بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ هذه الدنيا مليئةٌ بالمحاسنِ والمفاسد, من أهلِها منْ يُحسنُ فيها ومنهم من يُسيء, والأعمال مكتوبةٌ؛ والآمالُ محدودة, والآجال مقدورة, (وكلٌ مُيَسَّرٌ لمَِا خُلقَ له), والعبدُ إما ماضٍ في طاعةٍ مداومٌ عليها, وإما كابدٍ في معصية مبتلٍ بها.
· إنَّ الأمانيَ جبلَّة جبلها الله في خلقِهِ, ومبدؤها ليسَ بعيبٍ كما هو معلوم, إنما محورها أو نِتاجها هو الذي يحدِّد عَيْـبها من حَسنِها, وقد جاءتِ الشريعةُ الغرَّاء بذكرِ فضلها في حالات, وجاءتْ بذمِّها في حالاتٍ أخرى.
فأما ما جاءَ في فضلها فهو في "كلُّ أمنيةٍ تُمْنى لفعلِ الخَيْر", والأحاديثُ الواردة في ذلك كثيرة جدًا؛ منها قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَوْ كَانَ عِنْدِى أُحُدٌ ذَهَبًا، لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِىَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيءٌ أُرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَىَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجِّه «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْىَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» وقال صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ». ولما قال عندَ قبر بعضِ أصحابِهِ (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قال النووي رحمه الله: قال العلماء فيهِ جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح اهـ.
* وأما ما جاءَ في ذمِّها فهو في "كل ما فيه اعتراضٌ على القدرِ وفي تحصيلِ المستحيل وما يكون داعية إلى الحسدِ".
ودليلُ الأول: حديث تمني الموتِ, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لضرِّ نزلَ به إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ». قال الإمام ابن حجر: وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص؛ فإنَّ تمني الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه اهـ.
(فائدةٌ): صحَّت الأحاديثِ باستعمالِ النبي صلى الله عليه وسلم (لو, ولولا)؛ منها قوله (لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ) وقوله (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) فكيفَ الجمعُ بينها وبين قولِ النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) ؟
إليكَ إجابةُ شيخُ المحققينالطبري إذ يقولُ: طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث: الدالة على الجواز: أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع؛ فالمعنى: لا تقل لشيء لم يقع (لو أني فعلت كذا لوقع) قاضيًا بتحتم ذلك؛ غير مُضْمِرٍ في نفسك "شرطَ مشيئة الله تعالى", وما ورد من قول (لو) محمولٌ على ما إذا كان قائله موقناً بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا "بمشيئة الله وإرادته" اهـ.
* قال الإمام ابن حجر: وأما من قاله تأسفا على "ما فات من طاعة الله" أو "ما هو متعذر عليه منه" ونحو هذا فلا بأس به؛ وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث اهـ.
ودليلُ الثَّاني: تمني الكفار الشفاعة, قال تعالى {أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى} قال ابن كثيرٍ: أيْ؛ ليس كل من تمنى خيرا حصل له اه وذلك فيمنْ يتمنَّى من الكفارِ الشفاعة فإنها مستحيلة لهم كقولهم {فَلَوْ أنلَنَا كَرة فَنَكـونَ مِن المُؤمِنين}
ومنهُ قال ابن الرومي شهر رمضان:
فليتَ الليل فيه كان شهرًا *** ومرَّ نهارُهُ مرَّ السحاب
ودليلُ الثَّالثِ: تمني النساء ما للرجال, قال تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} إذْ حاصل ما في الآية الزجر عن الحسد كما هو مرادُ البخاري من إيراده الآية تحت ترجمتِهِ (ما يكره من التمني).
- وقد يكسبُ المرءُ في هذا التمنِّي الإثمَ, قال الإمام ابن حجر: النهي عن التمني مخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا يحمل قول الشافعي: لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا ان يكون كذا اه ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم اهـ.
- ومنْ منطلقِ قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يحب معالي الأمور و أشرافها و يكره سفسافها) أقول أخَي في اللَّه:
* اعلمْ أنَّ صاحبَ المقاعدِ الكسيِّة, والآمالي الدنيَّة, لا يزنُ عندَ ذوي الأهداف معدنًا صَدِيًا, ولا يرفعُ عندهم مكانًا نَدِيًا, ذلكَ أنه لا يلوذُ فكرُهُ بخير, ولا يستميلُ بغيرِ الهوى والميل, فبيسَ وبَئس.
لحى الله صعلوكًا مُنَاه وهمُّه *** من العيشِ أن يلقى لبُوسًا ومطعمًا
وبَلاءُ الفتى اتّباعُ هوَى الـنّفـ *** سِ وبذْرُ الهَوى طُموحُ العينِ
* أمَّا ذاكَـ صاحبُ المعالِي الرضيَّة؛ والآمالي السميَّة؛ لو سألتَه عن تمنيَّاته التي تردُهُ قبيلَ نومِهِ, وعن بوادرهِ عند أحلامِ فكرِهِ, لفتحَ لكَ أبوابًا لا مداخلَ لها, ولأدخلكَ في متاهاتٍ لا مخارجَ لها, فيبقى صاحبها يحومُ يمينًا وشمالاً, ويتطلَّع الصعودَ عليَّةً والتنزُّل سفلاً, فإذا خلاصتُها أحدُ شيئين –ودليلُهما قولُ ثعلبَ (التَّمنِّي حديثُ النَّفْسِ بما يكونُ وبما لا يكونُ)-:
أولاهما: أمانيَ مستحيلة الوقوع, والنفسُ تتشوَّق التفكيرَ بها, لأنها تخيِّل لبالِ الإنسانِ عملها, فإذا ما أحلامهُ انقطعتْ, وبوراده اسبكرَّت, ضحكَ على نفسِهِ من تخيلاتِهِ وخزعبلاته, لذلك "لما كان أَكْثَره عن تَخْمِين صارَ الكَذِبُ له أَمْلَك, فأَكْثَر التَّمنِّي تَصَوّر ما لا حَقِيقَةَ له" كما يقول الراغب.
فلا يَغُرَّنَّكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ
إنَّ الأمـانيَّ والأحْـلامَ تَضْلِيلُ
ثانيهما: أمانيَ ممكنةَ الوقوع, ولا فرقَ بين كونها دينيَّة أو دنيويَّة, -إلاَّ أن مقالنا هذا لصاحبِ الأماني الدينية, كالأهداف العلمية والآداب العليَّة- وهذه الأماني لا يخلو صاحبها على إحدى حالتين:
1) أن يكذبَ في العملِ بما قاله, وهذا حاله كما قال بنُ ناشب:
إذا همَّ لم تردع عزيمة همه ** ولم يأت ما يأتي من الأمر هائبا
إذا همَّ ألقى بين عينيه عزمه ** ونكب عن ذكر الحوادث جانبا
- والمشتغلُ بهذه الأماني هو حال المفلسِ الجائع, بل هيَ ترويحةُ صاحبِّ الهمِّ الهائم, فما لك ولها, ولست أنت منها, فارتفع عنها, وبها عِ تكنْ عليها, وقال قالوا في الأمثال الشاميةِ [عنقود معلَّق بالهوا, واللِّي ما بطوله بقول: حامض ما استوى].
وما للمُفلسين سوى التّمنِّي *** وما للنّائمينَ سِوى الخَيالِ؟
ويقولُ أهل الشامِ أيضًا حينَ يعلِّق الإنسان أمله على وهم [أملُ إبليسَ في الجنة],وقد يستاءلُ المرءَ أنَّ أكثر الأماني تذهبُ سدىً بل هيَ من خليقِ الكذب وذاكَ بقرارةِ المتمنِّي؟
- اعلمْ أن معنى التمني في الأصل هو "الكذب" يقال "فلان يَتَمَنَّى الأَحاديث أَي يَفْتَعِلها وهو مقلوب من المَيْنِ", ومنهُ قول عثمان (فوالله ما تمنيَّتُ منذُ أسلمتُ) أي ما كذبت. والتمني "تَفَعُّل مِن مَنَى يَمْني إِذا قَدَّر لأَن الكاذب يُقدِّر في نفسه".
2) أن يسعى في تحقيقِ ما قاله, وحالُهُ:
فكنْ رجلاًَ رِجله في الثرى *** وهامةُ همَّه في الثريا
وهذا الصاحب يرنوا بين عينيهِ –ويحذرُ- مقالةً سارتْ لها الركبان:
من خالفتْ أقوالُهُ أفعالَه *** كانتْ أفعالُهُ أفعـى له
* لذا أسأل نفسي وإياكمُ –أحبَّتِي- لو كنتم من أهل هذه الحالةِ, وجاءتْكَ أمنيةٌ بعيدة المنالِ في تقدير رب العزة والجلال, وهي: أريتَ لو كتبَ لكَ في هذه الحياةِ عُمُران ما كنتَ فاعلاً بِهِمَا؟
أعني بهما هدفانِ وعملان سميَّان لا غيرهما, وقبلَ أن تجيبَ فاصدق القول أولاً في نفسكَ, ثم اصدق القولَ مع غيرك, حتى أبشِّركَ ببشارةٍ قد ينتبه لها الفطِنُ, وقد يغفو عنها من لا يعرف تجارة الرابحِ الزكِن, هذا وقد قيلَ فيما غبَر: لتعرِف حجم عقلِ المرء سلْه عن أمنيته!
قد قالَ رجالٌ:
* لو كانَ لي عمرانِ : لجعلتُ الأول في (سبيلِ العلمِ والدعوةِ) والآخر في (سبيل قضاء حوائج الخلق) .
* لو كانَ لي عمرانِ : لجعلتُ الأول في (سبيل الجهادِ سبيلِ الله) والآخر في (سبيل إعانةِ المساكينِ والفقراء) .
* لو كانَ لي عمرانِ : لجعلتُ الأول في (سبيلِ التخصُّص بعلمِ الحديث) والآخر في (سبيل التخصص بعلوم العربية).
- وإنِّي راجٍ لكلِّ مسلمٍ صدقَ في دينِهِ أن يجعلَ أهدافه ساميةً, وأن يكثرَ منها ليتخيَّر أجملها, لا أن يلجَ ولوجَ العفِنِ الصعب, فيتمثَّل –ويمتثلَ- أهلَ الدنيا في أمانيهم وتمنياتهم, فواللَّه إنكَ لتجدُ هؤلاءِ أكثرهم أماني وأقلهم أعمالاً, وفي المقابلِ تجدُ الصادق العامل أقلهم أمانيَ وأكثرهم أعمالاً.
- وقد حذرنا رسول الله من التدني في الأماني والأحلام، والاستسلام للعجز والكسل، ففي الحديث عنه قال عليهالصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم،وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر).
- وعلى الصاحبِ أن يصبو بين عينيهِ مقالتين رائقتين مرموقتين:
ما كلُّ ما يتمنَّى المرء يدركُهُ *** تجرِي الرياح بما لا تشتهي السفن
-----------
يريدُ المرءُ أن يؤتى مناهُ *** ويأبى الله إلا ما يشاء
* وهذا ليسَ من هذَرِ الكلام ولا من دعِِتِه, بل آثارهُ قد يرومُ لها مآثر, ونِتاجُهُ قد يتوجُ بها رجالٌ عوالج, فإني أجد ثمارَ هذه المحاسبةِ أمورًا:
(الأول) بُغيةِ الثوابِ والجزية في قصدِ البَنيَّة, فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً) وهذا من كرمِ الله وفضلِهِ, فكيفَ بمن سعى لها وعزم؟
(الثاني) تحصيلُ البُغيةِ من مفضِي العطيَّة (جلَّ جلاله), فما يدري متمنٍ ألَّو باركَ الله في عمرِهِ, ورزقه من مناياهُ في أجلٍ ما تمناه في أجلين, (وما ذلك على الله ببعيد).
(الثالث) إنشاءُ الطويَّة لتحقيق الأهداف الرضيَّة, فإنَّ العبدَ مطالبٌ باستحداثِ الأفكارِ والنوايا, فكمْ من بليَّة أوقعتها في منيَّة, وكم هنيَّة أنشأها صادقُ النيَّة, ألا تعلمُ أنَّ إمام المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري صنَّف صحيحه لأمنيةٍ تمنَّاها الإمام إسحاق بن راهوية حين قال بحضرةِ طائفةٍ (لو جمعتمْ كتابًا مختصرًا لصحيحِ سنةِ النبي صلى الله عليه وسلم؟) قال البخاري رحمه الله (فوقعَ ذلك في قلبي, فأخذت جمع "الجامع الصحيح").
*واعلمْ أنَّ آخر الأمور هي المفترضةُ عليك, فما عندَكَ سوى أجلٌ واحدٌ فإن وجدتَ المنايا نائياتٍ عن فكرك ومفتكركِ بتحقيقها والسعي لتحصيلها؛ فاشغلْ نفسكَ بما به أنت ماض, واسعَ لتحقيق هدفٍ راض: تكن كمن حقَّت أهدافا؛ ونلْتَ آجالاً.
إذا غامرت في أمر مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
والدليلُ على وجودِ أمثالِ ما قرَّرناهُ في عنواننا وهي التي أنعشتنا لكتابة هذا المقال؛ ما بوَّبه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد (باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا): عَن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ، إِلاَّ الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ ».
ورواهُ في موضعٍ آخرَ بلفظِ: « مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، إِلاَّ الشَّهِيدَ ، لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى ».
وَروَى البخاري رحمه اللَّه: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّى لأُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا» . فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلاَثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ.
* يالله! كم من متمنٍ صدَق فوجدَ ما نوى ونال كلَّ ما تمنَّاه أو بعض ما تمنَّى, ولقد أحسن القائل:
لأستسهلنَّ الصعبَ أو أدركَ المُنى *** فما انقادتِ الآمالُ إلاَّ لصابرِ
* [الأحلام تعد نقطة البداية لأي نجاح يسعى لتحقيقه الإنسان الطموح، وهي من أبرز العوامل لأي إنجاز قد يتحقق:
وما نيل المطالب بالتمني *** بل أول النيل التمني
وهذه دعوة للتمسك بالأمنيات والأحلام بعد دراستها دراسة واعية، فما قيمة المرء بغير أمنياته وتطلعاته، فما فقد الإنسان قيمته حتى فقد أحلامه،واستسلم وسلمها لواقعه، تاركًا له الفرصة كي يعيد صياغة نفسه وفق الظروف والأحوال، وهذه آفة شباب الأمة، تركوا أحلامهم بأيدي غيرهم يصوغونها ويرسمونها، فأصاب القلب من ذلك هم كبير, ولا تكن كالكسالى الذي يتمثلون بـقول القائل [لا مَن جَرِي لحقها ، ولا من نام فاتـته] اه.
* [واللهِ لنْ يدفَعَ المَنونَ..مالٌ ولا بَنونَ..ولا ينفَعُ أهلَ القُبورِ.. سِوى العمَلِ المبْرورِ..فطوبى لمَنْ سِمعَ ووَعى..وحقّقَ ما ادّعى..ونهى النّفْسَ عنِ الهوَى..وعلِمَ أنّ الفائِزَ منِ ارْعَوى..وَأنْ ليسَ للإنسانِ إلا ما سَعى..وأنّ سعيَهُ سوفَ يُرى] الحريري اه.
أبو همَّام السَّعدي
1432 هـ
لو كَانَ لكَ عُمُران فِي الدُّنيا ؟! مَا كنتَ فاعلاً بهِمَا ؟! (فقهُ الأمَاني)