ثانيا: ضوابط دراسة السيرة النبوية:
غير أن دراسة السيرة النبوية المطهرة على أهميتها القصوى يجب أن تنضبط بضوابط منهجية حتى لا تتحول إلى نوع من اللهو أو العبث أو التسلية دون تحقيق الأهداف المنهجية المرجوة من دراستها ، وأهم هذه الضوابط :
1- ضابط التوثيق على المنهج الإسلامي في حفظ وتوثيق الحديث الشريف ، ويعتبر أهم هذه الضوابط ويتعلق بالكتب والدراسات القديمة – على وجه الخصوص - لتنقية هذه الكتب من الخرافات والإسرائيليات والوضعيات .. وهذا يتحقق بالتنقيح في ضوء منهج علوم الحديث ، ولعل هذا الضابط قد توفر تماما في الدراسات الحديثة للسيرة النبوية ..
2 - تجرد الدارس والباحث والكاتب في السيرة النبوية من كل الأهواء و الميول الشخصية ، وعدم الخضوع عند تفسير حوادث السيرة واستخراج الدروس للأحكام المسبقة والميول المذهبية والحزبية والفكرية ، وهو أهم ضابط يتعلق بالدراسات والكتب الحديثة والمعاصرة.. وهكذا تبقى السيرة نبعا صافيا ينهل منه كل دارس على مر العصور فهي بكر متجددة للاهتداء بها في كل موقف وحدث وكل عصر ومصر ..
3 – استبعاد كتب ودراسات المستشرقين والمتأثرين بهم تماما ككتاب معتمدين للسيرة النبوية .. لما تمثله مدرستهم من تشكيك في وقائع السيرة من ناحية ، ومن تفسير وفهم خاطئ للمواقف من ناحية أخرى ، وكذا عدم اعتمادهم في الأعم الأغلب على منهج التوثيق الإسلامي الدقيق مع عدم إلمامهم بعلوم الرجال والجرح والتعديل وغير ذلك من علوم الحديث التي توثق وقائع السيرة النبوية ، بالإضافة إلى موقفهم الخاص من قضية الخوارق والمعجزات
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ..
ثالثا: تطور دراسة السيرة النبوية عبر العصور.. والذي يهمنا في هذا المقام إبراز أهم المراحل التي تمثل منعطفات أو ركائز أساسية في دراسة ورواية السيرة النبوية ونستطيع تلخيص هذه المراحل في
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:
1 – مرحلة الرواية .. إن معظم دراسات السيرة تركز على مرحلة التجميع باعتبارها المرحلة الأولى من مراحل دراسة السيرة النبوية ، غير أنني ألفت النظر أن التجميع إنما قام ويقوم على الرواية في المقام الأول ، ولذا فإن المرحلة الأولى من مراحل دراسة السيرة النبوية كانت مرحلة رواية الأحداث والتي بدأها الصحابة رضوان الله عليهم من رواة الأحاديث النبوية وهي الأحاديث التي تتناول المواقف والأحداث وهي التي تبدأ عادة بمثل قولهم : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ويلحق بذلك تميم الداري الذي أجلسه عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله يقص على الناس يوما في الأسبوع فلما كانت خلافة عثمان بن عفان سمح له بيومين .. وكان ذلك بلا شك في العشرين سنة التالية لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ..
2 – مرحلة التجميع وهي التي قام عليها عروة بن الزبير وابان بن عثمان بن عفان ووهب بن منبه وشرحبيل بن سعد وبن شهاب الزهري
3 – مرحلة التدوين ومثلها محمد بن اسحاق المتوفي عام 152 هـ
4 – مرحلة التوثيق والتنقيح والتهذيب ومثلها بن هشام الذي هذب كتاب بن إسحاق وأخرجه لنا في واحد من أهم المصادر القديمة للسيرة النبوية على الإطلاق (سيرة بن هشام)
5 – مرحلة المستشرقين وتلاميذهم ، وهي منعطف خطير في تناول السيرة النبوية بدأ من النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلاديا لخطورة فهم هؤلاء وخطورة منهجهم الذي اعتمد ما يعرف بالمنهج الذاتي في تناول التاريخ وهو منهج يقدم ذاتية الكاتب عن وثائقية الوقائع ، بل يكاد يهمل علوم التوثيق جملة وتفصيلا وهي المرحلة التي أخرجت لنا مفهوم العبقرية المحمدية ، وبثت شكوكا حول العلاقات الأخوية المتميزة بين الصحابة رضوان الله عليهم ، والتي شككت كذلك في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية المختلفة الثابتة بطرق الثبوت الإسلامية المختلفة ..
6 – مرحلة الصحوة ، وهي المرحلة التي تعد انقلابا على مرحلة المستشرقين والتي أعادت للسيرة النبوية بهاءها باعتماد المنهج العلمي ، ثم تابعت في هذا المضمار إضافة المنهج التحليلي والاستنباطي لاستخراج الدروس والأحكام ، وهي المرحلة التي يطمئن الدارس والباحث لإنتاجها في مجموعه ، ويمثل هذه المرحلة – على سبيل المثال – مصطفى السباعي ( دروس وعبر )– الشيخ الخضري – البوطي( فقه السيرة ) – المباركفوري ( الرحيق المختوم )– عماد الدين خليل( دراسات في السيرة ) – محمد أحمد باشميل ( معارك الإسلام الفاصلة )– محمد الغزالي ( فقه السيرة ) ، وغيرهم.
رابعا : منهج مقترح لتناول السيرة النبوية في ضوء ضوابط تجعل دراستها والاهتداء بها ملزمة للمسلمين مثلها مثل فروع الإسلام من تفسير وحديث وفقه وعقيدة:
1 – جمع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم أولا .. فلقد تعددت المواضع التي تناولت حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي الضوء على صفاته والأحداث التي عاصرته ، فنحن نعلم العام الذي ولد فيه النبي من حادثة الفيل التي سجلها القرآن في سورة الفيل - ونحن نعلم أشياء عن البيئة التي نشأ فيها من وأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر وعبادة الأوثان من آيات القرآن – ونعلم أنه يتيم من قوله تعالى : ( ألم يجدك يتيما فآوى )الضحى6 – ونعلم أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب من قوله تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون )العنكبوت29 ، ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ) الأعراف 157 – ونعرف بحوادث ووقائع كثيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم مثل : الإسراء والمعراج – الهجرة – بناء مسجد قباء – غزوة بدر – غزوة أحد – يهود بني النضير – الأحزاب – صلح الحديبية – فتح مكة – غزوة حنين – غزوة تبوك – حادثة الإفك – مواقف المنافقين من النبي – كفالته لزيد بن حارثة – زواجه من زينب بنت جحش – شغب زوجاته عليه في سورة التحريم – استماع الجن للقرآن والرسالة .. )
2 – جمع السيرة ثانيا من الأحاديث الشريفة مع تحقيقها ، وفقا لمنهج الكتب الصحاح، وهو أمر حادث في بعض الدراسات الحديثة للسيرة النبوية مثل فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي تحقيق الشيخ الألباني ..
3 – ملء الفراغات واستكمال الصورة من روايات الصحابة والتابعين الموثقة ومن أقوال المفسرين في تفسير الآيات وأسباب نزولها ..
4 – ربط دراسة السيرة بعلم أصول الفقه .. بمعنى استخراج الأحكام والعبر والعظات والدروس من السيرة باعتبارها من أصول التشريع كفرع من السنة النبوية مع الحديث الشريف وعدم تركها لأهواء الكتاب والدارسين .. حماية للفهم الإسلامي من الشذوذ أو الغلو أو الخطأ ، وحماية للسيرة من التأويل الخاطئ ، أو لي أعناق الوقائع والأحداث إلى أحكام أبعد ما تكون عن مقاصدها الحقيقية ، ومثال على ذلك ما يؤكده الدكتور البوطي عن منهجه في كتابة فقه السيرة فيقول : ولقد استنبطت من أحداث السيرة النبوية طبقا لهذه القواعد أحكام كثيرة منها ما يتعلق بالاعتقاد واليقين ، ومنها ما يتعلق بالتشريع والسلوك ، والمهم في هذا الصدد أن نعلم أنها جاءت منفصلة عن التأريخ وتدوينه ، بعيدة عن معناه ومضمونه ، وإنما كانت نتيجة معاناة علمية أخرى نهضت في حد وجودها على البنيان التاريخي الذي قام بدوره على القواعد العلمية التي ذكرناها "
أن لتفسير أحداث السيرة النبوية قدسية مثل تفسير القرآن الكريم ، فهي داخلة في الحكمة التي قرنها الله تعالى في أكثر من موضع مع الكتاب الذي أنزله على رسوله ، وقد قال المفسرون على أن الحكمة في الآيات هي السنة النبوية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لقوله صلى الله عليه وسلم : إني
أوتيت القرآن ومثله معه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ..