على مفترق الطريق . . أنا لله وبالله
نظرةٌ إلى الوراء . . تبعتُها بنظرةٍ على الحاضر . . ثم تلوتها بنظرةٍ ثالثةٍ على المستقبل . .
اتخذت على إثرها قراري الذي لا رجعة فيه أبداً بإذن الله تعالى . .
"أنا لله وبالله"
نعم . . لقد كان ما ورائي أيامٌ زخرت بحب الدعوة والجهد لدين الله . . حفتني فيها أخوةٌ صادقةٌ، جعلت الجحيم نعيماً لا يوصف، والغم والهم فرحاً وسروراً لا يعوضه شيئ في هذه الحياة!!
ثم مرت بي السنون تلو السنون حتى ألقت بي الدنيا في أوديتها طلباً للرزق وكفاية الحاجة . .
فاستوحشت نفسي بين طلابها الذين جمعهم الحقد والحسد والحرص على جمع متاع الدنيا بأي وسيلة كانت . . فصار بهم النعيم جحيماً والفرح والسرور هماً وحزناً!!
وعلت موجة الغفلة على نفسي بمخالطتهم حتى غاصت بي الأقدام في مستنقعاتهم فتوقفت برهة مع نفسي؛ لأقارن بين ما كان عليه حالي في الماضي وبين ما آل إليه الحال في الحاضر، فهالني ما كان من هذا البون الشاسع بينهما!!
فنظرت على المستقبل فوجدته يوشك على الانتهاء ويلوح بإشارات النهاية قائلاً:" أيقظ نفسك من غفلتها فلقد دنى الأجل وصرت قاب قوسين أو أدنى من لقاء الله!!"
فأفزعني المنادي. . وذهبت ألملم شتات شعثي، فوجدت الذنوب قد أخذت مني كل مأخذ، بل وأثقلت كاهلي بتوابعها؛ وشعرت بأن سرعة إقبال داعي الموت أشد قدوماً من مظنة لملمتي لشعثي!!
فاستدرت حولي أبحث عن النجاة، فإذا بالشيطان يلقي علىَّ أغشية من ألوان القنوط من رحمة الله تعالى ملقياً في روعي بألا سبيل للنجاة!!
فحاولت تلاشي تلك الأغشية بالدعاء يتلوه الدعاء والافتقار إلى الله تعالى بألا يجعل للشيطان عليَّ سبيلاً، فإذا بشعور قوي يجتاح جنبات نفسي بأن رحمة الله قريب من المحسنين، ولابد من حمل النفس على فعل الإحسان ولو لم يبق من العمر إلا لحظة واحدة.
فألقيت بجبال أوزاري على ثقتي في سعة رحمة الله تعالى، ولم ألتفت لحظة إلى الوراء، وحاولت التعايش مع نفسي كما لو أنني لا زلت في عهدي الأول _ عهد اليقظة وحياة القلب وحمل هم الدعوة _ فكتبت من المقالات ما يخدم دين الله، وانطلقت أبحث عن رفقاء الطريق الذين لا تزال في قلوبهم بقايا حياة يريدون بها وجه الله؛ لعلي أمد لهم هذا الطوق من النجاة؛ فننجو جميعاً برحمة الله.
فكان (موقع الملتزم) حيث وجدت فيه بفضل الله على الخير أعواناً كانت استجابتهم للخير رائعة، وكان الشوق إلى الله في قلوبهم كبيراً، تحدرت منه دموع القلوب قبل دموع العيون شوقاً، وأصبح يحدونا نداء واحد في مسيرتنا إلى الله ألا هو: "عفواً منك اللهم ومغفرةً ورحمةً على ما كان . . . فها نحن قد عدنا قبل فوات الأوان"
في هذا المنتدى . . آمل فيك يارب أن تكون لنا عوناً؛ كي يروي كل واحد منَّا ظمأه من العمل الدعوي الذي تعطشت له القلوب زمناً. .
وحيينها لن نشعر بفوات ليلٍ أو إقبال نهارٍ . . ووالله ثم والله لو استمر بنا الدهر على هذه الحال قروناً، لما شعرنا بمللٍ أو كللٍ لأن المبتغى هو الله.
ولأن القلوب بها من الشعث الذي لا يلملمه إلا الإقبال على الله، وبها من الوحشة التي لا يؤنسها إلا القرب من الله.
فانفضوا عن قلوبكم ران طول الأمد يا دعاة الحق، وأروا الله من أنفسكم خيراً بإعادة أمجادكم في ساحة الدعوة من جديد.
فالقافلة تسير ووعد الله لا يُخلف، والجنة قد تزينت لساكنيها، كما أن النار قد تجهزت لسحق أجساد أهليها.
فالفرار الفرار إلى الله، وليكن شعار كل واحد منا من الآن فصاعداً . . وداعاً لعهد الغفلة وطول الأمل . .
فنحن لله وبالله
]فاللهم اجمع هذه القلوب على محبتك
وادم اللهم على الخير ودَّها
وألف على الحق بين قلوبها
واجمعها يارب في جناتك جنات النعيم
آمين . . آمين . . آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
منقول