أسباب النصر والهزيمة
في التاريخ الإسلامي
الحمد لله،
وصلى الله وسلم وبارك على رسوله وخيرته من خلقه، وعلى من سار على نهجه واقتفى
أثره إلى يوم الدين وبعد،،،
فإن أسباب الانتصار والهزيمة في التاريخ الإسلامي موضوع مهم ينبغي أن يعرفه
المسلمون عموماً، والدعاة إلى الله خصوصاً، ينبغي أن يبحثوه ويتأملوه ليعرفوا
أسباب النصر، فيعملوها، وينشروها، ويعرفوا أسباب الخذلان والهزيمة، فيجتنبوها،
ويحاربوها، ويبعدوها.
ومن المعلوم
عند كل مسلم أن الله وعدنا أن ينصر هذا الدين وأن يمكن لعباده المؤمنين، قال
سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْاَشْهَادُ[51]}[سورة
غافر] . وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي
الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ
لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ
خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا...[55]}[سورة
النور].
إذن:
هذا وعد صادق لابد أن يتحقق.. وقد تحقق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في
عهد خلفائه، ومرت السنون والقوة الإسلامية والتمكين لها في الأرض بين مد وجزر،
فبعد القرون المفضلة أصبح التاريخ الإسلامي يمر بفترات هزيمة وبفترات انتصار،
ولكن النصر كلمة واسعة عامة شاملة تشمل:
انتصار الداعية: حتى ولو قتل، فهناك من الدعاة من قتل، ومن عذب، ومن شرّد،
ولكنه في النهاية نصره الله- أي نصر المنهج الذي عاش من أجله، حتى ولو قتل ذلك
الداعية- وأقرب مثال لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي مات سجيناً، ثم
إنه بعد عدة قرون ييسر الله من يقوم بنفس المباديء التي دعا إليها شيخ الإسلام،
وهو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ويرفع لوائها، وينشرها في هذه
الأرض، فليس النصر بالمعنى العام هو الظهور في الأرض فقط، إنما حديثنا يتركز
حول الظهور على العدو والتمكين في الأرض .
الأمة
الإسلامية اليوم تواجه واقعاً مأساوياً، نستطيع أن نلخصه في ثلاث نقاط:
1-
هزيمة نفسية تنتاب كثيراً من أفراد الأمة:
ومع الأسف حتى على مستويات كبيرة
حتى وجد من ينادي بالانخراط في منظومة ما يسمى بالنظام العالمي الجديد لنكون
عجلة من عجلات هذا النظام، ويقوده ذلك الرجل الغربي الكافر .
2-
تبعية في مجالات كثيرة: ومن أهمها التبعية الثقافية والفكرية، والاقتصادية،
وتبعيات كثيرة .
3-
الأمر الثالث الذي يتضح فيه واقع الأمة:
الضعف والذلة والتفرق: فأصبحت الأمة المسلمة رغم كثرتها وامتداد ساحتها ورقعتها
أصبحت أضعف الأمم، وأقل الأمم شأناً في هذا العصر، بينما الأمم الأخرى لا يمكن
أن يحصل شيء في هذه الأرض إلا بعد أن يؤخذ رأيهم حتى البوذيين في الصين يؤخذ
رأيهم، وأما الأمة المسلمة فإنه لا يؤخذ رأيها حتى في قضاياها هي ! وصدق فيها
قول الشاعر:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأمرون وهم شهود
إذن: لابد
لهذه الأمة أن تعرف أسباب النصر والهزيمة، وأن تتلمس واقعها هذا، والأمور التي
أدت إلى نزولها إلى هذا الحضيض، وأن تحاول أن تنتشل نفسها، وأن تخرج إلى ما
أراد الله لها من قيادة هذه الدنيا، ومن سيادة العالم .فنحاول أن نلخص أسباب
النصر والهزيمة بدون استطراد وتوسع وإلا فهي تحتاج إلى مجلدات.
أسباب
النصر والهزيمة:
أولاً:
من أسباب النصر:
لعل أهم سبب
من أسباب النصر لهذه الأمة هو:
1- الإيمان
الصادق والعمل الصالح:
يقول الله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإذن لابد من إيمان صادق وعمل صالح
: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}
وهنا شرط مهم : {...يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ
بِي شَيْئًا...[55]}[سورة النور]. ثم قال في الآية التي بعدها مباشرة:{
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[56]}[سورة النور].
فإذن: لابد من إيمان صادق، ومن عمل صالح.
ومن أهم
ما يتمثل فيه هذا الإيمان:
أ-
عبادة الله سبحانه وتعالى عبادة خالصة ليس فيها شرك .
ب-
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر
به، وفي كل ما نهى عنه، فما أمر به يفعل، وما نهى عنه يجتنب .
ج-
التوكل على الله وحده، والاعتماد عليه سبحانه، والاستنصار به جل وعلا، ودعاؤه
والاستغاثة به: كما كان نبينا يفعل، ومن يقرأ قصة غزوة بدر يجد ذلك واضحاً حيث
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ
بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: [اللَّهُمَّ
أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ
تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي
الْأَرْضِ] فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ
فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ
وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ
فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ...إلخ الحديث.رواه مسلم.
د- الصبر
والثبات: سواء كان ذلك في المعركة، أو قبل المعركة: صبر على الابتلاء، صبر على
المحن، فلا يمكن أن يمكن لهذا الدين إلا بعد ابتلاءات ومحن، ثم إذا صُفي ونُقي
جاء التمكين، وجاء النصر، فلابد من صبر وثبات كما قال جل وعلا:{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ
فِئَةً فَاثْبُتُوا...[45]}[سورة الأنفال]. وكما قال سبحانه:{
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ
بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[66]}[سورة الأنفال].
هـ- ذكر الله
كثيراً ...{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا...[45]}[سورة
الأنفال] . إذا قارنت هذا الأمر الإلهي الذي طبقه النبي وأصحابه والسلف الصالح
من بعدهم، ثم قارنته بهذا العصر الذي نعيشه؛ وجدت أن أهل هذا العصر يدخلون
المعركة، وهم يغنون، ويرقصون؛ فتكون النتيجة هزيمة ساحقة، وخيبة ماحقة .