مكانتكم بين العالمين
إن التغييرات التي تمر بالبلدان العربية اليوم ما هي إلا تصحيح للأوضاع إلي مسارها الطبيعي في إطلاق الحريات وإعلاء كلمة العرب والمسلمين، والمحافظة علي كيانهم وأخذ مكانتهم الطبيعة التي وكلهم الله بها بين العالمين في الخيرية والسيادة والوسطية في إحقاق الحق مع رفعة أهله، وضحد الباطل وتحجيم أهله حتي لا ينتشر الفساد ويستشري أكثر من ذلك.
إن السنوات الماضية التي فسدت فيها العلاقة بين الحاكم والمحكوم وصارت تنبني علي العبودية المطلقة، دون نقاش أو إبداء رأي أو إعتراض علي قرار حتي ظن كثيرٌ من الحكام أن الأرض لهم ولذويهم سيورثونها من بعدهم سواءاً كان بالتعين أو التوريث أو بولاية العهد لهم.
إن العزة التي تنبع من الإسلام في الإرتباط به والعقيدة في تعاليمه وتحقيق عباداته لحُرمَ منها المسلمون سنواتٍ عدة علي الرغم من تدينهم بالإسلام الذي ظل مهجوراً ممن يديرون زمام الأمور في بلادهم إلا من رحم ربي.
إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالها مدوية، فصارت تتداول علي مر العصور (
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
وفي ظل الكبت والإضطهاد للشعوب العربية والإسلامية وإستشراء الفساد الذي فاحت رائحته في أركان الأوطان لحرك في نفوس الشعوب وازع الخروج من العبودية لغير الله إلي الحرية، ومن ضيق قصور الحكام إلي سعة الدنيا الفسيحة .
إن الصحابي الجليل ربعي بن عامر قالها لكسرى ملك الفرس عند دعوته للإسلام (
جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ؛ ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام..)
إن الإمام البنا رحمه الله عندما أراد أن يغرس روح العزة في نفوس المسلمين قال (إن الله قد أعزكم بالنسبة إليه والإيمان به والتنشئة على دينه، وكتب لكم بذلك مرتبة الصدارة من الدنيا ومنزلة الزعامة من العالمين وكرامة الأستاذ بين تلامذته..
﴿
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ 110﴾(آل عمران)
ويكأنه رحمه الله بين ظهرانينا اليوم وهو يقول: "فأول ما يدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، أن تعلموا منزلتكم، وأن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا وإن أراد لكم خصومكم الذل، وأنكم أساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا والعاقبة للمتقين".
فهذه هي روح الإسلام الحقيقية، روح العزة والإباء والكرامة، لا روح الذُّل والانكسار التي يريدها لنا أعداؤنا.. إنها روح الإسلام التي لو تحلَّينا بها لما استطاعت قوى الأرض قاطبةً أن تنال من عزيمتنا ولا كرامتنا ولوقفنا بعقيدتنا في وجه شتى أنواع التحديات.
إن عزتنا وكرمتنا تنبع من تمسكنا بديننا وأخلاقنا ، ودورنا الحقيقي في هذه الحياة سيكون عندما نطبق ما جعلنا الله من أجله من خيرية علي الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله إيماناً كاملاً لا لبس فيه ولا ضعف.
أيها المسلمون إن أصحاب المصالح المحدودة يريدون أن يضعوا دينكم في زوايا وأركان ضيقة لا تعدوا أن تُطبقَ فيها العبادات، ويُضَيعُون علي هذا الدين شرائعه في المعاملات والسلوكيات والأخلاقيات.
فضيقوا عليهم سبلهم ، ولا تتركوا لهم الفرص ليحققوا أغراضهم الدنيوية المؤقتة التي يسترزقون منها أو يصلون من خلالها لمناصب ستزول حتماً.
﴿
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)﴾ سورة التوبة.
أيها المسلمون إن لكم أهدافاً سامية وضعها الشرع بين أيديكم فلا تعطلوها، ولكم مكانة بين العالمين فلا تتنازلوا عنها، واسعوا إلي الوصول إليها والمحافظة عليها.
أيها المسلمون عندما تركتم مكانتكم الحقيقة بين العالمين تولي غيركم أمور الناس وأموركم، فضلوا وأضلوا حتي ركنتم إليهم في كل شيئ فأصبحتم أدوات لأهوائهم، ومصادر ثرواتهم، فضيقوا عليكم الدنيا ووسعوها علي أنفسهم فلا تركنوا إليهم.
﴿
ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ (113)﴾ سورة هود
فكونوا ممن نصروا دين الله فنصرهم، وأخذوا بالعزائم فحقق مرادهم،وعلموا مكانتهم فحافظوا عليها ﴿
وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)﴾ سورة الحج