بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله ممسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، مغير الأحوال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم ، بعث بين يدي الساعة بشيرا نذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته ونافح عن دينه وبعد :
(أثناء قراءتي للتفسير أدوّن شيء مما يفتح الله بِهِ عليّ .. وسأعرض بين حين وأخر شيء من تلك الفوائد .. راجية من القارئة أن تتقدم قراءة مقالي بـ قراءة الآيات المقصودة والاطلاع على تفسيرها من أحد التفاسير المختصرة حتى تتحصل الفائدة المرجوّه ، الله الموفق والهادي إلى سواء السبيل) .
سورة الذاريات : { دع عنك هم الرزق ، تخلص من هموم الدنيا ، فالله رازقك }
اللهم افتح علينا فتوح العارفين بِكِ ، الخاشعين لعظمتك ..
- إن من أهم القضايا التي تعالجها هذه السورة العظيمة ، ربط القلب بالسماء ، ورفعه ليرفرف دائما محلقا ينظر من الأعلى .. ولا ينشغل بسفساف الأمور ، ومن أكثر ما يجعل القلب أرضي دنيوي ويعوق تحليقه : قضية (الرزق) بأنواعه مالا وعلما وخلقا .. الخ ، وقد ورد في هذه السورة عدة آيات في هذا الباب كأنها تقول للعبد دع عنك الرزق فهو ليس شأنك بل الله يأتيك به ، وانشغل لما خلقت له ، بل وأقسم الله بعظمته وجلاله لهذا الصغير المدعو إنسان لعله يوقن (والله المستعان) ، مرارا وتكرارا أتت قضية الرزق لتكن القلوب سماوية علوية تتفرغ من الدنيويات وتنشغل بالله وفقط .
- حين نقرأ عن النار وعن صفات الكفار والمكذبين ، لا يجب أن نذهب بفكرنا بعيدا على أساس أننا مصدقون ، كلا ، فلكل منّا نصيبه من التكذيب ، فإيثارنا أهوائنا ضعف يقين بلقاء الله ، وإيثارنا الدنيا على الآخرة ضعف إيمان باليوم الآخر ، والمبالغة في حزننا على أقدار الله المؤلمة سوء ظن به وضعف إيمان بالقضاء والقدر ونسيان أنه سبحانه علم وقضى وقدر لنا ذلك.. المهم : حين نقرأ عن النار وصفات أهل النار يجب أن نخاف وننظر كم نصيبنا من تلك الصفات ، ولا ننأى بأنفسنا .
- قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ : من المسبّات في أرض اليمن السعيدة (يا خرَّاص) أي يا كذاب ، وهي كلمة فصيحة ، وكثير مما في لغتنا الحالية كلام فصيح لكنه ينطق على غير وجهه الصحيح بقلب حرف مكان حرف أو تغيير حركة الحروف .
- " آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ" جاء في هذه الآية معانٍ متعددة منها معنيين أحببت أن تقفا عندهما بنياتي :
الأول : "آخذين ما آتاهم ربهم" أي عاملين بما أمرهم الله به من فرائض ، "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين " أي كانوا يحسنون قبل أداء الفريضة بأداء نوافلها ومستحباتها ! .
الثاني : " آخذين ما آتاهم ربهم " في الجنة من نعم وفضل " إنهم كانوا قبل ذلك " أي في الدنيا " محسنين" اتصفوا بالإحسان ، والإحسان يكون في معاملة العبد لربه ، ولنفسه ، ومعاملة العبد للناس ، فبيني لي كيف يكون إحسان العبد مع ربه ؟ وكيف يكون إحسان العبد مع الناس ؟ وكيف يكون إحسانه مع نفسه ؟
- " كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ " فيها معنيين الأول ينامون قليل من الليل والثاني أن تكون (ما) نافية أي قليل من الليل لا ينامونه ، وفي كل الحالتين سواء كانوا ينامون القليل أو لا ينامون القليل " لأنهم يصلون ويدعون ويستغفرون الله ويتقربون إليه بشتى القربات " وليس لأنهم يثرثرون أو يضيعون وقتهم بين القيل والقال وبين الـ TV و الـ NET .
- " وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" حتى تحضيري لهذه اللطائف كنت إذا أكرمني الله في ليلة أن أصلي إذا قرب الفجر وجاء السحر تركت الصلاة وبدأت أستغفر ، وكنت أشعر أن الصلاة أقرب لقلبي ولحضوره ، لكن لأجل هذه الآيـة ، فبحثت اليوم فوجدت هذه المقولة التي أسعدتني جدا ووافقت عندي هوى " قاموا الليل بالقران وأخروا الاستغفار إلى الأسحار كما قال تبارك وتعالى والمستغفرين بالأسحار ، فإن كان الاستغفار في الصلاة فهو أحسن " ، نعم ولم لا نستغفر في الصلاة ، لا أدري كيف غاب عني ذلك فبإمكاني وأنا أصلي أن أستغفر في سجودي حيث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، وأقرب ما يكون الرب إلى عبده في ثلث الليل الآخر ، فكيف إذا اجتمعا ! قرب العبد من الله ، وقرب الله من العبد ، يا لله كم فرطنا ! .
- " وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ" قال الحسن البصري " قاتل الله أقواما أقسم الله لهم ربهم ثم لم يصدقوا "
يا لسوء الأدب ! يا لسوء الأدب ، يقسم الله لصغار مثلنا أن في السماء رزقنا ، رزقنا من مال وطعام رزقنا من علم وإيمان رزقنا من زوج وأولاد ومع هذا ... ! ، لأنه قال قبلها "للموقنين" فلو كُنّا على يقين لكمل تصديقنا ، يا رب غفرانك ونجنا من سوء الأدب مع عظمتك سبحانك سبحانك .
- في قصة إبراهيم عليه السلام ، قالت الملائكة إجابة على تعجب زوج إبراهيم الكريمة "إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ" سبحانه عليم بالوقت المناسب ليأت لـ إبراهيم وزوجه الولد بعد كبر وطول انتظار ، وله في ذلك حكمة باهرة ، لمن يحسن التأمل في أقدار الله ، وهكذا الله عليم حكيم في كل حال ، ومهما تأخر لنا شيئا تمنينه لنتذكر " عليم حكيم " يعلم الوقت الأنسب ليأتِ ما تأخر ، وله في ذلك الحكم سبحانه .
- " وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ" من صفات أهل الإيمان التي يجب أن نسعى لاكتسابها ، النظر في عاقبة المكذبين من قبلنا وكلما غفلنا أو عصينا نخاف أن تصيبنا من الله صاعقة كما أصابت الأقوام المعينين ، أو يخسف بنا كما خسف بالأقوام الآخرين .. وهكذا ، حتى نزرع في قلوبنا الخوف من الله جل في علاه .
- " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" في فقه الدعوة إلى الله ، وفي عالم الأخـوة في الله ، لا بد أن نعي هذه الآية جيدا ، كثيرا ما نمتنع عن قول الخير لأن من ستقولينه لها (تعرف) نعم تعرف لكن الذكرى تنفع .
- " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" قال سبحانه في الحديث القدسي الصحيح " يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك " وهكذا إذا انشغلنا عن الله بشيء نشعر بالضيق والشتات والحاجة والضعف والفقر من كل شيء ..! ما خلقنا إلا لنعبد إذا في كل لحظة علينا استحضار نية العبادة ، فـ بالنية يكون النوم عبادة وبالنية يكون الحديث مع أهلنا عبادة ! ، ثم .. لا أدري كيف أصوغها " مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ" لا إله إلا الله سبحانك ربي تعاليت وتباركت ! يريدنا لنا ، ثم عنه نَفِرْ ! .