إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد,
إحياء القلوب أمر يخص كل شخص مسلم ومؤمن ولكن ليس بالأمر الهين لأن القلب متقلب وما سُمي القلب إلا من التقلب فحال قلبك الان يختلف عن حاله بعد ساعة يختلف عن حاله قبل ساعة فعندما توجد لديك نبته تقوم علي رعايتها وتتعهد بحسن مراعاتها حتي تنمو وتكبر وتزدهر كذلك القلب يحتاج إلي عنايه ومراعاه حتي ينمو به الإيمان ويزيد وإلا فسوف يضعُف وينزوي الإيمان في قلوبنا ويترتب علي هذا ضعف الهمة ثم يبدأ القلب في الدخول إلي مرحلة الإحتضار الإيماني وإذا مات الإيمان بالقلب أصبح القلب حينئذ فارغ لا يقر حقا ولا ينكر منكرا وهذه هي بداية النهاية لهلاك الإنسان لذلك يجب أن نضع أيدينا علي الداء لكي نأتي بالدواء فغالباً عندما يُصاب أحدنا بألم في بطنه يأتي بدواء ليُسكن هذا الألم والوجع وبذلك يكون البحث عن تسكين العرض وليس علاج المرض ولكن إذا أتينا بدواء لعلاج المرض من جذوره لما رأينا هذا الألم يرجع مرة أخري لذلك لابد من وضع اليد علي الأسباب التي تؤدي إلي ضعف الإيمان في قلوبنا حتي نجد العلاج لهذا الضعف قبل أن يدخل الإيمان في مرحلة الإحتضار ومن ثم الموت فلابد من وجود مانع ليمنع الإيمان من الولوج إلي هذا الأمر البالغ الخطورة ولابد من إبجاد طرق لتغيير هذا الوضع المؤلم ولكن لابد من المحاولة بالتغيير من أنفسنا أولاً لكي يوفقنا الله عز وجل إليه فالله جل وعلا يقول " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " (سورة الرعد) فعندما تكلم شخص عن ترك ذنب معين يقول لك "ربنا يهديني" أليس من الأولي أن تُغير من نفسك أولاً حتي يكون الله في عونك ويساعدك علي هذا التغيير هل مثلاً إذا قلت لك لا تذهب للعمل غداً وسوف يرزقك الله بالمال بالنزول من السماء هل سوف تصدقني أم لا ؟ أظن أنك سوف تقول لي أنني معتوه أو مجنون فكيف تبقي مكتوف الأيدي وتنتظر الهداية من الله جلا وعلا لابد أن تبدأ أنت بتغيير نفسك أولاً وتأخذ بالأسباب فالتوكل علي الله هو الاخذ بالأسباب مع صدق إعتماد القلب علي الله فلابد من الأخذ بأسباب الهداية وتصدُق في طلب الهداية من الله عز وجل وبإذن الله سوف يرزقك الله الهداية ويُلقي بالإيمان في قلبك ولكن لا يأتي هذا إلا بالصدق والإخلاص ولن يتأتي الصدق والإخلاص إلا من إفراغ محتويات القلب أولاً مما فيه من الذنوب والمعاصي حتي يكون أهلاً لذلك فالراحة النفسية لا تأتي من إشباع النفس لشهواتها أو الإستجابة لغرائزها كلا فوالله الذي لا إله غيره كل من أشبع غرائزه وشهواته شكي من ضيق صدره وقد قاله الله عز وجل هذا في كتابه الكريم " وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ" (سورة الأنعام) وهذا حال كل من هو نأي عن الله وعن ذكره فالذنوب والمعاصي تجلب لصاحبها الهم والغم أما الإيمان والطاعة تجلبان لصاحبها الطمأنينة والسكينة وعلي إثر هذا قمت بوضع بعض المفاهيم التي إذا إتبعناها بدقه لوجدنا أن حالنا تغير من النقيض إلي النقيض فأرجوا أن تقرأ ما أكتبه بلسان قلبك لا بلسان فمك حتي تستفيد مما أقوله
1- التخلص من الذنوب
الذنوب والمعاصي أمراض القلوب وإذا أُصيب القلب بهذه الأمراض ضعُفت همته وأصبح مريض يجب معالجته قبل أن يدخل القلب في مرحلة الإحتضار التي ربما تؤدي إلي موت الإيمان المتبقي في القلب وإعلم أن لو حدث هذا لسوف يكون من الصعب إحياء هذا القلب مرة أخري إلا إذا أراد الله عز وجل الهداية لصاحب هذا القلب فالذنوب والمعاصي يُظلمان القلب وبموجبهما تجد أن القلب به ظلمة ووهن وضعف وذله ولن يقبل أي إيمان يحاول الدخول إليه وسوف يلفظه وذلك لأن القلب إذا إمتلئ بالذنوب والمعاصي لا يستطيع صاحب هذا القلب أن يدخل الإيمان في قلبه فمثلاً لو أنك أحضرت وعاء به ما غير نظيف وأردت وضع ماء نظيف به فهل يمكن وضع الماء النظيف وأن يكون محتفظ بكيفيته قبل وضعه في هذا الوعاء دون المساس بالماء الغير نظيف بالطبع لا لذلك لابد من إفراغ محتويات هذا الوعاء من القذارة والأوساخ التي حلت به ثم غسله وبعد ذلك تستطيع وضع ماء نظيف كذلك القلب فلابد من إفراغ محتوياته من الذنوب والمعاصي ثم تهيئته لكي يصبح أهلاً لكي يكون وعاء يستطيع إستقبال الإيمان والحفاظ عليه فالذنوب والمعاصي تجلب علي الإنسان الفقر والمهانة وعدم التوفيق وظلمة في الوجه وسخط الله عليك وبغض الناس لك فالله عز وجل يقول "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (سورة طه) أي يشعر ببؤس وضيق في معيشته لأنه بعيد عن الله وعن ذكره فالله عز وجل يقول "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (سورة الرعد) وهذا كلام الله الذي لا إعوجاج فيه أن إطمئنان القلوب بذكر الله وأن الذي لا يذكر الله مثل الميت ففي صحيح البخاري من حديث أبي موسي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" والذنوب والمعاصي تُعرض صاحبها لسخط الله عز وجل ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه قال فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض" فهل رأيت أن ذنوبك تجعل الله عز وجل يبغضك ويجعل الناس تبغضك أيضا كما تُعرضك لظُلمة الوجه فإذا رأيت أحداً ممن ألفوا إقتراف الذنوب والمعاصي سوف تجد وجوههم مظلمة مسوده ليس عليها نور الإيمان والطاعة لأن الله يضفي علي وجوه الطائعين نور مشرق من نوره تعرف من خلاله أن صاحب هذا الوجه مؤمن وأيضاً إذا ذهب لقضاء بعض أموره يجد الأبواب مقفله في وجهه وأمورة كلها متعسرة وإن وجد خلاف هذا فهذا إستدراج له حتي يمضي في إرتكاب الذنوب والمعاصي وأيضاً يُصاب بقلة البركة في أمواله فلا يدري أين تذهب أمواله فيجدها تذهب هباءاً كأنها ذهبت مع مهب الريح وكل هذه المحن التي حلت به لا يدري أن سببها إقترافة لفعل الذنوب والمعاصي والتجرأ علي الله بفعلها في الخلوات والإستحياء من الناس ففي صحيح ابن ماجه من حديث ثوبان أن النبي صلي الله عليه وسلم يقول " لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" ومعني هذا الحديث أن الله يأتي بأقوام من أمة الإسلام يوم القيامة حسناتهم أمثال الجبال فيجعلها الله هباءاً منثورا ويتسأل الصحابي عنهم ويقول للنبي صلي الله عليه وسلم صفهم لنا وإكشف لنا عن أمرهم ربما نكون منهم ونحن لا نعلم فهل تري مدي حرص الصحابي علي الإستفهمام من الرسول حتي لا يكون من بينهم وهو لا يعلم مع أنه صحابي جليل وكان في عهد النبي ومعه ولكن لا يأمن مكر الله فكيف تأمنه وأنت في زمن الفتن والشهوات ثم يقول له النبي صلي الله عليه وسلم إنهم من جلدتكم أي من جنسكم ويأخذون من الليل مثلما تأخذون منه ولكن إذا خلوا بمحارم الله إنتهكوها أي إذا أصبحوا بمفردهم تجرأوا علي الله بالمعصية فهم يستحيون من الخلائق ولا يستحيون من إله الخلائق وهذا لمن لديه رصيد من الحسنات يجعلها الله له هباءاً منثورا لأنه تجرأ علي الله بالمعصية فما بالك بمن لا يمتلك رصيد من الحسنات وميزان سيئاته يفوق ميزان حسناته بكثير ماذا سوف يكون حاله أمام الله وتذكر ان الذنوب والمعاصي ما هي إلا لذة ساعة وآلام دهر ولكن لا يدري المرء هذا إلا بعد إنقضاء الشهوة فمن تجده جالس أمام شاشة الكمبيوتر يزني بعينه وينظر إلي ما حرم الله يظن أنه في سعادة من هذا ولكن سعادة واهمة وبمجرد إنقضاء الشهوة يشعر بحسرة وندم علي ما إقترفه من الذنوب ولكن وأسفاه فحزنه لا يفيد ما لم يتب لأن الذنب قد فعله وإنتهي الأمر فالنفس أمارة بالسوء ميالة إلي الشره تهرب من الخير لذلك لابد من تقييدها بسلاسل القهر والخوف من الله والهروب إلي الله ليس منه فأنت عندما تخاف من شيئ تفزع وتهرب منه ولكن عندما تخاف من الله تفزع وتهرب إليه وأريد أن تقول لي ما هي النتائج التي ترتبت علي إرتكابك للمعاصي ؟ هل شعرت براحة نفسية ؟ بالتأكيد سوف يكون الجواب لا لأن بعد فعلك للذنوب تذهب اللذه وتبقي الحسرة فلابد من الإستيقاظ من الغفلة قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي الموت بغتة وأنت لا تشعر فالموت ليس له مكان ولا زمان ولا عمر محدد ولكن يأتي فجأه فربما يأتي وأنت علي معصية هل تستطيع أن تقول لملك الموت إنتظر حتي أُنهي ما أفعله فتذكر أن ملك الموت سوف يأتيك ويقبض روحك علي الحالة التي أنت عليها بدون مقدمات وتذكر أن الله يراك وأنت تفعل هذا الذنب فهل ترضي لوالديك أن ينظروا إليك وأنت تفعل هذا الذنب ؟ بالطبع لا أليس الله أولي من الإستحياء منه فإن قالت نفسك هلم لفعل المعصية فإن الناس لا تراك فقل لها إن رب الناس يراني وإن قالت لك إن الظلام يعم المكان ولا أحد يراك فقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فتذكر كل هذا قبل أن تقف أمام ربك في يوم لا ينفع فيه مالاً ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم وكلامي هذا ليس معناه التقنيط من رحمة الله فالله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً وقال في كتابه الكريم "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (سورة الزمر) فهذه الآية كلنا نتمسك ونتشبث بها طمعاٌ في رحمة الله والرجاء في عفوه فبادر أيها الأخ الكريم وأيتها الأخت الكريمة بالتوبة إلي الله والتخلص من عبودية الشهوة إلي عبودية الله وحده ومن سجن المعصية إلي فضاء التوبة فبادر بالتوبة قبل فوات الأوان فإن لم تتب الان فمتي ستتوب؟
2- التوبة النصوحة
التوبة النصوحة هي الخلاص لما أنت فيه من إرتكابك للذنوب والمعاصي ولكن التوبة النصوحة لها أربعة أركان :-
الركن الأول : البعد عن الذنب فوراً والإقلاع عنه.
الركن الثاني : الندم علي إقتراف هذه الذنوب بشدة والإحساس بأنك كنت تعصي الله من جراء إقترافك لهذه الذنوب والحسرة علي ما فعلته لأن النفس التي تشعر بالندم والحسرة هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها تعالي في كتابه فكن ممن يتصفون بهذه النفس.
الركن الثالث : العزم علي عدم الرجوع إليها مرة أخري.
الركن الرابع : إذا كان الذنب يتعلق بأحد من الناس فلابد أن تعمل مجتهداً علي رد الحقوق لأصحابها إن إستطعت.
والله عز وجل يقول في كتابه الكريم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" (سورة التحريم) هل رأيت جزاء التائبين إلي الله ولكن الذي تاب إلي الله توبة نصوحة لا رجوع فيها إلي مستنقع الذنوب الذي كان فيه من قبل وأيضاً يقول الله عز وجل في كتابه الكريم "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ" (سورة الفرقان) هل رأيت أن الذي يتوب إلي الله ويقبل عليه ويلجأ إليه يبدل الله سيئاتهم حسنات هل رأيت فضل الله علينا وكرم الله جل في علاه علي عباده الذي يعصونه ثم يبادرون بالتوبة إليه واعلم أن الله يفرح بتوبة عبدة المؤمن أشد من الذي يفرح يإيجاد راحلته التي بها طعامه وشرابه وهذ ما أخبرنا به النبي صلي الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح " فهل تري كيف أن رجل انفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فكيف سوف يكون إحساسه بالفرح عندما يجد راحلته فالله عز وجل أشد فرحاً من هذا الذي وجد راحلته بعد أن ذهبت عنه فهل تري يا أخي أو يا أختي أن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغني عن العالمين فلو أنك عصيته ما نقص عصيانك وفجورك في ملك الله شيئا ولو أصبحت أتقي رجل علي وجه الأرض ما زاد تقاك في ملك الله شيئا ولكن الله عز وجل أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها وقال أحد الصالحين " اللهم إنك تعلم أن أمي أرحم الناس بي وأنا أعلم أنك أرحم بي من أمي وأمي لا ترضي لي الهلاك أفترضاه لي وأنت أرحم الراحمين " فهل تري يا أخي أن الله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها وأنا أذكر كل هذا حتي تقبل علي الله وتتوب إليه وحتي لا تقنط ولا تيأس من رحمة الله فروي الترمذي في صحيحه بإسناد حسن من حديث أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " يا ابن أدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي يا ابن أدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم إستغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن أدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفره " فهل رأيت رحمة الله أنها وسعت كل شيئ وأنا قمت بكتابة كلمات تخص هذا الشأن فتأمل معي هذه الكلمات :
نسيت الموت والموت لن ينساني
أدعو الله بالعفو والغفراني
سفري بعيد وزادي لن يكفيني
وذنوبي مثل الجبال الرواسي
أدعو الله ولا أسئم من دعائي
وأرجوه بالتجاوز عن سيئاتي
فرحمة ربي وسعت كل شيئ
وذنوبي هذه كلها شيئ
فهل رأيت أن ذنوبك إذا بلغت عنان السماء فهي شيئ ورحمة الله وسعت كل شيئ فلا تحزن علي ما فاتك وإرجع وتب إلي الله ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسي الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إن الله تعالي يبسط يديه بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتي تطلع الشمس من مغربها " فهل رأيت رحمة الله وكل هذا لتحفيز العبد علي التوبة إلي الله في كل وقت بمعني أنك إذا قررت التوبة إلي الله ولكن فعلت ذنب مما كنت تفعله سلفاً ليس هذا معناه أن توبتك فسدت ولكن تب إلي الله مرة أخري ومرة ثانية ولا تيأس ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " أذنب عبداً ذنب فقال رب اغفر لي ذنبي فقال الله جلا وعلا أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب ثم قال يارب اغفر لي ذنبي فقال الله جل وعلا أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب ثم قال يارب اغفر لي ذنبي فقال الله جل وعلا أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر الذنب ويأخذ بالذنب فليفعل عبدي ما شاء فقد غفرت له " وهذا الحديث لا يفتح لنا باب التجرأ علي الله وفعل الذنوب ولكن يفتح لنا باب الخوف من الله والرجاء في عفوه وطلب مغفرته فالله يبسط يديه لمن يريد اللجوء إليه والتخلص من سلاسل الشهوات والمغريات فلا تيأس من رحمة الله ولا تقنط فباب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس من مغربها وفي ذات يوم " دخل سيدنا عمر بن الخطاب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو ويبكي فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر فقال يا رسول الله بالباب شاب قد أحرق فؤداي وهو يبكي فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم ياعمر أدخله علي قال فدخل وهو يبكي فقال له رسول الله ما يبكيك يا شاب قال يا رسول الله أبكتني دنوب كثيرة وخفت من جبار غضبان علي فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أشركت بالله شيئاً يا شاب قال لا قال أقتلت نفساً بغير حق قال لا قال فإن الله يغفر ذنبك ولو كان مثل السماوات السبع والأراضين السبع والجبال الرواسي " فهل رأيت مهما بلغت عظمة الذنوب وحجمها يغفرها الله لك ويتوب عليك منها ولكن إذا أردت أنت التوبة إلي الله وإعلم أن طريق الحق به أعداء ينتظرون لمن يمضي به حتي يوقعون به وطريق التوبة به أعداء يتربصون بك وهم ثلاثة شياطين الإنس وشياطين الجن ونفسك التي بين جنبيك فلابد أن تعد لهم العدة فشياطين الجن يخنسوا ويولون الدبر إذا ذكرت الله وقلت" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أو إذا قلت أيضاً " رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " وشياطين الإنس لابد أن تتخلص منهم وتتخلص من صحبة السوء حتي لا يشكلون سداً منيعاً أما التوبة فكلما كانت لديك نية التوبة وجدتهم يحطمون هذه النية ويزينوا لك المعاصي والذنوب والنفس هي الأمارة بالسوء لابد أن تلجمها بلجام الإيمان حتي لا تنفلت منك وتجرك إلي طريق الغواية لأن المرء عندما يتوب إلي الله ثم ينتكس يكون أفظع مما كان عليه في السابق فحاول أن تجر نفسك إلي الإيمان وأن لا ترضيها قط في إشباع شهواتها ورغباتها لأن هذا سوف يعرضك لعذاب الله الأليم فلابد أن تأخذ كل الحذر والحيطة بعد التوبة من هؤلاء الأعداء الثلاثة وبعد التوبة إن شاء الله يبقي لك أن تبذل جهدك في المحافظة علي هذه التوبة فالوصول إلي القمة سهل ولكن الحفاظ عليها صعب فلابد من التمسك بالتوبة بكل قوة ولا يغرنّك كثرة الفساق أو الفجار فأحد السلف قال " إلزم طريق الهداية ولا يغرنك قلة السالكين وأبعد عن طريق الغواية ولا يغرنك كثرة الهالكين " فلا تغتر بأن طريق الفساد يضج بالناس فاعلم أن طريق الحق شائك وبه بعض الشوك فلابد لك أن تتحمل هذا لأن الجنة سلعة الله الغالية فلابد العزم علي عدم العودة إلي طريق الذنوب مرة أخري والبدء في الأخذ بأسباب علو الهمة ونذهب الآن إلي المرحلة الأخيرة وهي العمل علي زيادة الإيمان.
3- العمل علي زيادة الإيمان
العمل علي زيادة الإيمان من أهم العوامل المؤثرة في ثبيت الإيمان وعدم زعزته وفي سنن ابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول اللهم ثبت قلبي على دينك فقال رجل يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك وصدقناك بما جئت به فقال إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها وأشار الأعمش بإصبعيه " فهل رأيت أن النبي صلي الله عليه وسلم صاحب أتقي القلوب وأفضلها كان يقول اللهم ثبت قلبي علي دينك حتي أن هناك رجل سمع هذا فوضعه داخل دائرة إستفهام وسأل الرسول كما ذُكر في الحديث فقال النبي إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها كما يشاء وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرف كيف يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك " فهذه الأحاديث براهين علي أن قلوب العباد يصرفها الله كيفما يشاء فلابد من العمل علي زيادة الإيمان لأن الإيمان لن يبقي كما هو فالإيمان يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ومن أسباب زيادة الإيمان :-
1- التفكر في آيات الله الكونية وهذه له فوائد جمة في زيادة الإيمان فعندما تنظر إلي مخلوقات الله تجد أن الله خلق كل شيئ بحكمه وبأشكال مختلفة ومتنوعة وعندما تشاهد هذا لا يسعك سوي أن تقول سبحان الله وهذا يزيد الإيمان في القلب.
2- معرفة أسماء الله وصفاته فعندما تعرف الله بمعرفة أسمائه وصفاته تشعر بزيادة الإيمان في قلبك لأنك كلما عرفت الله أكثر كلما إزدت خوفاً وخشية منه وبالتالي يزداد الإيمان في قلبك.
3- زيادة الطاعات لأن الطاعات ترفع من مستواك الإيماني وتجعلك ترتقي في إيمانك وكلما إرتفعت في إيمانك وإرتقيت فيه كلما نظرت للأمور المحاطه من حولك بنظره تملؤها العمومية والشمولية وهذا يزيد من خشيتك لله وعلي إثر هذا يزداد الإيمان في قلبك.
ومن أسباب نقصان الإيمان :-
1- الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية فكلما أعرض الإنسان عن التفكر في مخلوقات الله أصبح قلبه مهجور إيمانياً لا خير فيه.
2- الإعراض عن معرفة أسماء الله وصفاته من أسباب نقصان الإيمان ومن ثم قسوة القلب فمن أعظم أسباب قسوة القلب طول الأمد والإعراض عن معرفة أسماء الله وصفاته
3- قلة الطاعات من أسباب نقصان الإيمان لأن الطاعات إذا بدأت في الهبوط فإعلم أن هذا إنذار لك أنك علي خطر لأن الطاعات كلما قلت كلما أصبحت ضعيف الهمة وضعيف القدرة علي الإتيان بما يقربك من الله.
4- زيادة المعاصي هي نتيجة مترتبة علي قلة الطاعات لأنك كلما قلت الطاعات والسنن كلما أصبحت قريب من فعل المعاصي وكلما أصبحت عرضه لجعل الشيطان عليك سبيل وهذه الأشياء كلها أسباب في نقصان الإيمان لديك.
وروي الحاكم في مستدركه وحسنه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " فحديث الرسول هذا دليل علي أن الإيمان يقل في القلب وذلك ليظل العبد في جهاد مستمر مع النفس التي تكون ضعيفة أمام الشهوات وبالتحديد في زمننا هذا وعصرنا هذا فأحد السلف الصالح قال " مازلت أجاهد نفسي أربعين سنة حتي إستقامت فبلغ بعضهم قوله فقال طوبي له أوقد إستقامت ؟ مازلت أجاهدها ولم تستقم بعد أربعين سنة " فما بالك بنا ونحن في عصر الشهوات والمغريات وعصر الكاسيات العاريات فلابد من إتباع بعض الطرق التي تعيننا علي علو الهمة وتكون لنا عون في ثبات الإيمان لدينا بل والعمل علي زيادته :-
1- الدعاء من أحد الأسباب التي تعمل علي ثبات الإيمان بل وزيادته فهو سلاح عظيم ولكن لمن يدرك هذا فمثلاً لو أنك قمت في جوف الليل وصليت لله ركعتين والناس نيام ودعوت الله وصاحب هذا الدعاء البكاء من خشية الله لوجدت نفسك تشعر براحة لم تشعر بها من قبل وتشعر بحالة إيمانيه مرتفعة.
2- المحافظة علي الصلوات المكتوبة في جماعة لأن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر وإحترس من التفريط بها لأنها بداية النهاية لهلاك الإنسان وواظب عليها في مواقيتها فأحب الأعمال إلي الله الصلاة علي وقتها كما أخبرنا النبي فلا تضيع الصلاة لأنه صلة بين العبد وربه ومتي ما انقطعت هذه الصلة ذهب كل شيئ ولم يكن لك عند الله عهد وفي صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " وهناك حديث أخر رواه الترمذي في صحيحه بإسناد حسن من حديث بريده رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ".
3- المحافظة علي السنن الرواتب من أسباب ثبات الإيمان وزيادته أيضاً فكلما أحاط الإنسان نفسه بدروع الإيمان كلما كان فرصة الشيطان في تحطيم هذه الدروع صعبه وفي صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين أم حبيبة رمله بنت أبي سفيان رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ما من عبد مسلم يصلي لله تعالي في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني الله له بيتاً في لجنة أو بُني له بيت في الجنة " فهذه السنن الرواتب حافظ عليها إن إستطعت ولا تفرط بها لأنك لو فرطت بها وتركتها كلياً سوف تترك الصلوات المكتوبة في جماعة شيئاً فشيئاً فكلما هبطت همة الإنسان كلما سلبت شيئاً منه حتي تسلب إيمانه كله بدون أن يشعر لأن الشيطان له مداخل وحيل فقد يوسوس لك ويقول أنك تصلي الصوات في المسجد وليس من الداعي صلاة جميع السنن والرواتب ولكن إقطع هذا الطريق علي الشيطان اللعين بالحفاظ عليها والتمسك بها ما دام الأمر في إستطاعتك.
4- قراءة القرآن من عوامل زيادة الإيمان وهذا ما قاله الله جل وعلا في كتابه الكريم " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" (سورة الأنفال) وبالفعل قراءة القرآن لها تأثير عجيب في علاج القلوب المريضة بنقص الإيمان فلا بد أن تجعل لك ورد كل يوم مثل جزء أو أقل ولكن لا يجب أن لا تترك يوم إلا وأن تقرأ القرآن وإن وصل الأمر إلي نصف صفحة فقط فأحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل فحافظ علي قراءة القرآن لأنها دواء لمرضي القلوب بنقصان الإيمان.
5- الصحبة الصالحة سبب من أسباب عدم الرجوع إلي بحر الذنوب والمعاصي مرة أخري ففي الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " المرء مع من أحب " والصديق مرآه لصديقة فلابد أن تجد الصديق الذي يعاونك علي البر والخير لأن الصاحب ساحب إما يسحبك لطريق الإيمان وفعل الخيرات أو يسحبك لطريق الفسق وإرتكاب الذنوب والمعاصي فإبحث عن من يعاونوك علي فعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلما تعرفت إلي الصالحين كلما وجدت همتك تعلو لتلحق بركبهم وبهمتهم العالية فصاحب ذوي الهمم العالية واترك ذوي الهمم المنخفضة.
6- غض البصرمن أسباب حفظ القرآن والسنة البنوية فاعلم أن الجزاء من جنس العمل بمعني أنك إذا جاهدت نفسك علي غض البصر في الطرقات في ما حرم الله سوف ينفعك الله ببصرك في ما يرضيه مثل حفظ القرآن وغيره ولكن لو أطلقت العنان لبصرك سوف تجد أنك إذا حفظت شيئ نسيته وذلك لأنك لم تحافظ علي نعمة البصر فأسلب الله جل وعلا منك ما حفظته لأن الجزاء من جنس العمل والله عز وجل يقول في كتابه "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (سورة النور) فغض البصر أمر من الله عز وجل ولابد للمؤمن أن يطع الله ورسوله فالله عز وجل يقول في كتابه الكريم "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (سورة الأحزاب) فليس للمؤمن خيار في أمر الله وأمر رسوله فلابد من إتباع ما أمرنا الله ورسوله وما جزاء هذا ؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان فتأمل قول الله تعالي في كتابه الكريم " وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " (سورة النساء) فهل رأيت جزاء طاعة الله ورسوله أن الله أنعم عليهم بان يجعلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فهل هناك جزاء أفضل من هذا فتذكر هذا يا أخى أو يا اختي في كل أمر يُعرض عليك وتجد أنه ثقيل علي قلبك أنه أمر الله أو أمر رسوله الكريم وجزاء تنفيذ هذا الأمر.
7- عدم إضاعة الوقت في ما لا يفيد من أسباب علو الهمة ولكن كيف هذا ؟ الوقت هو الحياه فمن يضيع وقته في ما لا ينفع بل وإنما يضر يضيع حياته وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " ومعني هذا أن الوقت والصحة نعمتان غافلين عنهما الناس إلا من رحم ربي فحاول إستغلال وقتك بطلب العلم ولا تفتر في طلب العلم ففي الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " ومعني هذا أن الذي لا يريد التفقه في دينه والمحاولة عن البحث وراء هذا فضلاً علي أنه واجب علي كل مسلم ومسلمة حتي يعلم أمور دينه لا أردا الله به خيراً وإجعل هدفك طلب العلم لإنارة الطريق لك أولاُ ثم الاخرين ثانياً فلا تنشغل بالأخرين وتنسي نفسك ولا تفعل كالذي يذب الذباب عن غيره ويترك العقارب تدخل من تحت ثيابه فإنشغل بنفسك وأصحلها أولاً ثم إبحث عن غيرك ولابد من تصحيح نيتك في طلب العلم حتي لا يدخل إليها الرياء والكبر ويأتي هذا من تصحيح نيتك أنك بطلبك للعلم وبتعليم للأخرين تبتغي وجه الله وأن تصل إلي الدرجة التي أخبرنا بها النبي عن معلمي الناس الخير فروي الترمذي في صحيحه بإسناد حسن من حديث أبي أُمامة أنه قال ذكر لرسول الله رجل عالم وآخر عابد فقال النبي صلي الله عليه وسلم " فضل العالم علي العابد كفضلي علي أدناكم ثم قال إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتي النملة في جحرها وحتي الحوت ليصلون علي معلمي الناس الخير " فهل رأيت مكانة العالم والذي يعلم الناس الخير فلا تضيع وقتك في اللهو والعب ولكن إستغله في طلب العلم إن كنت تريد أن تكون من أصحاب هذه المكانة الخاصة التي لا ينالها إلا ذوي الهمم العالية وفي النهاية أريد قول أن إحياء القلوب يحتاج إلي الكثير والكثير من الشرح والتبصير إلي أسبابه ولكن أكتفيت بشرح بعض الأشياء التي قد تعينك علي إحياء قلبك نسأل الله لي ولك إحياء قلوبنا بماء الإيمان إنه ولي ذلك والقادر عليه وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وإن أصبت فمن الله وحده.