القرآن الكريم من التدبر إلى التأثر
القرآن الكر يم نور البصائر وهداية العقول وطمأنينة القلوب وشفاء النفوس ولكي يحقق القرآن في الأفراد أثاره ويؤتي في الأمة ثماره فإنه لابد من أمرين أساسيين:
1- حسن الفهم له،
2- وقوة اليقين به.
أولا: حسن الفهم
الفهم الصائب أساس العمل الصالح، وإذالم يتحقق حسن الفهم فإنه لا مناص من أمرين:
1_الحيرة والاضطراب وعدم العمل،
2_ أوالعمل على أساس منحرف أو مختل لا يوصل إلى الغاية المنشودة والنهاية المحمودة، قال ابن تيمية:" حاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن ".
وكي نصل إلى حسن الفهم علينا بهذه الخطوات:
1. حسن الصلة: كيف يفهم القرآن من يهجره ولا يقرؤه ؟، وأنّى لمن ترك تلاوتهوالإستماع إليه أن يفقهه، ومن هنا لابد من:
· كثرة التلاوة: وهو أمر رباني قال تعالى: (إنما أمرت أن أعبدرب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت ان أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن)
(النمل: 91-92)
· تجويد التلاوة: بمعرفة الأداء الصحيح بالتلقي والمشافهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ".
· حسن التلاوة: وفي ذلك قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) (المزمل:4)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن ".
الإنصات للتلاوة: وقد قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعواله وأنصتوا لعلكم ترحمون) (الأعراف: 204)
· التأني في التلاوة: وقد ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:" لا تهذوا القرآن هذّا كهذّ الشعر ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ".
2. حسن التدبر: والمراد بالتدبر تفهم المعاني وتدبر المقاصد ليحصل الاتعاظ ويقع العمل، وهو أمر مهم جعله الله مقصداأساسيا لنزول القرآن فقال:" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبرواآياته وليتذكر أولو الألباب) (ص: 29)، ومدح الحق جل وعلا من تدبر وانتفع،فذكر من صفات عباد الرحمن:
(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما عميانا)(الفرقان:73)، وذم الله _عز وجل_ من ترك التدبر فقال:" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (محمد: 24)،والتدبر من النصح لكتاب الله الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سياق معنى النصح لكتاب الله عدّ النووي التدبر من ضمنه فقال:" والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله".
وحسن الصلة معين على التدبر، فهذا ابن كثير يقول في الترتيل: " المطلوب شرعا إنما هو تحسين الصوت الباعث على تدبرالقرآن وتفهمه "، والنووي يقول:" الترتيل مستحب للتدبر وغيره "، فمن أدام الصلةبالقرآن تلاوة وتجويدا وتحسينا..)، قال ابن باز عن قارئ القرآن:" ينبغي له أن لايتعجل، وأن، يطمئن في قراءته، وأن، يرتل.. المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن ويجتهد في إحسان قراءته، وتدبر القرآن والعناية بالمعاني ولا يعجل "، والعكس صحيح فالقراءة السريعة بعيدة كل البعد عن التدبر كما قال القرطبي:" لا يصح التدبر مع الهذّ ".
والاستماع الواعي له أعظم الأثر في التدبر والتأثر، وقد كان الفاروق رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "يا أبا موسى ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يسمعون ويبكون".
وهذا أعظم تأثيرا في القلب كما قال ابن القيم: " فلا شيءأنفع للقلب من قراءة القرآن والتدبر".
وقد جمع الأمران (حسن الصلة والتدبر) في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهمالسكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ".
· ثانيا: قوة اليقين
لابد من الاعتقاد الجازم بكل ما في القرآن من الأخبار والحقائق، وبسلامة وكمال ما فيه من الأحكام والشرائع، وصدق مافيه من الوعد والوعيد، والتسليم بما فيه من الحكم والسنن وذلك كله بيقين راسخ يقتنع به العقل، ويطمئن به القلب في سائر الأماكن والأزمان، وفي كل الظروف والأحوال.
وأبرز ما ينبغي الإيمان واليقين به كبريات الحقائق المتصلة بالقرآن ومنها:
أ – الكمال المطلق: اليقين بأن ما في القرآن من العقائد والشرائع والأحكام والآداب هو الكمالالذي لا نقص فيه، وهو الذي تتحقق به السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهويلبي الإحتياجات، ويحل المشكلات، ويعالج المستجدات، فالله جل وعلا قال:" اليومأكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"(المائدة: 3)، وفي كل ميدان ومجال نجد القرآن يقدم الأكمل والأمثل والأفضل "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " (الإسراء:9)
ب- الشمول التام: فاليقين لابد أن يكون جازما بأن القرآن شامل شمولا عاما، فهو بالنسبة للفرد يخاطب عقله وروحه وجوارحه،وهو لا يقتصر على العناية بشأن الآخرة دون شأن الدنيا، ولا ينحصر في شعائر العبادة دون تنظيم شؤون المعاملات، وإحكام نظام القضاء والمرافعات، وأسس السياسة وقواعدالاجتماع إلى جميع شؤون الحياة، كما قال تعالى: "ونزلناعليك الكتاب تبيانا لكل شيء " (النحل: 89)،
وقال جل وعلا:" ما فرطنا في الكتاب من شيء " (الأنعام: 38).
ج- السنن الماضية: واليقين بأن ما في القرآن من السنن الإلهية التي فيها ذكر أساب القوة والضعف، والنهوض والسقوط،والصلاح والفساد أنها كما أخبر الله بهالا تتغير ولا تتبدل:" فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا " (فاطر: 43)، وهذه السنن هي المنطلقات الأساسية في معرفة الأحداث وتحليل النتائج كما في قوله تعالى:" إن الله لا يصلح عمل المفسدين " (يونس:81) وقوله:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (الرعد: 11).
وإذا وجد حسن الفهم، وقوة اليقين تحققت البداية الصحيحة للإنطلاقة الإيجابية لتغيير واقع الأمة وتربية نشئها وصناعة أجيالها.
منقولا