نحن الأوائل ... والمستقبل لنا
د. أشرف نجم
كنت دائماً أندهش من رسوخ اعتقاد خطير لدى شبابنا الصاعد بأنه "مفيش فايدة".. وتكاد تلمح في نبرات أحدهم، وكلماته التي بين السطور، كأنه يقول: "لقد هُزمنا .. وانتهى الأمر .. ونحن نستحق ذلك، فلم نكن يوماً بخير".
كثيراً ما تناقشت مع الشباب حول هذه الفكرة، وحرصت أن أبرز لهم صورة المسلمين الناصعة عبر التاريخ، والتي عمل الغرب جاهداً على طمسها، فأغفل نتاج حضارات المسلمين الرائدة، ونسب الفضل كله لنفسه، وكأن الحضارة قد انتقلت "بقدرة قادر" من أفلاطون وأصحابه إلى أنيشتين وحزبه من علماء أوروبا وأميركا ... !!
وخطورة هذه المغالطة الكبرى ليست في الماضي الذي ولَّى .. وليست في الحاضر الذي نراه بأعيننا .. بل تكمن الخطورة أشد ما تكمن في المستقبل ونظرتنا له .. إن الغرب يريد أن يقول لأجيالنا الصاعدة: "لم تكونوا شيئاً .. وبالتالي فلن تكونوا شيئاً"
وعليَّ أن أعترف - مع الأسف – أن مساعي الغرب المغرضة المتربصة بالحضارة الإسلامية قد نجحت إلى حد كبير، وأن محاولاتي المتواضعة لمجابهة هذا الكيد والخبث ليست – حتى الآن – قادرة على مواجهة تلك المغالطة التاريخية الكبرى ... بيد أني لم أيأس يوما، ولن أرفع الراية البيضاء حتى لو رفعها الجميع.
أثناء عرضي لرسالتي عن "حساسية الصدر عند الأطفال" سواء لنيل شهادة الماجستير أو بعدها لنيل الدكتوراه، أفردت فصلاً كاملاً في بحثي وفقرة كاملة في العرض عن "وصف علماء المسلمين لحساسية الصدر" ... وكم كانت دهشتي كبيرة حين رأيت علامات التعجب على وجوه أساتذتي من جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر والزقازيق حين رأوا كيف وصف العالم المسلم الكبير "ابن سينا" حساسية الصدر وصفاً مطابقاً لما نعرفه الآن .... !!
تُرى .. إذا كانت هذه هي فكرة الأساتذة الكبار المتخصصين في عالمنا العربي والإسلامي عن علماء المسلمين الأوائل، فكيف ستكون فكرة الآخرين الأقل ثقافة وتخصصاً عنهم؟! .. بل كيف ستكون فكرة الغرب – علمائه وعوامه – عن الحضارة الإسلامية ونتاجها؟!
جلست في مدرج فخم في كلية الطب بجامعة الكويت أستمع لمحاضر إيطالي كبير يشرح بالتفصيل تاريخ " حساسية الجلد " وطرق التعامل معها في القديم والحديث .. وبدأ يتحدث مستعرضا منذ فجر التاريخ وحتى الحضارة اليونانية والرومانية القديمة .. وما أن وصل إلى القرن السابع الميلادي حتى قفز فجأة إلى القرن السابع عشر، مغفلاً عشرة قرون هي عمر الحضارة الإسلامية العريقة !! ...
رغم أن الأمر لم يثر انتباه أحد من المستمعين الذين انصرف تفكيرهم إلى الناحية الطبية من الحديث، إلا أنني أصبت بالإحباط وخيبة الأمل، ليس لوجود هذا النهج من المغالطات التاريخية الكبيرة، ولكن لوقوع ذلك من عالم كبير تعلَّم – كما يُفترض – أن يتحرى النهج العلمي في أبحاثه وأحاديثه ... وقررت أن لا أفوت الفرصة .. فتحدثت إليه.
بدا لي من حديثه أنه يعترف بفضل المسلمين في تطوير الحضارة عبر عشرة قرون، وأنه معجب أشد الإعجاب بالطبيب المسلم المبدع "ابن سينا" .. غير انه لا يملك من المعلومات الشيء الكثير عن تفاصيل جهد المسلمين ونتاج حضارتهم في الطب أو غيره .. وتواعدنا أن نلتقي عبر الانترنت لأزوده بما يحتاجه من هذه المعلومات ... وقد فعلت.
ومنذ أيام ... وقع تحت يدي مقال مترجم، ترجمه أحد نشطاء الانترنت .. المقال كاتبه هو (باول فاليللي) .. وهو كاتب غربي غير مسلم .. لكنه منصف ويتحرى الدقة العلمية فيما يكتبه ... بدأ الرجل حديثه فقال: "أعطانا العالم الإسلامي العديد من الابتكارات التي لا غني لنا عن استعمالها في حياتنا اليومية الآن" ... ثم فصًّل بعد ذلك الحديث عن أكثر عشرين ابتكارا تأثيراً على العالم من إنتاج المسلمين، وقام بتجميع بعض نتاج الحضارة الإسلامية، وسبقها في مجالات متعددة، بدايةً من القهوة ... و مروراً بنظام الثلاث وجبات اليومي .. وحتى الشيكات!! ...
حين نذكر القهوة مثلاً يتبادر إلى الذهن بلد كبريطانيا أو حتى البرازيل، لكن هل يمكنكم تخيل أن "القهوة .. عربية ! " اكتشفها راعي مسلم في منطقة (كافا) بجنوب إثيوبيا، ثم تم تصنيع البن لأول مرة في اليمن في القرن التاسع الميلادي، ومن ثم تم إحضاره إلى القاهرة ثم سرعان ما انتشر في كل أنحاء الإمبراطورية الإسلامية ... وبحلول القرن الثالث عشر وصلت القهوة إلى تركيا ثم انتشرت إلى آسيا ... لكن حتى القرن السادس عشر لم تكن حباتها تغلى بعد في أوروبا التي لم تعرفها إلا بعد استقدام تاجر إيطالي للقهوة لبيعها في مدينة البندقية.
هل رأيتم هذه المسارات ... إنها مسارات الحضارة .. من العرب والمسلمين عبر آسيا إلى الصين واليابان وبلاد المشرق .. وعبر تركيا أو المغرب والأندلس إلى أوروبا ... ثم إلى العالم الجديد في أميركا ... إنه المسار الذي يسقطه الغرب ... عن جهل أو سوء نية.
هل سمعتم عن الحسن بن الهيثم ... إنه أبو الفيزياء الحديثة، فهو أول من وصف كيف أن الإبصار يحدث بسبب سقوط الأشعة من الضوء على الجسم المرئي مما يمكن للعين أن تراه .. وهو أول اكتشف أيضاً ظاهرة انعكاس الضوء، وظاهرة انعطاف الضوء أي انحراف الصورة عن مكانها في حال مرور الأشعة الضوئية في وسط معين إلى وسط غير متجانس معه .. ووضع ابن الهيثم بحوثاً في ما يتعلق بتكبير العدسات، وبذلك مهّد لاستعمال العدسات المتنوعة في معالجة عيوب العين ... ويعتبر الحسن بن الهيثم أول من انتقل بالفيزياء من المرحلة الفلسفية للمرحلة العملية [ from a philosophical activity to an experimental one ] ."
هل كان بإمكان الغرب أن يصعد للفضاء أو يعالج عيوب الإبصار، أو يكتشف الكائنات الدقيقة أو يصنع الكمبيوتر، أو يبني ترسانته العسكرية، دون أن نمهد له الطريق ؟! .. إنها الحقيقة التي لا يريدون لنا أن نراها .... لقد صنعنا "أصول الحضارة" التي شيد عليها الغرب كل هذا التقدم في العصر الحديث.
وقبل آلاف السنوات من تجربة الأخوان رايت في بريطانيا للطيران.. كان هناك شاعر وفلكي وموسيقي ومهندس مسلم يدعى (عباس بن فرناس) .. قام بمحاولات عديدة لإنشاء آلة طيران .. في عام 825 قفر من أعلى مئذنة الجامع الكبير في قرطبة مستخدما عباءة صلبة غير محكمة مدعمة بقوائم خشبية، كان يأمل أن يحلق كالطيور .. لم يفلح في هذا ولكن العباءة قللت من سرعة هبوطه مكونة ما يمكن أن نسميه أول (باراشوت) .. ثم في عام 875 وحين كان عمره 70 عاماً .. قام بتطوير ماكينة من الحرير وريش النسور ثم حاول مرة أخرى بالقفز من أعلى جبل ... وصل هذه المرة إلى ارتفاع عال، وظل طائرا لمدة عشر دقائق ... لكنه تحطم في الهبوط! .. كان ذلك بسبب عدم وضع “ذيل” للجهاز الذي ابتكره كي يتمكن من الهبوط بطريقة صحيحة.
حين تستقل طائرة من الآن فصاعداً، لا تتذكر (الأخوان رايت) .. بل تذكر من علَّمهما فن الطيران فلم يعرفا له فضله، ونسبوا الفضل كله لأنفسهم .. (عباس بن فرناس).
وفي حوالي العام 800م قام العالم المسلم الكبير (جابر بن حيان) بتحويل “الخيمياء” أو “الكيمياء القديمة” إلى “الكيمياء الحديثة” كما نعرفها الآن، مخترعا العديد من العمليات الأساسية والأدوات التي لا نزال نستخدمها حتى الآن، كالسيولة والتبلور، التقطير والتنقية، الأكسدة والتبخير والترشيح .. جنباً إلى جنب مع اكتشاف الكبريت وحمض النيتريك .. واستخدم "التجربة المنظمة" كما اخترع أيضاً أمبيق التقطير مقدماً للعالم العطور وبعض المنتجات الكيميائية الهامة.
لو يعلم ابن حيان أو الرازي أو غيرهم من رواد علم الكيمياء أن المسلمين اليوم يعتمدون على غيرهم في تقطير المياه، ولولا ذلك لعطشوا حتى الموت ... وأن دول المسلمين البترولية في هذه الأيام لا تكاد تملك من تقنية تنقيته وتكريره إلا الشيء اليسير ... وآه لو علموا أن الغرب أنكر فضلهم ونسب التقدم في "الكيمياء الحديثة" كله لنفسه .. إنه الجحود والحقد .. لا شك.
هل سمعت عن مضخة الجزري؟ .. إنها آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار العميقة إلى سطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا .. لقد صنعت بواسطة مهندس مسلم بارع يسمى (الجزري) .. هذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة والمحركات الآلية في عصرنا الحاضر ... ويعتبر (الجزري) الأب الروحي لعلم الـ robotics والخاص بتصنيع الـrobots كما نعرفها اليوم.. من ضمن اختراعاته الخمسين الأخرى كان الـ” combination lock ” .. وهي التي نراها اليوم في طريقة قفل بعض الحقائب والخزانات باستخدام بعض الأرقام بجوار بعضها مكونة شفرة"
لم تكن أوروبا إذاً هي من اخترعت المحركات والمضخات، ولم تكن الحضارة الغربية هي صانعة الروبوتات الأولى في العالم، بل لم تكن أيضاً عملاقة الخزانات السرية الرقمية الأولى .. لقد كانا نحن المسلمين رواد كل ذلك ...
والمسلمون هم أصحاب السبق .. في التقنيات العسكرية ... فإذا كان الصينيون هم من اكتشفوا البارود واستخدموه في إشعال النيران، فإن العرب هم أول من نقّى البارود باستخدام نترات البوتاسيوم ليكون صالحاً للاستعمال الحربي, مما أصاب الصليبيين بالرعب ... في القرن الخامس عشر نجح المسلمون في اختراع أول صاروخ وأول طوربيد بحري" .
مشهور في التاريخ اختراع جيوش صلاح الدين لمادة مقاومة للنيران لحماية أبراجهم من سهام الصليبيين النارية في تحرير بيت المقدس ... وليست وسائل الحماية في الحروب فقط هي من اختراع المسلمين، بل العديد من التقنيات العسكرية كالمدافع والدبابات وغيرها، كنا نحن روادها ومخترعوها الأوائل.
وكنا نحن رواد المعمار ... بلا منازع، فلا يجادل أحد في ريادة المسلمين للمعمار .. إلا أن يكون جاهلاً أو حاقداً ... فالأقواس مستدقة الطرف وطريقة بناء القناطر والقباب هي اختراعات إسلامية صرفة .... قلاع أوروبا منسوخة الفكرة أيضاً من العالم الإسلامي، بداية من الشقوق الطولية في الأسوار وشرفات القلعة، مرورا بطريقة الحصن الأمامي وحواجز الأسقف، وانتهاءً بالأبراج المربعة التي كانت تسهل جدا حماية القلعة .... ويكفي أن تعرف أن المهندس المعماري الذي قام ببناء قلعة هنري الخامس كان مهندساً مسلماً".
عندما تقف أمام أحد الأبراج العملاقة أو ناطحات السحاب الشاهقة ... لا تشهق من "التقدم الغربي في المعمار" .. بل قل لمن حولك أن المسلمين هم من علموا أوروبا كيف يرفعون بنيانهم لأكثر من ثلاثة أمتار دون أن ينهار عليهم .. إنها الحقيقة.
وقد كان المسلمون .. أطباء الدنيا .. فالعديد من الآلات الجراحية الحديثة المستخدمة الآن لازالت بنفس التصميم الذي ابتكرها به الجراح المسلم “الزهراوي” في القرن العاشر الميلادي .. أكثر من مائتي آلة ابتكرها لازالت معروفة للجراحين اليوم قدمها الزهراوي ووصف استخداماتها في موسوعته الطبية (التصريف لمن عجز عن التأليف).
إن أول عملية لإزالة إعتام عدسة العين "المياه البيضاء" جرت في العراق في وقت مبكر في القرن العاشر الميلادي .. وكان “الزهراوي” يجري عملية استئصال الغدة الدرقية (Thyroid) وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوربا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشر أي بعده بتسعة قرون.
وفي القرن الثالث عشر الميلادي كان هناك طبيب مسلم آخر اسمه (ابن النفيس) يشرح الدورة الدموية الصغرى قبل أن يشرحها ويليام هارفي بـثلاثمائة عام ...!!
لقد اخترع علماء المسلمين أيضاً المسكنات من مزيج مادتي الأفيون والكحول .. وطوروا أسلوباً للحقن بواسطة الإبر لا يزال مستخدماً حتى الآن ... وفكرة التطعيم لم تبتكر بواسطة "جبنر وباستير" .. ولكن ابتكرها العالم الإسلامي ووصلت إلى أوروبا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا وتحديدا في اسطنبول عام 1724 ... الأطفال في تركيا طعِّموا ضد الجدري قبل خمسين عاما من اكتشاف الغرب لذلك! ".
وقد تم بناء أول مستشفى منظم في القاهرة عام 872هـ، وهو مستشفى "أحمد بن طولون" الذي كان يقدم العلاج والدواء مجانا لجميع المرضى، وكان يوفر حمامات منفصلة للرجال والنساء، وكان به مكتبة ثرية إضافة لقسم خاص للمرضى النفسيين.
وهل تعلم أن المسلمين هم أول من أنشأ مدرسة للصيدلة في العصور الوسطى .. وأنهم أول من أنشأ صيدلية ... فضلا عن وضع كثير من مبادئ علم الصيدلة.
وقد كتب المسلمون العديد من المجلات الطبية المختلفة منذ 1000 سنة ولا تزال موجودة إلى الآن ... كما ألفوا العديد من الكتب التي تمت ترجمتها إلى اللغة اللاتينية، منها كتاب "القانون" لابن سينا الذي ظل مرجعا رئيسيا للطب في أوروبا والعالم لعدة قرون .. وحتى القرن التاسع عشر الميلادي كان يدرس في جامعات أوروبا.
لقد كانت أوروبا كلها تستعين بخبراء المسلمين من الأطباء والصيادلة من الأندلس وغيرها لعلاج ملوكهم وذوي الوجاهة فيهم ... ولم نكن نبخل عليهم بذلك ... لكنهم يجحدون.
هل مازلنا في حاجة لأدلة جديدة على أننا كنا الأوائل ؟!! ... حسناً لنستأنف ...
لقد اخترع المسلمون طواحين الهواء في عام 634 م .. وكانت تستخدم لطحن الذرة وري المياه في الصحراء العربية الواسعة عندما تصبح جداول المياه جافة ... كان هذا قبل أن تظهر طواحين الهواء في أوروبا بخمسمائة عام!
والرياضيات اختراع صرف لعالمين مسلمين هما الخوارزمي والكندي حوالي العام 825 .... سميت “Algebra ” على اسم كتاب الخوارزمي “الجبر والمقابلة” والذي لا يزال الكثير من محتوياته تستخدم حالياً .... الأفكار والنظريات التي توصل لها علماء الرياضيات المسلمين نقلت إلى أوروبا بعد ذلك بـ300 عام على يد العالم الإيطالي فيبوناشي .. إن الـ ” Algorithms” وعلم المثلثات من العلوم التي نشأت في العالم الإسلامي.
على هذه العلوم بنت الحضارة الحديثة كل مجالات التقدم التكنولوجي في الحاسوب والفضاء والأجهزة الكهربائية والمعمار وغيرها ... لقد أعطاهم المسلمون "الأساس" .. فجحدوا فضلهم.
ولا يظنن ظان أن الحضارة الإسلامية كان لها السبق فقط في مجالات الحرب والطب والعلم ... لا .. بل حتى في الرفاهية والفخامة و"الاتيكيت" كنا نحن الأوائل .. فعلي بن نفيس والمعروف باسم “زيراب” .. قدم من العراق إلى قرطبة في القرن التاسع الميلادي، وعرّف الغرب لأول مرة بمبدأ الثلاث وجبات اليومية .. وقدّم أيضاً البلور أو الزجاج الشفاف لأول مرة ... وتفنن المسلمون أيضاً في حياكة السجاجيد .. بل أضيف إليكم أن المسلمين هم من اخترعوا أدوات الطعام من الملاعق والشوكات والسكاكين وغيرها، ووصفوا طرق استعمالها والبروتكول الخاص بالطعام والشراب والضيافة ... لقد اهتمت حضارتنا بأدق الأمور ... فهل يقرون بذلك؟
وحين نأتي لمجال الفلك ... فحدث ولا حرج عن سبق الحضارة الإسلامية ... ففي القرن التاسع عشر قال الكثير من علماء المسلمين أن الأرض كروية ... وكان الدليل كما قال الفلكي “ابن حزم” أن الشمس دائما ما تكون عمودية على نقطة محددة على الأرض ... كان ذلك قبل أن يكتشف "جاليليو" ذات النقطة بـ500 عام .. ( نلاحظ أن ابن حزم لم يعدم لقوله هذا عكس ما حدث مع جاليليو من الكنيسة!) .
وكانت حسابات الفلكيين المسلمين دقيقة جدا ... ففي القرن التاسع حسبوا محيط الأرض ليجدوه 40,253.4 كيلومتر وهو أقل من المحيط الفعلي بـ200 كيلومتر فقط! ... رسم العالم الإدريسي رسما دقيقاً للكرة الأرضية لأحد الملوك في عام 1139 ميلادية .. وقد أطلق مؤرخو علم الفلك على الفترة الزمنية من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر الميلادي اسم "الحقبة الإسلامية"، حيث إن أغلبية الدراسات المتعلقة بالنجوم في هذه الفترة كانت تتم في العالم الإسلامي.
وهل تعلم أن "إسطرلاب" كلمة عربية الأصل، وهي الآلة المستخدمة لرصد النجوم، وقد استخدمها علماء الفلك المسلمون على نطاق واسع، وظلت معروفة في العالم الإسلامي حتى القرن التاسع عشر الميلادي .. بل إن أول مرصد للنجوم إسلامي المنشأ ... فقد أعطى الخليفة المأمون، الذي حكم بغداد خلال الفترة بين 813 حتى 833م، أهمية خاصة لعلم الفلك ليتبوأ مكانة رفيعة بين العلوم، وبنى أول مرصد في التاريخ.
حين وضع الأميركيون أول قدم للإنسان على سطح القمر ملأوا الدنيا بأحاديثهم عن مجد الحضارة الأمير كية وتقدمها ... ولو صدقوا لردوا الفضل إلى أهله من علماء المسلمين الرواد في مجال الفلك، الذين مهدوا لهم هذا الطريق ... ولكنهم لا يَصدُقون.
ليست هذه هي كل مجالات التقدم الإسلامي في العلوم والآداب، بل هذا غيض من فيض ... ولنستمع لمجالات أخرى ربما لم تخطر على بال أحد .. فالقلم الجاف اخترع في مصر أول مرة لأجل السلطان في عام 953 .. والشيكات أيضاً إسلامية المنشأ ... واختراع الحدائق من فضائل المسلمين ... أما الموسيقى فللمسلمين السبق فيها ... فقد اخترع المسلمون العود والعديد من آلات الموسيقية، كما أن النوتة الموسيقية تستخدم حتى الآن أبجديات عربية.
وفي مجال التعليم ظهرت أولى الجامعات منذ أكثر من ألف عام مضت عبر المساجد، حيث كان العلم الديني والعلم الدينوي يدرسان جنبا إلى جنب ... وأول منحة دراسية كانت من صنع المسلمين ... فالمؤسسات الخيرية الإسلامية "الأوقاف" كانت أول من أرسى نظام المنح الدراسية لدعم الطلبة ومساعدتهم على تحمل أعباء الدراسة .. وقد سبق العلامة السوري الأعمى "زين الدين العميدي" لويس برايل بـ600عام وأنشأ أسلوبا خاصا لقراءة المكفوفين.
وبعد ... أكاد أسمع من يتمتم بشفتيه بقول الشاعر:
ليس الفتى من قال "كان أبي" إن الفتى من قال "ها أنا ذا"
والحق ... أني ما أردت بهذه الكلمات أن أجتر معكم آلام أمتنا، ولا أن أفاخر بآبائي وأجدادي – وحق لي أن أفعل إن أردت - .. وما قصدت أبداً أن أهرب إلى الماضي من واقع أليم أعيش معاناته كل يوم، ولا أن أحتكر العلم والحضارة للمسلمين وحدهم دون غيرهم كما يفعل الغرب ... أقسم أني ما أردت شيئاً من كل هذا ...
فقط أردت أن أقول ... أننا صنعنا الحضارة، وملكنا زمام العلم، حين توكلنا على ربنا، ووثقنا بأنفسنا، وأخذنا بأسباب التقدم ... وأننا قادرون إن فعلنا نفس الشيء أن نصل إلى نفس النتائج .. وأفضل.
أردت فقط أن أهمس في أذن الشباب ... " لقد كنا الأوائل ... والمستقبل لنا بإذن الله".