من عظم قدر ربه في قلبه .. حاسب نفسه أشد المحاسبة ..
وعاتبها أعظم المعاتبة .. قال زيد بن أرقم :
كان لأبي بكر الصديق مملوك .. يعمل .. ويشتري طعاماً كل يوم ..
فأتاه ليلة بطعام .. فتناول أبو بكر منه لقمة ..
فقال له المملوك : مالك كنت تسألني كل ليلة عن الطعام .. ولم تسألني الليلة ..
قال : حملني على ذلك الجوع .. فمن أين جئت بهذا ..؟
قال : مررت بقوم في الجاهلية .. فتكهنت لهم .. ولا أحسن كهانة ..
فوعدوني بأجرة .. فلما أن كان اليوم مررت بهم .. فإذا عرس لهم .. فأعطوني هذا الطعام .. فقال أبو بكر : أف لك .. كدت تهلكني ..
فأدخل يده في حلقه .. فجعل يتقيأ .. وجعلت لا تخرج ..
فقيل له : إن هذه لا تخرج إلا بالماء ..
فدعا بطست ماء فجعل يشرب .. ويتقيأ .. حتى رمى بها ..
فقيل له : يرحمك الله !! كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟!!
فقال : لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ..
سمعت رسول الله r يقول :
( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به )
فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة ..
* * * * * * * * أما شهيد المحراب .. العابد الأواب .. عمر بن الخطاب .. فله في محاسبة النفس شأن عجيب ..
ذكر صاحب الحلية :
أن عمر بعث إليه أميره في الشام زيتاً في قرب .. ليبيعه ويجعل المال في بيت مال المسلمين .. فجعل عمر يفرغه للناس في آنيتهم ..
وكان كلما فرغت قربة من قرب الزيت .. قلبها ثم عصرها وألقاها بجانبه ..
وكان بجواره ابن صغير له .. فكان الصغير كلما ألقى أبوه قربة من القرب أخذها ثم قلبها فوق رأسه حتى يقطر منها قطرة أو قطرتان ..
ففعل ذلك بأربع قرب أو خمس فالتفت إليه عمر فجأة ..
فإذا شعر الصغير حسنٌ .. ووجهه حسن .. فقال : ادهنت ؟ قال : نعم .. قال : من أين ؟ قال : مما يبقى في هذه القرب ..
فقال عمر : إني أرى رأسك قد شبع من زيت المسلمين من غير عوض .. لا والله لا يحاسبني الله على ذلك ..
ثم جره بيده إلى الحلاق وحلق رأسه .. خوفاً من قطرة وقطرتين ..
* * * * * * * * *
هذا حال المتقين .. الأوابين الخاشعين .. فهل أنت منهم ؟!