اصلاح الحياة بصلاح الإنسان،وصلاح الإنسان بصلاح قلبه-2صلاح
صلاح الحياة بصلاح الإنسان،وصلاح الإنسان بصلاح قلبه-2 عماري جمال الدين بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،وآله ومن والاه.وبعد: إن من يمعن النظر والتفكير في واقع العمل الإسلامي ببلادنا،وخاصة منذ الإنفتاح الديمقراطي ،يلحظ على عجل إنجازات كثيرة قد تحققت بفضل الله وبفضل جهود المخلصين والخيرين من أبناء هذه الأمة. وفي الوقت ذاته يقف المرء على حقيقة مرة لامفر من الإعتراف بها،وجملة من التناقضات والإنتكاسات والإخفاقات أدت في مجملها إلى اهتزاز مكانة من يحسبون على التيارالإسلامي عند الجماهير،فلم يعودوا يلقون الاحترام والتقدير اللازمين،مما جعل الكثير يزهد في الانتماء إليهم،والالتفاف حول منهجهم وخطابهم ومناصرة رجالهم، بل وينعتون بعض أفرادهم وقياداتهم أحيانا بأنهم فقدوا لونهم ،وزال سمتهم الذي طالما تميزوا به طيلة الفترات السابقة مثلما عهدناهم ،ولم يعودوا يؤثرون كما كانوا لأنهم انصرفوا عن العمل الدعوي والخيري وانغمسوا في العمل السياسي الذي قل من يخرج منه سالما. ليس هذا من بناتي أفكاري،ولا من صنع مخيلتي،إنه نبض الشارع وحس المواطن العادي والرأي الشعبي عموما. ضف إلى ذلك نفور كثير من الأفراد والكوادر والإطارات التي تحسب على هذا الفصيل،وهم من خيرة الكفاءات بل وانعزال بعضهم وركونهم إلى شبه تقاعد مسبق عن العمل اشمئزازا من ممارسات ومواقف وسلوكات تحدث تتنافى والقيم التي تربى ونشأ عليها هؤلاء. ولما لم تعد النصيحة يسمع لها،ولم يعد للنقد البناء صدى،إذ لا حياة لمن تنادي ،وعليه فتسريح بإحسان خير من اكتساب الآثام،وكسب الأعداء،إذ ليس هذا من أخلاقنا ولا من تربيتنا،ويتنافى أصلا وطبيعة رسالتنا،كما قال لي أحدهم . نعم إن كل مهتم بالشأن الجزائري يقر بهذا التراجع الملحوظ في الآداء،وفي النشاط والحركة، وكسب الموالين والمناصرين لمشروع الأمة وآمالها -الذي يحمل همه أهل الوسطية والإعتدال في هذه الربوع الخيرة- وخاصة منذ وفاة الشيخ المؤسس محفوظ نحناح رحمة الله عليه.هذا الرجل المغرم بحب دينه ووطنه ودعوته وأمته حتى النخاع،وقد كانت آخر دعواته عند الإحتضار:"أوصيكم بهذه الدعوة المباركة خيرا".هذا الرجل الذي استطاع بحكمته المعهودة ،ونبل أخلاقه،وثقافته الأصيلة، ونظرته الثاقبة وحنكته السياسية ،أن يقدم المنهج الإسلامي السلمي الوسطي في أبهى صوره في أحلك الظروف. وهكذا كثرت الصراعات وتعمقت الاختلافات،وطرح في الساحة سؤال: ؟"مــــاذا جرى؟ أيـــــن الخلل؟ من خلالي تأملاتي في الساحة الدعوية والإجتماعية والسياسية،واحتكاكي بالمناضلين والقيادات على حد سواء تبين لي أن الإنحراف عن المسار الصحيح للخط الأصيل قد حدث بالفعل،وملامحه وأعراضه بادية لكل ذي بصيرة،وهل ينبئك مثل خبير.ولما بحثت متحريا الأسباب الحقيقية للظاهرة وجدتها تنحصر في سببين رئيسيين هما: 1) عدم التحقق بصفة وخاصية"حقيقة صوفية" وهي صفة جوهرية لا غنى عنها ، وأيما تقصير في تمثلها قد يفرز ظواهر سلبية مقيتة ،أي أن الشرخ الحاصل الآن في العمق التربوي الأخلاقي،مما جعل بعض الأفراد يفقدون توازنهم بتضخيم جانب على جوانب أخرى،أو بإهمال جانب مهم على جوانب أخرى أيضا مهمة في بناء وتكوين الشخصية الإسلامية الإيجابية المتزنة. وهل هناك أهم من الجانب الإيماني التعبدي الأخلاقي؟ وهل هناك أولى من التجرد وإخلاص العبودية لله عزوجل،والحيلولة دون شهوات النفس الخفية وحظوظها ونزواتها وما أكثرها. إن الإيمان العميق ركن أساس في تربيتنا الروحية،بل هو فريضة شرعية وضرورة حياتية لازمة،وصدق الله العظيم حين قال:"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا،خالدين فيها لا يبغون عنها حولا." وقال :"فمن كان يرجو لقاء ربه،فاليعمل عملا صالحا،ولا يشرك بعبادة ربه أحدا." فالإيمان والعمل الصالح وإخلاص النية لله عز وجل عربون النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة،فهل من مشمر لنيل سلعة الله الغالية، ألا إن سلعة الله الجنة. إن الإيمان بالله عز وجل قوة نورانية،إذا ما إلقيت في قلب العبد أصبحت له سراجا يهتدي به في دهاليز هذه الدنيا الفانية. لقد غلغلت النظر في الأوضاع الراهنة التي آلت إليها الحركة من أجل أن أضع يدي على مكمن الألم وموضع الداء. إنه وهن في القلوب سببه حب الدنيا واتباع الهوى،وتطلع إلى ما في أيدي الخلق:لمسنا ذلك في التنافس المسعور على كسب المواقع أو التشبث بها،والحرص الشديد على تصدر الصفوف الأمامية وبأي وسيلة،وكأني بالخوف من الله قد خفت بريقه فى القلوب فشاعت العلاقات المصلحية النفعية عند من أحبوا المسؤوليات،بل عشقوها حتى النخاع إلى درجة فقدان التوازن،وأصبح التقديم والتأخير عندهم رهينة قيم جديدة للأسف الشديد تتنافى ومبادئنا وثوابتنا وأخلاقنا. فدب الخلاف وانتشر المرض وإعجاب كل ذي رأي برأيه وعم التحزب والتعصب للهيكل وللأشخاص،وتحول الولاء وأصبح صديق الأمس عدو اليوم.فيا للحالقة. إن التخلف عن الواجب نقص في الإيمان وخلل في الدين،وإثم لابد فيه من التوبة والإنابة،والفتنة إما أن يكون مبعثها الشهوات وهي تتعلق بالهوى،ومصدرها إبليس والنفس والدنيا،وهي أول فتنة أبينا آدم عليه السلام، حيث استجاب لنداء شهواته بإغراء إبليس،قال تعالى:"زين للناس حب الشهوات..."ولذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول في بداية كل سنة هجرية ونردد دعاء:"اللهم أنت الأبدي القديم وهذه سنة جديدة أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعون على هذه النفس الأمارة بالسوء،والإشتغال بما يقربني إليك ياكريم." وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تفعلون ،ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء..."الحديث. وهكذا بدأت تتحول القناعات،أو قل تتولد قناعات جديدة للأسف سلبية، مرحليا وبالتدريج من مكارم الأخلاق التي مبعثها الإيمان وكسب الأجروالثواب،إلى تصرفات أنانية دافعها تلبية شهوات النفس الخفية ورغباتها في التطلع إلى الدنيا والإكثار من الأموال. فأدى ذلك إلى الإنحراف البين والإبتعاد الواضح عن روح المنهج وأصالة الفكرة ونبل الغاية والمقصد. فكان التحول من خندق المباديء إلى خندق المصالح،ومن إيثار العاجل على الآجل. نقولها بصراحة وبمرارة أنه بمجرد أن فتحت على البعض مغريات وشيء من لعاع الدنيا وسرابها الزائل ومتاعها الفاني ،حتى تهافت عليها الخلق إلا ما رحم ربك وقليل ما هم. وكأني بالتربية لم تكن عميقة بالقدرالكافي الذي يعصم من الزلل والفتن ،ما ظهر منها وما بطن،أي أن الإيمان لم يكن عميقا،فأنى لمن هذا حاله أن يواصل عمله،وأن يبقى مستمسكا بالعروة الوثقى. ورحم الله أحد العارفين بالله من رجالات السلف رضي الله عنهم أجمعين ،الصادقين الثابتين على مبادئهم مهما تكن الظروف،حين قال:"لا يخاف عليك التباس الطريق ،ولكن يخاف عليك غلبة الهوى."وكما قال آخر:"من لم يخلص يتعثر." 2) غياب الفهم الدقيق: إنه باب الشبهات الذي لا يقل خطورة عن مسرب الشهوات،بل أخطر. قال تعالى:"وفهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما..."وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء:" اللهم يامعلم ابراهيم علمني،ويامفهم سليمان فهمني." وتحضرني في هذا المقام مقولة جميلة للشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه يقول فيها:" إنها لجريمة قتل أن ننتمي لهذا الدين،ثم لا نحسن فهمه،ثم لا نحسن عرضه،ثم لا نحسن الدفاع عنه." وإذا كانت الغاية من خلق الإنسان عبادة الله عز وجل،فإن مفهوم العبادة يضيق عند بعض فيحصرونه في الصلاة والزكاة،والصوم والحج،أي في أركان الإسلام الخمسة فقط، ويتسع عند آخرين فيمتد من فراش الزوجية إلى العلاقات الدولية.كما قال الدكتور محمد راتب النابلسي. فدين الله عز وجل نظام حياة كامل متكامل،شامل لكل مناحي الحياة الفردية والإجتماعية،والروحية والمادية والفكرية والثقافية والسياسية والإقتصادية...إلخ) قال تعالى:" ما فرطنا في الكتاب من شيء" فهو منهج حياة صالح لكل زمان ومكان،مهيمن على كل شؤون الحياة.إذ ليس عندنا في الإسلام ما لله لله، وما لقيصر لقيصر،بل ما لله لله وما لقيصر لله. سبحانه وتعالى له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله،وإليه يرجع الأمر كله. ما يشترط فقط صدق النية،وإخلاص التوجه لله،ولذلك قال الصادق المصدوق كما ثبت في الحديث المشهور:"إنما الأعمال بالنيات،وإنما لكل امرء ما نوى،فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" فكل قول أو فعل ،كل موقف وسلوك إذا سبقته نية حسنة،يعد في عداد القربات.ولذلك قال ابن القيم رحمه الله:" لكل همة وقفة." وبالتالي فإقامة الفرائض والواجبات والسنن والمستحبات عبادة،وتزكية الأنفس وتطهير القلوب عبادة،ونشر رسالة الإصلاح في الأرض عبادة،والمساهمة في إصلاح أوضاع المجتمع والأمة عبادة،وتعمير الأرض عبادة،وصناعة الحياة بصفة عامة عبادة،وبناء الحضارة عبادة. وهكذا كل حركة وكل سكنة وكل نشاط نبتغي من ورائه وجه الله طاعة وعبادة لله نثاب ونؤجر عليها إن شاء الله. ومن فهم دين الله بغير هذا الفهم،فلا نكفره ولا نفسقه ولا نعاديه، بل هو أخ لنا في الدين والعقيدة،ونعمل معه سويا لنهضة أمتنا،وشعارنا جميعا قول الله تعالى:" قل كل يعمل على شاكلته،فربكم أعلم بمن هوأهدى سبيلا." نعم يتوجب علينا أن نورث أجيالنا الصاعدة القراءة الصحيحة،أو القريبة من الصواب لديننا ولموروثنا الثقافي الأصيل،والفهم الدقيق لمقاصد الشريعة الغراء ولروح الدين،وجوهر العبادة. إن كل شعيرة شرعها الله عز وجل إلا وفيها حكمة وسر علمه من علمه، وجهله من جهله.وغاية التشريع إسعاد الإنسان في العاجل والآجل. قال ابن تيمية رحمه الله:"الشريعة أصل والملك حارس،وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع." وانظر وتأمل أين الشيوعية ؟ وقد عمرت ما يقارب القرن.أين الإشتراكية ؟ ضعفت ثم انكمشت حتى اندثرت. لماذا ياترى ؟ لأن ما لا أصل له فمهدوم كما أخبر العلامة ابن تيمية رحمه الله .وبالمقابل انظر جهود المجددين والمصلحين من أبناء أمتنا كيف أينعت ثم أثمرت ثم آتت أكلها كل حين بإذن ربها. لماذا؟ وما السر في ذلك ؟قال تعالى:"فأما الزبد فيذهب جفاء،وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض." ويبقى الثبات على القيم والمباديء والوفاء للأصول والمرجعيات في إطار وحدة الصف ديدن كل امرء حر أصيل. خاصة في هذا العصر عصر التحديات وطغيان الماديات ،وكثرة الصراعات والإختلافات. قال الشاعــــــــــــــــــرالحكيـــــــــــــــــــــم: يابني كونوا جميـــــــــــــــــــــــــعا *** ولا تتفرقوا آحــــــــــــــــــــــــــــــــــادا تأبى الرمـــــــــــــــــــــــــــــاح إذا *** تجمعـــت تكســـــــــــــــــــــــــــــــــــرا وإذا تفرقـــــــــــــــــــــــــــــــــت *** تكسرت آحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادا