انظري في المرآة وافحصي نيتك
حجاب الجلال أم حجاب الجمال
سئمت من اللون الأبيض والبيج الفاتح للحجاب ومن الألوان القاتمة للجلباب، والحجابات الجديدة أسهل في الإرتداء ولا تحتاج إلى الكيّ وما الخطأ في التجربة، إن صابت صابت، وإن لم ترض عنها فما أسهل العودة إلى النمط القديم.
نظرت في المرآة يوم ارتداء الحجاب الجديد، كان شكلها غريبا، لم تكن المشكلة في اللون أو طريقة لبس الحجاب! وأحسّت بضيق لم تستطع تفسيره، أمّا في العمل فالكلّ لاحظ التغيير وأثنى عليه: شكلك أجمل، يظهرك بعمر أصغر، الألوان الفاتحة تليق عليك أكثر، الذين لم يكونوا ينتبهون سابقا واعتادوا على مظهرها انتبهوا، وأحسّت بضيق مضاعف عندما أصبحت محطّ النظر وهي محجبة، وبالرغم من الثناء والإعجاب قالت في نفسها: إذا كانت النساء يلاحظن فكيف بالرجال وأنا أعمل في وسط مختلط؟!
وأحسّت في تلك اللحظة أنّها لم تغيّر لون الحجاب وتصميم الجلباب بل خلعتهما تماما!!
هي نفسها اللوّامة أحسّت أنّ التغيير لم يكن مجرد استبدال لون بلون أو قطعة بقطعة، بل معان اهتزّت في نفسها: معنى حجابها وأنّها تلبسه قبل كل شيء كفريضة ولا تنظر إلى معايير الجمال أو ضدّه، وهل تظهر بالحجاب أصغر أو أجمل أو أكثر ذوقا أو حتى أبشع أو أكبر سنا! كانت ترتديه عبادة وطاعة لله. عندما تحجّبت أحسّت بالعزة والحفظ لأنّ الحجاب يظهر المرأة في صورتها الإنسانية ويحيّد الأنوثة والجمال، وبذا تعامل المرأة كإنسان بعقل وقلب وقدرة واستطاعة ومؤهلات لا تحجب أو تضلل الذين يطيش نظرهم وتضلّ رؤيتهم بالألوان والنقوش الزائفة حتى لو كانت في شكل زيّ إسلامي! لقد أدّت صناعة الأزياء الإسلامية وتركيزها على أناقة وجمال المرأة بالزيّ الإسلامي إلى إحداث هذا الخلط الذي حرف مفهوم الحجاب عن مساره ودوره، بل وأخرجه عن حدوده المقبولة شرعا، فأصبح الحجاب والجلباب يناقضان شروطهما الشرعية أن لا يصفان ولا يشفّان ولا يكونا لباس زينة ولا شهرة ولا يشبهان لباس الكفار،
وأصبح للزيّ الإسلامي سوقه وعروض ودور أزياء خاصة به، وأصبح الحجاب مزركشا ومزخرفا وله طرائق ارتداء ونفخ ولف وبسط وانقباض من الأمام والخلف وورد ودبابيس وجدائل! والجلباب مخصّرا بفتحات تصل الركبة من الجوانب والأمام والخلف!!
وبهذا الإخراج الحديث والتصميمات اجتذب الحجاب والجلباب من يبحثون عن المظهر والسهولة والاقتصاد، فارتدينه فأصبح مظهرا لا يغطّي بالضرورة مخبرا يلتزم بفكرة الحجاب وأخلاقه.
قد تسأل سائلة وماذا يعني إذا نظر الناس إليّ؟ وماذا سيرون غير الحجاب والجلباب؟ وجزء من المشكلة في نظر الناس الذين يسرقون بأنظارهم ما لا يحلّ لهم، ولكنّ المشكلة الأكبر في نفس المحجبة التي تلبس الحجاب والجلباب أصلا لتقي نفسها من أنظار الناس ولتحمي المجتمع من الفتنة وتغيّر هذا المفهوم في نفسها للنقيض والرغبة في الظهور الأنيق أمام الناس، والمحجبة قد يراها المتديّن وغيره، والأصل أن تحرص على حفظ دين الأول وبيان النموذج لغير المتدين، وهذا لا يعني أن يكون لباس المحجّبة على النقيض "مهرجلا" لا ذوق ولا منظر ولا رتابة، فالمبالغة زيادة أو نقصا تخرج بالحجاب عن مقصده، وقد تتحقق جميع هذه الأهداف السامية التي تظهر المرأة المسلمة كأفضل سفيرة وممثلة للدين ودعوة تمشي على قدمين دون كثير هوس بالمظهر.
القضية إذن ليست في الألوان والأشكال، فهذه تختلف بين الدول والمجتمعات، القضية في النية واتّباع الشروط الشرعية وهذه تحتاج إلى فحص ومراجعة كلّما وقفت أمام المرآة لارتداء ذلك القماش على الرأس والجسد الذي ينبّأ عن باطننا ويعرّف الناس بظاهرنا وهوّيتنا.
ولنسأل أنفسنا عندما نقف أمام المرآة: هل نرتدي الحجاب والجلباب إجلالا لأمر الله أم نرتديه حتى يُقال كذا ويُنظر إلينا عن أننا كذا، ولنفحص نيّتنا أين هي من أمر الله وسيرة أمهات المؤمنين والصحابيات، أعظم من التزمن بالحجاب في خير القرون، وبعد إخلاص النية لن يضير بإذن الله لا لون ولا هيئة وستكون الخيارات في مرضاة الله لا طاعة للهوى.
د.ديمة طارق طهبوب
منقول