البشارة السادسة و الأربعون
يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) يبلغ بني اسرائيل بالاستبدال
ها هو يوحنا المعمدان يوبخ الكتبة و الفريسيين من بني اسرائيل فيقول "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتلقى في النار" متى 3 : 4 – 8
يا أولاد الأفاعي: كلام يدل على غضب يوحنا من الكتبة و الفريسيين .. فيقول لهميا من تلاعبتم بشريعة الله و وصاياهو مكرتم أمام الله
من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي:هل تذكرون سفر التثنية الاصحاح 9 و الذي يقول إن الله قد غضب على بني اسرائيل بسبب عبادتهم للعجل بعد أن كان موسى قد صعد لميقات ربه ليتلقى الألواح .. وظهرت نار على جبل حوريب تدل على غضب الله؟ .. و كان الجبل يحترق .. ها هو موسى عليه السلام و حواره مع بني اسرائيل غلاظ القلوب عبدة العجل يوضح لنا ما حدث .. "حتى في حوريب اسخطتم الرب فغضب الرب عليكم ليبيدكم. حين صعدت الى الجبل لكي آخذ لوحي الحجر لوحي العهد الذي قطعه الرب معكم اقمت في الجبل اربعين نهارا واربعين ليلة لا آكل خبزا ولا اشرب ماء. واعطاني الرب لوحي الحجر المكتوبين باصبع الله وعليهما مثل جميع الكلمات التي كلمكم بها الرب في الجبل من وسط النار في يوم الاجتماع. وفي نهاية الاربعين نهارا والاربعين ليلة لما اعطاني الرب لوحي الحجر لوحي العهد قال الرب لي قم انزل عاجلا من هنا لانه قد فسد شعبك الذي اخرجته من مصر. زاغوا سريعا عن الطريق التي اوصيتهم. صنعوا لانفسهم تمثالا مسبوكا. وكلمني الرب قائلا. رأيت هذا الشعب واذا هو شعب صلب الرقبة. اتركني فابيدهم وامحو اسمهم من تحت السماء واجعلك شعبا اعظم واكثر منهم. فانصرفت ونزلت من الجبل والجبل يشتعل بالنار ولوحا العهد في يديّ فنظرت واذا انتم قد اخطأتم الى الرب الهكم وصنعتم لانفسكم عجلا مسبوكا وزغتم سريعا عن الطريق التي اوصاكم بها الرب. فاخذت اللوحين وطرحتهما من يديّ وكسّرتهما امام اعينكم. ثم سقطت امام الرب كالاول اربعين نهارا واربعين ليلة لا آكل خبزا ولا اشرب ماء من اجل كل خطاياكم التي اخطأتم بها بعملكم الشر امام الرب لاغاظته. لاني فزعت من الغضب والغيظ الذي سخطه الرب عليكم ليبيدكم. فسمع لي الرب تلك المرة ايضا" .. فبعد أن عبد بنو اسرائيل العجل و ظهر غضب الله تعالى كنار حارقة فوق جبل حوريب و بعد أن اجتمع بنو اسرائيل في خيمة حوريب و أمر الرب من لم يسجد للعجل أن يقتل من سجد للعجل فقتل أبناء لاوي أكثر من ثلاثة آلاف من عبدة العجل .. ثم صلى لأجلهم موسى فعفى الله عنهم .. فعرفوا حينئذ أنهم إن أطاعوا وحي الرب و روح قدسه فإن الله يرضى عنهم و إن هم عصوا الله .. فإن الله يغضب عليهم و علامة ذلك ظهور نار توضح غضب الرب و هي تدل على سخطه .. كما ظهرت لهم رأي العين فوق جبل حوريب .. فقالوا لموسى بعد موتك لا نعود نرى هذه النار فكيف نعرف أننا على حق أو على باطل فرد الله عليهم بالوحي على لسان موسى مباشرة فقال لهم مؤكدا في سفر التثنية 18 : 15 – 22 "حسب كل ما طلبت من الرب الهك في حوريب يوم الاجتماع قائلا لا اعود اسمع صوت الرب الهي و لا ارى هذه النار العظيمة ايضا لئلا اموت. قال لي الرب قد احسنوا فيما تكلموا. اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك و اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به. و يكون ان الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه. و اما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم اوصه ان يتكلم به او الذي يتكلم باسم الهة اخرى فيموت ذلك النبي. و ان قلت في قلبك كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب. فما تكلم به النبي باسم الرب و لم يحدث و لم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه" .. أليس ذلك كله هو ما تقوله الآيات الكريمة في سورة المائدة "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"
نستخلص مما سبق أن يوحنا يتكلم إلى بني اسرائيل عن نبي آتي بعده و الذي كان الله قد وعد بني اسرائيل بإرساله بعد اجتماعهم في خيمة حوريب .. فالنبي محمد بن عبد الله .. هو الذي جاء ليعمدهم بما قال به الله لموسى .. بقرآن يهدي أنزله روح القدس جبريل عليه السلام من عند الله .. فمن قبله و آمن به و اتبعه فقد فاز برضى الله في الدنيا و الآخرة .. و من رفضه و حارب الله و رسوله فغضب الله عليه و سيف يذله في الدنيا و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون"
فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة: لقد مضى حكم الله فيكم بالاستئصال و الاستبدال فتوبوا إلى الله و آمنوا به و تمسكوا بعهده و وصاياه
ولا تفتكروا: لا تظنوا و لا يغرنكم أنكم أبناء الخليل ابراهيم .. و هذا ما كان يظنه الفريسيون من قوم بولس .. كانوا يظنون أنهم مبررون بدون أعمال لأنهم من نسل إبراهيم و هذا ما تكلم به بولس الفريسي بالفعل كثيرا في رسالاته في العهد الجديد من أن الايمان بدون عمل يبرر الشخص و هذا ليس حقيقة.
أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً: إن الله لا يحابي أحدا فقد أكرم أباءكم من أجل ابراهيم و لكنكم عصيتم أمره و تركتم شريعته و عبدتم آلهة أخرى فكيف يكرمكم من أجل إبراهيم.
لأني أقول لكم: تأكيد من يوحنا المعمدان (يحيى)على أقواله.
أن الله قادر: نعم فالفضل بيد الله يؤتيه من يشاء .. و أنكم لا تملكون من اختياره شيئا.
أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم: أي يحيي قلوبا مواتا و يهدي أبناءا ضالين أمثال العرب نسل اسماعيل ابن ابراهيم و الذين كانوا بعيدين عن رسالات الله فكانوا صما و عميانا.
والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر: نعم فهذا هو الوقت الذي حدده الله و رذلكم فيه لما كذبتم رسله و اتبعتم أهواءكم فما هي إلا سنوات قليلة إلا و يستأصلكم الله ثم يستبدلكم بأمة تعطي أثماره و قد أخبركم من قبل اشعياء و حزقيال عن اقتلاع الكرمة التي تمثلونها .. بل و ها هو يوحنا المعمدان يشير بالتجهيز لذلك.
فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتلقى في النار: إن الله لما تركتم وصاياه و شريعته ترككم و أبغضتكم نفسه .. فمن لا يؤمن برسوله فمصيره غضب الله في الدنيا و نار جهنم في الآخرة .. و لقد قالها لكم المسيح عليه السلام "ملكوت السموات يأخذ منكم و يعطى لأمة تعطي أثماره" .. فهلا تفكرتم و آمنتم بنبي الله و مصطفاه محمد بن عبد الله؟