قرأت لك هذا الكتاب
استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا !!” عمر بن الخطاب
قَدَّمَ المُؤلّف لكتابه بتوصيف واقع المسلمين اليوم, والعرب منهم خاصَّة, الذين يمثلون قلب العالم الإسلامي، وقد ألَّفه بعد كتابه “الحرية أو الطوفان”، وهو دراسة موضوعية عن الخطاب السياسي الإسلامي، ومراحله التاريخيَّة، والذي قسَّمه إلى ثلاث مراحل:
- الخطاب المنزَّل: من 1 إلى 73 هـ.
- الخطاب المؤوَّل: من 73 هـ إلى سقوط الخلافة العثمانية.
- الخطاب المبدَّل: من سقوط العالم الإسلامي تحت الاستعمار الغربي إلى اليوم.
وبعد نشر “الحريَّة أو الطوفان” دار حوله جدل كبير وثارت حوله أسئلة شتَّى، فقرَّر أن يُتْبِعَ ذلك بكتابِه هذا, ليعالج فيه الإشكاليَّة التي يواجهها الخطاب السياسي الإسلامي, خاصَّة في الجانب العقائدي، وهو الأساس الذي يقوم عليه الخطاب السياسي
التشريعي.
- الخطاب السياسي وأثره على الواقع:
أنَّه هو الذي يرسم الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، في كل دولة ومجتمع إنساني، وهو الذي يشكّله، ويحدّد حدوده.
- الشعوب وقدرتها على التغيير:
إنَّ التَّاريخ والواقع ليؤكدان أنَّ للشعوب القدرة على التغيير، كما للسّلطة القدرة على التطوير أو التدمير، فالمُجتمعات الإنسانيَّة تستطيع بصورة فرديَّة أو حزبيَّة أو جماعيَّة تغيير النُّظم التي تحكُمها, وهي المسئولة عن ذلك, سواء بالثورات الشَّعبيَّة, أو بالانقلابات الثوريَّة, أو الضغوط السلميَّة، غير أنَّ مهمَّة تطوير المُجتمع والدَّولة بعد ذلك يقع على عاتقِ السّلطة، فالحكومات هي التي تستطيع وحدها إصلاح واقع مجتمعاتها وتطويرها، أو تجميدها وتأخّرها، وهي المسئولة عن ذلك وليس الأفراد.
- القيم الجاهليَّة والنُّظُم الطَّاغوتيَّة:
لقد جاء الإسلام بالعدل والقسط ليهدم الجاهليَّة وظلمها، وثقافتها ونُظمها، ودينها وقِيَمِها، حتى قال (صلى الله عليه وسلَّم) في خطبة الوادع, التي حدَّد فيها معالم الطريق للأمَّة (ألا كل شيئ من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميَّ هاتين، ألا وإنَّ كل ربًا في الجاهليَّة موضوع).
فإذا الجاهلية والوثنية تعود من جديد بكل مظاهرها ونظمها السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، لتتحكَّمَ في واقعِ المجتمع الإسلاميّ من جديد.
وإذا الظُّلم والتَّظالُم والطبقيَّة والاضّطهاد الدّيني والفكري والسياسي والطبقي يشيع في واقعها على نحو غير مسبوق !, لتتعايش “الجاهليَّة الجديدة” مع “الإسلام الجديد” في ظل جبروت السلطة وطغيانها، ومداهنة أحبارها ورهبانها !
لقد قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن أبي جهل يوم قَتْلِه: “كان هذا فرعون هذه الأمة”، ليؤكّد أنَّ الفرعونيَّة لم تكن قاصرةً فقط على “فرعون مصر” وطاغيتها في عهد موسى، بل “الفرعونيَّة” وصفٌ قائمٌ بمن اتصف بها، وظاهرةٌ قدْ تتكرَّرَ في أيِّ عصرٍ ومصر.
لقد جاء الإسلام لتحرير الإنسانيَّة كلّها من كلِّ أشكالِ العبوديَّة لغير الله، وجعلَ التَّوحيدَ شعار التحرير “لا إله إلا الله”, فلا ملوك ولا قياصرة ولا أكاسرة ولا فراعنة ولا جبابرة، فهو سبحانه الرب والملك والإله.
فالحريَّة هبةٌ إلهيَّة، وضرورةٌ إنسانيَّة وإيمانيَّة، لا لأنَّها سببٌ في تطوّر الأُمم ورُقيّها كما يتصوّرها الماديّون، وإنَّما تَكْمُن قيمة الحريَّة في أنَّها غاية كلمة التَّوحيد “لا إله إلا الله”، إذْ بالإيمانِ وحدَهُ وإخلاص التَّوحيد له تتحقق (الحريَّة التي لا أرفع منها ولا أنفع)، ولأنَّها حقٌ إنسانيّ يولد مع الإنسان حين يولد، فلا معنى للإنسانية إلا بها.
- خطورة العبوديَّة على المجتمعات الإنسانيَّة:
عانت كل المجتمعات الإنسانيَّة من ظاهرة العبوديَّة للأَنظِمة الطاغوتيَّة على اختلاف صُور تلك الأنظمة وأشكالِها، كما عبَّر عَنْها المُفَكِّر الفِرنْسِي “لوبواسييه” في كتابه “العبوديَّة المُختارة”, أنَّ هناك ثلاثة أصناف من الطغاة:
- من يمتلك الحكم عن طريق انتخاب الشعب ليستبدوا به بعد ذلك.
- من يمتلك الحكم بقوة السلاح.
- من يمتلك الحكم بالوراثة المحصورة في سلالتهم.
لقد أصبح الطُّغاة وأحبارهم ورهبانهم وسَدَنَة عُرُوشِهِم أربابًا من دون الله، وصارت الشّعوب عبيدًا لهم، يسومهم الطغاة سوء العذاب، وهم خانعون مستسلمون، بعد أنْ تمَّ توظيف الدين في إضفاء الشرعيَّة على الطاغوتيَّة، وحدث للمسلمين ما حدث للفرس والروم من قبل، حتى صار الظلم والاستبداد أمرًا طبيعيًّا، بل يتلذَّذ به المظلومون الذين انتكست فطرتهم، ليدافعوا عنه، ويرفضوا كل دعوة لتحريرهم!.
ومثال ذلك قصًّة (فرعون مصر وموسى)، فقد جاءت دعوة موسى حركة سياسيَّة دينيَّة لتحرير الطّغاة ورفض الطغيان، فانتهت بـ(الحريَّة) لبني إسرائيل المُستضعفين، و(الطوفان) لفرعون وملئه المستكبرين!.
ولعل أشدّ آثار العبوديَّة وفقد الحريَّة خطرًا على الطبيعة الإنسانيَّة؛ انعدام المروءة والشَّهَامة واستمرار الذلِّ والدَّنَاءة، حرصًا على الحياة وخوفًا من الموت، وهو ما يجعل تلك الشعوب أكثر قابليَّة للخنوع والخضوع للطغاة.
وفي مقابل ذلك وليعوّض الطغاة عبيدهم عن الحريَّة الحقيقيَّة التي استلبوها، فَتَحُوا أمامهم الباب لحريَّةٍ زائِفة يمنحها الطّغاة لشعوبهم بل لعبيدهم ليلهوهم بها، وليعيشوا وهم الحرية وحرية الوهم!
- بين “تحرير الإنسان” و”الحريَّة أو الطوفان”:
إنَّ للخطابِ السياسي الإسلامي أصوله الّتي ترفض رفضًا قطعيًّا كل هذه الصور الطاغوتيَّة، وما ينتج عنها من استبداد وفساد، فهي تتعارض مع أصول الخِطاب السياسي الإسلامي، التي جاءت أصوله العمليَّة التشريعيَّة لتعبّر عنها، وتنبثق منها، وتقوم عليها، وقد بيَّنَ الكاتب هذه الأصول العقائديَّة الإيمانيَّة في كتابه “تحرير الإنسان”، ثم أعاد بيان الأصول العلمية للخطاب السياسي التي وردت في “الحرية أو الطوفان”.
لقد جاء كتاب “تحرير الإنسان”، لا كدراسة تاريخيَّة كما هو “الحريَّة أو الطوفان”، بل دراسة عقائديَّة أصوليَّة للخطاب السياسي الإسلامي.
لقد أصبح العالم الإسلامي عامَّة والعربي خاصَّة يواجه اليوم تحدِّياتٍ كبرى، بعد عقود من الاستبداد والاضّطهاد والاحتلال، حتى إذا تحرَّكَت شعوبه نحو تحقيق حرّيتها، ونهضت في سبيل تحرُّرها، وصون كرامتها، فإذا بها بين خيارين، إمَّا الديمقراطيَّة الغربيَّة بكل تناقضاتها مع دينها وقيمها طمعًا في حريتها، وإمَّا الصبر على الأنظمة الاستبداديَّة حفاظًا على هويّتها!
فإمَّا الحريَّة بلا هويَّة, أو الهويَّة بلا حريَّة ولا كرامة ولا إنسانيَّة!
فالمدخل الصحيح للتغيير والإصلاح هو “مخاطبة الأُمَّة من خلال لغتها، وثقافتها، وروحها التي تحيا بها”.
إنَّه لا سبيل لتحقيق النَّهضة والإصلاح إلا بالبحثِ عن خطابٍ سياسيٍّ وفكريٍّ وثقافيٍّ, تتفاعل معه الأُمَّة وتتقبّله وتضحِّي من أجلِه، دون شعورٍ بالاغترابِ الرُّوحي والمعنوي، ولن تتقبَّل أيّ خطابٍ آخرَ على أساس أنَّه أحسن الأسوأين, أو حل مرحليٌّ مؤقَّت تحت ضغط الواقع لتنتظر الفرصة السانحة لعودة الإسلام من جديد.
- تعريف أصول الخطاب السياسي:
المقصود هنا بأصول الخطاب القرآني على وجه الخصوص الأصول العقائديَّة الإيمانيَّة التي يقوم عليها النّظام السياسي للدولة الإسلاميَّة، والتي لا يمكن فهم الأصول العمليَّة التشريعيَّة، دون فهم هذه الأصول الإيمانيَّة العقائديَّة، التي دعا إليها الخطاب القرآني المكي.
وإنها القضايا الرئيسيَّة الأربعة: “الإنسان – الدين – السلطة – الثروة”
ـــــــــــــــــــــــــــ
خطّة الكتاب:الباب الأول: أصول الخطاب السياسي الإسلامي (القرآني والنبوي والراشدي).
الباب الثاني: سُنن الخلفاء الراشدين (أبو بكر, وعمر, وعثمان, وعليّ, والحسن, ومعاوية, وعبد الله بن الزبير, وعمر بن عبد العزيز) وسننهم في الإمامة وسياسة الأمة.
الباب الثالث: المُحدثات السياسية في الخطاب المؤول والمبدّل. (النبوءات النبويَّة بانحراف الخطاب السياسي، ملامح الانحراف عن أصول الخطاب السياسي الراشدي).
الباب الرابع: القواعد الفقهيَّة للسّياسة الشرعيَّة.