ملخص بحث معالم الرحمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
د / شعبان رمضان محمود مقلد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين، وبعد :
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأمة لتحقيق خيريتها، وتحصيل عزتها ورفع مرتبتها بين الأمم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لدفع العقوبات العامة ورفعها، فإن ترك هذه الشعيرة العظيمة من أهم أسباب وقوع العقوبات، فالأمر بالمعروف سياج الإيمان، والعصام من وقوع غضب الله الواحد الديان. قال الله ـ تعالى ـ : \"فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ\"( ) وقال سبحانه: \"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ\"( ). وبالأمر بالمعروف تقوم الشريعة وتنتشر الفضيلة، وبالنهي عن المنكر تندحر المعصية وتندثر الرذيلة.
وإن جانب الرحمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الجوانب التي لم تأخذ حقها في الظهور، وتأتي هذه الدراسة لتسلط الضوء على هذا الجانب، ويدفعنا لها ـ بعد توفيق الله سبحانه ـ عدة دوافع:
أولها: الأهمية القصوى للرحمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياتنا ومجتمعنا الإسلامي.
ثانيها: لما لجانب الرحمة فيه من صلة وثيقة بوسائل نشر هذا الدين.
ثالثها: أن إبراز جانب الرحمة في الدعوة ـ بوجه عام ـ وفي الأمر والنهي ـ بوجه خاص ـ فيه رد واضح على من يسيئون إلى رسولنا الكريم ويشككون في خلقه القويم.
رابعها: أن إبراز جانب الرحمة في الدعوة يعتبر أبلغ رد على المغرضين الذين يشككون في نشر الإسلامي بالحسنى والاختيار، مروجين لشائعة (انتشار الإسلام بالسيف أو بالعنف أو الإكراه)، مع أن القاعدة الأساسية الصريحة بالنسبة للحرية الدينية تكمن في قول الله تعالى: \"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ\" (3).
ويعنون لهذه الدراسة بعنوان: \"معالم الرحمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر\"
وتتناول هذه الدراسة ـ بعد المقدمة ـ مدخلاً وعدة مباحث رئيسة.
فالمدخل يتناول مفهوم مصطلحات عنوان الدراسة، وورود الرحمة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن الكريم.
وأما المباحث الرئيسة للدراسة فهي:
• المبحث الأول: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن.
• المبحث الثاني: هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جعل تغيير المنكر على مراتب ثلاث.
• المبحث الثالث: السنة النبوية تحث على اللين والرفق.
• المبحث الرابع: آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أساسها الرحمة والتراحم.
• المبحث الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبعثهما رحمة المجتمع وإنقاذه.
على أن هناك نقاطًا فرعية تتضح من تضاعيف هذه الدراسة ، وتتفرع من هذه المباحث الرئيسة.
وأثمرت الدراسة عدة نتائج من أهمها:
أولا: المقصود ب: \"معالم الرحمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر\"
العلامات والدلائل التي تدل على إرادة إيصال الخير، للتقرب من كل ما عرفه الشرع وأمر به، ومدحه وأثنى على أهله، وكذلك الدلائل التي تدل على اجتناب كل ما أنكره الشرع ونهى عنه، وذمه وذم أهله.
ثانيًا: ورد لفظا: \"الرحمة\"، و\"الرأفة\" في القرآن الكريم ـ بمشتقاتهما ومرادفاتهما ـ أكثر من 182 مائة واثنتين وثمانين مرة تقريبًا، أما الدعوة إلى الله ـ بوجه عام ـ فقد وردت بلفظها ومعناها حوالي 177 مائة وسبع وسبعين مرة تقريبًا، وورد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن الكريم ثماني مرات تقريبًا، لذا فالرحمة مطلوبة دائمًا في الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ
ثالثًا: الحكمة هي: الِإصابة في الأقوال والأفعال، ووضع كل شيء في موضعه، ولها أهمية كبرى في الأمر والنهي، والدعوة بِالْحِكْمَةِ والقول اللين الرقيق من غير غلظة ولا عنف، والرحمة بالمسلمين وغيرهم - في الحوار والإقناع- كل هذا كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وديدنه، ومنهج أصحابه وتابعيه ساروا عليه، فملئوا الأرض عدلاً، ودخل الناس في دين الله أفواجًا!!.
رابعًا: من رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن جعل تغيير المنكر على درجات، وهذه الدرجات في حقيقتها رحمة بالمدعو وتدرج معه، ونزول ـ في بداية الأمر ـ على فكره وعقله، فالداعي حريص على المدعو، ورحمته به شعلة تتقد بداخله، وتدفعه إلى القيام بهذه الدرجات على أكمل وجه.
خامسًا: من معالم الرحمة في الدعوة إلى الله ـ عز وجل ـ وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن نصوص القرآن والسنة تحث على اللين والرفق، وخير مثال على ذلك: - كما أسلفنا- أمر الله لنبيه موسى في دعوته لفرعون: \"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى \" .
سادسًا: من معالم الرحمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يتحلى الآمر الناهي بالعفو والصبر والاحتساب، والدعاء للمأمور، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، والباعث على العفو والصبر لدى الداعية؛ ليس إلا شفقته على المدعوين ورحمته بهم، حتى وإن أعرضوا عنه أو صدوه وآذوه.
سابعًا: الآمر بالمعروف حريص على المجتمع وأفراده رحيم بهم!! يسعى لأن يحوز رحمة الله -سبحانه -ويدرك يقينًا أنه لا ينال هذه الرحمة من الله إلا إذا رحم المجتمع، وحقق الرحمة لأفراده، وأعمل جهده لينقذه من غضب الله وإنزال عقوبته.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
د / شعبان رمضان محمود مقلد
أستاذ مساعد التفسير وعلوم القرآن
بجامعة الجوف