يا أهل الفرحة، يا أهل الصوم، يا أصحاب الريان، هيَّا؛ فالفرحة كادت تكتمل،
والسعد ينتظر على أبواب الجنة، فلنطرقْها في العشر السعيدة بليلة القدر
وبالقرآن.
سنشد المِئْزَر، كما علَّمَنا ذو الحوض الميمون، سنُوقِظ
الأهل، كما أرشدَنا سراجُ الدنيا والآخرة، وسنُحيِي ليلَنا، كما أدَّبَنا
أولُ شافع ومشفَّع - صلى الله عليه وسلم.
في الثلث الأول صمنا أيام
الرحمة من رمضان، وسعدنا بقدوم الشهر؛ فكانت أيام الرحمات، وتنَزَّلت على
الدنيا نفحات ونفحات، ولا نزال نتعرَّض لتلك النفحات؛ فالخير موصول موصول: ﴿
وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾ [الإسراء: 20].
صمنا نهارها،
وقمنا ليلها؛ فأطعنا الله - تعالى - وأطعنا رسول الرحمن - صلى الله عليه
وسلم - وذلك هو الإسلام: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
﴾ [النساء: 80]، وما زال العطاء موصولاً.
ثم أَتْبَعنا الأول بثلث المغفرة الثاني من رمضان، أيام الستر والغفران،
أيام التوبة إلى الرحيم الرحمن، هي للرجوع، والإنابة، والتوبة، والاستغفار،
ومن ثَمَّ الإثابة، تمامًا كما علَّمنا صاحبُ الإسراء والمعراج؛ حيث كان
كثيرَ الاستغفار، وهو من قال: ((مَن لزم الاستغفار، جعل الله له من كل هم
فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزَقَه من حيث لا يحتسب))، وسبحان الذي أخرج
الخير - كل الخير - من رحِمِ الاستغفار؛ فقال: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
وها نحن
أولاءِ على أبواب الثلث الأخير من رمضان: ثلث العتق من النار، ثلث التهجد،
ثلث ليلةٍ عبادتُها خيرٌ من عبادة ألف شهر ليست فيها ليلة قدر، ثلث نزل فيه
القرآن هدًى للناس، وبيناتٍ من الهدى والفرقان: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].
فهيا يا أهل القرآن، يا
من تنشدون العتق من النيران، يا من تحبون أن تنالوا خيرَ ربكم في ليلة
القدر، هيا فالجنة تزيَّنت لكم، واستعدَّت لاستقبالكم، أبوابها لا تغلق،
تناديكم بلهفة وبفرحة لم تفرحهما من قبل.
وعن قريب ستفرحون بفطركم، وعند خالقكم ستفرحون بصومكم: ((للصائم فرحتان: إذا أفطر فَرِح بفطره، وإذا لقي ربَّه فَرِح بصومه)).
والفرحة
بالفطر؛ لأن الله أعاننا فصُمنا، ورزَقنا فأفطرنا؛ ولأن الله أمكننا من
كبح جماح الشهوة والنفس الأمَّارة بالسوء، فروَّضناها بالصوم الجميل.
وغدًا
ستكون الفرحة أكبرَ يوم لقاء الخالق - عز وجل - سنجد الباب المخصوص: ((في
الجنة باب يقال له: الريَّان، لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا دخلوا أُغلِق
دونهم، فلا يدخل أحد بعدهم)).
يا لَلفرحة الكبرى، والجائزة العظمى!
باب في الجنة مخصوص! أنتم تستحقون أيها الصائمون؛ فقد صمتم لله، والله
قال: ((إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به)).
وها هو قد جزاكم،
وأثابكم خيرًا بخير، ورفعة بصومكم، وجنة عرضها السموات والأرض، اتقيتم الله
فأكرمكم الله تعالى، وألقاكم يوم الفطر، يوم الجائزة، وقد أديتم زكاةَ
فطركم قبيل صلاة العيد؛ طُعمةً للمساكين، وطهرة لكم ولصيامكم.
دامت أعيادكم بطاعة ربكم.