المؤمن الصادق يستقبل قضاء الله وقدره بالصبر
المؤمن الصادق يستقبل قضاء الله وقدره بالصبر ، وبالبِشر ، وبالرضا ، ولعل النبي الكريم قمَّةٌ في هذا الموضوع ، ،
حينما ذهب إلى الطائف ، واعتدى عليه أهلها اعتداءً ماديا ـ هكذا تروي الروايات ، فقال :
(( يا رب ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ))
[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر ]
ماذا كان بعد الطائف ؟ كان الإسراء والمعراج ، جاء التكريم الإلهي عرف أنه سيد البشر قاطبة ، وأنه سيد ولد آدم ، وأنه سيد الأنبياء والمرسلين ، وأنه حبيب رب العالمين ، وأن الله أقسم بعمره الثمين .
كل محنةٍ أيها الإخوة وراءها منحة ، للمؤمن طبعاً ، وكل شِدَّة وراءها شَدَّة إليه ، فلا تيأس ، وإياك أن تتشائم ، أو أن تقنط من رحمة الله ، أو أن ترى أن المصيبة جفوة من الله لك ، لا ..
﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15) ﴾
( سورة الفجر )
هو يقول :
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16) كَلاْ ﴾
( سورة الفجر)
ليس عطائي إكراماً ، ولا منعي حرماناً ، فهذا أب طبيب ، وجد أن ابنه يعاني من التهاب في المعدة ، وثمة أكلة يحبها الابن محبة شديدة ، والأب بقسوة بالغة منع ابنه من هذه الأكلة ، خوفاً من أن تنشأ مضاعفات هو في غنى عنها ، هل يعد هذا الابن المريض الذي منع من هذه الأكلة أنه لذيذة عند أبيه مهانًا ؟ لا والله ، من هنا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا ، كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة ))
( من الجامع الصغير عن حذيفة )
لذلك المؤمن راضٍ عن الله عز وجل ..
هم الأحبة وإن جاروا وإن عدلوا فليس لي عنهم معدل و إن عدلوا
والله وإن فتتوا في حبهم كبـدي باق على حبهم راض بما فعلـوا
* * *
فأعلى كلمة يقولها المؤمن : يا رب أنا راض ، والله حدثني أخ ـ طبيب من إخواننا ـ فقال : جاءنا مريض مصاب بورم خبيث في أمعائه ، غرفته عجيبة ، فيها بِشر ، فيها سرور ، فإذا ضغط على الجرس يأتي بعض الأطباء ، بل جُلُّهم ، والممرضون يلبون طلبه ، وكلما دخل عليه شخص يقول : يا رب إنني راض عنك ، فاشهد يا أخي أنني راض عن الله ، هذا المؤمن ، يرى يد الله الرحيمة الحكيمة تعمل في الخفاء .
فيا أيها الإخوة الكرام ... بيدك الخير ..
فليتك تحلو والحياة مريـرة وليتك ترضى و الأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر و بيني وبين العالمين خـراب
* * *
فلو شاهدت من حسننا الــذي رأوه لما وليت عنا لغيـــرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
و لو ذقت من طعم المحبة ذرةً عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمةٌ لمت غريباً واشتياقاً لقربـــنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائـح تركت جميع الكائنات لأجلــنا
* * *
أن تصل إلى محبة الله هذه غاية الغايات ، وهذا هو العطاء الذي لا يُحَد ، أن يحبك الله ، وطريق محبة الله أمامك بين يديك
كلمات الدكتور محمد راتب النابلسي