العقوبات والآثار المترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
سلمان بن فهد العودة
سنن الله تعالى في خلقه ثابتة؛ لا تتغيَّر، ولا تُحابي أحدًا، ولا تتخلَّف عند وجود أسبابها.
وإنَّ من سُنن الله الماضية أن يُسَلِّط عقوباته على المجتمعات التي تفرِّط في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إِسْرائيلَ عَلى لسان دَاودَ وعيسى بن مَرْيَمَ ذلكَ بِما عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدونَ.كَانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلونَ)(المائدة: 78- 79.).
ولقد غطَّى الجهل وقلَّة الدين على قلوب بعض السطحيِّين، فاغترُّوا بإمهال الله عز وجل، فظنوا أنَّ تحذير الغيورين من مغبَّة التمادي في المنكر ومن عُقبى السكوت عن إنكاره؛ ظنُّوا ذلك ضربًا من ضروب الإرهاب الفكري والتَّخويف المبالَغ فيه، وليس له حقيقة.
لكنَّ الذين يستنيرون بنور الوحي، ويتأمَّلون نصوص الكتاب والسُّنَّة: يُدْرِكون تمام الإدراك العقوبات العظيمة التي سنَّها الله في حقِّ كلِّ أمَّة تخلَّت عن التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، سواء كانت تلك النصوص حكاية لمصائر الأمم التي فرَّطت في تلك الشعيرة، أو وعيدًا لمَن سلَكَ سبيلَها، وليس من الضَّروري أن تظهر هذه العقوبات بين يوم وليلة؛ فإنَّ الذي يحدِّد زمانَـها ومكانَها وصفتَها هو الله عزَّ وجلَّ، وليس استعجالَ البشر أو استبطاءهم.
وتلك العقوبات والآثار السيئةُ كثيرةٌ و متنوِّعة، لكن من أظهرها:
1- كثرة الخَبَث:
روى البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استيقظَ يومًا من نومه فزِعًا وهو يقول: "لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا (وحلَّق بين أصبعيه السبابة والإبهام)" . فقالت له زينب رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم؛ إذا كَثُرَ الخَبَث".
فكيف يكثُرُ الخَبَث؟!
إنَّ المنكَر إذا أُعلن في مجتمع، ولم يجد مَن يقف في وجهه؛ فإن سوقـه تقوم، وعوده يشتد، وسلطته تَظْهَر، ورواقَه يمتد، ويصبح دليلاً على تمكُّن أهل المنكر وقوَّتـهم، وذريعةً لاقتداء الناس بهم، وتقليدهم إيَّاهم، وما أحرصَ أهلَ المنكر على ذلك!
ولهذا توعَّدهم الله جلَّ وعلا، فقال: (إنَّ الَّذينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ في الَّذينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ في الدُّنْيا والآخِرَة)(النور: 19.).
فإذا قلَّد بعض الناس أهل المنكر والزَّيع في منكرهم؛ أخذ الباطل في الظهور، وهان خطبُه شيئًا فشيئًا في النفوس، وسكت الناس عنه، وشُغِلوا بما هو أعظم منه، وما تزال المنكراتُ تفشو، حتى يَكْثُرَ الخبَثُ، ويصير أمرًا عاديًّا مستساغًا؛ تألَفُه النفوس، وتتربَّى عليه.
وينحسرُ - بالمقابل - المعروفُ والخيرُ، ويصبحُ هو المستغرب.
ولذلك قال الخليفة الملهَم عمر بن عبد العزيز رحمه الله في كتابه إلى أمير المدينة الذي يأمرُه فيه بأن يأمر العلماء بالجلوس لإفشاء العلم في المساجد: "وليُفْشوا العلم؛ فإنَّ العلم لا يهلك حتَّى يكون سرًّا ".
إنها لعقوبةٌ كبيرةٌ أن يُهيمِنَ المنكر، ويصبحَ المعروف غريبًا.
لكن؛ هل يقفُ الأمر عند هذا الحد؟!
إليك الإجابة:
2- إن كثرة الخبث تؤذن بالعذاب الإلهي العام والهلاك الشامل:
دلَّ على ذلك حديثُ زينب المذكور آنفًا، الذي نُقِل عن جماعة من الصحابة، مما يدلُّ على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر.
وقد قصَّ الله عزَّ وجلَّ علينا خبر بني إسرائيل حين نهاهم أن يَعْدوا في السَّبت، ولنا في تلك القصة عبرة: (وَإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ منْهُمْ لمَ تَعظُونَ قَومًا اللهُ مُهْلكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَديدًا قَالُوا مَعْذرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا به أَنجَيْنَا الَّذينَ يَنْهَوْنَ عَن السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذينَ ظَلَمُوا بعَذَاب بَئيس بمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ.فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قرَدَةً خَاسئينَ) (الأعراف: 164- 166.).
إذن؛ فقد أنجى الله تعالى الذين ينهَوْن عن السوء فقط، وأما البقيَّة؛ فقد عذَّبهم كلَّهم.
هذه سنَّتُه سبحانه في كل أمَّة يحقُّ عليها العذاب.
فإن لم يكن في الأمة من ينهى عن السوء والفساد؛ فلا نجاة لأحد منها، (فَلَوْلا كَانَ مِنَ القُرُون مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَن الفَسَاد في الأَرْض إلاَّ قَليلاً مِمَّنْ أنْجَيْنَا مِنْهُمْ واتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فيه...)(هود:116.).
وفي حديث جرير: "ما من رجل يكون في قوم، يعملُ فيهم بالمعاصي، يقدِرون على أن يغيِّروا عليه، فلا يغيِّروا؛ إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا".
إنَّ وجود المصلحين في أمَّة هو صمام الأمان لها، وسبب نجاتها من الإهلاك العام، فإن فُقِد هذا الصنف من الناس؛ فإنَّ الأمة -وإن كان فيها صالحون- يحلُّ عليها عذاب الله كلِّها؛ صالحها وفاسدها؛ لأنَّ الفئة الصالحة سكتت عن إنكار الخَبَث، وعطَّلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستحقَّت أن تشملها العقوبة.
وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه: أنَّه قال: أيها الناس! إنَّكم تقرؤون هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة: 105.)، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمَّهُم الله بعقاب منه".
والظالم هنا هو المرتكِب لأيِّ نوع من أنواع الظلم الكثيرة: فالمشرك ظالـمٌ: (إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ)(لقمان: 13.)، والعاصي- أيًّـا كانت معصيته -ظالـمٌ لنفسه ولغيره؛ سواء كان سارقًا، أو غاشًّا، أو منتهكًا عرضًا… أو غير ذلك.
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده؛ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونَه فلا يُستجاب لكم".
إنه تهديد يهزُّ القلوب الحيَّة، ويدفع أصحابها إلى أن يكونوا من أولي البقيَّة الذين ينهَوْن عن الفساد في الأرض؛ لتكون سفينة المجتمع محميَّة من الغرق الذي يهدِّدها عندما يُترَك السفهاء يخرِقون فيها؛ كما روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها..." الحديث.
فالمجتمع تمامًا كأصحاب السفينة هؤلاء؛ فإن الذين في أعلى السفينة: إن تركوا الذين في أسفلها ليَخْرِقوا في نصيبهم خرقًا، وقالوا: هذه حرِّيَّة شخصيَّة لهم؛ فليفعلوا ما شاؤوا؛ فإنَّ النتيجة غرق السفينة وهلاك الجميع، وإن أخذ الذين في الأعلى على أيدي الذين في الأسفل، وقالوا لهم: ليس الإضرار بالملك العام من الحرِّيَّة الشخصيَّة؛ فالنتيجة نجاة الجميع.
وهكذا حال المجتمع؛ فإن أهل الفساد الواقعين في حدود الله يخرقون بمعاول انحرافهم في سفينة المجتمع، فإن أخذ المصلحون على أيديهم، ومنعوهم من الإضرار بالمجتمع؛ نجا الجميع، وإن تركوهم في غيِّهم، وتخاذلوا عن الإنكار عليهم؛ هلكوا قاطبة.
وقبل أن أترك الحديث عن هذه العقوبة أودُّ أن أنبِّه إلى أمر لا يكاد ينقضي العجب منه، وهو أن بعض الناس يستغربون مثل هذا الكلام... يستغربون من قول الناصحين: إنَّ المصلحين هم حُماة سفينة المجتمع من الغرق... بل قد يستغربون من قول الناصحين: إنَّ ما أصابنا وأصاب غيرنا من الأحداث الأخيرة المؤلمة إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي... يستغربون ذلك... ويعزو بعضهم ما حدث إلى الأسباب الماديَّة، ويقولون: كيف تكون المعاصي هي سبب ما حدث والكفار - مع كفرهم - يعيشون في نعيم وسَعة عيش وتمكين في الأرض؟!
هكذا يقولون ويظنُّون؛ متناسين - أو جاهلين - سنن الله الثابتة، والنصوص الصريحة الواضحة، والوقائع التاريخية السالفة والخالفة.
وهذا منطق الذين لا تتعدَّى نظرتُهم الحياة الدُّنيا، ومنطق السطحيِّين الذين ينظرون إلى رقعة محدودة من المكان، في حيِّز محدود من الزمان، ومنطق المادِّيِّين الذين يتنكَّرون لوحي الله عز وجل:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهمْ بَرَكَات منَ السَّمَاء وَالأَرْض وَلَكنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بمَا كَانُوا يَكْسبُونَ.أفَأَمنَ أهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائمُونَ.أَوَ أَمنَ أهْلُ القُرَى أَنْ يَأْتيَهُم بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبونَ.أفَأمنُوا مَكْرَ الله فَلا يَأمَنُ مَكْرَ الله إِلاّ القَوْمُ الخَاسرُونَ.أوَلَمْ يَهْد للَّذينَ يَرثُونَ الأَرْضَ منْ بَعْد أَهْلهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بذُنُوبهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلوبهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ( الأعراف: 96- 100.).
(وَأَنْ لَو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّريقَة لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا.لنَفْتنَهُمْ فيه وَمَنْ يُعْرضْ عَنْ ذكْر رَبِّه يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) ( الجن:16-17.).
(وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أمَّةً وَاحدَةً لَجَعَلْنَا لمَنْ يَكْفُرُ بالرَّحْمَن لبُيُوتهمْ سُقُفًا منْ فضَّة وَمَعَارجَ عَلَيهَا يَظْهَرُونَ.وَلبُيُوتهمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيهَا يَتَّكئُونَ.وَزُخْرُفًا وَإنْ كُلُّ ذَلكَ لَمَّا مََتاعُ الحَياة الدُّنْيَا وَالآخرَةُ عنْدَ رَبِّكَ للْمُتَّقينَ) (الزخرف: 33- 35.).
3- الاختلاف والتناحر:
إنَّ من أنكى العقوبات التي تنـزل بالمجتمع المهمِل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يتحوَّل المجتمع إلى فرق وشيعٍ تتنازعُها الأهواء، فيقع الاختلاف والتناحُر:
(قُلْ هُوَ القَادرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا منْ فَوْقكُمْ أَوْ منْ تَحْت أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبسَكُمْ شيَعًا وَيُذيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْض) (الأنعام: 65.).
وذلك التناحر يجعل المجتمع عرضة للانهيار والانهزام أمام العدو الخارجي المتربِّص.
ولا يحمي المجتمع من التفرُّق والاختلاف؛ إلا شريعة الله؛ لأنها تجمعُ الناس، وتحكمُ الأهواء، أما إذا ابتعد الناس عن شريعة الله تعالى؛ أصبح كلُّ امرئ يتَّبع هواه، وأهواء الناس لا يضبطها ضابط.
إنَّ مما يدلُّ على ارتباط التفرُّق والتَّناحُر بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: (وَلْتَكُنْ منْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْر وَيَأمُرُونَ بالمَعْرُوف وَيَنْهَوْنَ عَن المُنْكَر وَأُولَئكَ هُمُ المُفْلحُونَ)(آل عمران: 104.)، ثم قال بعد ذلك مباشرة: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا منْ بَعْد مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ) (آل عمران: 105.).
والمتأمِّل في حال عدد من البلاد الإسلاميَّة يجدُ أنَّ من أهمِّ أسباب تفرُّق المجتمع فيها أنَّهم أهملوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فترتَّب على ذلك شيوع الفساد وظهوره وسيطرتُه بشتَّى صوره وأنواعه؛ ما بين عُرْيٍ، وسُكْر، وحفل غنائي، وسهرة راقصة، وعَرْض مسرحي... وغير ذلك.
وهذا الفساد يَغيظ الصالحين، فيغارون على حُرُمات الله، فيحاولون تغيير المنكرِ، فلا يجدون قناةً شرعيَّةً تمكِّنهم من تغيير المنكر، فيضطرُّون إلى أساليب مندفعة؛ تجعل المجتمع أطرافًا متصارعة متناحِرة.
ونماذجُ ذلك في المجتمعات الإسلامية غير قليلة:
- فمن ذلك ما نشرتْه بعض الصحف من عدَّة أخبار منذ عدة سنوات عن إندونيسيا التي يشيع فيها كثير من المنكرات -شأن كثير من البلاد الإسلامية-، تقول هذه الأخبار: إن هناك مجموعة من الناس غير معروفة، تتصيَّد المجرمين خفية، وتقضي عليهم؛ أي: إذا وجدوا إنسانًا يقوم مثلاً على بيت دعارة، أو على أيِّ منكر علنيٍّ؛ فإنهم يقتلونه.
ولا تعجبْ من مثل هذا في بلاد يسكنُها نحو مئة وخمسين مليونًا من المسلمين، وتكون عطلتُهم الرسمية يوم الأحد!
- ومن ذلك ما يجري من بعض الغيورين في مصر-مثلاً-؛ من إنكار بعض المنكرات بصورة حماسيَّة؛ فقد أُعلِن مثلاً في جامعة أسيوط عن حفل غنائي مختلط، فقام عدد من الطلاَّب ضدَّ هذا المنكر، ودخلوا مكان الحفلة بالقوَّة، وحطَّموا آلات الفسق، ومنعوا إقامة الحفل في تلك الليلة.
وغير أولئك المتحمسين المندفعين ينظر إلى ذلك التصرُّف على أنه شغبٌ وإخلالٌ بالأمن.
ولو وجد أولئك الغيورون سبيلاً شرعيًّا للإنكار؛ لم يلجأ أحدٌ منهم إلى مثل هذه الطرق، ولكنْ سُدَّت أمامهم المنافذ الصحيحة، وأُوصِدَتْ دونهم الأبواب، فركبوا تلك المراكب الصعبة، وهم يقولون:
إِذا لَـمْ يَكُـنْ إِلاَّ الأسـِنَّةُ مَرْكَبًا *** فَمـا حِيْلَـةُ المُضْطَرِّ إلا رُكوبُـها
وقد كانوا - لاشكَّ - عن ذلك في سعةٍ، ولهم عنه مندوحة.
ومن صور التفرُّق والتمزُّق التي تحدثُ في المجتمع بسبب ترك هذه الشريعة: أنْ تتفشَّى بين الناس منكَرَات القلوب من الغلِّ والحقد والحسد والبغضاء والتَّناحر، وما يترتب على اختلاف القلوب من اختلاف التوجُّهات والآراء والأعمال والأقوال؛ بحيثُ إن المجتمع يهدم بعضه بعضًا، ويدمر نفسه بيديه.
فهذه من أعظم المنكرات؛ التي يجب إنكارُها، والتَّحذيرُ منها، وسكوت العالِمين والمعلِّمين عنها سببٌ في انتشارها ورسوخها وصعوبة الخلاص منها.
ثم إن المنكر إٍنَّما صار منكَرًا، ونهى الله تعالى عنه؛ لما فيه من الخُبث والضَّرر العاجل والآجل، فالمعاصي وبالٌ على الأفراد والمجتمعات، وسببٌ لتمزُّقها وتشتُّتها ثم انهيارِها وزوالِها؛ فالنَّهي عنها سياج حماية الأمَّة من آفات الضَّعف والتَّخلخل والضياع، والسكوت عليها دليلٌ أكيدٌ على غياب معايير النَّقد الصحيح والتوجيه البنَّاء، وهو تواطؤ آثمٌ مع القوى الشريرة، التي تريد بالأمة سوءًا، وتسعى لهدم قلاع الخير والفضيلة والصلاح.
فمعاصي البيع والشراء من النجش والغش وبيع المعدوم والمجهول وسائر أنواع البيوع المحرَّمة والمعاملات المُنْكَرَة لها من الأثر الكبير في تشتيت القلوب وتدابرها وتباغُضها ما لا ينكرُه ذو عقل.
وما يُقال فيها يُقال في سائر أنواع المعاصي.
والسُّكوت على هذه المنكَرات هو نوعٌ من الرِّضى بها وإقرارها.
4- تسليط الأعداء:
فإن الله جلَّ وعلا قد يبتلي المجتمع التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن يسلِّط عليهم عدوًّا خارجيًّا، فيؤذيهم، ويستبيح بيضَتهم، وقد يأخذ بعض ما في أيديهم، وقد يتحكَّم في رقابهم وأموالهم.
وقد مُنِي المسلمون في تاريخهم بنماذج من ذلك، لعلَّ منها ما وقع للمسلمين في الأندلس، حيث تحوَّلت عزَّتهم وقوَّتهم ومَنَعَتهم - لمَّا شاعت بينهم المنكراتُ بلا نكير- إلى ذلّ وهوان سامهم إيَّاه النَّصارى، حتى صار ملوكُهم وسادتُهم يُنادى عليهم في أسواق الرقيق، وهم يبكون وينوحون؛ كما قال الشاعر:
فَلَـوْ رَأَيتَ بُكـاهُمْ عِنْدَ بَيْعِهِـمُ *** لَهَالَكَ الوَجْـدُ واسْتَهْـوَتْكَ أحزانُ
وتقول أمُّ أحدهم -وهو أبو عبد الله، آخر ملوك الطوائف- تخاطب صاحبَ الملك المضاع:
ابْكِ مـِثْلَ النِّسـاءِ مُلْكًا مُضـاعًا *** لَمْ تُحافِظْ عَلَيـْهِ مِثـْلَ الرِّجـالِ
وشبيهٌ بذلك ما حدث في فلسطين؛ من تسلُّط اليهود على المسلمين، وتنكيلهم بهم، وطردِهم لهم، حتى صارت فلسطين أخت الأندلس، وحتى ذهبت كما قال الشاعر:
يا أُخْـتَ أَنْدَلُسٍ صَبْرًا وتَضْحـِيَةً *** وطُولَ صَبْرٍ عَلى الأرْزاءِ والنُّـوَبِ
ذَهَبْـتِ في لُجَّـةِ الأيَّامِ ضَائعـةً*** ضَياعَ أَنْدَلُسٍ مِنْ قَبْلُ في الحِـقَبِ
وطَـوَّحَتْ ببنيـكِ الصِّيْدِ نـازِلَةٌ *** بِمِـثْلِها أُمَّةُ الإسـلامِ لم تُصـَبِ
5- عدم إجابة الدُّعاء:
الإنسان يلجأ إلى الله وحده عندما يمسُّه الضرُّ، ويدعوه سبحانه أن يكشف عنه السوء، حتى المشرك يفعل ذلك.
يقول سبحانه وتعالى: (ثُمَّ إذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإليْه تَجْأَرُونَ)(النحل:53.)، (وَإذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البَحْر ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلاَّ إيَّاهُ)(الإسراء: 67.)
والمسلمون التاركون لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ عندما ينـزل بهم العقاب؛ يتَّجهون إلى الله عزَّ وجلَّ؛ يدعونه، ولكنَّه لا يستجيب لهم؛ كما جاء في حديث حُذيفة الذي سبق ذكرُه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "والَّذي نفسي بيده؛ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المُنْكَرِ، أو ليبعثنَّ الله عليكم عقابًا منه، ثم تدعونَه، فلا يُستجابُ لكم".
"يا الله! أوَحقًّا يدعو الناس فلا يستجيبُ الله لهم؟! الله الذي يقول: (ورَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء)(الأعراف: 156.)، الله الذي يقول: (وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَريبٌ أجيبُ دَعْوَةَ الدَّاع إذا دَعان)(البقرة: 186.)؟! هل يمكن أن يحدث ذلك؟!
صدق الله، وصدق رسوله، وما يمكن أن يكون ذلك إلا حقًّا.
وإنَّه لحقٌّ ترتجفُ له النفس فَرَقًا، ويقشعرُّ الوجدان رُعبًا.
وماذا يبقى للناس إذن؟! ماذا يبقى لهم إذا أوصِدَت من دونهم رحمة الله؟! ولمن يلجؤون في هذا الكون العريض كلِّه وقد أُوصِدَ الباب الأكبر الذي توصدُ بعده جميع الأبواب؟!
ويبقى الإنسان في العراء!! العراء الكامل الذي لا يستره شيء، ولا يحميه شيء؛ من لفحة الهاجرة، وقسوة الزَّمهرير.
ألا إنَّه لَلهول البشِع الذي يتحامى الخيال ذاته أن يتخيَّله... لأنه أفظع من أن يُطيقه الخيال.
فهل كتب الله ذلك الهَوْل البَشِع على عباده المسلمين الذين يدعونه ويسألونه ويستنصرونه؟!
نعم؛ حين يكفُّون عن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ولو بأضعف الإيمان"(1).
6- الأزَمات الاقتصاديَّة:
قد تحلُّ الأزمات الاقتصاديَّة بالمجتمع المفرِّط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتتلاطَمُ به أمواج الفقر والضَّوائق، ويذوق الويلات من الحرمان.
ولقد وصلت الأزمات ببعض المجتمعات الإسلامية إلى حال من الفقر يُرثى لها، حتى أصبح الفردُ يكدَحُ في سبيل الحصول على لقمة العيش؛ فلا يجدها، مما قد يُحْوِجُه إلى ما في أيدي النصارى المتربِّصين الذين يسخِّرون طاقاتِهم لتنصير المسلمين، فيؤدِّي ذلك إلى وقوع المسلم في التَّنصير والعياذ بالله؛ خاصةً أن انشغاله بلقمة العيش قد ينسيه كثيرًا من أمور دينه، مما يبعده عنه، ويهوِّنه عليه.
وهكذا المنكَرات، سلسلةٌ يجرُّ بعضها بعضًا إلى أن تهوي بصاحبها.
وكما أنَّ هناك من يفسر ما يحلُّ بالمجتمعات من الحروب والأحداث المؤلمة تفسيرًا ماديًّا بحتًا، كذلك هناك من يفسِّر الأزمات الاقتصاديَّة تفسيرًا ماديًّا بحتًا، والمؤمن الذي يعي سنن الله يدرِكُ أنَّ وراء السبب المادي سببًا شرعيًّا حدث في المجتمع، فاستحقَّ ما جرتْ به سنَّة الله؛ من معاقبة المجتمع الذي يظهر فيه الخبث بلا نكير.
كما أن هناك مَن تُسْفَكُ أعراضُهم على مذبح الرَّذيلة، وتُداس كرامتُهم جريًا وراء الدِّرهم والدينار...
إنَّ كثيرًا من الجرائم وأماكن البغاء تتفشَّى في تلك الأحياء الشعبيَّة؛ التي يشيع فيها الفقر، وينتشر فيها العوز والفاقة.
ولعلَّ من أجلى الصور وأوضحها: الدَّمار الاقتصادي الذي يلحقُ المجتمعات بسبب إهمال النهي عن المنكر في شأن الرِّبا، مما جرَّ على المجتمعات الإسلامية مآسي عظيمة من تفاقُم في المستويات المعيشيَّة والاقتصاديَّة، فيزيد الفقير فقرًا إلى فقره، ويزيد الغني ثراءً، فيصبِحُ المال دُولةً بين الأغنياء، وتسيرُ الأمَّة إلى هاوية الدَّمار البعيد.
وها هي ذي مراكز الدِّراسات الغربيَّة تتحدَّث عن مصير أسود ينتظرُ الرأسماليَّة خلال عقد أو عقدين من الزَّمان، كذلك المصير الذي آلت إليه الشيوعيَّة!
(فَهَلْ يَنْتَظرُونَ إلا مثْلَ أَيَّام الَّذينَ خَلَوْا منْ قَبْلهمْ قُلْ فَانتَظرُوا إنِّي مَعَكُمْ منَ المُنْتَظرينَ)(سورة يونس: 102.).
7- ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يوجب الوقوع في الشهوات والإغراق فيها:
وهذا من شأنه أن يجعل الناس مرتبطين بالدُّنيا، أصحاب نفوس ضعيفة، غير جادِّين.
فالشابُّ الذي ليس له همٌّ إلا أغنية ماجنة، أو مجلَّة خليعة، أو شريطٌ مرئيٌّ هابط، أو مكالمةٌ هاتفيَّة شهوانيَّة، أو سفرٌ إلى بلاد الإباحيَّة والتحلُّل؛ هذا الشابُّ الذي أصبحت حياتُه كلُّها شهوةً؛ هل يستطيع أن ينعتق من إسار الدُّنيا، ويجدَّ في تحصيل العلم النافع؟! هل يستطيع أن يحمل السِّلاح ليدافعَ عن نفسه وعن أمَّته؟!
لا ريب أنَّه لا يطيقُ ذلك؛ لأنَّه تعوَّد على الارتباط بالدُّنيا، والرُّكون إلى الشَّهوة، ولم يألف الجدِّيَّة والحزم.
وإنَّك لتجد مصداقَ ذلك عندما تتأمَّل في واقع كثير من الشَّباب المُبْتعَثين إلى البلاد الغربيَّة مثلاً:
حيثُ ترى الشابَّ المتديِّن المستقيم منهم جادًّا في تحصيله العلمي؛ لأنه يحمل همَّ أمَّته؛ لأنه لم يعبد الشَّهوة، ولم يرسُفْ في أغلال الدنيا الدنيَّة.
أما الشابُّ الشهوانيُّ المنحرف؛ فإنك تراه منغمسًا في شهواتِه ورغباتِه؛ غير جادٍّ في تحصيله العلمي، تافه الاهتمامات؛ لأنه لا يحمل إلاَّ همَّ هواه، فتخسره الأمة، ويكون وبالاً عليها.
وهذه الحقيقة أدركها كلُّ البشر، حتى الوثنيُّون منهم؛ فإن اليابان -مثلاً- لما بعثتْ أوَّل بعثة من أبنائها للتَّعليم في بلاد الغرب، ورجع أولئك المُبْتَعَثون؛ متحلِّلين من مبادئهم؛ ذائبين في الشخصية الغربية؛ منغمسين في الشهوات الفردية؛ لم يكن من اليابانيِّين إلاَّ أن أحرقوهم جميعًا على مرأى من الناس؛ ليكونوا عبرةً لغيرِهم، ثم ابتعثوا بعثة أخرى، وأرسلوا معهم مراقبًا، كان يقدِّم عنهم تقارير متواصلة، تبيِّن جديَّتَهم ومحافظتهم على تقاليدهم الوثنيَّة وغيرها.
هكذا أدركوا أنَّ صَرعى الشَهوات لا يمكن أن يكونوا جادِّين في يوم من الأيام.
وفي مجتمعات المسلمين؛ لا شكَّ أنَّ ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر هو سبب غرق أبناء المجتمع في الملذَّات والأهواء التي تقعدُ بهم عن معالي الأمور.
8- الإهمال في أخذ العدَّة:
سواء كانت عدَّة معنويَّة بقوة القلوب وشجاعتها، أو عدَّة ماديَّة محسوسة تجهَّز لمقاومة الأعداء؛ فإن الاستعداد لا يتقنُه ولا يلتفتُ إليه إلا أصحاب الهمم، المعرِضون عن السَّفاسف، أما صرعى الشَّهوات؛ فليسوا أهلاً لذلك؛ بل إنَّ مجرَّد الكلام عن الحرب يرعِبُهم؛ فضلاً عن خوض المعارك، وركوب الأهوال.
9- هناك عقوبة جدّ خطيرة، وهي أن الأمة بدأ مسارها في عدد من البلاد الإِسلامية يتغيَّر:
ذلك أن المنافقين المفسِدين لم يكتفوا بإشاعة المنكَرات؛ بل مضوْا يخطِّطون لسلخ الأمة عن دينها جملة، حتى تتحوَّل إلى أمة عِلمانيَّة لا دين لها، تقبلُ أن تُحكَم بأيِّ شريعة، وأن يشيع فيها أيُّ انحراف فكريٍّ أو خلقيٍّ.
وهذا التحوُّل أخطر من سيطرة الكافرين والمنافقين عسكريًّا على البلاد الإسلامية.
والواقع يشهدُ لذلك؛ فإنك لو تأمَّلت؛ لوجدتَ البلاد الإسلامية التي أُخِذَت من المسلمين بالقوة العسكرية محدودة؛ كالأندلس التي أخذها النصارى قديمًا، وفلسطين التي سيطر عليها اليهود قهرًا… هكذا تبقى قليلة محدودة، ثم إن تأثيرها على مسار الأمة إيجابي؛ لأنَّ فيها إيقاظًا لها، وتحريكًا لغيرتها، وبعثًا لحميَّتها الدينية.
لكن لو تأمَّلت في واقع كثير من البلاد الإسلامية التي يحكمها الإسلام، ويشيع في أهلها المعروف؛ لوجدتها اليوم بلادًا علمانيَّة، تحكمها نظمٌ غير شريعة الله؛ نُظُمٌ تحمي الرذيلة، وتحارب الفضيلة، فتجد مثلاً في جامعاتها الاختلاط نظامًا محتَّمًا، وتجد محاربة الحجاب، ووصف أهله بالرجعية والتخلُّف... إلى غير ذلك من فنون الإغواء.
هكذا وقعت الأمَّة في براثن المنافقين، فسعَوْا جاهدين لسلخها عن دينها؛ بسبب غياب المصلحين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عن الساحة، أو ضعفهم في أداء رسالتهم.
والمجتمع ميدان لصراع فئتين، (والمُؤْمنُونَ وَالمُؤْمنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْليَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوف وَيَنْهَوْنَ عَن المُنكَر)(التوبة:71.)، (المُنَافقُونَ وَالمُنَافقَاتُ بَعْضُهُمْ من بَعْض يَأْمُرُونَ بالمُنكَر وَيَنْهَوْنَ عَن المَعْرُوف)( التوبة : 67.) فأي الفئتين غلبت؛ استطاعت أن تصبغ المجتمع بصبغتها.
ولذلك كانت قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضيةً مصيريَّةً يترتب عليها احتفاظ الأمَّة بمسارها الإسلامي.
ولهذا السبب كان الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر في عهود الإِسلام المتقدِّمة يحظى بأشد العناية من المسلمين أجمعين؛ فقد كان كل مسلم يشعر أنه مطالَب بذلك في كل مجال، وعلى سائر المستويات، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ في بيته، وفي سوقه، وفي مسجده، وفي كل مكان؛ لا يفرِّق في ذلك بين صغير أو كبير، ولا قريب أو بعيد، ولا معروف أو مجهول، ولا ذكر أو أنثى.
هكذا كانوا يشعرون أنَّ ذلك الأمر دينٌ يدِينون الله به، فلم يَكِلوه بأكمله إلى جهة معيَّنة، ويلقوا باللائمة عليها إذا رأوا منكرًا.
ومع ذلك كلِّه؛ عُنِي المسلمون بنظام الحسبة، الذي كان رجاله يقومون بمراقبة المجتمع عمومًا في كلِّ شيء، ويسعَوْن لإصلاحِه ومنع جميع أسباب أذاه، فيمنعون الباعة من الغشِّ، وينصفون الدائن من المَدين، وإذا رأوا مثلاً بيتًا آيلاً للسُّقوط؛ عالجوا أمره بما يناسب، وإذا وجدوا شارعًا ضيِّقًا؛ قاموا على توسيعه، وإذا رأوا نزاعًا؛ فضُّوه... إلى غير ذلك من المهمات.
إذن؛ كانت مهمَّة رجال الحسبة مهمَّة شموليَّة، أصبحت اليوم موزَّعة على عدَّة جهات؛ من أنظمة مروريَّة، وبلديَّة، وتجاريَّة... وغيرها، إلى جانب مهمَّة مراقبة السلوك والأخلاق وإيقاف الناس عند حدود الله.
وما كان هذا الاهتمام البالغُ بنظام الحسبة الذي ظهر بوضوح في عهد عمرَ بن الخطاب؛ إلاَّ لإدراك الأمَّة لأثر تلك الشعيرة في مسارِها.
------------------
(1) "قبسات من الرسول"، محمد قطب، (ص 53- 54)، ط 2، 1962م.