مسلم Admin
عدد المساهمات : 9693 نقاط : 17987 السٌّمعَة : 67 تاريخ التسجيل : 11/03/2010 العمر : 55
| موضوع: ظل الجنة !!! الثلاثاء مايو 17, 2011 6:49 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد، فإن شدة الحر مؤذية، كما شدة البرد مؤذية أيضاً، وحرارة الشمس ولهيبها يجعل الأحياء تبحث عن ظل يقي حرها، أو ماء بارد يخفف لهبها، ولذا كان من كمال نعيم أهل الجنة أنهم لا يجدون الحر، ولا يرون الشمس كما لا يجدون البرد، ظل دائم، واعتدال في الهواء، لا حارٌ يلفح، ولا بارد يلسع، كما قال الله تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً} [النساء: 57]
قال سبحانه: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً} [الإنسان: 13]
وقال تعالى: {فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات: 41]
ميزات ظل الجنة:
1-أنه ممدود لا ينتهي، فليس في مكان محدود من الجنة، بل ممتد فيها كما قال الله تعالى: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} [الواقعة: 30].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرؤوا إن شئتم وظل ممدود».
2-وهو كذلك دائم أبداً، لا ينقطع في زمان من الأزمنة، كما قال تعالى: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} [الرعد: 35]
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "الجنة سجيع كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس".
والسجيع في اللغة: الاعتدال في الجو يقال: يوم سجيع إذا لم يكن فيه حر مؤذٍ، ولا بردٌ شديد.
وبضد ذلك جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها فإنها شديدة الحرارة: ظلها يحموم، وهبوبها سموم، كما في قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} [الواقعة: 41]
والسموم: الهواء الحار، والحميم: الماء الحار، والظل اليحموم: هو ظل الدخان، وهو حار أيضاً.
فاجتمع عليهم حرارة الهواء وحرارة الماء، وحرارة الدخان، أجارنا الله منها بعفوه ورحمته.
ومن المنن التي يعددها أهل الجنة لربهم عليهم أنه أبعد عنهم حرارة الهواء، إذا يقولون: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: 27-28]
شدة حر الصيف من نفس جهنم:
من شدة حرارة جهنم أجارنا الله منها أن بعضها يأكل بعضاً، ويحطم بعضها بعضاً، وأشد حر نجده في الصيف ما هو إلا نفس من أنفاسها، وأشد ما نجد من يرد في الشتاء هو أيضاً نفس من أنفاسها كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير»
قال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: وأحسن ما قيل في هذا المعنى ما فسره الحسن البصري رحمه الله تعالى: قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فخفف عني: قال: فخفف عنها وجعل لها كل عام نفسين، فما كان من برد يهلك شيئاً فهو من زمهريرها، وما من سموم يهلك شيئاً فهو من حرها"
ثم قال ابن عبدالبر: "ومعلوم أن نفسها في الشتاء غير الشتاء، ونفسها في الصيف غير الصيف لقوله: نفس في الشتاء ونفس في الصيف".
فصار إذا أشد حر في الصيف من نفسها، وأشد برد في الشتاء من نفسها.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى: "النفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف".
وخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "تطلع الشمس من جهنم في قرن شيطان وبين قرني شيطان، فما ترتفع من قصبة إلا فتح باب من أبواب النار، فإذا اشتد الحر فتحت أبوابها كلها".
قال السيوطي رحمه الله تعالى: "وهذا يدل على أن النفس يقع من أبوبها، وعلى أن شدة الحر من فيح جهنم حقيقة".
معاناة الصحابة من شدة الحر:
كان الصحابة رضي الله عنهم يتأذون من شدة الحر في صلاة الظهر، خاصة حرارة الأرض وهم يسجدون عليها حتى قال أنس رضي الله عنه: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه".
وفي لفظ لأبي عوانة: "كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدنا على ثيابنا مخافة الحر".
ولذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإبراد في الظهر، أي: تأخير صلاة الظهر إلى آخر وقتها في شدة الحر، قال عليه الصلاة والسلام: «إذا اشتد الحر فأدبروا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم».
قال الزرقاني: "أي من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح، أي متسع، وهذا كناية عن شدة استعارتها، وظاهره: أن مثار وهج الحر في الأرض من فيحها حقيقة".
شدة الحر في الدنيا تذكر بحر الموقف العظيم يوم القيامة، كما تذكر بحر نار جهنم، وكلما اشتد الحر في الدنيا كان ذلك أدعى للتفكر والتذكر، وعدم نسيان حر القيامة، وحر نار جهنم، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد ذكر لنا أن الشمس تكون قريبة من رؤوس العباد في عرصات القيامة مما يجعل كرب العباد شديداً، فيطلبون الخلاص بالفصل والقضاء ليذهب كل واحد منهم إلى سبيله: إما إلى جنة وإما إلى النار، قال عليه الصلاة والسلام: «تدنوا الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم ما يكون إلى حقوبه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً»، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه.
وإذا كان الناس يتأذون في الدنيا من شدة الحر ومن عرقهم، فإن من الناس من سيغرق في عرقه يوم القيامة عوذاً من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعاً، وإنه ليبغ إلى أفواه الناس وآذانهم».
وأشد من ذلك وأعظم: نار جهنم من دخلها لا يقضى عليه فيموت، ولا يخفف عنه من عذابها، كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
إنها نار عظيمة ليست نار الدنيا على شدة حرها واستعارها، وعظيم لهبها وشررها إلا جزءاً يسيراً منها، كما قال النبي صلى الله عليه والسلام: «ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم»
قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية.
قال: «فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها».
قال القرطبي رحمه الله: "يعني أنه لو جمع كل ما في الوجود من النار التي يوقدها بنو آدم لكانت جزءاً من أجزاء جهنم المذكورة، وبيانه: أنه لو جمع طلب الدنيا فوقد كله حتى صار ناراً، لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءاً أشد من حر الدنيا كما بينه آخر الحديث".
خوف السلف من النار:
كان من هدي السلف الصالح الخوف من عذاب النار.
يقول فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو نادى مناد من السماء، أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون هو".
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير".
والخوف من النار يدفع المسلم إلى عمل الصالحات، واجتناب المحرمات، والأخذ بأسباب النجاة كما كان حال سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، وأتباعهم بإحسان، وكما كان العلماء الربانيون رحمهم الله تعالى على خوف دائم من عذاب الله تعالى مع رجاء رحمته تبارك وتعالى.
أعمال تقي من حر القيامة:
من هذه الأمة أقوام لا يحزنهم الفزع الأكبر فهم آمنون، ولا يحسون شمس الموقف القريبة من الرؤوس فهم محفوظون، ولا يجدون حرها ولا سمومها فهم منعمون، كانت لهم في الدنيا أعمال صالحة أوصلتهم إلى ظل عرش الرب تبارك وتعالى ومن هؤلاء:
1-السبعة المذكورون في حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».
2-من أظل غازياً، كما في حديث عمر رضي الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة».
3-المتصدقون كما أخبر عليه الصلاة والسلام أن: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس».
4-والمتحابون في الله تعالى لهم نصيب من الظل يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي».
5-كثرة الدعاء من أسباب النجاة من عذاب الله تعالى وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ في كل صلاة من عذاب جهنم، وأمر بذلك، قال أنس رضي الله عنه: "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».
ومن دعاء المتقين الأبرار: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]
فنسأل الله تعالى أن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأن يجيرنا من النار برحمته، اللهم أجرنا من النار: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: 65-66]
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجميعن. | |
|
جلال العسيلى مشرف عام
عدد المساهمات : 5415 نقاط : 7643 السٌّمعَة : 13 تاريخ التسجيل : 16/05/2010 العمر : 62
| موضوع: رد: ظل الجنة !!! الثلاثاء مايو 17, 2011 7:01 am | |
| بارك الله فيك على موضوعك القيم وجزاك الله خيرا | |
|