل عنها الكثير والتي لا يجب ويعاب على حافظة الوحيين أن تنشغل عنها...
أسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا...
وأسأله أَنْ ينَوِّرَ بِكِتَابِه أَبْصَارَكنَّ، وَأَنْ يُطْلِقَ بِهِ ألسِنتَكنَّ، وَأَنْ يغسلَ بِهِ قُلوبَكنَّ، وَأَنْ يشْرَحَ بِهِ صُدورَكنَّ، وَأَنْ يُفرّج به هُمومَكنَّ وسَائرَ المسلمينَ والمسلمات...
حصن على قصورك الشامخة
( قيام الليل )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
يقبل الليل بظلامه, فيعم السكون وتخف الحركة, ويأوي كلاً منا إلى مأواه ومستقره...
وهنا تتمايز الأحوال...إذ أن ليل حافظة الوحيين يختلف تماماً عن ليل غيرها من اللاهين الغافلين...
ففي ليلها أسرار ومناجاة, انطراح وعبرات, نور ورحمات...فهي تخلو بربها وتصفُّ أقدامها بين يدي الملك العلام, وتمرغ جبينها للقدوس السلام...
تسأله من فضله, وتستغفر من تقصير في حقه, وتبث شكواها إليه, فهي تعلم ألا مهرب منه إلا إليه...
أنس ولذة تخالط بشاشة قلبها, فتود أن ساعات الليل لا تنقضي...
نعم فهكذا يجب أن يكون حال حافظة الوحيين...تحرس علمها وتحصن قصورها الشامخة بدموع السحر وركعات المنيبين...قال أبو عصمة البيهقي: "بت ليلة عند أحمد بن حنبل, فجاء بالماء فوضعه، فلما أصبح, نظر في الماء فإذا هو كما كان, فقال: سبحان الله, رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل!"
حافظة الوحيين وقيام الليل:
إن من الآيات التي عمرتِ بها قلبك قول الله عز وجل{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِهِ قُلْ هَل يَستَوي الذيِنَ يعلمون والذين لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَاب} الزمر.
وتعمرين قلبك كذلك بأمر نبوي كريم حيث قال عليه الصلاة والسلام(عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم ،وقُربة إلى الله تعالى ،ومكفرة للسيئات ،ومنهاة عن الإثم ،ومطردة للداء عن الجسد) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
فلتناخ مطايانا هاهنا, ولنرد على هذين الموردين الصافيين, ننهل من معينهما عظيم الفوائد, فنحرك بهما بواعث الهمة والنشاط...
ماذا نعني بقيام الليل؟
قال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
"الصلاة في الليل تسمى تهجداً وتسمى قيام الليل، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً}" أ.هـ
والتّهجّد في اللّغة : من الهجود ، ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر فهو من الأضداد.
ويقال: تهجّد إذا أزال النّوم بالتّكلّف .
والتّهجّد - عند جمهور الفقهاء - صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم.
عدد ركعاته وأفضل أوقاته:
* أقله أن تصلي ركعة واحدة وتسمى الوتر وقد ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"
* أما أكثرها فلا حد له لعموم الحديث السابق وإن كانت السنة الثابتة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه لم يزد عن إحدى عشرة ركعة فالأولى المحافظة على هذا العدد، ومن أرادت الزيادة فلا بأس.
* وأما عن أفضل الأوقات لصلاة الليل فهو الثلث الأخير من الليل ليوافق النزول الإلهي، كما قال صلى الله عليه وسلم(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟" رواه البخاري ومسلم.
ذلك هو أفضل الأوقات لمن علمت من نفسها أنها ستقوم من آخر الليل، وأما من خافت أن لا يستيقظ فالأفضل أن تصلي وتوتر قبل أن تنام، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي وغيرها.
المكانة العالية لقيام الليل:
لقد أعلى الله شأن هذه العبادة الجليلة, ورغب فيها نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام... ومما يدلك على مكانتها تلك الآيات والأحاديث الواردة في فضلها:
● أمر الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بقيام الليل إذ قال جل وعز:{ يَا أيُهَا الْمُزَّمّلُ * قُمْ اللّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ منْهُ قَلِيلاً * أو زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرآنَ تَرْتِيلاً} المزمل
وقوله تعالى{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} الإسراء
● حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها والعناية بها حضراً وسفراً فعن عائشة رضي الله عنها قالت(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه . فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال أفلا أكون عبداً شكوراً (متفق عليه.
● قيام الليل من صفات عباد الرحمن الذين امتدحهم الباري في سورة الفرقان فقال في وصفهم {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}
● وقال النبي صلى الله عليه وسلم (في الجنة غُرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقيل : لمن يا رسول الله ؟ قال:لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وبات قائماً والناس نيام) صححه الألباني.
● وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما( نِعمَ الرجل عبد الله ، لو كان يصلي من الليل(متفق عليه.
قال سالم بن عبد الله ابن عمر : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
● وقال صلى الله عليه وسلم) من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ) صحيح أبي داوود.
قوم فقــهوا فعــملـوا:
هذه الآيات والأحاديث الواردة في فضل قيام الليل لم تمر مرور الكرام على سلفنا الصالح, بل اتبعوا العلم بالعمل, واجتهدوا في مرضات الله فحازوا الشرف في الدنيا ونسأل الله أن يبلغهم الشرف الأعظم يوم القيامة...
ولنا معهم وقفات نتأمل فيها حال رهبان الليل فرسان النهار فهي مما يبعث الحماس في النفس:
● عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلن يصلي ما شاء الله حتى إذا كان آخر الليل يعظ أهله يقول : الصلاة الصلاة و يتلوا{ و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها } ) رواه أبو داود
قال الحافظ ابن كثير عن ليل عمر:"كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر"
● وقف العبّاد بن بشر يصلي الليل كله وكان مكلفا بحراسة المسلمين في إحدى الغزوات فأتى رجل من الأعداء فرماه بسهم فوقع في كتفه لكنه كان متلذذاً في قربه ومناجاته لربه، فنزع السهم واستغرق في صلاته ولم يعبأ بآلامه، فلم يلبث الكافر أن رماه بسهم آخر فيقع في كتفه أيضا، فينزعه ويكمل الصلاة.. فيعيد الرجل الكرة مرة ثالثة ويقع في المكان نفسه فينزعه، ثم يركع ويسجد ويسلم، ثم يوقظ الصحابي الآخر الذي يتناوب معه بالحراسة، لا لشيء إلا ليتولى حراسة المكان، لا ليشكو ما حدث له!! فيسأله الصحابي الآخر: لماذا لم توقظني من أول سهم رميت به؟ فيقول: كنت أقرأ سورة من القرآن فكرهت أن أقطعها! ولأن أكمل الركعتين أحب إليّ من خروج روحي.
● وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه اذا هدأت العيون وأرخى الليل سدوله، سمع له دويّ كدوي النحل وهو قائم يصلي.
● فهذا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط.
● وكان منصور بن المعتمر إذا ادلهم الليل وبسط جناحه المظلم على البيوت يصلي في سطح بيته، فلما مات قال غلام صغير يسكن في البيت المجاور: يا أماه! الجذع الذي كان على سطح آل فلان لست أراه الآن، فقد كان يظنه جذعاً واقفاً طوال الليل لا يتغير، فقالت أمه باكية متأثرة: يا بني ليس ذلك والله بجذع، إنما ذلك منصور وقد مات!!!
● كان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك ولكن!!! فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته .
● وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء ، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها ، ثم تقول : إلهي ، غارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر ، فإذا جاء السحر قالت : اللهم هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر ، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهنى ، أم رددتها علي فأعزى.
● كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر.
نعم أيها الفاضلات فلنتنافس معهم, ونسابقهم في الخيرات, ولنتغلب على هوى أنفسنا والشيطان لننال بذلك الأجر العظيم...
ثمرات قيام الليــل:
قيام الليل نعمة كبرى, والموفق من سعى إليها وحافظ عليها...ففيها من الفوائد والثمرات ما تشتاق إليه نفوس العارفين, وتطمع إليه قلوب المخبتين...فمن ثمراته:
1- الأنس بربك والتلذذ بمناجاته قال الحسن البصري: "ما أعلم شيئاً يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة "
2- هو شرف المؤمن وسؤدده قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مُفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مَجزيّ به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس) حسن صحيح
3- من أعظم الأسباب الموصلة للجنة قال صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن سلام(يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام) سنن الترمذي.
4- إن أنتِ جمعت بين حفظك للقرآن وقيامك به بالليل فأنتِ المغبوطة بين الناس جميعاً مصداقاً لقول نبك عليه الصلاة والسلام(لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) البخاري.
5- يورثك الرضا والقناعة والاطمئنان قال تعالى{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} طه.
6- قيام اللّيل أبلغ في الحفظ وأثبت في الخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه)السلسلة الصحيحة .
فعبادة اللّيل أشد نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة قال تعالى{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} المزمل
7- قيام الليل ينقي القلب مما يشوبه من أمراض وآفات قال يحيى بن معاذ:" دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام اللّيل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين "
8- به تصفو النفس وينشط البدن فقد قال صلى الله عليه وسلم (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة مكانها : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) البخاري.
9- به تستمطرين سحائب رحمات ربك الرحيم التواب فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال(رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء) سنن أبي داوود.
10- ضحك الله للقائمين بالليل واستبشاره بهم ففي الحديث(ثلاثة يحبهم الله ويضحك لهم ويستبشر بهم,وذكر منهم... والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء) حديث حسن...
وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه كما في الحديث الصحيح.
11- به تكتبين من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات قال صلى الله عليه وسلم(من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) سنن أبي داوود.
مالأسباب الميسرة لقيام الليل؟
مما لاشك فيه أن تهفو قلوب المؤمنات الصادقة أن تنال هذا الشرف العظيم, وتزاحم مع من زاحموا لتصف أقدامها باب رب العالمين...ولذا سنذكر شيئاً من الوسائل التي تعينك بعد الله على قيام الليل:
1- تذكر منزلة قيام الليل عند الله عز وجل وما أعده من عظيم الثواب للمتهجدين.
2- النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان, كيف كانت هممهم ومسابقتهم في الخيرات وطول قيامهم.
3- إخلاص النية لله عز وجل فهي مناط العمل قال ابن القيم رحمه الله :" وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك"
4- قصر الأمل وتذكر الموت فإنه يدفعك إلى المثابرة في العمل ويذهب عنك الكسل؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) متفق عليه.
5- الحرص على النوم مبكراً حتى يأخذ الجسم حاجته من الراحة فتستيقظي لقيام الليل بقوة ونشاط فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها..
6- اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف . رواه أبو داود وأحمد
7- الحرص على آداب النوم الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم...من النوم على طهارة والاضطجاع على شقك الأيمن, ثم الدعاء بما ثبت من أذكار ما قبل وبعد النوم.
8- الحرص على نومة القيلولة بالنهار, وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل )رواه الطبراني
وقد مرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال : أما يقيل هؤلاء ، فقيل له : لا فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء.
9- عدم الإكثار من الأكل والشرب في المساء فيغلبك النوم، ويصعب عليك القيام، وقد قيل: لا تأكل كثيراً، فتشرب كثيراً، فتنام كثيراً، فتخسر كثيراً، وقال لقمان لابنه وهو ينصحه: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
10- لا ترهقي نفسك بأعمال مجهدة خلال النهار فتستهلك كل طاقتك ونشاطك.
11- الحذر الحذر من الذنوب والمعاصي والإصرار عليها قال رجل لإبراهيم بن أدهم :" إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف ."
وقال رجل للحسن البصري : "يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك"
12- الابتعاد عن فضول النظر والكلام؛ فإن ذلك يقسي القلب، ويبعده من الرب.
13- التدرج في القيام ولا تكلفي نفسك فوق طاقتها حتى لا تمل فتتركِ القيام كلياً فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ : امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ ، تُصَلِّي . قَالَ : (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
كانت هذه جملة من الأسباب المعينة بعد الله على أداء هذه العبادة العظيمة...
ختاماً:
إن لدموع السحر لذة لا تعدلها لذة, فيها الأنس برب رحيم والشكوى لربٍ قدير ومن جميل ما يطرح في هذا المقام ما قاله ابن القيم رحمه:"إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله"
أسال الله ألا يحرمنا وإياكن لذة مناجاته, ولذة النظر إلى وجهه الكريم...
ثابري واقتفي الأثر
( الدعوة إلى الله )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي شرف كل مؤمن ومؤمنة...وهي العز والسؤدد.
كيف لا يكون ذلك وهي سبيل نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام{ قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف
الدعوة إلى الله نور هداية, ومشكاة صلاح, فهنيئاً لمن حمل هذا المشعل المبارك وسار به ليضيء للناس طريقهم , ويأخذ بأيديهم إلى الله عز وجل...
ففي زمان ترى فيه تسارع أعدائنا في استهداف شبابنا وفتياتنا...زمان كثر فيه الناعقون بإسم الدين وهو منهم براء...زمان يعج بالفتن...كبحر هاجت به الريح فتلاطمت أمواجه...
إلا أنه ثلة من فتياتنا, وأخواتنا, وبنياتنا, كنَّ كجلمود صخر...تحطمت عليها آمال المفسدين... ومخططات ال