كثيرة هي المحن المنقلبة إلى منح...
تحدث القرآن الكريم عن ضعف ابن آدم.... وعن حبه للخير... وجزعه من الشر..
وتحدث عن الصابرين وأسهب في الثناء عليهم.....
حدثنا ربنا جل في علاه عن أعظم الصابرين محمد عليه الصلاة والسلام..
وحدثنا عن صبر أيوب عليه السلام...
وأخبرنا كيف كانت عاقبة صبرهم....
وكيف انقلبت محنهم إلى منح بفضل الله وعظيم منته....
ثم حدثتنا الحياة أيضا بمواقفها وأحداثها عبر العصور
أن ماكل محنة تدوم.... ولا كل ماكان ظاهره الشر لا يكون عاقبته الخير..
فلنتصفح الحياة.... ولنقرأ سطور المحن..... ولنمعن النظر في النتائج...
(1)
ظلم وبهتان عاقبته ملك وإحسان
يوسف عليه السلام (الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم)
إتهمته امرأة العزيز بمراودتها عن نفسها...وشهد له طفل رضيع بالصدق
وظهر صدقه وكذب المرأة.... ومع هذا سجن لتبرأ ساحة زوجة الملك
من طلب الفاحشة.....
دخل السجن وهو مظلوم ...والتقى بفتيان عبر لهم رؤاهم...
وخرج الفتيان ....وعمل أحدهما عند الملك
ورأى الملك رؤيا تحتاج إلى تعبير
فكان يوسف لها وقد أثبت قدرته على التعبير..
فيعبرها يوسف عليه السلام ويصبح عزيز مصر والقائم على حفظ الأرزاق..
فكان سجنه سببا في وصوله إلى سدة الحكم ....
فسبحان من بفضله تنقلب المحن إلى منح!!!
(2)
صبر إمرأة على عقم أفضي بها إلى جنة الخلد
أسية زوجة فرعون...إحدى الكوامل الأربعة من النساء....
كانت لاتنجب.....وتحن إلى ضم الولد واستنشاق عبق الامومة..
فوجدت ضالتها في وليد وضع في صندوق وألقي في النهر...
كان ذلك (موسى عليه السلام)
فدفعها حرمانها من الأمومة إلى أن تقول:
( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا)
فاستجاب الله دعاؤها ونفعها بذلك الوليد وأدخلها بسببه الجنة
وبنى لها بيتا عنده سبحانه وتعالى.
فسبحان من جعل عاقبة الحرمان فضل وامتنان...
(3)
ذل يعقبه عز ورفعة
(صلح الحديبية)
هذا الصلح أغاظ المسلمين لما فيه من إجحاف بحقهم..
وكان أشدهم جزعا سيدنا عمر رضي الله عنه...
فكانت شروط هذا الصلح ألا يدخل المسلمون مكة لمدة عشر سنوات
وأن يتحللوا من إحرامهم بعد أن أعدوا العدة للعمرة واتجهوا لمكة ملبين!!
وأن يردوا من أتاهم مسلما إلى قريش...
أما من ارتد عن دينه وعاد إلى مكة فلا يسلم للمسلمين....
فكان عمر يقول( علام نرضى الدنية في ديننا) أولسنا على الحق؟؟؟
لكن هذا الصلح المجحف أفضى إلى فتح مكة الفتح العظيم
بعد أن نقضت قريش العهد قبل مرور عام عليه.....
فكان عزا ورفعة للمسلمين وذلا للشرك وأهله...
فسبحان من قلب حزنهم إلى فرح وسرور...
(4)
انكسار قاد إلى انتصار
طلقت حفصة بنت عمر رضي الله عنه فحزن عمر لطلاقها...
واشتاقت نفسه لزواجها....
وذهب يعرضها على أصحابه....فعرضها على عثمان بن عفان رضي الله عنها
لكنه أعرض عنه.....فحزن عمر لذلك....ثم ذهب يعرضها على
إبي بكر رضي الله عنه فأعرض عنه أيضا....فازداد عمر حزنا وضيقا..
فقدر الله عزوجل أن يكون زوج حفصة هو المصطفى سيد البشر
بأبي هو وأمي....وهو خير ممن طلقها وخير ممن أعرض عنها..
فسبحان من به ينقلب الألم إلى أمل....
(5)
ملك تنقلب محنته إلى منحة بفضل الله
يحكى أن ملكا كان مولعا بالصيد...وخرج يوما مع صديق له ليصطاد
فرأى قطيع وسدد نحوه السهام....لكن السهم أخطأ الهدف وقطع إصبع الملك..
فقال صديقه:
خير إن شاء الله...
فغضب الملك وقال:
أتهزأ بي؟؟؟ كيف يكون خيرا وقد قطعت إصبعي؟؟
وأمر الملك أن يحبس صديقه عقابا له على تلك الكلمة....
وحين أدخل صديق الملك للسجن قال:
خير إن شاء الله...
فتعجب الجنود.... وتعجب الملك منه....
ثم خرج الملك في رحلة صيد إلى الغابة وتوغل فيها...
فمر بقوم يعبدون صنما ويقدمون له قربانا من الرجال كل عام..
فأمسكوا الملك يريدون ذبحه قربانا لصنمهم...
ولكنهم إكتشفوا أن أعضاءه ليست كاملة لأنه مقطوع الإصبع
فأطلقوه لأنهم لايقدمون لصنمهم إلا رجلا كامل الأعضاء...
فتعجب الملك من ذلك وأمر بإخراج صديقه من السجن ..
وقال له:
قد بان الخير في قطع إصبعي وهو نجاتي من القتل...
ولكن أخبرني أي خير في سجنك؟؟؟
قال صديقه:
الخير أيضا في نجاتي من القتل فلو كنت معك لقتلوني وقدموني قربانا
لصنمهم....
(6)
جاءت امرأة إلى داوود عليه السلام
قالت : يا نبي الله ....ا ربك...!!! ظالم أم عادل ???
فقال داود : ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور، ثم قال لها ما قصتك
قالت: أنا أرملة عندي ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدي
فلما كان أمس شدّدت غزلي في خرقة حمراء
وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه و أبلّغ به أطفالي
فإذا أنا بطائر قد انقض عليّ و أخذ الخرقة و الغزل و ذهب ،
وبقيت حزينة لا أملك شيئاً أبلّغ به أطفالي
فبينما المرأة مع داود عليه السلام في الكلام
إذا بالباب يطرق على داود فأذن له بالدخول
وإذا بعشرة من التجار كل واحد بيده : مائة دينار
فقالوا يا نبي الله أعطها لمستحقها
فقال لهم داود عليه السلام : ما كان سبب حملكم هذا المال
قالوا يا نبي الله كنا في مركب فهاجت علينا الريح و أشرفنا
على الغرق فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء و فيها
غزل فسدّدنا به عيب المركب فهانت علينا الريح و انسد
العيب و نذرنا لله أن يتصدّق كل واحد منا بمائة دينار
و هذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت ،
فالتفت داود- عليه السلام- إلى المرأة و قال لها :ـ
رب يتجر لكِ في البر والبحر و تجعلينه ظالمًا ،
و أعطاها الألف دينار و قال : أنفقيها على أطفالك.
** ** ** ** ** ** ** **
إذا داهمتك داهية فانظرى في الجانب المشرق منها ،
وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضيفى إليه حفنة من سكر ،
وإذا أهدى لك ثعبانا فخذي جلده الثمين واتركى باقيه ،
وإذا لدغتك عقرب فاعلمى أنه مصل واقي ومناعة حصينة ضد سم الحيات
تكيفى في ظرفك القاسي ، لتخرجى لنا منه زهرا ووردا وياسمينا
انظرى إلى الوجه الاخر للمأساة ، لأن الشر المحض ليس موجودا بل هناك خير ومكسب وفتح واجر .
( من يجيب المضطراذا دعاه )
من الذي يفزع اليه المكروب ، ويستغيث به المنكوب وتصمدإليه الكائنات،
وتسأله المخلوقات ، وتلهج بذكره الالسن وتالهه القلوب
انه الله لا إله الا هو
وحق علينا ان ندعوه في الشدة والرخاء والسراء والضراء
ونفزع اليه في الملمات ونتوسل اليه في الكربات
وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيبين
حينها ياتي مدده ويصل عونه ويسرع فرجه ويحل فتحه
( امن يجيب المضطر اذا دعاه )
فينجي الغريق ويرد الغائب ويعافي المبتلي وينصر المظلوم
ويهدي الضال ويشفي المريض ويفرج عن المكروب
( فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين )
إذا نزلت بك النوازل ، وألمت بك الخطوب فالهجى بذكره ، واهتفى باسمه ، واطلبى مدده واسأليه فتحه ونصره ،
مرغى الجبين لتقديس اسمه ، لتحصلى على تاج الحرية ، وارغمى الأنف في طين عبوديته لتحوزى وسام النجاة ،
مد يديكى ، ارفع كفيكى ، أطلقى لسانك ، أكثرى من طلبه ، بالغى في سؤاله ، ألحى عليه ، إلزمى بابه ،
انتظرى لطفه ، ترقبى فتحه ، أحسنى ظنك فيه ، انقطعى إليه ، تبتلى إليه تبتيلأ حتى تسعدى وتفلحى .