فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا

(وما
محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين )آل عمران

قال
ابن عباس :ولله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآيه حتى تلاها
أبوبكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس الا يتلوها .

*وهكذا فان كان النبى صل الله عليه وسلم قد مات فان دعوته وسنته وشريعته باقية الى قيام الساعة .

وما زال مؤمن آل فرعون يتسلل الى قلوبهم بالنصيحة العذبة الرقيقة الممزوجة بالرحمة والشفقة عليهم من عذاب الله فقال لهم :

*(يا
قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض )كرر النصح مع التلطف والمعنى :أنتم
غالبون عالون على بنى اسرائيل فى أرض مصر قد قهرتموهم واستبعدتموهم اليوم
(فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا )أى فمن ينقذنا من عذاب الله وينجينا منه
ان قتلتم رسوله .

قال الرازى :وانما قال (ينصرنا )و(جاءنا )لأنه كان يظهر لهم انه منهم وأن الذى ينصحهم له هو مشارك لهم فيه .

*قال ابن كثير :وقوله يا
قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض )يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز
،فانه ما تعرضت الدوله للدين الا سلبوا ملكهم ،وذلوا بعد عزهم .
وكذا
وقع لآل فرعون ،ومازالوا فى شك وريب ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به
،حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه من الملك والأملاك والدور والقصور والحبور
،ثم حوالوا الى البحر مهانين ،ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة الى أسفل
السافلين .

ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق البار الراشدالتابع للحق الناصح لقومه ،الكامل العقل يا
قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض )أى عالين على الناس حاكمين عليهم
(فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا )أى لو كنتم أضعاف ما انتم فيه من العدد
والعدة ،والقوة والشدة ،لما نفعنا ذلك ولا رد عنا بأس مالك الممالك :

*
وحين يصل بهم الى فعل الله بمن هو مسرف كذاب ،يهجم عليهم مخوفا بعقاب الله
محذارا من بأسه الذى لا ينجيهم منه ما هم فيه من ملك وسلطان ،مذكرا اياهم
بهذه النعمة التى تستحق الشكران لا الكفران يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين فى الأرض .فمن ينصرنا من بأس الله ان جاءنا ؟)

ان
الرجل يشعر بما يشعر به القلب المؤمن ،من أن بأس الله أقرب ما يكون لأصحاب
الملك والسلطان فى الأرض ،فهم أحق الناس بأن يحذروه ،واجدر الناس بأن
يحسوه ويتقوه ،وان يبيتوا منه على وجل ،فهو يتربص بهم فى كل لحظة من لحظات
الليل والنهار .ومن ثم يذكرهم بما هم فيه من الملك والسلطان ،وهو يشير الى
هذا المعنى المستقر فى حسه البصير .ثم يجمل نفسه فيهم وهو يذكرهم ببأس الله
فمن
ينصرنا من بأس الله ان جاءنا ؟) ليشعرهم ان أمرهم يهمه ،فهو واحد منهم
،ينتظر مصيرهم معهم ،وهو اذن ناصح لهم مشفق عليهم ،لعل هذا أن يجعلهم
ينظرون الى تحذيره باهتمام ،ويأخذنونه مأخذ البراءة والأخلاص ،وهو يحاول أن
يشعرهم أن بأس الله ان جاء فلا ناصر منه ولا مجير عليه ،وانهم ازاءه ضعاف
ضعاف .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله
مثل أجر فاعله"
[ رواه مسلم ]



قال النووي (رحمه الله): "دل بالقول، واللسان، والإشارة،

والكتابة"

((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ))