اختي في الله
بحثت عن الاسباب التي قد تجيز ان للهجر فوق ثلاثة ووجدت الاتي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أنه يحرم هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"
وقد اعتبر السلف وجمهور الأئمة الابتداع في العقائد من الأسباب المشروعة للهجر، وأوجبوا هجران أهل الأهواء من المبتدعة، الذين يجاهرون ببدعهم أو يدعون إليها.
وقال الحافظ أبو عمر ابن عبد البر : أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية .
ومن أسباب الهجر الشرعي فوق ثلاث هجران أصحاب المعاصي المجاهرين بها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن غزوة تبوك من غير عذر، كما في قصة كعب بن مالك، وصاحبيه رضي الله عنهم.
ويجوز الهجر فوق ثلاث للزوجة الناشز إلا أن هجرها لا يكون إلا في المضجع، وليس في كل الأحول، كما قال تعالى (
واهجروهن في المضاجع ) [ النساء :34]بعد العظة والنصيحة وبالجملة فإن الهجر علاج، ولا يصار إليه إلا إذا تحقق أو غلب على الظن أن هجر المهجور أنفع - في الجملة - من وصله، فإن كان العكس لم يشرع الهجر، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً
وعدماً.
والله أعلم
وهذا هو السبب لتغليظ حكم المشاحنة والمخاصمة بين الناس
قال سبحانه في محكم كتابه:
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء: 23} ولا يمكن الجزم بحكمة أو علة ما دون الخبر بذلك منه سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، وهنا قد أخبر عليه الصلاة والسلام كما في صحيح
مسلم من حديث
أبي هريرة رضي الله عنه قال:
تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا؛ إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اركوا هذين حتى يصطلحا، اركوا هذين حتى يصطلحا. فذكر أن أعمال المتخاصمين لا تعرض على الله تعالى ولم يذكر علة ذلك، ولكن مما يمكن استنباطه من ذلك أن الإسلام حث على الإخاء والمودة، وحرم التدابر والتقاطع بين الإخوان، ونوَّع في ذلك الحث ما بين أسلوبي الترغيب والترهيب، وهنا جاء بأسلوب الترهيب للحث على إزالة الإحن وتقوية أواصر المودة، والتحذير مما يضاد ذلك من هجر وتقاطع.
ومما يمكن استنباطه أيضا ما ذكره بعض أهل العلم من أن سبب ذلك هو عظمة الجرم وخطورة الوزر، قال
ابن عبد البر في التمهيد:
وذلك لعظم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان، وهم الذين يأمنهم الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، المصدقون بوعد الله ووعيده، المجتنبون لكبائر الإثم والفواحش. والعبد المسلم من وصفنا حاله ومن سلم المسلمون من لسانه ويده، فهؤلاء لا يحل لأحد أن يهجرهم ولا أن يبغضهم، بل محبتهم دين وموالاتهم زيادة في الإيمان واليقين. وفي هذا الحديث دليل على أن الذنوب بين العباد إذا تساقطوها وغفرها بعضهم لبعض أو خرج بعضهم لبعض عما لزمه منها سقطت المطالبة من الله - عز وجل - بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: حتى يصطلحا، فإذا اصطلحا غفر لهما. فالشحناء بين المسلمين وهجر الإخوان ضرره كبير ووزره عظيم، هذا ما يدل عليه الحديث، وقد بينا ضابط الهجر ومتى يجوز ومتى لا يجوز في الفتوى رقم:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]،
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وإذا كان بين المتخاصمين السلام بالقول دون المصافحة فذلك يكفي فلا يكونا متهاجرين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. فالبادئ بالسلام قد قطع الهجر، ولا يشترط لذلك المصافحة وإن كانت هي الأولى لما فيها من إظهار الإخاء ونفي الشحناء، وقد تكون في بعض الأعراف عنوان على ذلك. وعند
ابن أبي شيبة عن
أبي إسحاق عن
البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. ورواه
أحمد والبزار وأبو يعلى إلا أنه قال :
كان حقا على الله أن يجيب دعاءهما، ولا يرد أيديهما حتى يغفر لهما.
والله أعلم.