وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ...} الآية. [52].
قال المفسرون: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى قومه عنه، وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به، تمنى في نفسه أن يأتيه من الله تعالى ما يقارب به بينه وبين قومه، وذلك لحرصه على إيمانهم. فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذٍ أن لا يأتيه من الله تعالى شيء ينفرون عنه، وتمنى ذلك، فأنزل الله تعالى سورة {وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ} فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ} ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمناه: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخر السورة، فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحَة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليهما، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرّقت قريش وقد سرّهم ما سمعوا، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيباً فنحن معه. فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال: "ماذا صنعت؟ تَلَوْتَ على الناس ما لم آتك به عن الله سبحانه، وقلت ما لم أقل لك". فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كبيراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله، فازدادوا شراً إلى ما كانوا عليه.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو بكر [محمد] بن حيان قال: حدثنا أبو يحيى الرّازي، قال: حدثنا سهل العسكري، قال: أخبرنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جُبير، قال:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ} فألقى الشيطان على لسانه "تلك الغَرَانِيقُ العُلَى و [إن] شفاعتهن ترتجى" ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا. فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال اعرض عليَّ كلام الله. فلما عرض عليه قال: أما هذا فلم آتك به، هذا من الشيطان، فأنزل الله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ}.