بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون... من الحقائق المقطوع بها أن كل السعادة في القُرب من الله، وكل الأمن والطمأنينة في طاعته، وكل الرضا بقضائه وقدره مِن خلال مَعْرِفته، وكل التفاؤل في المستقبل مِن خلال تعلُّق الأمل به.
الله هو كل شيء، عنده السعادة، وعنده الأمن، وعنده التوفيق، وعنده الرضا، وعنده كل ما تطمح إليه، وفي البُعد عنه كل الشقاء، وكل الإخفاق، وكل الإحباط، وكل القلق، وكل التشاؤم، هذا منطلق الدرس ؛ حقيقةٌ وحيدةٌ هي الله، كل شيءٍ يقرِّبك مِنه هو تمام العقل، والهدى، والتوفيق، والصواب، والتفوّق، والفوز، والفلاح.
كل شيءٍ يحجبك عنه، أكرر: كل شيءٍ يحجبك عنه، هو عين الخطأ، والخلل، والانحراف، والشقاء، والهلاك.
إذاً السعادة في القرب، والشقاء في البعد، السعادة في الطاعة، والشقاء في المعصية، الأمن في الطاعة، والخوف فـي المعصية، التوفيق في الطاعة، والتعسير فـي المعصية، هذه حقيقةٌ مقطوعٌ بها، هذه الحقيقة ينبغي أن تكون أمام عين كل مؤمن، من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، فحالة الإنابة إلى الله، حالة الصُلح مع الله، حالة الإحساس بطاعة الله، حالة أن تكون في ظل الله، حالة أن تكون مُخلصاً لله، هذه حالةٌ لا تعدلها حالة، ولا يعلو عليها أيّة حالةٍ يملِكها الإنسان، وحالة البُعد، والمخالفة، والمعصية، والجفوة، والانحراف، هو الشقاء بعينه.
ولا تنسوا أيها الأخوة ؛ أن كل إنسانٍ على وجه الأرض، الآن صار عدو بني البشر ستة آلاف مليون، من شهر تقريباً أحدث إحصاء لأهل الأرض ستة آلاف مليون، تأكّدوا أن ستة آلاف مليون جميعاً لهم هدفان أساسيان: السلامة والسعادة. والسلامة والسعادة تتحققان فـي طاعته، وفي الإقبال عليه، وفي القُرب منه، وفي الإنابة إليه، وفـي إقامـة حدوده، وفـي المبادرة إلـى خدمة خَلْقِه، والشقاء، والقلق، والخوف، واليأس، والضجر، والملل، والسأم في البعد عنه.
موضوع الدرس اليوم، ما الذي يحجب عن الله ؟
أيها الأخوة... العوام لهم كلـمات يعجبني بعضها أحياناً، يـقول لـك: الإنسان حكيم نفسه. في أُناس على مستوى الصحة: يقولون: هذه الأكلة لا تناسبني، هذه الأكلة تعمل لي عسر هضم، هذه الأكلة ثقيلة، فهو يأكل أكلة خفيفة، فيرتاح، يداري جسمه مداراة عجيبة، مثل هذا الإنسان حكيم جسمه، فمن هذا الذي هو حكيم قلبه ؟
أنت من خلال التجربة مع الله ألا تعلم ما الذي يبعدك عن الله ؟ متى تُحجَب عنه ؟ متى تشعر بالجفوة منه ؟ متى تشعر أنك مطروحٌ مِن عنده، متى تشعر أنك قريبٌ منه ؟ ألا تشعر ؟ إذا كان الإنسان لا يشعر فهذه مشكلة كبيرة جداً، قال العلماء: المنافق يعيش أربعين سنة بحال واحد، أما المؤمن يتنقّل في اليوم الواحد أربعين حالاً، أليس هناك عمل أبعدك عن الله ؟ قمت لتصلي فرأيت الطريق غير سالك ؟ أليـس هناك عملٌ قربك إلى الله ؟ ماذا تشعر عقب إنفاق المال ؟ ماذا تشعر عقب أداء الصلاة المتقنة ؟ ماذا تشعر عقب قراءة القرآن ؟ ماذا تشعر إذا كنت صادقاً، إذا رحمت إنسـانـاً، إذا أنصفت إنساناً، إذا أمـرت بالمـعروف، إذا نهيت عن المنكر، إذا أكرمت ضيفاً، إذا لبّيت دعوةً، إذا نطقت بالحق ؟
فمن اللازم بعد زمن من حضورك مجالس العلم، أن تشع أنه صار لديك مقياس حساس: هذا العمل جعلني أقبل، أما هذا العمل فجعلني أحجب عن الله عز وجل.
أحياناً الإنسان ينساق مع مَن حوله، ذكر لي أخ أنه بعد مـا اشترى هذا الجهاز حجب عـن الله، وأصبحت صلاته شكلية، إقباله شكلي، ليس هناك أي حال بقلبه، وعندما صرف هذا الجهاز من البيت عادت له أحواله التي حرمها.
قال لي أخ ثانٍ: صار عنده إطلاق بصر نوعاً ما في عمله، هذا الإطلاق للبصر حجبه عن الله عز وجل، فلما عاد إلى غض البصر، شعر باتصالٍ بالله عز وجل.
أخوتنا الكرام، أنا أخاطبكم واحداً واحدا: ألم يصبح عندك نوع مـن الميزان، ما الذي يقربك وما الذي يبعدك ؟ ما الذي يسعدك وما الذي يحجبك ؟ فهذا موضوع درسنا: عشرة أشياء تحجب القلب عن الله.
درسنا الماضي كان: عشرة أشياء ضائعة ؛ علمٌ لا يعمل به، وعملٌ لا إخلاص فيه، وعملٌ لا يطابق السُنَّة، وقلبٌ فارغٌ من محبة الله، وجسدٌ معطلٌ عن خدمة الخلق، ووقتٌ ضائعٌ فيما لا يرضي الله، ومالٌ لا ينفق منه، إلخ..
الدرس اليوم عشرة أشياء تحجب عن الله عز وجل: أكبر شيءٍ يحجبك عن الله فساد عقيدتك، أضع بين أيديكم نموذج من هذه العقائد الفاسدة:
إذا اعتقد المرء أن الله عز وجل خلق الإنسان، وكتب عليه الكفر، وأجبره على أن يعصيه، وأماته كافراً، وجعله في جهنم إلى أبد الآبدين، مـن دون سببٍ مَن العَبد، لأن الله عز وجل (كما يتوهَّم) يقول: لا يسأل عـما يـفعل، وعدلـه غير عدلنا، وقبضةٌ إلى الجنة ولا أبالي، وقبضةٌ إلى النار ولا أبالـي، والإنسان حينما يخلق يكتـب أجلـه، ورزقه، وشقيٌ أو سعيد، وانتهى الأمر، ولكـن فيمَ العمــل ؟ اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلِقَ لـه، إنسان أمام هذه العقيدة الجَبْريّة، أمام الشعور أن الله عز وجل قدّر على إنسان أن يكون كافراً دون سببٍ منه، وأجبره على أن يشرب الخمر وأن يزني، ثم أماته كافراً، ثم وضعه فـي نارٍ إلى أبد الآبدين، فماذا تفعل ؟ مثل هـذه العقيدة تُحجبك عـن الله قطعاً، أكبر حجابٍ بينك وبين الله أن تسيء الظن به..
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾
(سورة الفتح: من آية: "6 " )
يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، هذا أكبر حجاب عن الله، لذلك أخطر شيء في حياة المسلم عقيدةٌ فاسدة، تَلَقَّفها دون أن يمحّصها، تلقفها دون أن يدقق فيها، لهذا العلماء قالوا: لا يمكن أن تقبل العقيدة تقليداً، ولو قُبِلَت العقيدة تقليداً لكـان كل أهل الفرق الضالة معذورون عند الله، لأن العقيدة، لابد أن يكون أساسها صحيحاً سليماً ؛ أمـا أن تقول: يا ربي فلان قال لي كذا فصدقته، لا ثم لا.. قال تعالى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾
(سورة محمد )
لم يقل سبحانه: فقُل. بل قال: فاعلم.
أيها الأخوة... أكبر حجابٍ بينك وبين الله سوء الظن به، بل إن أكبر معصيةٍ على الإطلاق تفوق الإثم والعدوان، والفحشاء، والمنكر، والكفر، والشرك، أن تقول على الله ما لا تعلم، بل قال العلماء: إن العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون مِن أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم..
(( ابن عمر دينكَ دينك إنه لحمك ودمك ))
( من كنز العمال: عن " ابن عمر " )
أحياناً يقول لك أخ: فلان خاف من الله، خاف منه خوفاً شديداً، فأبقى أمواله في البيت، فجاء مَن قتله وأخذ الأموال، أما الذي لم يخف من الله، سلمت أمواله، وسلم صاحبها، ما قولك؟ هكذا يعامل الله تعالى من خافه ؟! هناك قصص لها فعل الكُفر تماماً، هـناك قصص تؤكِّد فحواها أن الله ليس بحكيم، وليس بعادل، أكبر حجابٍ بينك وبين الله أن تسيء الظن به، أكبر حجاب بينك وبين الله أن تظن به ظن الباطل..
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
(سورة آل عمران )
هذا أكبر حجاب، لذلك صححوا عقيدتكم، واعلم أن الله عز وجل كامل كمالاً مطلقاً، ولا تَقبل عليه ظلماً، تجده يقول لك:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (
﴾
( سورة الشمس )
والله بين تفسيرين ما بين الكفر والإيمان، إذا فهمت أن الله خلق في النفس الفجور، فو الله هذا كفر، أما إذا قلت إن الله فطرها فطرةً تعرف فجورها من تقواها ذاتياً، فهذا كمال، هذا عين الكمال، أعطاك مُشْعِر ذاتي، لا تحتاج إلى مَن يُعَلِّمك، حينما تخطيء تدرك أنـك مخطيء مباشرةً، ذاتياً.
أحياناً يقول لك: المؤمن يدخل الجنة وإن زنا وإن سرق، يفهمها بعض العوام، وإن يزني لا، لكنها: وإن زنا، إذا كان قد زنا في الماضي، في جاهليته وتاب الله عليه، يدخل الجنة، يفهمونها ولو كان زانياً يدخل الجنة، مسافةٌ كبيرة جداً قال تعالى:
﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾
(سورة الفرقان: من آية: " 68 " )
لذلك فهم النصوص شيء مهم جداً، فالله عز وجل ذكر فـي القرآن: أن الله علَّم يوسف عليه السلام مِن تأويل الأحاديث، فكل ظنٍ سيّءٍ بالله عز وجل، يحجبك عن الله، كل عقيدةٍ فاسدةٍ تحجبك عن الله، كل اتهامٍ لله ضمنيٍ بالظلم أو عدم الحكمة يحجبك عـن الله، حسن الظن بالله ثمن الجنة..
﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾
(سورة الفتح: من آية: "6 " )
الحجاب الثاني: حجـاب الشرك، والشرك كما تعلمون، شركٌ جليٌ وشركٌ خَفِيّ، من يعبد إلهاً صنماً. فقد كنت في أمريكا، فأخذني صديقٌ لي إلى معبد لطائفة الهندوس، معبد ضخم جداً، تكَّلَف ستة ملايين دولار يقع في ضاحية من ضواحي لوس أنجلوس، المدخل مخيف، أقواس، وزخـارف رائعة جداً، وفي صدر هذا البناء غرفةٌ فيها صَنَمٌ كبير، مصنوع من البرونز، وقد طُعِّم بالذهب الخالص، وامتلأ صدر هذا الصنم بالألماس، من أرقى أنواع الألماس، فهذا الصنم وحده كَلَّف ملايين مملينة وصنمان آخران، ورأيت واحداً من أتباع هذا الدين، ينبطح على الأرض بكامله، انبطاحاً كاملاً، فهذا هو السجود لهذا الصنم، وقيل لي إن بعضهم مثقفون، ورأيت في مدخل هذا المعبد كسارة لجوز الهند، سألت: لماذا هذه الكسارة ؟ قال: هذه لأن الإله يحب جوز الهند، تكسر له حبات جوز الهند، وتقدم له مساءً يأكلها بالليل. هذا الصنم من البرونز يأكل بالليل، هذا اسمه شرك جلي.
أما المليار ومئتا مليون مسلم، قد لا ينجو إلا قلة منهم مِن الشرك الخفي، قال تعالى:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
( سورة يوسف )
لمجرد أن تعتمد على إنسان مِن دون الله، لمجرد أن تضع أملك بإنسانٍ مِن دون الله، لمجرد أن تتوهم أن زيداً يرفعك، وعُبيداً يخفضك، وأن فلاناً يرزقك، وأن عِلاناً يحرمك، هذا شرك..
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوةٌ خفية وأعمالٌ لغير الله))
هذا حجاب الشرك، فالتوحيد التوحيد..
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
( سورة الشعراء )
والشـرك الخفي مخيف، وعقابه أليمٌ وشديد، لأن الله يؤدّب من أشرك به، وقد يُحْبِطُ عمله.
الحجاب الأول: العقيدة الفاسدة، سوء الظن بالله.
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
(سورة آل عمران: من آية: " 154 " )
والحجاب الثاني: الشرك الخفي. معتمد على إنسان، وقد تعتمد على مالك، ومَن اعتمد على ماله ضَل، وقد تعتمد على خبرتك، وقد تعتمد على ذكائك، وقد تعتمد على أتباعك، وقد تعتمد على نَسَبِك، وقد تعتمد على رصيدك في البنك، كله شركٌ خفي، ينبغي أن تعتمد عـلى الله، وقد تعتمد على إنسانٍ قوي، تظن أنك في مأمنٍ حينما تتصل بـه هاتفياً، هذا أيضاً شرك، المؤمن الصادق لا يعتمد إلا على الله، فـالشرك الخفي، حجابٌ يحجبك عن الله.
المشـرك يمشي في طريق مسدود، لأن هذا الذي أشركته مع الله لا يملك لك نفعاً، ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، ضعيفٌ مثلك.
هناك حجابٌ ثالث: حجاب البِدَعِ القولية. فهناك أقوال يقولها العامة ما أنزل الله بها من سلطان، ليس لها أصل في الدين..
يقول لك: الله عز وجل يعطي الحلاوة لمن ليس له أضراس. ما هذا الكلام ؟ هذه بدعة قولية.
أو يقول: امش بجنازة ولا تمش بجوازة. هذه بدعة قولية ليس لها أصل.
أو يقول: سلامتك يا رأسي. أي عليك أن تنجو بنفسك ولا تعبأ بأحد. ونسوا: ومن لم يحمل همّ المسلمين فليس منهم.
أو يقول لك: الناس " لا يتشاكلوا "،
(( الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ ممن لم يخالطهم ولم يصبر على أذاهم ))
هذا كلام النبي.
( من الجامع لأحكام القرآن )
أو يقول: أنا حلفت يمين ألا أخدم إنساناً. ولكن النبي قال:
(( اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله ))
( من الجامع الصغير: عن " علي " )
آتيكم بأقوال كلها بدع قولية، بدع قولية ما أنزل الله بها من سلطان كلام غير صحيح، كلام غير متوازن..
يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة. فهذا الإنسان شارب الخمر ليس له ذنب، مقدر عليه أن يشرب الخمر عدد مـن الطاسات بمكان محدد، هذه كلها بدعٌ قوليةٌ تحجب عن الله عز وجل.
إذا شفت الأعمى طبه مالك أرحم من ربه. أهذه آية أم حديث ؟ هذا كلام فارغ، البدع القولية تحجب عن الله عز وجل.
تجعل الإنسان أنانياً، منافقاً، شديد الخوف، جباناً، هلوعاً، منوعاً، جذوعاً.
خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود. أيْ إياك أن تنفق.
الدراهم مراهم. فهذا شرك خفي، قالها واحد، فأذاقه الله مصيبة والله تدع الحليم حيران، ولا تحل بالمال، وهـو غني جداً، قال: الدراهم مراهم، ينحل كـل شيء بالدراهم. قعد بالزنزانة ستين يوماً، تفضل حلها بالدراهم، ما دام معك أنت مراهم، هذه كلها بدعٌ قولية تحجب عن الله عز وجل.
أول حجاب: العقيدة الفاسدة، ثاني حجاب الشرك الخفي، ثالث حجاب البَدع القولية...
رابع حجاب: البدع العملية.
ليس هناك اتفاق بين الزوجين، نحضر ملح، نذوبه بالماء، ونسكبه بطريقهم.
أو تحضر بقلة، وتسلقها، وتتغسل فيها، فيصبح ود بين الزوجين والله المجتمع ممتلئ بالبدع العملية.
لازم تحضر قماشة، تربطها على شباك ولي، وتمسك هذه النافذة وتهزها وهي تقول: يا سيدي فلان أريد ولد. لأن سيدها فلان إله ! ! أليس سيدها فلان عبداً مِن عباد الله، مات وانقلب إلى عمله.
راقب ؛ أول خميس، وثاني خميس، وثالـث خميس، والأربعين والسنوية، وثـلاثة سنوات لابسة أسود، أخته، أعمت قلب زوجها، ثلاث سنين تلبس الأسود، هذه كلها بدع، لا يحل لامرأةٍ أن تحد على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام، الزوجة موضوع ثانٍ، فهذه طقوس الحزن.
أما طقوس الفرح: لازم ينصمد العريس أمام المدعوات اللواتي هُنَّ في أبهى زينة، وإذا لم ينصمد معناها أنه أعور، فيه عيب، لـكي يبريّء نفسه من العَوَر والدمامة لازم ينصمد أمامهم، ويجب أن نصور الحفل، يجب أن تأتي مصورة تصور أولئك النساء بأبهى زينة، ويجب أن يؤخذ الفيلم ويعرض بهذه البيوت، وتخبر النساء الرجال أن هذه زوجة فلان ويقول الرجال: هذه زوجة فلان جميلة، والله عرف ينتقي، يجب على هذه المرأة السافرة التي تلبس لباساً فاضحاً، يجب أن ينظر إليها كـل الرجال في الفيلم.
يقول: ناقدوهم ما هذا ألا يوجد لديكم بالعرس تصوير فيديو ؟
هذا حال الناس، هذه بدع عملية ما أنزل الله بهـا من سلطان، بالحفلات، بالأعراس، بالمآتم، بالمآسي، بالسفر.
يجب أن يضع حذوة حصان على ظهر السيارة، وإذا وضع حذوة فلا على السيارة من بأس ولو على ركابها.
يضع مصحف بالسيارة ويسب الدين، ما هذا المصحف الذي تضعه ؟ مئات بل ألوف البِدَع العملية تُهَيْمِن على المسلمين، وهي تحجبهم عن الله عز وجل،.
حجاب البدع العملية:
يجب على الإنسان أن يقفز ( ينط ) لكي يصير مع الله هذا ما يجري في حفلات الذكر والشيس ؛ لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، لا داعيَ لأن تنط، لم يفعل هذا النبي عليه الصلاة والسلام.
البدع القولية:
القرآن مخلوق، عصور عانت ما عانت من هذه المقولة البدعية: القرآن مخلوق يرد عليهم آخرون، لا. غير مخلوق، فيرد الأوائل لا مخلوق، دخل علماء السجن، وكفر أناس، وإلخ.. بدع قولية، هل عالجها الصحابة الكرام ؟ هل فعل هذا أصحاب النبي ؟ هل جاءوا بشيء جديد ؟ هذا الحجاب الرابع.
العقيدة الفاسدة هي الحجاب الأول، والشرك الخفي هو الحجاب الثاني، والبدعة القولية هي الحجاب الثالث، والبدعة العملية هـي الحجاب الرابع.
الحجاب الخامس: حجاب أهل الكبائر الباطنة ؛ لديهم كبر، هـناك كبائر باطنة غير ظاهرة، الشعور أنك وحدك المُهْتَدي، وأن الله لك وحدك، وأن الجنّة لك وحدك، وأن كل هؤلاء الناس الذين ليسوا عـلى شاكلتك، ضالون، ضائعون، مصيرهم إلى النار، هذه أكبر بدعة باطنة، من الكبائر الباطنة: أن تتوهم أنك وحدك الناجي، وأن تسيء الظن بالناس، وأن تقول: هلك الناس، ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم، أيْ هو أشدهم هلاكاً، أو هو الذي أهلكهم وهم ليسوا كذلك، فهو أهلكَهم، أو أهلكُهم.
أهل الكبر. وهو في طاعة الله متكَبِّر، حـتى قال الإمام ابن عطاء الله السكندري: " رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً ". فيه كبر، وفيه عُجب، الكبر على الآخرين، أمـا العُجْب: يتيه بنفسه، فيه رياء، فيه حسد، فيه فخر، و خُيَلاء، و اعتزاز بقيم جاهلية: أنا ابن فلان. خير إن شاء الله.
دخل على النبي رجل أصابته رعدة من شدة هيبته، قال:
(( هون عليك إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش ))
ما قال له: أنا هاشمي، من بني عدنان، جدي قصي، قال له:
((إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد بمكة ))
( من الدر المنثور: عن " جرير " )
لديه خيلاء بالنسب، وخيلاء بالمال، أنا أكثر منك مالاً وأعز نسباً يقول لك: أنا عندي أموال لا تأكلها النيران، وربنا عز وجل له حِكَم كبيرة جداً...
شخص لـه عمل تجاريّ بالمنطقة الحرة وعمله رائج جداً، طلبات وبيع، وشراء، ملايين بين يديه، جاءه مهندس، مؤمن، شاب منضبط، يخطب ابنته، كَشَّر، وقال له: كم دخلك في الشهر ؟! أعطاه رقماً جيداً جداً، قال له: هذا لا يكفي ابنتي يوماً واحداً، فطرده بأن قال له: ليس لك عندنا اليوم نصيب.
والله أحد إخواننا حدثني بقصته وهو قريب له. قال لي: بقدرة قادر توقفت المنطقة الحرة، وهو طالب طلبات وعليه التزامات مالية فلكية، وتوقف عمل المعامل، ومُنع من بيع بضاعته، وأفلس. فجاء قريبه الـذي كان وسيطاً في خطبة ابنته، قال له: صاحبك الذي جاء ذات مرة وخطب ابنتي ذاك المهندس، هل تزوج ؟ فقال له: لا، قال له: هل تستطيع أن تقنعه أن يخطبها مرة ثانية ؟ قال له: أحاول أن أقنعه.
أقنعه، وخطبها، وتزوجها، واشتغل عمه عنده محاسباً، وخلال سنتين ؛ تحوّل من ملايين مملينة بين ديه، ومـِن كِبر فيه إذ رفض خاطب ابنته المؤمن، الطيب، المتواضع المهندس، ثم أصبح يعمل عند صهره محاسباً، فالله كبير.
فهذه عاقبة الكبر، هذا حجاب أهل الكبائر الباطنة، الكبر، العُجب، الرياء، الحسد، الفخر، الخيلاء، التوهّم أنك فوق الناس، الناس كلهم ضائعون، هذا كبر، هذا عجب، هذه كبائر باطنة تحجب عن الله عز وجل، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ مِن كبر.
ذكرت مرة من باب الطرفة: أن الإنسان يأتيه ضيوف أحياناً، يأتيه عشرون رجلاً مثلاً، ولا يوجد عنده شيء لضيافتهم، فوجد في البراد كيلوين من اللبن، فقال لزوجته: ضعي خمسة أمثالهما ماءً وملحاً وضعي ثلجاً ليصبح " عيران "، لكيلوين مـن اللبن أُضيف لهما عشرة كيلو من الماء، هذا شراب لذيذ، والعيران شيء طيّب، هذا من الكيلوين من اللبن لو أصابهما نقطة بترول، نقطة زيت كاز، هل يشربان ؟ لا، لكنهما قبلا خمسة أضعافهما ماءً، وكذلك الكبر يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل.
فالذي عنده كبائر باطنة ؛ كالكبر، والعجب، والرياء، والحسد، والفخر، والخيلاء، والتوهم أنك على الحق وحدك والناس كلها ضائعة، هذا أيضاً حجابٌ يحجبك عن الله عز وجل.
الحجاب السادس: حجاب أهل الكبائر الظاهرة ؛ أيْ له مخالفات، لكن العجيب أن حجاب أهل الكبائر الظاهرة رقيق، وحجاب أهل الكبائر الباطنة ثخين، أيهما أهون ؟ الكبائر الظاهرة أهون، معصية واضحة، يتوب منها الإنسان، أما الكبر جبلّة في النفس، شعور مستمر، أخطر ذنب هو الذنب الذي لا تعرفه ذنباً، أخطر مرض هو المرض الذي ليس له أعراض، أخطر ذنب، هو الذنب الذي لا تشعر به، يتسلل خفية، لذلك الكبائر الباطنة قلّما يتوبُ صاحبها، لأنه يتوهّم أنه على حق، أمـا الكبائر الظاهرة، سُرعان ما يتوب صاحبها، ليست مشكلة، إنسان نبهه بأن فيه كبر فيتوب، حجاب أهل الكبائر الظاهرة. قال: حجابهم أرق من حجاب إخوانهم، من أهل الكبائر الباطنة مع كثرة عبادتهم، عبادة كثيرة جداً وكثيفة جداً، وقوية جداً، مع مكبر باطن، صاحبها أبعد عن الله عـز وجل مِن إنسان عباداته متوسطة، بسيطة، لكن عنده تواضع لله عز وجل.
قال: أهل الكبائر الظاهرة أدنى إلى السلامة مِن أهل الكبائر الباطنة وقلوب أهل الكبائر الظاهرة خيرٌ مِن قلوب أهل الكبائر الباطنة.
على كل حال كبائر ؛ ظاهرة وباطنة، وشرك، وبدع قوليةٌ، وبدعٌ عملية، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار، أما أن يُحْجَبَ الإنسان عن الله عز وجل للصغائر، فهذا مغبون جداً.
قال له: تحلف يميناً على أنك شهدت شيئاً لم تشهده ؟ قال له: أحلف، ولكن أريد خمسة آلاف. قال له: لا بأس، أعطيك خمسة آلاف، جاء للمحكمة فوجد مصحفاً أمام القاضي، قال له: ضع يدك على هذا المصحف. فوقف دقيقة، ثم جاء للموكل قال له: أريد عشرة آلاف، لأنني سأحلف يميناً، على المصحف، هذه أغلى. فالحلف على المصحف كبيرة تحجب الإنسان عن ربه.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن الـشيطان يئس أن يعبد في أرضـكم ولكن رضي فيما دون ذلك، مما تحقرون من أعمالكم ))
يصـافح امرأة، ويقول: هل ستأكلني ؟ لا ليست ستأكلك، مرة جاءني سؤال من أخت في أمريكا، تقول: لماذا المصافحة حرام ؟ قالت: نحن نُحْرَج كثيراً في أعمالنا، قضية عدم المصافحة مشكلة كبيرة في حياتنا، فلماذا هي حرام ؟ وماذا ينتج لو أننا صافحنا ؟ أجبتها جواباً دعوياً لا جواباً شرعياً، قلت لها:
فيما أعلم أن الملكة " أليزابث " لا يمكن أن يصافحها إلا سبعة رجال لنص القانون البريطاني، لأنها ملكة، ولعلو مقامها، لا يمكن أن يصافحها كل الرجال، بـل سبعة رجال محدودون، بحسب النظام والقانون البريطاني، والمرأة المسلمة ملكة، لا يمكن أن يصافحها إلا سبعة رجال بحسب القانون القرآني ".
أحياناً يأتي القاضي إلى بيت المرأة المسلمة ليستمع إلى شهادتها، المرأة مُعَظَّمة جداً في الإسلام، مكرمة جداً، لكن المسلمين حينما جهلوا حقيقة دينهم ظلموا المرأة، فلما استعملوا الطلاق التَعَسّفي استعمالاً ظالماً، طلقوها لأتفه سبب، وهدّموا بيوتهم لأتفه سبب، أو امتنعوا عن تطليقها للإضرار بها، جاء مَن يُطالب بالخُلع دون أن تشترط موافقة الزوج، وهذه قضيةٌ أثيرت أخيراً في مصر، إثارةً كبيرةً جداً، وصدر قانون الأحوال الشخصية: يسمح للمرأة أن تطلب من القاضي أن تُخْلَع مِن زوجها مِن طرف واحد دون موافقة الزوج. ولهذا الموضوع بحث طويل، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمكنني أن أعالجه في دروسٍ قادمة.
هذه الصغائر حجاب أيضاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ ))
(من زيادة الجامع الصغير: عن " أنس " )
فأوضح مثل للصغيرة: أنت راكب سيارة، والطريق عريض جداً، عرضه ستين متراً، في بعض البلاد شارع الستين في جدة، ما معنى شارع الستين ؟ أي عرضه ستين متراً، طريق عرضه ستين متراً، عن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، فإذا أنت ركبت مركبة، وثبَّت المقود بانحراف قدره ميلي واحد، ففي النهاية على الوادي، الميلي صغيرة، ولكن لو ثبتها على الوادي، الكبيرة تسعين درجة فجأةً، على الوادي رأساً.
(( لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ))
( من زيادة الجامع الصغير: عن " أنس " )
لـو لويت المقود تسعين درجة، ثم انتبهت، فأرجعته فقد أدركت نفسك وأنقذتها من الخطر، الطريق عريض وأدركت السلامة، إذاً حجاب أهل الصغائر.
(( إن الشـيطان يئس أن يعبد في أرضـكم ولكن رضي فيما دون ذلك، مما تحقرون من أعمالكم ))
يرونها ذنوباً صغيرة فهم مقيمون عليها، فالناس مثلاً يظنون أن اللعب بالنرد صغيرة، " دق طاولة "، لعبنا ماذا حدث ؟ ضاق خلقنا، تسلينا..قلا عليه الصلاة والسلام:
((من لعب النرد، فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه ))
( من مختصر تفسير ابن كثير " أبي موسى الأشعري " )
الحديث صحيح، ولعبة النرد قديمة جداً، أن تملأ عينيك من الحرام، وأن تظن هذا من الصغائر، أن تكذب كي تُضْحِك الناس وتظن أن هذا من الصغائر، أن تقلِّد إنساناً في مشيته وفي حركته، أن تقلِّد امرأةٌ امرأةً هذا كله يحجب عن الله قالت له: فلانة قصيرة، قال:
(( يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
فالصغائر تحجب أيضاً.
الآن.. حجاب أهل التوسع في المُباحات: اشترى بيتاً بـلاطة كاملة، بأحد أبنية شارع برنية، بلاطة كاملة: بيتان كل بيت مساحته مئتان وعشرون متراً، مجموعهما أربعمئة وأربعون متراً، بيتان جاهزان على المفتاح، كَسَّر البلاط، قلع السيراميك، نزع الخشبية، رجَّع البيت على العظم، واشتغل فيه سنتين كاملتين، كل شـيء من أحدث نوع، وأغلى نوع، وأجمل شيء، وبالبناء لا يوجد مصعد، فيصعد كل يوم اثني عشر طابقاً على الدرج، بعد ما انتهى البيت، وضع طاولة من الرخام الأونكس، زين، وضع ألمنيوم برونز، عمل جبصين، مطبخ نفضه، أحياناً يكون النفض من نفض البدن، فيقول: نفض بيته، أيْ انتفض بدنه، أقسم لي جاره، وهو أحد اخوتنا: في اليوم الذي انتهى من كسوة البيت وافته المنية. والله طيلة سنتين يصعد، اثني عشر طابقاً، فالبناء بلا مصعد، رجّع البيت على العظم، كله كسره، لأن ذوقه رفيع جداً، و" سيشيع إلى مثواه الأخير "، هكذا مكتوب على كل النعوات، معنى هذا أن البيت الذي تسكنه مثوىً موقَّت، العبرة أن تنوّر القبر بعملك الصالح، هذا التوسّع في المباحات استهلك وقته وجهده وحجبه عن ربه بلا معصية.
والله من فترة قريبة كنت في تشييع جنازة، وقفت أمام القبر، قلت: سبحان الله، الإنسان منا ليحاسب نفسه هل يحتاج هنا إلى معجونة للقبر أو تحتاج إلى تصليحة فيه، أنت عندك رغبة بالكمال، ولكن ضع في حسابك أن هذا القبر نهاية المصير أرجوكم هل يوجد قبر من نوع خمس نجوم ؟ والله ما سمعت بقبر خمس نجوم، ولا أربع ولا ثلاث، ولا نجمان ولا واحد، ولكن هناك نجوم الظهر، يدفن ساعة وجودها. و القبر صندوق العمل.
إذاً عند كثيرين منا حجب وهي التوسع بالمباحات ليس عندنا أية معصية، ولا صغائر، ولا كبائر، لا كبائر باطنة، ولا كبائر ظاهرة، ولا بدع عملية، ولا بدع قولية، ولا شرك، ولا عقيدة زائغة، كله والحمد لله. كامل ولكن توسع بالمباحات، عندما يئس الشيطان من هذا الإنسان أن يحمله على الكفر، وجد عنده إيماناً بالله قوياً، فلما يئس أن يحمله على الشرك ورأى أن توحيده قوي، فلما يئس أن يحمله على الكبائر وجد عنده استقامة، فلما يئس أن يحمله على الصغائر وجد عنده ورعاً، فلما يئس مِنه أن يبتدع رآه من أهل السُنّة، فلما يئس، فلما يئس بقي عنده ورقةٌ رابحة هي: المباحات.
والله أيها الأخوة، أدخل إلى بيوت بحكم التعزية، يكون قريب لأحد إخواننا يقول لك: مات خالي، مات عمي، أذهـب لكي أعزي، أجد بيتاً ثمنه سبعون مليوناً فما فوق، أين صاحبه ؟ بالباب الصغير.
والله مرة كنت في حلب، الذي دعاني إلى هناك قال لي: سأريك بعض أحياء حلب، أخذني إلى حي في حلب اسمه حي الشهباء، أرقى حي عندنا يعتبر أكواخ أمام هذا الحي، أرقى حي فـي دمشق إذا قست هذه البيوت بتلك البيوت، فالبيوت فيه قصور، اطلعت على قصر، وهذا كان في العام أربعة وسبعين ـ هذه القصة قديمةً جداً، من خمسة وعشرين سنة ـ لون القصر أبيض، على النمط الصيني، وقتها كان الدولار بثلاث ليرات، كـلف بناؤه خمسةً وثلاثين مليوناً، الآن يكلف سبعمئة مليون، صاحبه توفي في الثانية والأربعين من عمره، وكـان طويل القامة، والقبر كان قصيراً لحكمةٍ أرادها الله، فلما وضع في القبر، لم يسعه القبر، فجاء الحفار ودفعه من صدره، فانثنى وتقوس، صاحب هذا القصر ينام هذه النومة في القبر، هذه حكمة مِن حِكَم الله عز وجل، فالمباحات صار الناس الآن يتوسعون بها كثيراً، وأحسبها من الحجب التي تحجب عن الله تبارك وتعالى.
الحجاب التاسع: حجاب أهل الغفلة عن استحضار ما خلقوا له وأريد منهم. فأنت لماذا خلقت في الدنيا ؟ خلقت لمعرفة الله، وأنت مخلوق للعمل الصالح، غفل عن سر وجوده وغاية وجوده، هذا حجاب أهل الغفلة.
آخر حجاب: ذكره فيه إحراج، إنسان توهم أن الدين كله بهذا الشيء، فاهتم بهذا الشيء، وبالغ به، ونسي بقية فروع الدين، فقد تجد إنساناً يرى أن الدين فقط فقه، لـكن الدين عقيدة، والدين استقامة، والدين عمل صالح، الدين صلة بالله. فهو عنده أن الدين فقه فقط، لا يعرف بالدين إلا الفقه، وإنسان آخر لا يعرف من الدين إلا التجويد، والتجويد ضروري وحق، ولكنه جزء من الدين، وما هو الدين كله، إنسان آخر لا يفهم من الدين إلا الرَد على أهل الكفر، يقول لك: مفكر إسلامي ولكنه لا يصلي. فهم الدين فهماً مشوّهاً، فأخذ جانباً منه وغفل عن بقية الأشياء، هذا أيضاً محجوب.
هذه عشرة حُجُب: العقيدة الزائغة، وحجاب الشرك الخفي، وحجاب البِدَع القولية، وحجاب البدع العملية، وحجاب أهل الكبائر الباطنة، وحجاب أهل الكبائر الظاهرة، وحجاب أهل الصغائر، وحجاب أهل التوسُّع في المُباحات، وحجاب أهل الغَفْلَة، وحجاب المجتهدين الذين غفلوا عن مقاصد الدين الكبرى.
هذه عشرة حجب تحجب عن الله عز وجل، والسعادة كل السعادة، والسلامة كل السلامة، والأمن كل الأمن، والفلاح كل الفلاح، والنجاح كل النجاح، والرضا كل الرضا في طاعة الله، والقرب منه، والهلاك والشقاء بالبُعد عنه، ومخالفة أمره، فكل شيء يقرّبك مِن الله ينبغي أن تعتني به، وكل شيء يبعدك عن الله ينبغي أن تبتعد عنه.
والحمد لله رب العالمين