الصوم مدرسة تربي الروح وتقوي الإدارة، سواء صوم التطوع أو صيام الفريضة، وغالبية الناس لا تحرص إلا على صيام الفريضة في رمضان؛ لأن شهر الخيرات يزهو بفضائله على سائر الشهور، لما له من فضائل عديدة وخصائص فريدة، فهو شهر الإخلاص لله تعالى، وشهر التوبة ومغفرة الذنوب، وشهر الترابط والوحدة، وشهر المراقبة والمجاهدة والمحاسبة، وكل هذه الخصائص تجعل المسلمين مهيئين لأن يتنزل عليهم النصر من عند الله تعالى لأنهم قد نصروه، فرمضان شهر الجهاد والمجاهدة، وقد وقعت في رمضان أكبر الغزوات، وأعظم المعارك والانتصارات. وفريضة الصيام من أقوى العبادات التي تهذب النفوس وتسمو بالأرواح، وتقوي الإرادة؛ لما فيها من مجاهدة للنفس، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، والتحلي بالصبر، والعمل على كبح جماح الشهوات، مع الحرص على أداء الطاعات وهجر المعاصي والمنكرات؛ للوصول للثمرة المرجوة من الصيام وهي التقوى، والتي فيها الحرص على العمل بالتنزيل، والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل. ولكن من أهداف الصيام الكبرى تقوية الإرادة، وتحرير النفس من أسر الشهوات، ومن أغلال الذنوب وذل المعصية.
فالمسلم الصائم القائم الذي يتربى في مدرسة الصيام يحاول أن ينال رضا ربه، ويحرص على مغفرة ذنبه، ويمتنع طواعية عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان فيمتنع برغبته، ويخلص لله عمله ونيته، ويترك ما ألف عليه من أكل وشرب ومتع وملذات، فيتعود على أن يترك بإرادته رغائب نفسه، ويمتنع عما أحل الله تعالى له في نهار رمضان بنفسه، فيمتنع بعد الإفطار عما حرمه الله تعالى عليه برغبته، فتقوى إرادته بذلك، خاصة عندما يصبر على ما حرمه الله، ويمتنع عما يضره في بدنه وماله، وتقوي إرادته حين يمتثل أوامر الله، واحتساب الأجر واستحضار الثواب.
ففي الصوم خير تربية للإنسان على قوة الإرادة والتحكم في النفس، والتغلب على شهواتها، وعلى الجد والحزم ورباطة الجأش بقوة العزم، فالصيام يعلم الناس كيف يترفعون عن مظاهر الحيوانية التي غاية همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة. يعلمهم الصوم كيف يسمون بأنفسهم إلى مستوى تغبطهم الملائكة عليه.
فالصوم غذاء للأرواح، وعون على عبادة الله تعالى وحسن مراقبته؛ لأنه يربي في المسلمين ملكة الصبر وقوة معنوية على قهر النفس، ويعودهم احتمال الشدائد، والجلد أمام العقبات، و القوة في مواجهة مصاعب الأحداث، ومتاعب الحياة، والصبر على مكاره النفوس، فتصفي نفوس الصائمين عن علائق الشهوات وأدرانها، ويخلصها الصوم من الانهماك في متع الدنيا وزخارفها، حتى لا تجعلها غاية قصدها وأكبر همها، وتتحرر إرادة الصائمين وتقوى عزائمهم.
والصائم إذا قويت إرادته سيتحكم في نفسه، ويتغلب على هواه، ويقاوم شهواته، بل وسيفخر بإسلامه ويعتز بانتمائه لدينه، ولن ينجر في اتباع مذاهب هدامة قديمة أو حديثة، ولن يخضع لحضارات أخرى مهما كانت قوية في العلم أو التقدم المادي؛ لأن كل الحضارات لا تملك المنهج الإسلامي المتكامل في الجمع بين مطالب الجسد، وتقوية الإرادة و العزيمة، والسمو بالروح، وهذا ما يفعله شهر رمضان للصائمين، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيامه وقيامه والعتق من نيرانه، ونسأله تعالى أن يمن علينا بالفرح والنصر والتمكين والنصر المبين للمسلمين.