عاتب علي الاخوان

د. محمد سعد أبو العزم 28-09-2011 00:42

لأن الظروف جمعتني بهم، وأتاحت لي أن أطلع على هذه الملفات التي لا نعرف عنها شيئًا، فقد كان العتاب واجبًا في حق الإخوان المسلمين.

نعم..
من حقي، ومن حق كل مصري أن نعتب عليكم، ولمَ لا؟ وقد حٌبست في أدراجكم
مجموعة من الملفات والأبحاث المتميزة، التي تقدم حلولاً لمشكلات مصر
المزمنة، في توقيت مهم تحتاج فيه البلد لكل وطني مخلص، يملك خطة ورؤية
واضحة للمستقبل، يأتي هذا في الوقت الذي تركتم فيه الإعلام يصنع صورة ذهنية
مختلفة عنكم، ترتبط بخلافات هامشية، أو قضايا لا تحظى بالإجماع، لم يعد
المجتمع يعرف عن الإخوان إلا قضية المرأة، والأقباط، والسياحة، واكتفى
أفراد الجماعة بالاشتباك حول هذه القضايا.

كانت مفاجأة بالنسبة لي
أن أكتشف وجود مثل هذه المجموعة المتميزة من الباحثين، الذين استعانت بهم
جماعة الإخوان المسلمين، لإعداد برنامج يحمل رؤية محددة ودقيقة لإصلاح مصر
في السنوات القليلة القادمة، من خلال دراسة متعمقة للواقع المصري، ولتجارب
الدول الناهضة، التي حققت نماذج متميزة في التنمية، وبالتحديد تجربة تركيا
وماليزيا، بصراحة لم أتوقع أن يجهز الإخوان بهذه السرعة حلولاً عملية
لمشكلات من نوعية سد عجز الموازنة في مصر، وأن يقدموا 19 بندًا محددًا
لزيادة إيرادات الدولة، وكذلك الأمر في مجال القضاء على البطالة، ودعم
المشروعات الصغيرة، التي يضع البرنامج خطة محددة بثلاث سنوات في ميزانية
الدولة لتنميتها، والانطلاق بالشباب المصري نحو أفق جديد من النهضة
والتنمية، لم يعرف المجتمع شيئا عن برنامج الإخوان في مجال السياحة سوى ما
نشرته الصحف من مهاترات لا قيمة لها حول المايوه والخمور، في حين أن
المستهدف الرئيس في البرنامج هو استقطاب الاستثمارات الأجنبية في قطاع
السياحة، ولذلك أجد من باب الإنصاف للوطن أن نتعرف على ما يعتزم الإخوان
تقديمه في برنامجهم الانتخابي عن قرب، فهو أجدى كثيرًا من مجرد استخدام
الفزاعات المختلفة، والجري وراء المعارك الإعلامية المفتعلة.

خذ
عندك مثلاً رؤية الإخوان لسد عجز الموازنة الذي وصل إلى 120 مليار جنيه،
وبتراكم العجز أخذ الدين العام في الازدياد حتى وصل إلى 210 مليار جنيه دين
خارجي ، وأكثر من تريليون جنيه دين داخلي، وتبلغ فوائد هذا الدين 91 مليار
جنيه سنويًا، أي 30% من الموازنة العامة، وبما أن المصروفات في موازنة
الدولة توزع على ستة أبواب؛ فقد قدم البرنامج تصورًا للتطوير في كل باب
منها، فمثلاً في الباب الأول الخاص بالأجور والمرتبات، نكتشف وجود أكثر من
5.2 مليون موظف في القطاع الحكومي، يستهلكون ما يزيد عن 10 مليار جنيه
سنويًا، بمتوسط 21 ألف جنيه للفرد، ولكن عند التحليل المتأني لهذه الأرقام،
نجد أن الرواتب الأساسية تمثل 20% فقط من هذا الرقم، بينما تبلغ نسبة
الحوافز والبدلات أكثر من 80%، لذلك قدم البرنامج تصورًا بإعادة هيكلة
الأجور والمرتبات، بحيث تصبح نسبة الرواتب الأساسية 80%، والحوافز والبدلات
20%، وهو ما يمكن من خلاله وضع حد أدنى وأقصى للأجور، فيحدث ترشيد في
النفقات، ويؤدي ذلك إلى تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية الحقيقية.

مثال
آخر للخلل في ميزانية الدولة هو الباب الثاني الخاص بشراء السلع والخدمات،
والذي يتضمن شراء جميع المستلزمات الحكومية، وصيانة كل المنشآت والمعدات،
ونجد أن هذا البند يصرف عليه ما لا يزيد عن 0.6% من الموازنة، بالرغم من أن
المعدلات العالمية تزيد عن 5%، وهو ما يؤدي إلى تناقص العمر الافتراضي
للمباني والطرق والجسور، نتيجة عدم الاهتمام بصيانتها، وفي حالة تحريك هذه
المخصصات فسوف يعود ذلك بالنفع الواضح على البنية التحتية للبلد بشكل
مباشر.

تنمية وتطوير الزراعة المصرية كان لها نصيب كبير من
البرنامج، الذي قدم تصورًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية في
غضون ثلاث سنوات، وهو ما سيوفر على الأقل 6 مليار دولار سنوياً، فتم إعداد
خطة لسد الاحتياجات السنوية من القمح والتي تبلغ حوالي 14 مليون طن، فإذا
كنا نتوقع أن يصل الإنتاج هذا العام إلى حوالي 8.2 مليون طن، وبالتالي يصبح
هناك عجز حوالي 5.8 مليون طن، فإن أول الحلول هو خلط رغيف العيش بنسبة 75%
قمح و25% ذرة، وهو ما يؤدي إلى توفير 3.5 مليون طن، ويصبح المطلوب حوالي
2.3 مليون طن قمح، ويمكن سد هذه الفجوة في غضون ثلاث سنوات، من خلال بناء
50 صومعة على مستوى الجمهورية، لمنع الفاقد في القمح، والذي يصل إلى 10% من
الكمية الإجمالية.

المفاجأة الحقيقية في برنامج الإخوان هو رؤيتهم
لتطوير القطاع السياحي، فعلى عكس ما شاع في الإعلام، فقد اهتم البرنامج
بتشجيع القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية في قطاع السياحة،
وكذلك توجيه كافة الوزارات الخدمية المرتبطة بالسياحة مثل: وزارات الطيران
والنقل والإعلام والثقافة والبيئة، لمساندة السياحة والترويج لها ضمن أهداف
خططها السنوية، بالإضافة إلى مضاعفة الطاقة الفندقية، وتنويع الخدمات
السياحية، والارتقاء بجودة الخدمات المقدمة، فضلاً عن إنشاء الجسر البرى
فوق خليج العقبة، ليربط بين مصر والسعودية، تسهيلاً لحركة السياحة العربية
بين دول المشرق والمغرب، إضافة إلى ما يحققه من نمو اقتصادي في العديد من
المجالات.

المجال لا يتسع لتفاصيل أكثر، حيث يقع البرنامج فيما يزيد
على 60 صفحة، مقسمة في خمسة أبواب، بدأت بالقضايا العاجلة، مثل: الرؤية
الخاصة بإصلاح المنظومة الأمنية بمصر، ومعالجة الوضع الاقتصادي، ومكافحة
الفساد، مرورًا بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة، وانتهاء
بالوصول إلى الريادة الإقليمية والدولية لمصر. يمثل البرنامج فرصة ذهبية
حتى يقدم الإخوان أنفسهم للمجتمع بصورة مختلفة، فيحدث تغيير للصورة
الذهنية، التي رسخت لسنين طويلة من خلال وسائل الإعلام، من حقك أن تختلف
كما تشاء مع الإخوان، ولكن من باب الإنصاف أيضًا التعرف عن قرب على أسلوب
عملهم، وطريقة تفكيرهم.

ما أسهل أن تكون في صفوف المعارضة، فتقف ضد
الفساد، ويصبح همك الشاغل هو الانتقاد، والتنقيب عن المشكلات، لكن الأصعب
من ذلك أن تقدم أنت البديل، ويصبح لديك التصور العملي لحل مشاكل الدولة،
وهو ما يحتاجه الوطن في الفترة القادمة ، من كل مصري مخلص أيًا كان
انتماؤه.

بارك الله فيك اخى الكريم على الطرح الطيب
وعلى الموضوع المميز

» ماذا قدم الاخوان تحت قبة البرلمان
» الحرية والعدالة حزب الاخوان الجديد