تكرُر الإساءة لديننا ورسولنا
فقد
تكررت محاولات الإساءة لديننا ورسولنا، من بعض المأجورين من أهل الكتاب أو
غيرهم من المشركين والكافرين، ولم تكن ردات أفعالنا سوى بعض "الإنتفاضات"
الشعبية الصغيرة، ثم ينتهي الأمر، ولم نعمل نحن المسلمون، رسميون او منظمات
مدنيةٍ، العمل اللازم لمواجهة مثل هذه المحاولات، السخيفة الحقيرة ومن
يقومون عليها.
لنعلم بادئ ذي بدء أن هذه المحاولات ليست بالجديدة أو
الطارئة، فهي تعمل ضمن خطة منظمة يقوم عليها مؤسسات سرية ذات أجندات
علمانية، تحتقر كل الأديان لصالح المعتقدات "اليهوصهونية" التي ترسِمُ أن
تحكم العالم من خلال منظمات الضغط اليهودية ومؤساستها المالية والإعلامية،
التي تشتري من خلالها الذمم الرخيصة أو المضبوعة بقوة تلك المنظمات في كل
أرجاء العالم، يستوي بذلك العالم المتطور أو النامي أو المتخلف!!
أما
نحن المسلمون فليس لنا أي عذر حين ننخدع وننخزل لسلطان تلك المنظمات لأننا
أكثر الناس تضرراً بتلك المنظمات ونشاطاتها الهدامة، لكل القيم الدينية أو
الإنسانية النبيلة.
ولا يجدي مع هذه المنظمات "اليهوصهونية" هذه
الهبّات القصيرة العُمْر، وتعلمُ هي أن تلك الهبّات لا تُسمن ولا تُغني من
جوع، فهي لا تهتم بها ولا تُعيرها إهتماما، وتظل تخطط لللإساءات التي تطال
كل الأديان و"المقدسات"، لتُعلي بذلك قيم الخنوع والخضوع للصهيونية
العالمية وربيبها الكيان المسخ الذي استولدتهُ في منطقتنا القوى
الإستعمارية "الأنجلوسكسونية" لتبقى شوكة في حلوقنا، وعامل قلقٍ وعدم
استقرار في منطقتنا التي هي منبع النور الذي أرسله الله رحمة للعالمين، على
يد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم والذي من شأنه إخراج الناس من
ظلماتهم إلى النور فتنكسر شوكتهم وينقلبوا عل أعقابهم خاسئين. وما كان لهذه
المنظمات أن تحقق شيئاً من أهدافها، إلا بابتعاد المسلمين عن دينهم
والإنصراف تحت واهي الأسباب إلى الشرائع الوضعية التي اثبتت الأيام فشلها
وما ترتب على إتباعها من ظُلمٍ عمَّ العالم.
نحجت هذه المنظمات في
"تصنيع" شخصيات وهيأت لها ظروفاً لتصبح تلك الشخصيات بارزةً في المنظمات
الدولية "الأممية"، في ظاهرها الإحترام وفي باطنها الخضوع والخنوع لأهداف
تلك المنظمات، والأمثلة على ذلك ظاهرة للعيان دون غموض أو خفاء.
دورنا نحن المسلمين في هذا الصدد
أما
نحن المسلمون فلا بد أن نُظهر للناس في كل بقاع الأرض أن هذه الإساءات
لديننا ورسولنا لا تزيدنا إلا إيماناً وتصميما على التمسك بعقيدتنا، ونشيع
ذلك في المحيط الذي نعيش فيه داخل عالمنا الإسلامي والعالم الآخر، الذي
ينشط فيه هؤلاء السفهاء المتَعَمِدِينْ الإساءةِ لديننا ورسولنا.
إن
هذه الإساءات على قبحها وتفاهتها، دليل على إعجاز قرآننا الذي أخبرنا قبل
أكثر من أربعة عشر قرنا عن حدوثها ونبهنا إلى طريقة التعامل معها، يقول
تعالى في كتابه العزيز:
﴿لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً
وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ آل عمران186
لَتُخْتَبَرُنَّ أيها المؤمنون:
Ø في أموالكم بالجوائح التي تصيبها.
Ø وفي أنفسكم بما يجب عليكم من الصبر على الطاعات.
Ø وما يحلُّ بكم من جراحٍ أو قتلٍ وفَقْدٍ للأحباب.
Ø وذلك حتى يتميَّز المؤمن الصادق من غيره.
Ø ولتَسمعُنَّ من اليهود والنصارى والمشركين، ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والطعن في دينكم ورسولكم.
وإن تصبروا أ يها المؤمنون...
على ذلك كله...
وتتقوا الله، بلزوم طاعته واجتناب معصيته.
فإذا
فعلتم... فإن ذلك من عزم الأمور... من جدها التي يُعزم عليها، وينافس فيها
فإن ذلك الصبر والتقوى مما عزم الله عليه وأمركم به، وندب الله عباده إلى
الصبر والتقوى وأخبر أنه من عزم الأمور أي شدتها وصلابتها وهي من حقيقة
الإيمان.
وقال عطاء: كذلك، فإن ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور، تعني من
معزومات الأمور أي مما يجب العزم عليه من الأمور، خوطب المؤمنون بذلك
ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الشدائد والصبر عليها حتى إذا
لقوها وهم مستعدون لا يرهقهم ما يرهق من تصيبه الشدة بغتة فينكرها وتشمئز
منها نفسه .
4667- حَدَّثَنَـا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُوسَى
بْنُ مُحْكَمٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ
مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلَهُ: "﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾
قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى مَا
أَذَاهُمْ، فَقَالَ أَذَاهُمْ: زَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: يَا
أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ
مِنْكُمْ، أَنْتُمْ ضَلالٌ. فَأُمِرُوا أَنْ يَمْضُوا وَيَصْبِرُوا". تفسير
ابن أبي حاتم
فلا بد أن يصاحب غضبنا إعلامَ الناس عن إعجاز قرآننا
وإخباره عن حدوث مثل هذه الإساءات ودعوته لنا بالصبر عليها، وأن مصير
مروجيها حصول غضب الأمة ثم لعنة الله عليهم.
ماذا حاق بالأمة وماذا دهاها؟
فماذا حاق بأمتنا وماذا دهاها حتى تكالبت عليها هذه الفئة السفيهة التافهة؟
ولماذا أصبحنا نتلقى الإساءات المتكررة لديننا ورسولنا ونعجز عن التصرف حيالها؟
والجواب
على ذلك كان من معجزات رسولنا الكريم حين أخبرنا عن غلبة الأمم علينا -
رغم كثرة عددنا وسعة انتشارنا في القارات الخمس- وشخَّصَ لنا هذه الحالة
وكيفية التغلب عليها فقد روى أحمد في مسنده /مسند أبو هريرة
حدثنا
عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو جعفر المدائني أنبأنا عبد الصمد بن حبيب
الأزدي عن أبيه حبيب بن عبد الله عن شبيل بن عوف عن أبي هريرة قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان: كيف أنت يا ثوبان، إذ تداعت
عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام يصيبون منه قال ثوبان: بأبي وأمي يا
رسول الله أمن قلةٍ بنا قال: لا أنتم يومئذ كثير ولكن يُلقى في قلوبكم
الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله قال: حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال.
فبداية
تلك الإساءات كانت على يد أناسٍ من جلدتنا نشأوا وتربوا على مائدة أرباب
"سايكس بيكو" وتآمرهم معهم على هدم الخلافة الإسلامية، والإساءة لللإسلام
عن طريق الإساءة للسلطان عبد الحميد، وأطلاق نعت الرجل المريض على الخلافة
العثمانية، وبدأوا يطلقون عبارات مثل "تنابل السلطان عبد الحميد" لكل
متكاسل، فتشيع بين العامة وتتناولها الألسن فتترسب في اللاشعور علامةً على
فساد الخلافة، فلا يثور الناس حين الإنقضاض عليها والقضاء عليها، بل كان
للمسلمين العرب يدٌ طولى في تلك المؤامرة التي أدت إلى سقوطها.
ثم
انتقلت الإساءة وبأقلام نفس الفئة السابق ذكرها، إلى خلفاء الأمة العظام
الذين صنعوا مجد الأمة وكان أهم هذه الشخصيات الخليفة العادل هارون الرشيد،
الذي كان يحج عاما ويغزو عاماً، وبدأ هؤلاء الموتورين يؤلفون القصص
الخيالية، عن الليالي الحمراء التي كان يعيشها في قصوره الملآى بالجواري
والخمور والغانيات الفاجرات وكل ذلك محض افتراء مقصود، وتناسوا ما كتبه
المؤرحون عن ورعه وتقواه، وشدة بأسه على المعتدين الذين يهاجمون تخوم
الدولة الإسلامية الشاسعة، وقد وردت قصة هارون الرشيد ونقفور ملك الروم في
كتب التاريخ ونصها:
ففي عهد هارون الرشيد حكم الروم ملك يُقالُ له نقفور وقد بعث نقفور برسالةٍ إلى الرشيد يقول فيها:
من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب،
أما بعد:
فإن
الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ(القلعة في الشطرنج)، وأقامت نفسها
مكان البيدق(الجندي)، فحملتْ إليك من أموالها ما كنتَ حقيقيًّا بحملِ
أمثاله إليها، لكن ذلك ضَعْفُ النساء وحمقُهُنْ، فإذا قرأت كتابي فاردد إلى
ما حملَتْهُ إليك من الأموال وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا
فالسيف بيننا وبينك.!!
فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب، فكتب على ظهر الكتاب الذي جاءه من نقفور استصغاراً له :
بسم الله الرحمن الرحيم
من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم
قد قرأتُ كتابكَ يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه.
فاجتاحت
جيوش المسلمين بلاد الروم فاضطر نقفور إلى المسالمة على خراجٍ يؤديه، فمكث
نقفور يؤدي جزية قدرها 300 ألف دينار سنويًّا إلى بيت مال المسلمين.
وكانت قوة المسلمين في عهد الرشيد ظاهرة ظهورًا بينًا على الروم؛ لأن الرشيد كان يغزو ومعه عظماء القواد.
إذن فما هو الحل ؟
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً
فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ المائدة105
يا
أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ألزموا أنفسكم بالعمل بطاعة
الله واجتناب معاصيه، وداوموا على ذلك، فإذا فعلتم ذلك، فلا يضركم ضلال مَن
ضلَّ إذا داومتم على ذلك ولزمتم طريق الاستقامة، فأمرتم بالمعروف ونهيتم
عن المنكر، إلى الله مرجعكم جميعًا في الآخرة، فيخبركم بأعمالكم، ويجازيكم
عليها.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
"نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فاذا ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله"
وفي
عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم
يكونوا ليعتزوا بغير الإسلام، ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يستنكفون
عن قول الحق والعمل به.
وقد قال إبراهيم بن شيبان "وهو من أتباع
التابعين وأحد الزهاد المعروفين" : "الشرفُ في التواضع، والعزُ في التقوى،
والحريةُ في القناعة".
والمسلم حين يعيش حياة الطاعة فإنه يعيش
عزيزًا كريمًا. إنها عزة الإيمان وأنفةُ الإسلام التي تجعل صاحبها أعز
الناس بطاعة الرب عز وجل، وإن تمالأ عليه أهل الأرض جميعًا لأنه يستمد عزته
من الله الذي لا يُغلب: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ
الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾ [فاطر:10].
ولحالة الفرقة والتشرذم التي
يحياها المسلمون ، فإن عدونا يستفرد بنا فيضرب هنا ويضرب هناك، ويعلمَ أننا
لن نحرك ساكنا، وما يحدث في المسجد الأقصى اكبر دليل على ذلك، وتكررُ
الإساءات لرسولنا الكريم دليلٌ على تهاون الأمة في دينها وكأن ما يحدث
حولنا لا يعنينا.
فلنبدأ بأنفسنا ونقيمها على طاعة الله ورسوله،
وليكن مقياسنا للأمور مقياس الإسلام الذي بيَّن الحلال والحرام، وحدد الهدف
من خلق الخلق فلا تستوي الحياة وتستقيم إلا بعبادة الله وحده، والإنتصار
به، والحب به، والكره له، فبذلك ينغلق الباب على السفهاء والمضبوعين بهم،
وتقوى شوكة الأمه فيُحْسَبُ لها ألف حساب وتعود العزة التي أرادها الله
لعباده المؤمنين الصالحين العاملين.