الفصل السادس في النهي عن سب الصحابة وأئمة الهدى
1 - النهي عن سب الصحابة :
من أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما وصفهم الله بذلك في قوله تعالى : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
وطاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : لا تسبُّوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه .
ويتبرءون من طريقة الرافضة والخوارج الذين يسبون الصحابة - رضي الله عنهم - ويبغضونَهم ، ويجحدونَ فضائلهم ، ويكفرون أكثرهم .
وأهل السنة يقبلون ما جاء في الكتاب والسنة من فضائلهم ، ويعتقدون أنهم خير القرون ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : خيركم قرني ... الحديث .
ولما ذكر - صلى الله عليه وسلم - افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وأنها في النار إلا واحدة ، وسألوه عن تلك الواحدة ، قال : هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي .
قال أبو زرعة - وهو أجلّ شيوخ الإمام مسلم - : إذا رأيت الرجل يتنقص امرأ من الصحابة ؛ فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن القرآن حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق ، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة ؛ فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسُّنَّة ؛ فيكون الجرح به أليق ، والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق .
قال العلامة ابن حمدان في نهاية المبتدئين : من سَبَّ أحدًا من الصحابة مُستحلًا كفر ، وإن لم يستحلّ فسق ، وعنه : يكفر مطلقًا ، ومن فَسَّقهم ، أو طعن في دينهم ، أو كفَّرهم كفر .
2 - النهي عن سب أئمة الهدى من علماء هذه الأمة :
يلي الصحابة في الفضيلة والكرامة والمنزلة : أئمة الهدى من التابعين وأتباعهم من القرون المفضلة ، ومن جاء من بعدهم ممن تبع الصحابة بإحسان ، كما قال تعالى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ . . الآية .
فلا يجوزُ تنقّصهم وسبّهم ؛ لأنهم أعلام هدى ، فقد قال تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
قال شارح الطحاوية : ( فيجبُ على كل مسلم بعد مُوالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين ، كما أطلق القرآن ، خصوصًا الذين هُم ورثة الأنبياء ، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم ، يُهتدى بهم في ظلمات البر والبحر ، وقد أجمعَ المسلمون على هدايتهم ودرايتهم .
فإنهم خُلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمته ، والمحيون لما مات من سنته ، فبهم قام الكتاب وبه قاموا ، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ، وكلهم متفقون اتفاقًا يقينًا على وجوب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن : إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه ، فلا بد له في تركه من عذر ) .
وجماع الأعذار ثلاثة أصناف :
أحدها : عدم اعتقاده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله .
الثاني : عدم اعتقاده أنه أراد تلك المسألة بذلك القول .
الثالث : اعتقاده أن الحكم منسوخ .
فلهم الفضل علينا والمنة ؛ بالسبق وتبليغ ما أرسل به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلينا ، وإيضاح ما كان منه يخفى علينا ، فرضي الله عنهم وأرضاهم رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .
والحطّ من قدر العلماء بسبب وقوع الخطأ الاجتهادي من بعضهم هو من طريقة المبتدعة ، ومن مُخططات أعداء الأمة ؛ للتشكيك في دين الإسلام ، ولإيقاع العداوة بين المسلمين ، ولأجل فصل خلف الأمة عن سلفها ، وبثّ الفرقة بين الشباب والعلماء ، كما هو الواقع الآن ، فليتنبه لذلك بعض الطلبة المبتدئين ؛ الذين يحطون من قدر الفقهاء ؛ ومن قدر الفقه الإسلامي ، ويزهدون في دراسته ، والانتفاع بما فيه من حق وصواب ، فليعتزوا بفقههم ، وليحترموا علماءهم ؛ ولا ينخدعوا بالدعايات المضللة والمغرضة . والله الموفق .