مسلمة حديثاً وعندها إشكالات في " المساواة " و " العمل " و " الطلاق " في الإسلام
السؤال:
أسلمت منذ عامين حيث قابلت زوجي وتزوجنا ، وقد جعلني أسلم ، ولكنني لم أكن مستعدة لقبول الإسلام بعد ، وقلت له : إنني حتى لا أقرأ القرآن ( معانيه بالإنجليزية ) ولكنه قال لي : إنه لا مشكلة ، وإنه ليس بالضرورة عليَّ قراءته . والآن أبحث عن معلومات عن الإسلام ، وأشعر أنه دين جيد ولكن لدي بعض العوائق ، عندما أصلي أشعر بتحسن ، وفي بعض الأوقات أشعر أنه عليَّ أن أصلي ، ولكنني عندما أبدأ في الصلاة تأتيني الهواجس القديمة مرة أخرى . وأغلب هذه الهواجس بسبب " سورة النساء " فلماذا يقال دائما إن الرجل والمرأة لا فرق بينهما عندما أقرأ عن الإسلام ، والله يقول في قرآنه : إن الرجال قوامون على النساء ، لأن المرأة لا تعمل ، وأنه لا يجوز لها أن تعمل ؟! والأمر الآخر : أن للرجل أن يضرب المرأة ضرباً غير مبرح ، إلا الوجه ، بالسواك وهكذا ، ولكن هذه الأقوال أقوال العلماء وليس قول الله ، فالله يقول في القرآن بضرب الزوجات ، كما أنني لا أفهم علماء المسلمين الذين ينصحون نساء المسلمين اللواتي تشكين من أزواجهن بسبب ضربهن أن يبقين مع أزواجهن لأن الله يختبرهن ، ربما لا أفكر بوضوح في هذا الأمر لأن أبي يضرب أمي لمدة عشر سنوات ، وإذا كنت طفلا ورأيت هذا المنظر فإنه من الصعب أن تتخطى هذا الأمر ويظل نقطة سوداء في حياتك ، فلماذا لا يفكر علماء المسلمين في ذلك عندما ينصحون بشيء كهذا ؟ . وهناك أمر ما : إنني كامرأة لا أستطيع أن أتزوج من آخر ، وهناك أحاديث أظن أنها غير صحيحة وأحاديث أخرى جيدة في حق النساء . وأنا لا أفهم عن الشريعة الإسلامية كثيراً ، لماذا يمكن للرجل أن يطلق المرأة ثلاث مرات ؟ أين المساواة ؟ . وماذا حدث ما دامت المرأة لا تمتلك أية حقوق ، أو ليس لها حق لأولادها ( وهي لا تعمل ، وفقيرة ، وليس مكان للعيش ) ، أم إن الرجل وحده له حق في العيش ، ويتمتع بمزيد من الحقوق ؟ . سأكون شاكرة جدّاً إذا أجبتموني .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
نحمد الله تعالى ونشكره أن يسَّر الله خيراً عظيماً ، وهو الدخول في دينه عز وجل ، فهي نعمة جليلة امتنَّ الله تعالى بها عليك ، والباحثون عن الحقيقة كثيرون ، لكن من ذا الذي يوفَّق لها ؟! انظري حولك كم من الملايين تقدِّس البقر وتعبدها ! وكم من الملايين يعبدون أصناماً ! وكم من الملايين يعبدون بشراً ! وهؤلاء مليارات من البشر ضلُّوا عن دين الفطرة ، ورضوا لأنفسهم بتلك الآلهة المخلوقة أن تكون ربّاً لهم ، وأنتِ قد وفقك الله لخاتم الأديان ، وهو دين إبراهيم وموسى وعيسى وإخوانهم الأنبياء والمرسلين ، وأنتِ تعبدين ربَّ الأرض والسماء ، فيا لها من نعمة جليلة ، فلا تفرطي فيها ، وتشبثي بها فلا تضيعيها ؛ إذ فيها سعادتك في الدنيا والآخرة .
ثانياً:
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أنه لا يحل لك ولا لزوجك ، ولا لأحد من المسلمين ترك الصلاة ، فليس أمام المسلم فرصة للاختيار : أصلي ، أو : لا أصلي ! بل هي واجبة عليه ، وفرض افترضها الله على المسلمين ، ولعظم هذه العبادة فإن الله تعالى فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم في السماء ، ومباشرة دون واسطة .
إن في الصلاة لراحة ، أي راحة ـ يا أمة الله ـ كما تقولين ؛ إنها جنة الدنيا ، وراحة العابدين ، وقرة عين المؤمنين ؛ يطمئن بها قلبه ، وتهدأ بها جوارحه ، ويهنأ باله . ولذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ ـ أي ضايقه ، وشغل باله ـ صَلَّى ) حديث صحيح ، رواه أبو داود (1319) وغيره ، وكان يقول لبلال مؤذنه " أرحنا بها ـ يعني : بالصلاة ـ يا بلال " رواه أبو داود ( 4958 ) بإسناد صحيح ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( وَجُعِلَت قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ) حديث صحيح ، رواه النسائي (3939) وغيره .
ثالثاً:
كان الواجب على زوجك أن يعلمك ما تحتاجين إليه من أمر دينك ، أول دخولك في الإسلام ، وخاصة ما يتعلق بأحكام الصلاة ، وأن يحفِّظك شيئاً من القرآن ، وخاصة سورة " الفاتحة " ؛ فإنه لا تصح صلاتك من غير قراءتها ، ثم يبين لك تباعا ما يتعلق بأمر دينك ، إن كان عنده مقدرة على ذلك ، فإن لم يكن قادرا على تعليمك : أخذ بيدك لأقرب مركز إسلامي ، أو مسجد ، يمكنك أن تتعلمي فيه ما يحتاجه المسلم الجديد من أمر اعتقاده ودينه الجديد ، وما عليه من الأحكام ، وما يتعلق من آداب وأخلاق .
وانظري جواب السؤال رقم ( 3471 ) بعنوان " ماذا يفعل غير العربي بأذكار الصلاة ؟ " .
وجواب السؤال رقم ( 5410 ) بعنوان " مسلمة جديدة يشقّ عليها قراءة سورة الفاتحة " .
جواب السؤال رقم ( 13340 ) بعنوان " كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " .
رابعاً:
من الجيد أنكِ راسلتنا حتى نساهم في إيصال رسالة الإسلام النقية لك ، ونحمد الله أن وفقك لذلك . ونحن نجزم أنه لا يوجد عاقل على وجه الأرض يتجرد من هواه ورواسب جاهليته إلا ويسلِّم لهذا الدين بالعظمة والجلالة ، وإذا أردتِ واقعاً عمليّاً فانظري كم دخل في هذا الدِّين من المثقفين والسياسيين والعلماء والقساوسة وغيرهم ممن كانوا على الكفر أو الإلحاد !!
خامساً:
أما سؤالك : " لماذا يقال دائما إن الرجل والمرأة لا فرق بينهما عندما أقرأ عن الإسلام " ، فيحتاج لبيان ؛ فالرجل والمرأة لا فرق بينهما في الإسلام في أمور ، وبينهما ـ أيضا ـ فروق بينهما في أمور يتعلق بها أحكام عديدة في عباداتها ومعاملاتها .
أ. فمن أعظم ما تستوي فيه المرأة مع الرجل : المشاركة في التكليف ، وفي الجزاء الدنيوي والأخروي .
أما في التكليف : فكل نص من القرآن والسنَّة فيه الأمر بالصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك من التكاليف الشرعية فهو يشمل النساء ، إلا ما استثناه الشرع من التخفيف عليهم ، وليس بزيادة التكليف ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ) رواه الترمذي ( 105 ) وأبو داود ( 204 ) من حديث عائشة ، وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وفي الجزاء الدنيوي والأخروي نقرأ قول الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) النحل الآية 97 ، وقوله تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) آل عمران الآية 195 .
ب. أما الفروق التي بين المرأة والرجل فإنها موجودة في تشريع رب العالمين ، ولسنا نخجل من وجودها ، بل نفخر بتشريعها ، وأن الله تعالى جعل للمرأة رسالة في حياتها تختلف عن الرجل ؛ فلاختلافات في الخلقة والتكوين والصوت والهيئة لا يُنكر ، وإذا ثبتت تلك الفروق في تلك الأشياء ، فمن الطبيعي أن يترتب عليها بعض الاختلافات في الأحكام ، وإننا لنرى في عالم الغرب تناقضات كثيرة في هذا الباب ، فها هم يفرقون حتى في " ديكور " غرف الذكور عن الإناث ! وفي ألعاب كل واحد منهم ! وما ذاك إلا للفروقات في الخلقة والعقل والتفكير والعاطفة وغير ذلك مما يعرفه الآباء والأمهات من أولادهم الذكور والإناث .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة : لا يمكن أن تتحقق ؛ لأن الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولا ، وشرعاً منزَّلاً ثانياً : تمنع من ذلك منعاً باتّاً .
ولقوة الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى : صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر ، ولا شك أن سبب هذا اللعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر لتحطيم هذه الفوارق التي لا يمكن أن تتحطم .
وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) .
وقد قدمنا هذا الحديث بسنده في سورة " بني إسرائيل " ، وبينَّا هناك أن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو ملعون في كتاب الله ، فلو كانت الفوارق بين الذكر والأنثى يمكن تحطيمها وإزالتها : لم يستوجب من أراد ذلك اللعن من الله ورسوله .
ولأجل تلك الفوارق العظيمة الكونية القدرية بين الذكر والأنثى : فرَّق الله جل وعلا بينهما في الطلاق فجعله بيد الرجل دون المرأة ، وفي الميراث ، وفي نسبة الأولاد إليه ، وفي تعدد الزوجات دون الأزواج ... .
" أضواء البيان " ( 7 / 415 ) .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 1105 ) لمعرفة " هل الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة " ؟ وفيه بيان لبعض الفروقات بين الرجال والنساء .
وسبق في جواب السؤال رقم ( 115534 ) توضيح لمفهوم المساواة في الإسلام .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 1106 ) لمعرفة الفروق بين النساء والرجال في الصلاة .
سادساً::
وأما السؤال الآخر: " والله يقول في قرآنه : إن الرجال قوامون على النساء لأن المرأة لا تعمل وأنه لا يجوز لها أن تعمل ! فهذا القول فيه صواب وخطأ : أما الصواب : فقوامة الرجال ، والمقصود بهم هنا : الأزواج ، وهذا ثابت في قوله تعالى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) النساء/ من الآية 34 .
والخطأ في أمرين :
1. الاعتقاد بأن المرأة لا يحق لها أن تعمل في الإسلام ، فهذا خطأ ، وليس مذكوراً في القرآن ولا في السنَّة ، فهناك فرق بين أن تكون المرأة ملزمة بالعمل والنفقة ، وبين أن يكون من حقها أن تعمل ، إذا احتاجت إلى ذلك ، ورغبت فيه . والحقيقة أن الله تعالى جعل القِوامة للزوج على زوجته ، لما جعله عليه من الطبيعة الخلقية التي تتناسب مع ذلك ، والتي تؤهله ليكون قائد البيت ، ومسئولاً عن أفراد أسرته ، ولأجل ذلك فقد أوجب عليه النفقة على أسرته ، وعلى رأسهم : زوجته ، وقد قال تعالى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/ من الآية 34 .
قال الشيخ محمد الشربيني – رحمه الله - :
( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) أي : يقومون عليهنّ قيام الولاة على الرعية ، وعلَّل ذلك بأمرين : أحدهما وهبيّ ، والآخر كسبيّ ، وقد ذكر الأوّل بقوله تعالى : ( بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) أي : بسبب تفضيله الرجال على النساء بكمال العقل ، وحسن التدبير ، ومزيد القوّة في الأعمال والطاعات ، ولذلك خُصوا بالنبوّة ، والإمامة ، والولاية ، وإقامة الشعائر ، والشهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد ، والجمعة ، والتعصيب ، وزيادة السهم في الميراث ، والاستبداد بالفراق والرجعة وعدد الأزواج ، وإليهم الانتساب ، وهم أصحاب اللحى والعمائم .
ثم ذكر الثاني بقوله تعالى : ( وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) في نكاحهنّ ، كالمهر ، والنفقة .
" تفسير السراج المنير " ( 1 / 345 ) .