الفصل الرابع في بيان نماذج من البدع المعاصرة
وهي :
1 - الاحتفال بالمولد النبوي .
2 - التبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك .
3 - البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله .
البدع المعاصرة كثيرة ؛ بحكم تأخر الزمن ، وقلة العلم ، وكثرة الدعاة إلى البدع والمخالفات ، وسريان التشبه بالكفار في عاداتهم وطقوسهم ؛ مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : لتتبعُنَّ سنَنَ من كان قبلكم .
1 - الاحتفال بمناسبة المولد النبوي :
وهو تشبه بالنصارى في عمل ما يسمَّى بالاحتفال بمولد المسيح ، فيحتفل جهلةُ المسلمين ، أو العلماء المضلون في ربيع الأول أو في غيره من كل سنة بمناسبة مولد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - . فمنهم من يقيم هذا الاحتفال في المساجد ، ومنهم من يقيمه في البيوت ، أو الأمكنة المعدة لذلك ، ويَحضُرُ جموعٌ كثيرة من دهماء الناس وعوامهم ، يعملون ذلك تشبهًا بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح - عليه السلام - والغالبُ أن هذا الاحتفال علاوة على كونه بدعة ، وتشبهًا بالنصارى ، لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات ، كإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة دعائه من دون الله ، والاستغاثة به ، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغُلوِّ في مدحه فقال : لا تُطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم ؛ إنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله . وقد يصحب هذا الاحتفال اختلاط بين الرجال والنساء وفساد الأخلاق وظهور المسكرات وغير ذلك .
الإطراءُ معناه : الغُلُوّ في المدح ، وربما يعتقدون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحضُرُ احتفالاتهم ، ومن المنكرات التي تصاحب هذه الاحتفالات : الأناشيد الجماعية المنغمة وضربُ الطبول ، وغيرُ ذلك من عمل الأذكار الصوفية المبتدعة ، وقد يكون فيه اختلاط بين الرجال والنساء ، مما يُسبّب الفتنة ، ويجرّ إلى الوقوع في الفواحش ، وحتى لو خلا هذا الاحتفال من هذه المحاذير ، واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام ، وإظهار الفرح - كما يقولون - فإنه بدعة محدثة وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وأيضًا هو وسيلة على أن يتطور ، ويحصل فيه ما يحصل في الاحتفالات الأخرى من المنكرات .
وقلنا : إنه بدعة ؛ لأنه لا أصل له في الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والقرون المفضلة ، وإنما حدث متأخرًا بعد القرن الرابع الهجري ، أحدثه الفاطميون الشيعة ، قال الإمام أبو حفص تاج الدين الفاكهاني - رحمه الله - : ( أمَّا بعدُ : فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ، ويسمونه المولد ، هل له أصل في الدين ، وقصدوا الجواب عن ذلك مبيّنًا ، والإيضاح عنه معينًا ، فقلت - وبالله التوفيق - :
لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولا سنة ، ولا يُنقلُ عملُه عن أحد من علماء الأمة ، الذين هم القدوة في الدين ، المتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو بدعة أحدثها البطّالون ، وشهوة نفس اغتنى بها الأكَّالون ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - عليه السلام - وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمًا ... من اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدًا ، مع اختلاف الناس في مولده ، فإنَّ هذا لم يفعله السلف ، ولو كان هذا خيرًا محضًا ، أو راجحًا لكان السلفُ - رضي الله عنهم - أحقَّ به منَّا ، فإنهم كانوا أشد محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمًا له منا ، وهم على الخير أحرص ، وإنما كان محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته ، واتباع أمره وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا ، ونشر ما بُعثَ به ، والجهادُ على ذلك بالقلب واليد واللسان ، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ) ... انتهى ببعض اختصار .
وقد أُلِّفَ في إنكار هذه البدعة كتب ورسائل قديمة وحديثة ، وهو علاوة على كونه بدعة وتشبهًا ، فإنه يجرُّ إلى إقامة موالد أخرى كموالد الأولياء والمشائخ والزعماء ؛ فيفتح أبواب شرٍّ كثيرة .
2 - التبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتًا :
من البدع المحدثة : التبرك بالمخلوقين ، وهو لونٌ من ألوان الوثنية ، وشبكة يصطاد بها المرتزقة أموال السذج من الناس ، والتبرك : طلب البركة ، وهي : ثبوت الخير في الشيء وزيادته ، وطلبُ ثبوت الخير وزيادته إنما يكونُ ممن يَملك ذلك ويقدر عليه ، وهو الله سبحانه ، فهو الذي ينزل البركة ويثبتها ، أما المخلوق فإنه لا يقدر على منح البركة وإيجادها ، ولا على إبقائها وتثبيتها ، فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص - أحياء وأمواتًا - لا يجوز ؛ لأنه إما شرك ، إن اعتقد أنَّ ذلك الشيء يمنحُ البركة ، أو وسيلة إلى الشرك إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله .
وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي - صلى الله عليه وسلم - وريقه وما انفصل من جسمه - صلى الله عليه وسلم - خاصة كما تقدَّم ( في صفحة 183 ) ؛ فذلك خاص به - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن الصحابة يتبركون بحجرته وقبره بعد موته ، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلَّى فيها أو جلس فيها ؛ ليتبركوا بها ، وكذلك مقامات الأولياء من باب أولى ، ولم يكونوا يتبركون بالأشخاص الصالحين ، كأبي بكر وعمر وغيرهما من أفاضل الصحابة ، لا في الحياة ولا بعد الموت ، ولم يكونوا يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا ، ولم يكونوا يذهبون إلى الطور الذي كَلَّم الله عليه موسى ليصلوا فيه ويدعوا ، أو إلى غير هذه الأمكنة من الجبال التي يُقالُ إنَّ فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم ، ولا إلى مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء .
وأيضًا فإن المكان الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيه بالمدينة النبوية دائمًا لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يُقبّلُه ، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها ، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه - صلى الله عليه وسلم - بقدميه الكريمتين ، ويُصلي عليه ، لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله ، فكيف بما يقال إن غيره صلى فيه أو نام عليه ؟ فتقبيل شيء من ذلك والتمسّح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام : أن هذا ليس من شريعته - صلى الله عليه وسلم - .