بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد ،،،
فان حاجة القلوب لسماع القرآن والذكر أعظم من حاجة الأرض لنزول الغيث ، وكما أن الأرض اذا انحبس عنها الغيث اقحلت .. وأقفرت .. وانعدم خيرها ، وكذلك القلوب اذا امتنع عنها الغيث الايماني والعلم الرباني فانها تقسو وينعدم خيرها ويكثر شرها. ولأهمية ذلك الغيث الايماني وجب علينا معرفة ماهو الايمان ، ومدى أهميته في دنيا الانسان وآخرته . وسبل تقوية الايمان ولنبدأ بتعريف الايمان.
ماهو الايمان؟ : الايمان عند أهل السنة والجماعة يشتمل على ثلاث حقائق وهي :ـ
واحد ـ حقيقة لفظيه : وهي الاعلان والاظهار لكلمة التوحيد .. شهادة ( ألا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ) وهي أول واجب وآخر واجب ، ولو عمل أي عمل من أعمال الاسلام قبل ان يشهر الشهادة لن يقبل منه ذلك . وهي بمنزلة العقد الذي يوقعه العبد مع ربه بأن لا يعبد الا هو سبحانه ولا يتبع في العبادة الا محمد صلى الله عليه وسلم . فاذا وقعها العبد لزمه أن ينفذ بنودها وهي بقية شرائع الاسلام ، فاذا نفذها وقام بها خير قيام ألهمه الله وثبته عليها عند الموت وقال عندما يموت ( لا اله الا الله ) وهذه علامة حسن الخاتمة . وكما جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( من كان آخر كلامه من الدنيا .. لا اله الا الله دخل الجنة )ـ
اثنين ـ حقيقة قلبية : وهي أن يعتقد ويؤمن ويجزم بقلبه ما نطق به لسانه . فان لم يتفق لسان الانسان وقلبه كان ذلك نفاقا والعياذ بالله ولم تنفعه قول ( لا اله الا الله ) فقد قالها المنافقون بألسنتهم ولكن لم يعتقدوها بقلوبهم فأثبت الله كفرهم كما قال تعالى : (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين @ يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا أنفسهم وما يشعرون @ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون )ـ
ثلاثةـ حقيقة عملية : وهي عمل الجوارح ، وتأتي هذه لتصديق مانطق به اللسان واعتقده القلب . فان كان اللسان صادقا والقلب معتقدا ظهر أثر ذلك على الجوارح فتنقاد جوراح المرء للعمل. ولهذا عرف أهل السنة والجماعة الايمان بأنه : ( الايمان قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية )
والايمان مجموعة من الشعب ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( الايمان بضع وستون شعبه ) في رواية البخاري( بضع وسبعون شعبه ) في رواية مسلم ثم ذكر صلى الله عليه وسلم ( أعلاها شهادة ألا اله الا الله وأدناها اماطة الاذى عن الطريق ثم قال والحياء شعبة من الايمان ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم . وهذه الشعب لم يرد حصرها ولكن اجتهد العلماء في ايضاحها من الكتاب والسنة وقد ذكر الامام ابن حجر في تفسير هذا الحديث أنها 7 شعب باللسان و 24 بالقلب و 36 بالجوارح . فمن أتى بهذه الشعب كاملة فقد أتى بالايمان كاملا. ومن نقص منها شيئا ، نظر الى الناقص فان كان مما يكفر به صاحبه فقد كفر ... مثل ترك الصلاة .. فمن تركها فقد كفر ولم يعد مؤمنا. وأما ان كان الناقص من الكبائر ... أو الذنوب ... أو المعاصي مما لا يكفر به صاحبه فانه لا يسلبه مسمى الايمان ولكن يصبح مؤمنا بايمانه فاسقا بمعصيته تحت مشيئة الله بالدار الآخره .. ان شاء غفر له وان شاء عذبه.
أهمية الايمان للانسان:ـ
اعلم اخي المسلم واختي المسلمة أن لا حياة للانسان ولا سعادة ولا فلاح في الدنيا والآخره الا بالايمان. فانظرو رحمكم الله لفوائد الايمان : ـ
( حياة طيبة ) قال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبه ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . فالله قد أقسم وأكد بأنه سيحييه حياة طيبة بكلمة فلنحيينه فاللام هي لام القسم والنون هي نون التوكيد المثّقله الشديدة وهذه مؤكدات ضخمه من الله تعالى ـ
اطمئنان القلب ) قال تعالى : ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله . الا بذكر الله تطمئن القلوب )ـ ) .
( الهداية ) قال تعالى : ( وان الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم ) .
( تولي الله للمؤمن ) قال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور ) .
( النصر ) قال تعالى : ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) .
( العزة ) قال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) .
أهم عوامل تقوية الايمان :ـ
أولا ـ القرآن الكريم : هو أساس الايمان فيجب الاعتصام والتمسك به . قال عز وجل : ( فاستمسك بالذي أوحي اليك )ـ
والاستمساك بالقرآن الكريم لا بد أن يكون عبر ثلاث مراحل :ـ
أ) تلاوته - قال تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلا ) والترتيل فيه معنى أكثر من القراءة ، فلا يسمى تلاوة بدون العمل فاذا قرئته وعملت به فأنت تالي له .
ب) التدبر له - لأنه رسالة الله وخطابات الله للناس فالقرآن كله نداءات للبشر . فاما أن يكون نداءا عاما ( يا أيها الناس) أو نداءا خاصا بالمؤمنين ( يا أيها الذين آمنوا ) أو نداءا خاصا بالكفار ( يا أيها الذين كفروا ) أو نداءا خاصا لليهود والنصارى ( يا أهل الكتاب ) .. فأي تكريم للانسان من أن يخاطبه الله من فوق سبع سموات ، فيجب تدبر ماذا خاطبنا الله به ، وقد أحتوى القرآن الكريم على ثلاثة أشياء أمر ، ونهي ، وخبر فمهمة المسلم أن أن يمتثل للأمر وأن ينزجر عن النهي وتصديق الخبر وهذا مافقد للأسف في الأمة هذا الزمان ، فالناس يقرئون القرآن لا يجاوز حناجرهم بدون تدبر لما يقرئون وهي من أعظم المصائب التي ابتليت بها الأمة حيث أنهم معزولون عن القرآن وهم يقرئونه والسبب هو وجود الأقفال .. يقول الله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) وهي أقفال الشهوات والشبهات والغفلات والتساهل والاهمال وعدم الاهتمام بكلام الله تبارك وتعالى . ولذا لم يكن السلف الصالح رحمهم الله يتعاملون بأسلوب هذا الزمان ... يقول ابن مسعود : ( ماكنا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونعمل بهن ) . أما ابن عمر رضي الله فقد قرأ سورة البقرة في ثمان سنوات ... ونحن نقرأ سورة البقرة في نصف ساعة .. والسبب أنهم كانوا يقفون عند حدودها ويحركون به القلوب وهذا هو التعامل الشرعي الصحيح مع القرآن الكريم.
ج) الحفظ - وهذا من الضروريات للمسلم لأن من علامات أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم يحفظون القرآن . يقول الله عز وجل : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتو العلم ) .. فالله عز وجل أثنى على حفظة الكتاب بأنهم أهل العلم. فاحرصو رحمكم الله على حفظ كتاب الله وان عجزتم عن حفظه كله ، فلا أقل من حفظ بعضه خاصة السور التي ورد فيها فضل مثل سورة البقرة . قال صلى الله عليه وسلم : ( ان سورة البقرة اخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة ) أي السحرة . وأن البيت الذي تتلا فيه سورة البقرة يفر الشيطان منه كما جاء في الحديث الشريف: ( ان الشيطان لا يدخل بيتا تقرأ فيه سورة البقرة ) ومن استطاع أن يضم اليها سورة آل عمران فذلك خير عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم : ( ان سورتي البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة تظلان صاحبهما ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام . ومن السور التي ورد فيها فضل المفصل من السور من سورة ( ق ) الى الناس وايضا سورة الكهف و ( يس ) ولمعرفة المزيد من السور وفضل كل سورة وآية فعليه بكتاب ( فضائل القرآن ) لابن كثير . فبادرو رحمكم الله لحفظ كتاب الله عز وجل ولو بربع صفحة في كل يوم وستجدون أنفسكم بنهاية العام قد حفظتم شيئا كثيرا من القرآن الكريم ـ
ثانيا ـ السنة : لأنها الوحي الثاني والموضحه لما أبهم القرآن والمقيدة لما أطلق القرآن والمطلقة لما قيد. قال عليه الصلاة والسلام : ( أوتيت القرآن ومثله معه ) فالواجب أن يخصص المسلم من وقته شيئا لدراسة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتبدأو رحمكم الله بالاربعين النووية في كتاب ( جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ) وكتاب ( اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ) فتصبح ثقافتكم الدينيه والحديثيه باذن الله ثقافة اصيله موثوق فيها ـ
ثالثا ـ معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى عز وجل : لأنك لا يتقوى ايمانك بالشيء الا اذا عرفته ، فكلما ازدادت معرفتك بالله عز وجل كلما ازداد ايمانك به . فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف والله تعالى يقول : ( انما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماء ) وكما جاء بالحديث الشريف : ( ان لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ) ومعنى أحصاها أي من آمن بها وعمل بمقتضاها وانعكست مفاهيمها في حياته وليس بأن يسردها ويعددها. فاذا آمنت بأن الله هو الرزاق فذلك يعني أن تعمل بمقتضى ذلك فلا تطلب الرزق الا منه عن طريق الأعمال المشروعة باكتساب الرزق ، أما من طلب الرزق ببيع ما حرم الله أو بتعامل بالربا او بأي شكل من المحرمات فهو لم يؤمن بأن الله هو الرزاق. وذلك يسري على بقية أسماء الله الحسنى ـ
رابعا ـ دراسة السيرة النبوية الشريفة : دراسة أحوال رسول الله وشمائله وأخلاقه بدأ بمولده ونشأته وبعثته ودعوته وهجرته وجهاده حتى أسلوب معيشته ببيته وتعامله مع زوجاته وخادمه وصحابته فهو الانسان الذي تمثلت فيه جميع الكمالات الانسانيه فالله سبحانه جعله على خلق عظيم وشهد له حيث قال تعالى : ( وانك لعلى خلق عظيم ) وهو الترجمة العملية للقرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه قالت : ( كان خلقه القرآن ) صلوات الله وسلامه عليه . ومن أفضل ما كتب في السيرة كتاب ( السيرة النبوية وفق المصادر الأصيله ) للدكتور أحمد مهدي ـ
خامسا ـ النظر والتأمل في مخلوقات الله بالكون : فان الله تعالى عرّف خلقه عليه بما بثه في الكون من آياته ومن قدرته سبحانه وتعالى . قال عز وجل : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )ـ
سادسا ـ ذكر الله عز وجل : وهو أعظم شيء لأن ذكر الله يدل على قوة ايمانك به . لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره . فكيف والمحبوب هنا هو الخالق سبحانه وتعالى فالواجب أن يكون لسان المرء رطبا بذكر الله تبارك وتعالى بكل الاوقات ـ
سابعا ـ فعل أوامر الله : والاستجابة لها والمسارعة الى تنفيذها بدءأ بالمعتقد ثم أداء الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة ـ
ثامنا ـ ترك المعاصي والذنوب : فكما أن الايمان يزيد بالطاعه فانه ينقص بالمعاصي والذنوب . فاحفظو رحمكم الله جوارحكم من المعاصي فلا تنظروا الى ماحرم الله ولا تسمعوا الا ما حرم الله وكذلك بالنسبة لجميع جوراحكم .فاحفظوا جوارحكم مما حرم الله يحفظ الله ايمانكم ـ
تاسعا ـ الصحبة الصالحة : حيث أن طريق الانسان طويل وشائك وصعب ولا يمكن عبوره وحدك فلابد من التعرف على اخوة في الله تربطكم ببعض علاقة في الله وتتعاونون على الطاعة وتذكرون الله وتتعلمون العلم سوية وتجتمعون على الله وتفترقون عليه كما جاء في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل الا ظله ( ورجلين تحابا في الله ، اجتمعا عليه وافترقا عليه ) ـ
عاشرا ـ البعد عن رفقة السوء : اجتنبوا رفيق السوء فأنه قاطع طريق بينكم وبين الله ـ .
اسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يزيدنا ايمانا ويقينا وتقوى وأن يحفظ لنا ديننا ويغيثنا غيث الايمان في قلوبنا انه ولي ذلك والقادر عليه ، انه جواد كريم ـ
وصلي اللهم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ـ
* للشيخ سعيد بن مسفر