: إطالة العمر بالأعمال الجاري ثوابها بعد الممات:
(أ) قال عليه الصلاة والسلام: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، أو مصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخراجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته»( ).
(ب) الموت في الرباط: قد مرَّ في باب الجهاد قوله عليه الصلاة والسلام: «ومن مات مرابطًا جرى له مثل ذلك من الأجر، وأُجري عليه الرزق، وأمِنَ الفتَّان»( ).
أتدري أخي ما أجر المرابط؟ له بكل يوم وليلة رابطها أجر صيام شهر وقيامه. وفي رواية: «كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمَّنُ من فتَّان القبر»( ).
(جـ) من دعا إلى هدى: قال عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا..»( ) الحديث.
فيا سعادة وفوز من هدى الله على يديه أحدًا من الناس، فإن كل طاعة يفعلها يعود مثلها أجرًا وحسنات في ميزان الأول..
أما القسم الثالث من هذا البحث فهو:
احتساب الأعمال المباحة في حياتك
والمباحات كالأكل والنوم واللباس.. إلخ.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: «ومتى نوى المؤمن بتناول شهواته المباحة التقوي على طاعة الله كانت شهواته له طاعة يثاب عليها كما قال معاذ بن جبل : إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي»( ).
وذلك من باب قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].
ولمَّا عجب الصحابة كيف يأتي الرجل شهوته ويكون له بذلك أجر؟ قال عليه الصلاة والسلام: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليها فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»( ).
* * *
سُبُل المحافظة على ثواب العمل الصالح:
أخي سدَّد الله لك القول والعمل، تذكَّر في ختام هذا البحث أمرين:
(1) أن المصطفى قال: «من أبطأ عمله لم يُسرع به نسبه»( ).
وفي رواية أن رجلاً سأله قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: «من طال عمره وحسُن عمله» قال: فأي الناس شر؟ قال: «مَن طال عمره وساء عمله»( ).
فالبدار البدار باغتنام أنفاس العمر ومواسم مضاعفة الأجر قبل انقضاء الأجل، عندها يقول المرء: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24]. أو يتحسر فيقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99، 100].
لمَّا مات الإمام بكر المزني رحمه الله ازدحم الناس على جنازته وتنافسوا في حملها، فقال لهم الإمام الحسن البصري وقد شهدها: «في مثل عمله فتنافسوا».
(2) أما الأمر الآخر فهو أن يحذر المرء من محبطات الأعمال ومفسدات النيَّة، حتى لا تكون النفس عاملة ناصبة، وفي حال أُخراها خاسرة والعياذ بالله، وقبل الحديث عن محبطات العمل نشير إلى ضرورة إخلاص العمل لله تعالى لقوله : «إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه»( ).
قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: «ما عالجت شيئًا أشدَّ عليَّ من نيتي»( ).
وقد عدَّ بعض أهل العلم سمات الإخلاص، إليكها مختصرة:
(أ) الثبات والمداومة على العمل:
عن مسروق قال: «سألت عائشة رضي الله عنها: أيُّ العمل كان أحبَّ إلى النبي ؟ قالت: الدائم»( ).
(ب) حب كتمان العمل:
قال عليه الصلاة والسلام: «من سمع الناس بعمله سمَّع الله به مسامع خلقه وصغره وحقره»( ).
أقام عمرو بن قيس الملائي رحمه الله عشرين سنة صائمًا ما يعلم به أهله، يأخذ غذاءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق به ويصوم وأهله لا يدرون، وكان إذا حضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول لجلسائه: هذا الزكاة( ).
(جـ) كراهية الشهرة:
يدل على ذلك حديث: «أول الناس يقضى يوم القيامة عليه...» ثم ذكر عليه الصلاة والسلام: «من قاتل ليُقال جريء، ومَن تعلم العلم وقرأ القرآن ليُقال عالم وقارئ، ومن أنفق ليُقال هو جواد»( ).
وقال بشر بن الحارث: «ما اتقى الله من أحبَّ الشهرة».
وكان الإمام أحمد رحمه الله إذا مشى في طريق يكره أن يتبعه أحد.
(د) كراهية إخراج الأحسن في مجلس الأقران:
عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: «إن كانوا ليكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه أو قال أحسن ما عنده»( ).
(هـ) استواء المدح والذم في الخلق:
قال عبد الله بن مسعود : «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يكون حامده وذامه عنده في الحق سواء».
(و) محبة إظهار الحق:
وهذه من سمات الإخلاص، قال الإمام الشافعي رحمه الله: «ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يُوفق ويُسدد ويُعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدًا ولم أُبال بيّن الله الحق على لساني أو لسانه».
أخي.. ومما يحبط العمل الصالح:
(1) التألي على الله:
فقد حدث النبي عن رجل أنه قال: «والله لا غفر الله لفلان»، وأن الله تعالى قال: «مَن الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك»( ).
(2) العجب بالعمل:
قال عليه الصلاة والسلام: «لن يُدخِل أحدًا منكم عملُهُ الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة»( ).
وقال مطرف بن عبد الله رحمه الله: «لأن أبيت نائمًا – أي عن قيام الليل – وأصبح نادمًا أحبُّ إليَّ من أن أبيت قائمًا وأصبح معجبًا»( ).
وقال عليه الصلاة والسلام: «لو أن رجلاً يُجرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله تعالى لحَقَره يوم القيامة»( ).
(3) الاعتداء على حقوق الناس وظلمهم:
لحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي قال فيه: «أتدرون ما المفلس؟!» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»( ).
(4) عدم مفارقة المشركين:
قال عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله عز وجل من مشرك أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين»( ).
(5) تصديق العرافين والسحرة:
قال عليه الصلاة والسلام: «ومن أتى عرافًا أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد»( ).
(6) احذر السيئات الجارية:
لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا»( ).
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات: «وطوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه، والويل الطويل أن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة يعذب بها في قبره، ويُسأل عنها إلى انقراضها»( ).
(7) اقتناء الكلاب:
قال عليه الصلاة والسلام: «من أمسك كلبًا ينقص من عمله كلَّ يوم قيراط إلا كلب حرث أو كلب ماشية»( ).
أخي المنافس في الطاعات:
أسأل الله لي ولك ولكل مسلم الإخلاص والقبول، وأن يهدينا سواء السبيل.. وإليك جدولاً للأعمال الصالحة بحسب أزمنتها على مستوى اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو السنة تقريبًا، نفعني الله وإياك به:
الزمن العمل الصالح
في اليوم (1) صلة الرحم. (2) حسن الخلق. (3) حسن الجوار.
(4) صلاة الجماعة. (5) صلاة النافلة في المنزل.
(6) صلاة الضحى. (7) ذكر الله في المصلى بعد الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتي الإشراق.
(
تكرار بعض سور القرآن. (9) الذكر والاستغفار المضاعف.
(10) الصيام. (11) طلب العلم وتعليمه.
(12) تربية الولد الصالح ليدعو لك.
(13) الصدقة الجارية. (14) الدعوة إلى هدىً وسن سنة حسنة. (15) قضاء حوائج الناس.
في الأسبوع (1) الصيام. (2) التكبير للجمعة.
في الشهر (1) ختم القرآن. (2) عمرة إن تيسر.
(3) صيام الأيام البيض.
في السنة (1) تحجيج الحجيج والمعتمرين. (2) العمرة في رمضان.
(3) الصلاة في قباء. (4) الصلاة في الحرمين( ).
(5) تفطير الصائمين. (6) قيام ليلة القدر.
(7) اغتنام عشر ذي الحجة.
أخي المباركة أنفاسه:
إن الفضل لله أولاً في إخراج هذا الكتيب ثم لأخينا محمد بن إبراهيم النعيم الذي كانت مادة هذا الكتيب مستقاة بنسبة 90% من كتابه النفيس: «كيف تطيل عمرك الإنتاجي».
فشكر الله له وأجزل له المثوبة.
* * *