في ظلال أية-قد أفلح المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم
قال سبحانه وتعالى:
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ .فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ المؤمنون"
تفسيرالأية:
قد فاز المصدِّقون بالله وبرسوله العاملون بشرعه. الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون, تَفْرُغُ لها قلوبهم, وتسكن
جوارحهم. والذين هم تاركون لكل ما لا خير فيه من الأقوال والأفعال. والذين هم مُطَهِّرون لنفوسهم وأموالهم بأداء زكاة
أموالهم على اختلاف أجناسها. والذين هم لفروجهم حافظون مما حرَّم الله من الزنى واللواط وكل الفواحش. إلا على
زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم من الإماء, فلا لوم عليهم ولا حرج في جماعهن والاستمتاع بهن; لأن الله تعالى أحلَّهن.
فمن طلب التمتع بغير زوجته أو أمَتِه فهو من المجاوزين الحلال إلى الحرام, وقد عرَّض نفسه لعقاب الله وسخطه.
والذين هم حافظون لكل ما اؤتمنوا عليه, موفُّون بكل عهودهم. والذين هم يداومون على أداء صلاتهم في أوقاتها على
هيئتها المشروعة, الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. هؤلاء المؤمنون هم الوارثون الجنة. الذين يرثون أعلى منازل
الجنة وأوسطها, هم فيها خالدون, لا ينقطع نعيمهم ولا يزول.(التفسير الميسر)
شرح الكلمات:
{ قد أفلح المؤمنون } : أي فاز قطعاً بالنجاة من النار ودخول الجنة المؤمنون.
{ في صلاتهم خاشعون } : أي ساكنون متطامنون لا يتلفتون بعين ولا قلب وهم بين يدي ربهم.
{ عن اللغو معرضون } : اللغو كل ما لا رِضىً فيه لله من قول وعمل وتفكير، معرضون أي منصرفون عنه.
{ للزكاة فاعلون } : أي مؤدون.
{ لفروجهم حافظون } : أي صائنون لها عن النظر إليها لا يكشفونها وعن إتيان الفاحشة.
{ أو ما ملكت أيمانهم } : من الجواري والسَّراري إن وجد.
{ فمن ابتغى وراء ذلك } : أي طلب ما دون زوجته وجاريته المملوكة شرعياً.
{ فأولئك هم العادون } : أي الظالمون المعتدون على حدود الشرع.
{ راعون } : أي حافظون لأماناتهم وعهودهم.
{ الفردوس } : أعلى درجة في الجنة في أعلى جنة.
معنى الآيات:
قوله تعالى: { قد أفلح المؤمنون } يخبر تعالى وهو الصادق الوعد بفلاح المؤمنين وقد بين تعالى في آية آل عمران
معنى الفلاح وهو الفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة ووصف هؤلاء المؤمنين المفحلين بصفات من جمعها متصفاً بها
فقد ثبت له الفلاح وأصبح من الوارثين الذين يؤثون الفردوس يخلدون فيها وتلك الصفات هي:
(1) الخشوع في الصلاة بأن يسكن فيها المصلي فلا يلتفت فيها برأسه ولا بطرفه ولا بقلبه مع رقة قلب ودموع عين
وهذه أكمل حالات الخشوع في الصلاة، ودونها أن يطمئن ولا يتلفت برأسه ولا بعينه ولا بقلبه في أكثرها. هذه الصفة
تتضمنها قوله تعالى: { الذين هم في صلاتهم خاشعون }.
(2) أعراضهم عن اللغو وهو كل قول وعمل وفكر لم يكن فيه لله تعالى إذن به ولا رضى فيه ومعنى إعراضهم عنه:
إنصرافهم عنه وعدم التفاتهم إليه، وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: { والذين هم عن اللغو معرضون }.
(3) فعلهم الزكاة أي أداؤهم لفريضة الزكاة الواجبة من أموالهم الناطقة كالمواشي والصامتة كالنقدين والحبوب والثمار،
وفعلهم لكل ما يزكي النفس من الصالحات وقد تضمن هذه الصفة قوله تعالى: { والذين هم للزكاة فاعلون }.
(4) حفظ فروجهم من كشفها ومن وطء غير الزوج أو الجارية المملةكة بوجه شرعي وقد تضمن هذه الصفة قوله
تعالى: { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } في إتيان أزواجهم
وما ملكت أيمانهم، ولكن الدوم والعقوبة على ما طلب هذا المطلب من غير زوجه وجاريته { فأولئك هم العادون } أي
الظالمون المعتدون حيث تجاوزوا ما أحل الله لهم ما حرم عليهم.
(5) مراعاة الأمانات والعهود بمعنى محافظتهم على ما ائتمنوا عليه من قول أو عمل ومن ذلك سائر التكاليف الشرعية
حتى الغسل من الجنابة فإنه من الأمانة وعلى عهودهم وسائر عقودهم الخاصة والعامة فلا خيانة ولا نكث ولا خُلْف وقد
تضمن هذا قوله تعالى: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } أي حافظون.
(6) المحافظة على الصلوات الخمس بأدائها في أوقاتها المحددة لها فلا يقدمونها ولا يؤخرونها مع المحافظة على
شروطها من طهارة الخبث وطهارة الحدث وإتمام ركوعها وسجودها واستكمال أكثر سننها وآدابها وقد تضمن هذه الصفة
قوله تعالى { والذين هم على صلاتهم يحافظون }.
فهذه ست صفات إجمالاً وسبع صفات تفصيلاً فمن اتصف بها كمل إيمانه وصدق عليه اسم المؤمن وكان من المفلحين
الوارثين للفردوس الأعلى جعلنا الله تعالى منهم.
الفوائد المستفاده من الايات:
1- وجوب الخشوع في الصلاة.
2- تحريم نكاح المتعة لأن المتمتع بها ليست زوجة لأنها لا ترث ولا تورث بخلاف الزوجة فإنها لها الربع
والثمن،ولزوجها النصف والربع، لأن نكاح المتعة هو النكاح إلى أجل معين قد يكون شهراً أو اكثر أو أقل.
3- تحريم العادة السريّة وهي نكاح اليد وسحاق المرأة لأن ذلك ليس بنكاح زوجة ولا جارية مملوكة.
4- وجوب أداء الزكاة ووجوب حفظ الأمانات ووجوب الوفاء بالعهود ووجوب المحافظة على الصلوات.
5- تقرير حكم التوارث بين أهل الجنة وأهل النار فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار وأهل النار يرثون منازل أهل
الجنة اللهم اجعلنا من الوارثين الذين يرثون الفردوس.
6- ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سألتم الله الجنة فسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة
وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن)(فتح الباري :13/415)
7- وفي صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين
بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى )مسلم (4/2120)
8- قال الحسن البصري :كان خشوعهم في قلوبهم فغضوا بذلك أبصارهم وخفضوا الجناح
9- بشرى من أقامهن دخل الجنة بإذن الله تعالى عن عمر بن الخطاب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه
الوحي نسمع عند وجهه كدوي النحل فلبثنا ساعة فاستقبل القبله ورفع يديه وقال :اللهم زدنا ولاتنقصنا وأكرمنا ولا تهنا
وأعطنا ولاتحرمنا وآثرنا ولاتؤثر علينا وارض عنا وأرضنا ثم قال :لقد أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة
(قد أفلح المؤمنون)حتى ختم العشر.
بقلم/
أبويزيد المشرف العام على موقع شبكة زاد المعاد