خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن عائشة رضي الله عنها قالت : { دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، إلا ما أخذته من ماله بغير علمه ، فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك }. متفق عليه .
أخذ العلماء من هذا الحديث فقها كثيرا ، سأشير إلى ما يحضرني منه
.
أن المستفتي والمتظلم حكم الغيبة يجوز أن يتكلم بالصدق فيمن تعلق به الاستفتاء والتظلم ، وليس من الغيبة المحرمة ، وهو أحد المواضع المستثنيات من الغيبة ، ويجمع الجميع الحاجة إلى التكلم في الغير ، فإن الغيبة المحرمة في ذكرك أخاك بما يكره ، فإن احتيج إلى ذلك - كما ذكرنا وكما في النصيحة الخاصة ، أو العامة ، أو لا يعرف إلا بلقبه - جاز ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود .
ومنه : أن نفقة الأولاد واجبة على الأب ، وأنه يختص بها ، لا تشاركه الأم فيها ولا غيره .
وكذلك فيه : وجوب نفقة الزوجة ، وأن مقدار ذلك الكفاية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك} وأن الكفاية معتبرة بالعرف ، بحسب أحوال الناس : في زمانهم ومكانهم ، ويسرهم وعسرهم ، وأن المنفق إذا امتنع أو شح عن النفقة أصلا أو تكميلا ، فلمن له النفقة أو يباشر الإنفاق أن يأخذ من ماله ، ولو بغير علمه ، وذلك لأن السبب ظاهر ، ولا ينسب في هذه الحالة إلى خيانة ، فلا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تخن من خانك } .
وهذا هو القول الوسط الصحيح في مسألة الأخذ من مال من له حق عليه بغير علمه بمقدار حقه ، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد أنه لا يجوز ذلك ، إلا إذا كان السبب ظاهرا ، كالنفقة على الزوجة والأولاد والمماليك ونحوهم ، وكحق الضيف .
ومنه أن المتولي أمرا من الأمور يحتاج فيه إلى تقدير مالي يقبل قوله في التقدير ؛ لأنه مؤتمن ، له الولاية على ذلك الشيء .
ومنه أن المستفتي فتوى لها تعلق بالغير ، إذا غلب على ظن المسؤول صدقه لا يحتاج إلى إحضار ذلك الغير ، وخصوصا إذا كان في ذلك مفسدة ، كما في هذه القضية ، فإنه لو أحضر أبا سفيان لهذه الشكاية ، لم يؤمن أن يقع بينه وبين زوجه ما لا ينبغي .
وليس في هذا دلالة على الغائب ، فإن هذا ليس بحكم ، وإنما هو استفتاء . والله أعلم .
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار " للشيخ العلامة :عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله-