بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
لبعض العلماء الأفاضل فصلٌ في العقيدة الصحيحة، لكن الشيء الذي يلفت النظر في هذا الفصل أنه مأخوذٌ حصراً من كتاب الله عز وجل.
فالعقيدة الصحيحة أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه رب العالمين، مقام الربوبية يختلف عن مقام الألوهية، فالله خالقٌ، وربٌ، وإله، من معاني الرب أنه المُمد فحينما يمدُّ الإنسان بما يحتاج إليه إنه رب العالمين، وليس رب البشر وحدهم ؛ ولكنه رب جميع العوالم في الكون، إذن وصف نفسه فقال:
﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾
( سورة الفاتحة )
وأنه مالك أو:
﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)﴾
( سورة الفاتحة )
في الدنيا الأمور على حقيقتها بيد الله عز وجل، وفي ظاهرها قد تكون بيد زيدٍ أو عبيد..
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
( سورة الأنفال: من آية " 17 " )
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
( سورة الفتح: من آية " 10 " )
ولكنه في الآخرة تكون الأمور في الباطن وفي الظاهر بيد الله عز وجل لذلك هذا اليوم يوم الفصل، يوم القيامة مالكه الله رب العالمين، وأنه يستهزئ بالمنافقين واستهزاء الله عز وجل بالمنافقين بمعنى آخر أي يحتقر عملهم، والإنسان في الدنيا إذا كان كاملاً ورأى عملاً سخيفاً، أو عملاً فيه أذى، أو فيه فساد، أو فيه بغي يحتقر هذا العمل، من علامة المؤمن الكامل في الدنيا أنه يحتقر كل عملٍ منحط، هذا معنى الاستهزاء، وأنه يستهزئ بالمنافقين فقال:
﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾
( سورة البقرة: من آية " 15 " )
وأنه يمدُّ المنافقين:
﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)﴾
( سورة البقرة )
الإمداد له معنى آخر، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)﴾
( سورة طه )
أي أن ربنا عز وجل في الدنيا أعطانا فرصة، كي نعبر عن ذواتنا، كي نظهر حقيقتنا، فلو أن الله سبحانه وتعالى عجَّل على الكافرين فقضى عليهم، تكون هذه الفرصة لم تعطَ إليهم تماماً لذلك:
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾
هذه الكلمة أنه أعطى للكفار ولبني البشر كافةً فرصةً كي يظهروا على حقيقتهم، هذا السؤال الذي يخطر في بال الإنسان: فلان أحياناً يفجر، أحياناً يطغى، أحياناً يبغي، يتجاوز حدود البشر، كيف أبقاه الله عز وجل ؟
الجواب: أن الله سبحانه وتعالى بعث بنا إلى الدنيا كي تظهر حقيقتنا، فلو فرضنا طالب دخل امتحان، المعلم يعرفه أنه لم ينجح لشدة كسله، دخل أول مادة، هل بإمكان المعلم أو هل يفعل المعلم أنه يمنع هذا الطالب من دخول الامتحان لعلمه به ؟ الجواب: لا، لو أنه حرمه الامتحان لقال: يا أستاذ أنا سأنجح، أنا حضرت. يعطى الطالب الفرصة الكافية لتقديم جميع مواد الامتحان، من أجل أن ينكشف على حقيقته..
﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾
( سورة الأنفال: من آية " 42 " )
فهذا الذي يجعل الله سبحانه وتعالى يعطي للكفار الطغاة مهلةً من جهةٍ كي يظهروا على حقيقتهم، ومن جهةٍ أخرى لعلهم يهتدون..
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) ﴾
( سورة طه )
وأنه يذهب بنورهم فيتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون، الحقيقة النور نور الهدى، ولا يعرف هذا إلا المؤمن، المؤمن على شيء من النور الإلهي، مستبصر، يرى الخير خيراً والشر شراً ؛ لكن المنافق والفاجر والكافر يرى الخير شراً، ويرى الشر خيراً، فيكفي أن يتباهى الإنسان بالمعصية، أعمى، سيدنا يوسف ماذا رأى في الزنا ؟ رأى نتائجه الوخيمة فقال:
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾
( سورة يوسف )
أما الأعمى يراه مغنماً، وقد ينتهي، وقد يسفل به إلى أسفل سافلين، إذن لما الإنسان يكون في الدنيا مزوَّد بنور إلهي، معنى ذلك أنه يرى الخير خيراً والشر شراً، فأخطر شيء في الدنيا أن تمتلك رؤيةً صحيحة.
لذلك الإنسان الجاهل يرى المال الحرام مكسباً، مغنماً، ولا يدري أن الله سبحانه وتعالى سوف يذهب له هذا المال بأساليب عديدة، لا يدري، الحديث الشريف:
(( من أصاب مالاً في مهاوش أذهبه الله في نهابر ))
معنى مهاوش أي أدق تعبير لها في اللغة العامية بالهيلمة، في كسب شرعي وفق جهد، وفي عدوان على الكسب، الإنسان أحياناً يعتدي على كسب الآخرين بأساليب ؛ إما أن يخيفهم، وإما أن يخدعهم، وإما أن يدلِّس عليهم، فكسب المال على نوعين ؛ إما أن تكسبه بجهدٍ حقيقي فهذا هو الكسب المشروع، وإما أن تكسبه بطريقةٍ من الطرق غير المشروعة، قد تكو بالخداع، وقد تكون بالضغط، وقد تكون بالتخويف، معنى:
(( من أصاب مالاً في مهاوش أذهبه الله في نهابر ))
هذا قانون أي يذهب نهب، أخذه بوسائل غير مشروعة يُذهب منه نهباً، من يعرف هذا ؟ المؤمن، مستبصر، أما غير المؤمن أعمى.
﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)﴾
( سورة البقرة )
أي أن الكافر لجهله يظن أنه يفعل ما يشاء..
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
( سورة الأنفال: من آية " 36 " )
الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء، أحياناً الكافر يظن نفسه يفعل ما يشاء، لكن مشيئته موظفةٌ عند الله عز وجل، لا يفعل إلا ما يسمح الله من مشيئته أن يحدث، و..
﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾
إن كانت قدير من فعل التقدير، تقديره تقدير حكيم عليم، وإن كان القدير من فعل قدر، وقدر من القدرة، فهو على كل شيءٍ قدير، لذلك إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله..
﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)﴾
( سورة البقرة )
تواب صيغة مبالغة، أي كثيراً ما يقبل التوبة عن عباده..
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)﴾
( سورة الجمعة )
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
( سورة إبراهيم )
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)﴾
( سورة البقرة )
طبعاً الله سبحانه وتعالى يكره عملهم، لا يكرههم بالذات، يكره عملهم، وأدق مثل مثل الأب قد يكره عمل ابنه، ومع ذلك يرعاه ويعطف عليه ويقدم له حاجاته وينصحه ولكنه يكره عمله، فإذا عاد إلى رشده أحبه ورفع شأنه.
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)﴾
( سورة آل عمران )
أي..
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1)﴾
( سورة الإنسان )
الله سبحانه وتعالى تفضل علينا بنعمة الإيجاد، لولا مشيئة الله عز وجل بإيجادنا من نحن ؟ نحن لا شيء، إذن هناك نعمة الإيجاد، لمَ أوجدنا ؟ ليسعدنا، ولذلك خلقهم..
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
( سورة هود: من آية " 119 " )
وتفضل علينا بنعمة الإمداد، هذه الثانية، وتفضل علينا بنعمة الإرشاد، خلقنا وأمدنا وهدانا، لذلك قالوا:
﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾
( سورة المائدة: من آية " 6 " )
تمام النعمة الهدى..
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾
( سورة الفجر )
إن كان المال من دون هدىً فليس إكراماً ؛ بل هو امتحان.
﴿ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
( سورة المائدة: من آية " 40 " )
وأنه تعالى له وجهٌ..
﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)﴾
( سورة القصص )
له وجهٌ، قد يبتغي الإنسان بعمله وجه الله عز وجل، والمرء يوم القيامة ينظر إلى وجه الله عز وجل، وأن وجهه..
﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا﴾
( سورة البقرة: من آية " 115 " )
أي أينما جلست وتوجهت إلى الله فثم وجه الله..
(( يا موسى أتحب أن أسكن معك بيتك ؟ قال: كيف ذلك يا رب ؟! قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني))
وأنه بديع السماوات والأرض، هو الذي أبدعها على هذا الشكل، فأنت لو فكرت الجبل الآن مألوف، والشجر مألوف، لكن من أبدع فكرة الجبل ؟ لولا الجبل لما عاش الإنسان الجبل فيه خزانات مياه عذبة، لو الأرض كلها مسطحة، صحارى، من أين تأتي الينابيع ؟
فكرة الشجر، أشجار للزينة، أشجار حدودية، أشجار للخشب، أشجار للظل أشجار دائمة الخضرة، أشجار متساقطة الأوراق، أشجار مثمرة، أنواع الفواكه، هذا كله بفضل من ؟ بفضل الله عز وجل، إذاً فكرة الإيجاد، أحياناً يرسموا لك أشخاص عايشين بالمريخ فالإنسان ليس عنده إمكان إلا يتخيل مخلوق له رأس، ويدين، ورجلين، وجذع على أشكال متفاوتة، إذاً من أبدع هذا النظام ؟ من أبدع شكل الكرة ؟ من أبدع شكل الدوران ؟ من خلق نظام الجاذبية ؟ من خلق الماء ؟
فكرة الماء قبل أن يكون الماء من أبدعها ؟ فكرة الهواء، فكرة المعادن، التربة، إنبات النبات، تحليق الطيور في الفضاء، فكرة الأسماك من ابتدعها ؟.
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
( سورة البقرة: من آية " 117 " )
الآن الغواصات مأخوذة من الأسماك، الطيران تقليدٌ غير جيد للطائر، أعظم طائرة صنعت حتى الآن تقليدٌ غير جيدٍ للطائر، فكرة الطيران من ابتدعها ؟ الله سبحانه وتعالى، فكرة الغَوص في البحر من ابتدعها ؟ الله سبحانه وتعالى، فكرة الطاقة، أنت تحتاج إلى طاقة كي تعيش، لولا الطاقة لما تمايز الناس، الإنسان يحتاج إلى الطعام، والطعام يحتاج إلى كسب والإنسان في الكسب يبدو معدنه الحقيقي، إما يكذب وإما يصدق، إما يكسب مال حلال أو مال حرام، إما أن يكون متقن لعمله أو غير متقن، فأخلاق الإنسان تظهر في كسبه لرزقه، لو تعمَّقت من أبدع نظام الزوجية ؟
﴿ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾
( سورة هود: من آية " 40 " )
الله سبحانه وتعالى أبدع هذا النظام، كان بالإمكان أن يخلق الناس كلهم دفعةً واحدة ويموتوا دفعةً واحدة، ولكن هذا التدرج في الخلق والموت هذا يعطي الإنسان درس كبير جداً أكبر موعظة للإنسان الموت، فمهما كان الإنسان مكابر، حينما يرى إنسان ميت، خشبة لا تقوى على التحرك، كان شيئاً مذكوراً فصار خبراً، يكون الإنسان مخيف، فقط عندما الله عز وجل يسحب الروح منه صار نعوة، صار اسم على نعوة، صار حدث، كان شيء مخيف صار خبر، قال الله تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
( سورة المؤمنون: من آية " 44 " )
من الذي خلق فكرة الموت ؟ فكرة التزاوج في الإنسان، في الحيوان، في النبات.. فالحيوانات من خلق هذه الفكرة ؟ الخروف تأكل لحمه، لماذا جعله الله على شاكلتك ؟ فإذا أنت لم تدرس طب، ولم تكن متخصص بأمور خلق الإنسان ألا تأكل لحم، ألا ترى القلب والكلاوي والكبد، والمعدة والأمعاء، والدماغ، والشرايين، والأوردة، والعضلات والعظام والأوتار، هذه ما ترها أمامك عند اللحام كلها ؟ في علاقة بين خلق الإنسان وخلق الحيوان، هذه العلاقة درس تعليمي لنا، هذه معنى:
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
( سورة البقرة: من آية " 117 " )
فكرة أن الطفل محبوب، لو كان الإله خَلْقُه غير كامل ؛ قد يكون الطفل حجمه صغير أما عقله ناضج، ما دام عقله ناضج بوقت مبكر لم يعد محبوب، ولكن محبوب في براءته الأب يحب ابنه سذاجته أحياناً، تفكيره المحدود، يعجبه كل شيء، يفرحه كل شيء، فالبنت الصغيرة تمسك المخدة تعملها لعبة، تصورها لعبة، أن هذه بنتها، تضعها على صدرها تنيمها، وهي مخدة، لو كان الطفل عاقل ما كان محبوب، فكرة الطفل من خلقها ؟ الله عز وجل:
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)﴾
( سورة البقرة )
أي على الله كل شيء سهل، لذلك الإنسان لما يكون مع الله يكون مع أقوى الأقوياء، مع القوة المطلقة، وإذا كان مع شركاء لله عز وجل، مع الأضعف..
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف لك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأرسخت الهوى من تحت قدميه، وما من عبد يطعيني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، وغافر له قبل أن يستغفرني ))
( من الجامع الصغير: عن " كعب بن مالك " )
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)﴾
( سورة الصف )
معنى العزيز أي لا ينال جانبه، فإذا كان طبيب نسي يسأل مريض معك حساسية ؟ أعطاه إبرة فصار معه صدمة، يأتي المريض يفتح للطبيب هاتف يوبخه فيه، الطبيب يخجل والله نسيت أن أسألك معك حق، لم يعد الطبيب عزيز، إذا كان صنعت صنعة وفيها خطأ فيها عيب، وجاء زبون كشف العيب، ووجه لك اللوم، لم تصبح عزيز، من معاني العزيز أن أحداً لا يستطيع أن ينال جانبه ؛ خلقه كامل، تصرفه كامل، حكمته مطلقة، فأي خلل بالكون، أي خلل بالتصرف، لو ربنا عز وجل ما وجه لإنسان معالجات، ما كان عزيز يوم القيامة، العبد يقول له: يا رب لمَ لم تعالجني بالدنيا ؟ لمَ لم تذكرني ؟ لمَ لم تخوفني ؟ لمَ لم تبعث لي شيئاً يوقفني عند حدي ؟ يقول له الله: لا، لقد سقت لك كل المعالجات.
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)﴾
( سورة الصف )
عزيزٌ لأنه حكيم، وأنه يوفي العهد لمن وفىَّ بعهده..
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾
( سورة التوبة: من آية " 111 " )
فما في شيء مؤلم مثل الخيانة، مثل إنكار الجميل..
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافيةً هجاني
* * *
لا يوجد شعور مؤلم في الحياة يوازي الشعور بالخيانة، لكن المؤمن الله عز وجل انظر إلى الأب أحياناً يضع كل أمله بابنه، الابن أحياناً ينسى أبوه، يغيب عنه أسبوعين يا أبت أي أنت ؟ والله مشغول، ماذا تريد مني ؟ اطمئن لا يوجد شيء لما يكون في شيء أنا أخبرك يتألم الأب، هلك حتى أن رباه، رآه كبير لم يعد يريده، صار الابن يرى أبيه عبء عليه، لما الإنسان يتعلق بالله عز وجل، الله وفي..
ينادى له في الكون أنَّا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
* * *
مسكين الكافر، حالته يرثى لها، أحياناً يتعلق بزوجته، يضع كل أمله فيها، ربنا عز وجل كذلك لحكمةٍ ربنا مضل، يضله عنها، من أسماء الله الحسنى أنه مضل، يضع كل أمله فيها، فتتنكر له أحياناً، أين ذاهبة ؟ والله زائرة عند بنتي، وأنا أين تركتين لحالي ؟ تقول له: أأنت صغير، كل لحالك. يتألم، أنا هكذا عاملتك من زمان ؟!
كل إنسان يضع أمله بزوجة أو بولد أو ببنت الله عز وجل من أسمائه المضل فلحكمة بالغة يريه من هذا الشخص الذي أشركه مع الله عز وجل أعمال مزعجة، أما المؤمن ثقته بالله وحده، لذلك الله عز وجل يسخِّر له أعداءه، فكيف بأصدقائه ؟
فلا توجد أجمل من شيخوخة المؤمن، لأنه سبحان الله كل ما ازداد سني عمره يزداد مكانة، يزداد هيبة، يزداد عقل، يرتفع شأنه، تزداد محبة الناس له، هذه من علامة الإيمان وعلامة من أمضى شبابه في معصية الله، ففي أمامه شيخوخة متعبة كثيراً، من كم يوم في شخصين أو ثلاثة لما أنا كنت صغير كانوا بمناصب حساسة بالتربية والتعليم، لما يدخل للمدرسة يبث الرعب والخوف، والله بوضع يرثى له، ماشي على عكازة نصفين، لا يدوم إلا الله عز وجل، أما المؤمن لو كان عمله طيب جداً وضع آخر يصير، الشيخوخة مقياس الشباب، الشاب المؤمن له شيخوخة سعيدة، وغير المؤمن يدفع الثمن في الدنيا قبل الآخرة.
فقال:
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾
( سورة التوبة: من آية " 111 " )
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)﴾
( سورة الحج )
وأنه يذكر من ذكره..
((إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه))
( من تخاريج أحاديث الإحياء: عن " أبي هريرة " )
من فضل الله عز وجل، أي أنك تدعو إلى الله، والله عز وجل يجعل اسمك برَّاق اسمك نظيف، لو فكر واحد يحكي عليك، يتصدى له أشخاص عديدين يسكتونه، هذه من نعمة الله عز وجل، لذلك في بعض الأبيات الشعرية بهذا المعنى:
لولا اشتعال النار فيما جاورت
وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ .... .... طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
* * *
أي البخور.
وأنه يذكر من ذكره فقال:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
( سورة البقرة: من آية " 152 " )
﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾
( سورة البقرة )
﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)﴾
( سورة البقرة )
وأنه إلهٌ واحد، في إله واحد، وفي إله أحد، واحد أحد، فردٌ صمد، الإله الواحد أي لا إله إلا الله، أما الإله الأحد ليس كمثله شيء، واحد أي لا إله إلا هو، أما أحد ليس كمثله شيء، أحد عدد نوعي، تقول: الطالب ترتيبه في النجاح الرابع، ليس معناه هو أربعة، هو رابع ترتيبه، فوزن فاعل، الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، هذا عدد نوعي، عدد تقييم وترتيب، وليس عدد كم، أما أربعة غير الرابع، فإذا قلنا: إلهٌ واحد، أي لا إله إلا هو أما إذا قلنا: إلهٌ أحد أي ليس كمثله شيء..
﴿ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)﴾
( سورة البقرة )
﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾
( سورة الأعراف )
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾
( سورة التوبة )
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾
( سورة المائدة: من آية " 12 " )
لكن ربنا عز وجل معيَّته مشروطة..
﴿إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾
( سورة المائدة: من آية " 12 " )
الكلمة من كثرة الترداد غاب معناها عن الناس، إذا قلت لواحد: الله معك. في قوة في الكون تستطيع أن تناله بالأذى.
إذا كنت في حالٍ معي فعن حمل زادي أنا في غنى
* * *
إذ كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ لما الله عز وجل..
﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾
( سورة الرعد: من آية " 11 " )
إذا ربنا أحب أن يهين إنسان ففي عذاب أليم، وفي عذاب عظيم، وفي عذاب مهين، من يُهن الله فما له من مكرم، العذاب المهين، عذابين؛ عذاب مادي وعذاب نفسي.
﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾
( سورة الأعراف )
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾
( سورة التوبة )
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾
( سورة آل عمران )
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)﴾
( سورة الأعراف )
تجليات ربنا عز وجل، أنوار ربنا عز وجل، عناية ربنا، حفظ ربنا للمحسن، لذلك..
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب ))
( من الجامع الصغير: عن " ابن عباس " )
(( باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة ))
( من الجامع الصغير: عن " أنس " )
أي أن الله عز وجل بشكل مطلق مع المحسنين، المحسن الله معه، يسدده يحفظه، يحفظ له أولاده، يحفظ له ماله.
﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)﴾
( سورة إبراهيم )
أحياناً يأتي ببال الواحد خاطر، الآن جاء بباله، طرق بالعمود تجده انفج بجبينه فهذا العامود ألا يراه ؟! سريع الحساب، ينوي نية سوء، يدفع ثمنها قبل أن ينفِّذها، سريع الحساب، يتوب إلى الله، بمجرد ما يتوب يحس أن جبلاً انزاح عن كاهله، يحس نفسه أنه صار خفيف، فسبحان الله الصُلحة بلمحة.
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))
بمجرد الإنسان ما يتوب، كأن ربنا عز وجل يشعره أنه قبل توبته، أنه قبله، وأنه عفا عما مضى، وأنه فتحت صفحةٌ جديدة، والله سبحانه وتعالى يشعره أنه فرح به.
(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة " )
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾
( سورة البقرة )
لا يحب أن تتكلم عن نفسك، تحزن الناس على أحوالهم، لا يحب تفسد بين زوجة وزوجها، ولا بين شريك وشريكه، ولا بين أخ وأخوه، لا يحب الله عز وجل تحبب الناس في الدنيا، لا يحب تشجع إنسان على معصية، لا يحب تفصل ابن عن أمه، تقنع ابن أن يسكن لحاله، لا يحب الله عز وجل، لا يحب أن تعمل سوء علاقة بين أخين، لا يحب أن تعمل سوء علاقة بين جارين، لا يحب النمَّام، لا يحب المغتاب، لا يحب نقل الأحاديث، لا يحب الفساد فكلما الإنسان كمل إيمانه تجد كلامه مضبوط موزون.
كان أحد الشيوخ ـ رحمه الله ـ لا يجرؤ إنسان يحكي في مجلسه كلمة عن إنسان يقول له: " يا با أظلم قلبي ". ما هذه الكلام ؟ والله إذا كان لا يوجد غيبة في المجتمعات يصير شيء جميل، قال لي أخ: دور استمر سبعة عشر سنة، أحباب، أصحاب، أصدقاء، سبعة عشر سنة، لا يوجد دور يستمر سنة فينتهي، فسأل واحد ما سر استمرار هذا اللقاء ؟ فاكتشف الحاضرون شيئين: الأول: أنه لا غيبة في مجلسهم، والثاني: لا نساء في مجلسهم. لا يوجد اختلاط.
إذا في اختلاط يقول لها: اطلعتي فيه زيادة في العشية بالبيت. هي تقول له: كذلك أنت كانت عينك لم تقمها من فلانة. صار في هذا الشقاق الزوجي، ما دام ما في اختلاط أصبح في طهر، ربنا عز وجل لا يحب الفساد، هل يا ترى الله يحبني ؟ هل الشيء صعب ؟ هل هي لغز، القرآن واضح:
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾
( سورة آل عمران )
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾
( سورة البقرة )
اجمعهم اثنا عشر آية.
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)﴾
( سورة البقرة )
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)﴾
( سورة الأنفال )
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)﴾
( سورة لقمان)
اجمعهم، حوالي اثنا عشر باثني عشر، أنا مرة جمعتهم، مع حذف التكرار.
لا يسبب فساد للناس.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾
( سورة البقرة: من آية " 222 " )
فإذا واحد غلط غلطة لا ييأس، لا ينكمش، يدفع صدقة فورية ؛ يا رب تبت إليك، الله يحب التوَّاب، لا يحب التائب، يحب التواب، التواب اسم فاعل مبالغ به، أي كثير التوبة قال عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمن مذنبٌ تواب))
ليس معناها أن الذنب يعيده مرتين أو ثلاثة، هذا استهزاء بالله عز وجل، أما هذه كان لا يعرفها سابقاً، بلغه أنها حرام، فتركها على الفور، في قضية ثانية لم يكن يعرفها أيضاً تاب عنها، كلما كان اكتشف أن في خلل في استقامته، في له شيء لا يرضي الله يتوب عنه على الفور، معنى تواب أنه كلما اكتشف بحياته في خلل يتوب منه فوراً، مثلاً:
ليس من الأصول أن الإنسان يتحدث عن زوجته ولو أنها صالحة، طبعاً الحديث عن شكلها هذا ديوث، أما الحديث عن أخلاقها من قلة المروءة، لأنه الذي تحدثهم عنها ليس لهم حق أن يتخيلوها تخيل، ففي أشخاص يقول: لم أكن أعرفها سابقاً. الآن عرفتها، فتب منها، كل ما الإنسان شعر أنه في شيء في خلل بكلامه، ربنا عز وجل علمنا، بالقرآن الكريم كله لم يذكر ربنا عز وجل ولا اسم امرأة إلا واحدة:
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 35 " )
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾
( سورة التحريم: من آية " 11 " )
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ﴾
( سورة الأحزاب: من آية " 59 " )
فلو استعرضت القرآن الكريم بكامله، ستمئة صفحة، لا يوجد اسم امرأة إلا عيسى ابن مريم، لأن صار في حوله إشكال، لأنه قيل أنه ابن الله، لا ابن مريم، في ناس عملوا بطاقات شيء جميل، وصلني كم بطاقة عقد قران: ندعوكم لحفل زفاف الشاب فلان على كريمة فلان. والله أحلى ما يكتب على فاتنة، على كريمة فلان، بلا اسم، هذا انسجاماً مع كلام الله عز وجل.
بالمناسبة هذا شيء بالشيء يذكر، عدة عقود قران توزع فيها بعض الكتب الجيدة كتاب في الأحاديث مثلاً، كتاب في تفسير مبسط أحياناً، مصحف، كتاب في الحديث الشريف كتاب مشهور للغزالي مثلاً، في كتاب بخمسة، وعشرة، وخمسة عشر، وثلاثين، أنت ناوي أن تدفع ثمن هذه العلبة خمسة عشرة ليرة، فيوجد كتاب بخمسة عشر مفيد، يقرأ، يستفاد منه، إذا كان واحد قرأ حديث شريف يتأثر فيه، فهذا بصحيفة الزوجين، آن الأوان أن الإنسان يجدد هذه التقاليد المستمرة شيء ليس له طعم.
﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)﴾
( سورة الحديد )
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) ﴾
( سورة التغابن )
﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾
( سورة البقرة: من آية "245 " )
يظن الغني أنه غني بذكاءه، الغني ببسط الله عز وجل، والإنسان قد يكون أذكى الله عنده له رزقة محدودة، لكن ربنا عز وجل حكيم.
((وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك))
( من كنز العمال: عن " أنس " )
حكيم عليم، لكن ربنا عز وجل قال:
﴿وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)﴾
( سورة يونس )
يا ترى دعواهم أي دعاءهم ؟ لو كان الدعاء كان الله يقول: وآخر دعوتهم، أو وآخر دعائهم، أما هنا:
﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ﴾
دعواهم، أي الدعوة القضية، أي قضيتك مع الله، منذ أن ولدت وحتى الموت ملخصةٌ بكلمة واحدة هي الحمد لله رب العالمين، الإنسان بيئته، وضعه، جسمه، معه كسل بالأمعاء دائماً، معه التهاب كبد مزمن، في معه ضعف بالبنية عام، وضع جسمه، وضع صحته دخله، بيته، زوجته، أولاده، معاشه، علاقاته مع الآخرين، يوم القيامة يكشف الله الغطاء فتقول: الحمد لله رب العالمين. هذا الإيمان، أما سيدنا علي قال: " والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ". أي صار في عنده يقين برحمة الله، وحكمة الله، وعلم الله، وخبرة الله، قبل كشف الغطاء، فلو كشف الغطاء ما ازداد يقيناً.
ويقول الإمام عليٌ كرم الله وجهه: " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ". أنا لما أرى أخ أو مؤمن في عنده مشكلة كبيرة بحياته وراضي ويقول: الحمد لله الله حكيم، هذا شيء أنسب شيء لي، الله رحيم، الله عليم. أنا أعد هذا درجة عالية في الإيمان، أن الإنسان يرضى بمكروه القضاء، الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾
( سورة البقرة: من آية "245 " )
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾
( سورة البقرة: من آية " 255 " )
﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
( سورة البقرة: من آية " 255 " )
انظر العظيم قدرةً، والعلي كرماً..
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
( سورة البقرة: من آية " 257 " )
﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 156 " )
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)﴾
( سورة لقمان)
هو غني، ومع أنه غني لا يعامل عباده إلا معاملةً يحمدونه عليها.
﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)﴾
( سورة آل عمران )
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 18 " )
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 26 " )
((أنا اللّه ملك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رجمة وإن هم عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم))
( من شرح الجامع الصغير )
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 26 " )
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)﴾
( سورة العنكبوت )
((عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَ ـ أما هنا انتبهوا ـ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ـ انظر إلى دقة الحديث ـ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَ ))
( من صحيح مسلم: عن " أبي ذر " )
لا يتهم الله عز وجل، يا رب ماذا فعلنا نحن لك ؟ في ناس يتجرأوا على الله عز وجل، يقولون لك: ماذا فعلنا فنحن نصلي له ؟ فلان الفاجر لا يعمل له شيء. كأنه يعترض على حكمة الله عز وجل، هي هذه جوابها سهل: إذا كان طالب من غير مدرسة فلتان، لا يوجد من يحاسبه بالأساس، هل عليه هذا الطالب وظائف ؟ لا يوجد عليه وظائف، عليه دوام ؟ ليس عليه دوام، هل عليه تفتيش نظافة ؟ لا يوجد عليه تفتيش نظافة، أما بالمدرسة محاسب أين وظيفتك ؟ لماذا تأخرت اليوم ؟ لماذا الصدرية ليست نظيفة ؟
فلما ربنا عز وجل يحاسب إنسان معناها هذا الإنسان ضمن المدرسة، طالب نظامي، له مستقبل، أما إذا كان لم يحاسبه هذه علامة غضب، تركه هملاً..
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
( سورة الأنعام )
الإنسان العاقل يفرح إذا الله عز وجل يبتليه، إذا أحب الله عبده ابتلاه، معناها أ،ه ضمن العناية الإلهية، ضمن العناية المشددة، ضمن المعالجة، ضمن الرحمة، معناها ليس ميئوساً منه، فيه خير، أما إذا كان واحد متروك هملاً يكون هذا خارج المدرسة، لا يوجد عليه دوام، ولا في تفتيش وظائف، ولا في مذاكرات، ولا في مذاكرة فجائية، ولا في مذاكرة خطية ولا في مذكرة لوالده، ولا في إحضار ولي، لا يوجد شيء إطلاقا، معناها هذا متروك هَمَل أما هذا الجاهل تجده يقول: أنا أصلي ويبعث لي الله مصائب، وفلان لا يصلي ليس عنده مصائب. أنت غيره.
﴿ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 98 " )
قال له واحد: أنا أريد أن أعصي الله عز وجل في لها فتوى هذه المعصية ؟ قال له في لها فتوى، اعصيه في مكانٍ لا يراك فيه. قال له: ما في إمكان. قال له: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه. قال له: وأين أسكن إذاً ؟ قال له: تسكن أرضه وتعصيه ؟ قال له هات الثانية. قال له: إذا أردت أن تعصيه فلا تأكل رزقه. قال له: وماذا آكل إذاً ؟ قال له تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه ؟ قال له: هات الثالثة. قال له: إذا أردت أن تعصيه فاعصه في مكانٍ لا يراك فيه. قال له: لابد من أن يراني. قال له: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه وهو يراك ؟ قال له: هات الرابعة. قال له: إذا أردت أن تعصيه فإذا جاءك ملكا الموت فلا تذهب معهما ـ لا تروح ـ.قال له: لا أقدر أن لا أذهب. قال له: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه ولابد من أن تلقاه ؟!
﴿ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 98 " )
﴿ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)﴾
( سورة هود )
﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
( سورة آل عمران: من آية " 141 " )
يكون في بهذه النفس عيوب، أمراض، الله عز وجل حليم، يضعك بظرف يظهر مرض، يعالجك منه، طبت منه، أيضاً بظرف ثاني مرض ثاني، طوال ما في بالجسد قلب ينبض في معالجة إلهية، حتى تلقاه كيوم ولدتك أمك، برئ، فالإنسان يجب أن لا يزعل.
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)﴾
( سورة آل عمران )
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)﴾
( سورة آل عمران )
﴿ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)﴾
( سورة آل عمران )
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
( سورة آل عمران )
﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
( سورة آل عمران: من آية " 180 " )
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)﴾
وأنه رقيبٌ علينا.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)﴾
( سورة النساء )
وأنه عليٌ كبير..
طبعاً الموضوع طويل، العقيدة الصحيحة من كتاب الله عز وجل، هذا كله ورد في القرآن الكريم..
* * *
الآن ننتقل إلى قصة صحابيٍ جليل هو سيدنا سراقة
أنا أتمنى على الأخ الحاضر إذا كان قلت له: احكي لي عن علم الله عز وجل يتكلم لك ساعة. احكي لي عن لطف الله عز وجل، ساعتين على خبرته، على حكمته، على أنه عزيز، على أنه حكيم، على أنه حليم، على أنه غني، هذه معرفة الله عز وجل، ماذا تعرف عن أسمائه؟
ضيف اليوم الجليل سيدنا سراقة، لاحظ أن الصحابة الكرام تقول سيدنا سراقة لكن كان يقصد رسول الله، كيف ربنا عفو كريم، وكيف الإسلام يجب ما قبله ؟ وكيف الصلحة بلمحة ؟
هبت قريش قريشٌ ذات صباح وجلةً مذعورة، فقد سرى في أنديتها أن محمداً قد بارح مكة ـ خرج من مكة ـ مستتراً بجنح الظلام، فلم يصدق زعماء قريش النبأ، واندفعوا يبحثون عن النبي في كل دارٍ من دور بني هاشم، وينشدونه في كل بيت من بيوت أصحابه حتى أتوا منزل أبي بكر، فخرجت إليهم ابنته أسماء.
والله الطفل النبيه شيء جميل يقول له: قال أبي أنه ليس هنا. فقال لها أبو جهل: أين أبوكِ يا بنت ؟ قالت: لا أدري أين هو الآن ؟ فرفع يده ولطم خدها لطمةً أهوت بقرطها على الأرض.
جن جنون زعماء قريش حين أيقنوا أن محمداً غادر مكة، وجندوا كل من لديهم من قفاة الأثر لتحديد الطريق الذي سلكه، ومضوا معهم يبحثون عنه، فلما بلغوا غار ثور، قال لهم قفاة الأثر: والله ما جاوز صاحبكم هذا الغار. ـ لأن الآثار دالة ـ ولم يكن هؤلاء مخطئين فيما قالوا لقريش، فقد كان محمدٌ وصاحبه في داخل الغار، وكانت قريش تقف فوق رأسيهما.
قال له: " والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطن قدمه لرآنا ". هذا حفظ الله عز وجل، يقول لك أحياناً: الله يعمي عنك. هي دعوة عامة لكنها عميقة، أحياناً لا يرى الموظف المخالفة، أحياناً ينكشها، على هوى حفظ الله عز وجل.
حتى أن الصديق رأى أقدام القوم تتحرك فوق الغار فدمعت عيناه، فنظر إليه النبي الكريم نظرة حبٍ ورفقٍ وعتاب، فهمس الصديق قائلاً: "والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك مكروهاً " هذه المحبة، والله يا إخوان الإيمان كله محبة، إذا الإنسان لا يحب أهل الإيمان لا يكون مؤمن. قال له:
((والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك مكروهاً يا رسول الله))
فقال له عليه الصلاة والسلام مطمئناً:
(( لا تحزن يا أبا بكر فإن الله معنا ))
أي إذا أنت مؤمن لك من هذا الكلام نصيب، هذا ليس تاريخ، هذا لنا، إذا أنت على شيء من الإيمان، ومستقيم، وعملك طيب، بملمة، بموقف حرج، بورطة، يجب أن تطمئن إلى رحمة الله، إن الله معنا، فأنزل الله السكينة على قلب الصديق، وراح ينظر إلى أقدام القوم ثم قال:
((يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدميه لرآنا))
فقال له النبي الكريم، هذه مرة ثانية فرجع واطمأن قلبه:
(( مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا))
( من صحيح البخاري: عن " أبي بكر " )
أنا أشبه تمثيل لكن تقريب للفكرة، لو فرضنا واحد دعي إلى الخدمة الإلزامية وكان والده قائد الجيش، فهل هذه الرتب تخوفه ؟ لا تخوفه، لأنه كلهم بإمرته، النبي الكريم شايف كل من في الكون بيد الله عز وجل وهو رسول الله، لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟
وهنا سمعا فتىً من قريش يقول للقوم: هلموا إلى الغار ننظر فيه. أحياناً ربنا عز وجل وهذه من حكمته، هو سينجيك لكن يوصلك للحفة، ما دمت أنت بالداخل لا تخف، لما قربت من الحافة قلبك دق زيادة، قربت للأمام لهنا، هنا يظهر حسن ظنك بالله ؛ في شخص هنا يقول لك: أين الله، وصلوا لنا. الإيمان يظهر عند الخطر، أصحاب موسى آمنوا بسيدنا موسى لما تبعهم فرعون، واثقين هذا رسول، لكن لما قربوا من البحر البحر صار مبين من بعيد أزرق، وفرعون وراءهم. قالوا: أحلى كمان هذا ما يطلع رسول. لما شافوا أنه بقي اثنين كيلو متر وفرعون وراءهم، صار كيلو متر، نصف كيلو متر، عشر أمتار، في هذه الساعة لم يتحملوا فحكوا:
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
( سورة الشعراء )
آخر شيء، كمان سيدنا رسول نفس القصة صارت معه، رسول، وكسرى وقيصر، وتفتح عليكم بلاد قيصر وكسرى، سمعوا واطمئنوا، وستفتح البلاد، كل من في الجزيرة جاءهم ليبيدهم، بالخندق، اليهود نقضوا عهدهم معهم، قالوا المؤرخين: الإسلام بقي على ساعات، ليست قضية فناء أو بقاء، قضية ساعات بقي الإسلام كله، في واحد قال: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته.
فربنا عز وجل أحياناً يضيق على المؤمن، يضيق عليه لدرجة إلى أن لا يوجد أمل بالمرة يقدر هذا الدين يقوى، هذه حكمة إلهية.
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾
( سورة الأحزاب )
كانوا مخلطين، انفرزوا الآن، أحياناً بالمنخل ينزل الزيوان يصفى القمح كذلك ربنا عز وجل يهز، هزة واحدة كل الضعاف يهرهروا فيتبقى الأقوياء أما:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾
( سورة الأحزاب )
علامة الإيمان أنك في السرَّاء مؤمن وفي الضراء مؤمن، في الغنى مؤمن وفي الفقر مؤمن، في إقبال الدنيا مؤمن وفي إدبارها مؤمن، عندك أولاد مؤمن الله لم يوهبك أولاد مؤمن عندك زوجة صالحة مؤمن، زوجة سيئة مؤمن، دخلك كبير مؤمن، دخلك قليل مؤمن.
هلموا إلى الغار ننظر فيه. فقال له أمية بن خلف ساخراً: ألم ترى إلى هذا العنكبوت الذي عشعش على بابه ؟ ألا ترى العنكبوت ؟ القلب بيد الله عز وجل، والله إنه أقدم من ميلاد محمد. تريد الدخول إلى الداخل، هذا العنكبوت قبل أن يولد محمد، غير أن أبا جهل قال واللات والعزى إني لأحسبه قريباً منا يسمع ما نقول ويرى ما نصنع، ولكن سحره ران على أبصارنا. والله كأنه بجانبنا قاعد سيدنا محمد.
يقولون ـ لكن هذه لم يذكرها المؤلف ـ أن سيدنا الصديق وقعت عينه على عين أحد على هؤلاء الذين يلاحقونه فأصيب بالذعر. قال له: " والله يا رسول الله لقد رأوني ". قال له: يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾
( سورة الأعراف )
ألم تقرأ هذه الآية ؟ بيد أن قريشاً لم تنفض يدها من أمر العثور على محمد، ولم ينثني عزمها عن ملاحقته، فأعلنت في القبائل المنتشرة على طول الطريق بين مكة والمدينة، أن من يأتها بمحمدٍ حياً أو ميتاً فله مئةٌ من كرائم الإبل. الآن الإبل ثمن الواحدة سبعة آلاف ليرة مئة في سبعة آلاف، أي سبعمئة ألف ثمن بيت جيد.
كان سراقة بن مالك في نديٍ من أندية قومه قريباً من مكة، فإذا برسولٍ من رسل قريش يدخل عليهم ويزيع فيهم نبأً الجائزة الكبرى التي بذلتها قريش لمن يأتيها بحمد حياً أو ميت.
فما كاد سراقة يسمع بالنوق المائة حتى اشرأبت إليه عنقه، واشتد عليها صرحه ولكنه ضبط نفسه، فلم يفُه بكلمةٍ واحدة حتى لا تتحرك أطماع الآخرين، وقبل أن ينهض سراقة من مجلسه، دخل على الندي رجلٌ من قومه وقال: والله لقد مر بنا الآن ثلاثة رجالٍ، وإني لأظنهم محمداً وأبي بكر ودليلهما.
فقال سراقة وقد كان داهية: بل هم بنو فلان مضوا يبحثون عن ناقةٍ لهم أضلوها حتى لكي لا أحد يلحق يأخذ الجائزة غيره، فقال الرجل: لعلهم كذلك. وسكت ثم مكث سراقة قليلاً حتى لا يثير قيامه أحداً، أي يثير الشبهة ممن في الندوى، فلما دخل القوم في حديثٍ آخر انسل من بينهم، ومضى خفيفاً مسرعاً إلى بيته وأسر لجاريته بأن تخرج له فرسه في غفلةٍ من أعين الناس، وأن تربطه له في بطن الوادي ـ لكي يخرج ماشياً أنه ذاهب يدور ـ وأمر غلامه بأن يعد له سلاحه، وأن يخرج به من خلف البيوت حتى لا يراه أحد، يريد أن يحضره ميتاً أو حياً، وأن يجعله في مكان قريب من الفرس.
لبس سراقة لأمته ـ أي درعه ـ وتقلد سلاحه وامتطى صهوة فرسه، وطفق يجد السير ليدرك محمداً قبل أن يأخذه أحدٌ سواه، ويظفر بجائزة قريش، كان سراقة بن مالك فارساً من فرسان قومه المعدودين ؛ طويل القامة عظيم الهامة، بصيراً باقتفاء الأثر، صبوراً على أهوال الطرق ـ أي ابن سفر، ابن بر كما يقولون ـ وكان إلى ذلك كله أريباً لبيباً شاعراً وكانت فرسه من عتاق الخيل.
مضى سراقة يطوي الأرض طياً، لكنه ما لبث أن عثر به فرسه وسقط عن صهوتها فتشائم من ذلك وقال: ما هذا ؟ تباً لك من فرس. وعلا ظهرها غير أنه لم يمضي بعيداً حتى عثرت به مرةً أخرى.
فإذا الواحد منا لا سمح الله ماشي بطريق غير صحيح وأكل أول ضربة، لا يظل ماشي والثانية ربنا نبهه، أول مرة تعثرت فرسه وثاني مرة.
فازداد تشاؤماً وهم بالرجوع، فما رده عن همه إلا طمعه بالنوق المئة، فلما يبتعد سراقة كثيراً عن مكان عثور فرسه، حتى أبصر محمداً وصاحبه، فمد يده إلى قوسه، لكن يده جمدت في مكانها، ذلك بأنه رأى قوائم فرسه تسيخ في الأرض، والدخان يتصاعد من بين يديها ويغطي عينيه وعينيها، فدفع الفرس فإذا هي قد رسخت في الأرض، كأنما سمِّرت فيها بمسامير من حديد ـ الآن أدرك أن هذا الرجل ممنوع منه ـ فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وقال بصوتٍ ضارع: يا هذان ادعوا لي ربكما أي يطلق قوائم فرسي. لكن يقولون أن سيدنا سراقة لما قرب من سيدنا رسول الله، سيدنا الصديق بكي مرة ثانية قال له:
" ما يبكيك يا أبا بكر ". قال له: " والله ما على نفسي أبكي ولكنني أبكي عليك، إن أهلك أنا فأنا واحد، وإن تهلك أنت فأنت أمة ". فقال له رسول الله:
(( اللهم اكفنا شره متى شئت وكيف شئت ))
ولكما علي أن أكف عنكما. لا أعمل لكم شيء. فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فأطلق الله له قوائم فرسه، لكن أطماعه ما لبثت أن تحركت من جديد، فدفع فرسه نحوهما فساخت قوائمها هذه المرة أكثر من ذي قبل، فاستغاث بهما وقال: إليكما زادي ومتاعي وسلاحي فخذاه ولكما، علي عهد الله أن أرد عنكما من ورائي من الناس. أول عهد أن يكف عنهم، أما ثاني عهد أن يبعد الناس عنهما، طور العهد.
فقالا له:
((لا حاجة لنا بزادك ومتاعك ولكن رد عنا الناس))
ثم دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرسه، فلما هم بالعودة ناداهم قائلاً: تريثوا أكلمكم فوالله لا يأتيكم مني شيءٌ تكرهونه. فقالا له: " ما تبتغي منا ؟ " فقال: والله يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر دينك ـ كان ذكي ـ ويعلو أمرك، فعاهدني إذا أتيتك في ملكك أن تكرمني، واكتب لي بذلك.
فأمر النبي صلوات الله عليه الصديق فكتب له على لوحٍ من عظم، ودفعه إليه، ولما هم بالانصراف، قال له النبي عليه الصلاة والسلام:
(( وكيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ ))
( من شرح الجامع الصغير: عن " ابن معين " )
أي هل من المعقول تقول لواحد جالس بدولة من العالم الثالث: كيف بك إذا جلست مجلس أعلى رئيس دولتين في العالم ؟
والحمد لله رب العالمين