مازالت أصداء شهر رمضان المبارك تتردد في جنبات الروح، بما ألانت من الطباع، ورشدت من السلوكيات النافرة الضارة التي لا يصح أن تكون في مسلم، وقد أكسبنا شهر رمضان حساسية ودقة تجاه كل ما يصدر منا من أقوال أو أفعال نضعها على ميزان هذا يرضي الله تعالى وذاك يغضبه!
ويجب أن يبقى هذا الميزان حاضرا في نفس وقلب كل مسلم، إلى أن يأتي رمضان جديد فيجدد للروح نشاطها، ويزيل عنها ضجيج الحياة المادية، وهكذا يظل المسلم متوزانا ومتسقا مع معنى الحديث الشريف (..ورمضان إلى رمضان..).
وحين نخرج من رمضان وندخل شوال، نكون خرجنا من عرين الروح الذي عاشت به شهرا كاملا تتغذى فيه على كل الفضائل، وتتحصن ضد كل الرذائل، لنبدأ دورة جديدة في الحياة لا تنقصنا صلابة الروح ولا متانة الخلق التي تعصمنا من التقصير، فننعم بالحياة في ظل نظام الإسلام الذي تعلمناه، وتدربنا عليه في رمضان.
الكثير منا يسير بهذه الطاقة الرمضانية طوال العام دون أن يكتشفها في نفسه، ودون أن يفكر في ضبط مؤشرها ويتوقف معها لحمايتها من الممارسات اليومية الخارجة على سلوك المسلم إن لزم الأمر؛ ويكتفي أن يعيش حالة من الرضا والتصالح مع النفس، ولا يحاول أن يدير هذه الحالة بشكل عملي فينقلها لمن حوله، من زملاء الوظيفة، أو يجعلها حاكمة في العلاقات اليومية المتعددة.
إننا بحاجة لاستثمار طاقتنا الرمضانية في حياتنا اليومية طوال العام، فنتواصى بالإنجاز والنهضة والخوض في الحياة بجدية وعملية؛ فيكون نتيجة هذا التواصي نمو أوطاننا وازدهارها.
ومن المهم الإدارك أن فترة شهر كامل من التربية الروحية، وترعرع النفس في روضة الإيمان كفيل بتغيير حياتنا سائر العام، وينقلها من تقدم إلى تقدم إن نحن أحسنا استثمار هذه الطاقة، وتعاونا وتعهدنا على توظيفها وإنزالها على الأرض، لتكون حالة واقعية نلمسها بأيدينا، ونتعامل معها ونزن بها أفعالنا وأقوالنا.
لنتواصى أن ننطلق في أيامنا المقبلة ونحن نحمل بين جوانحنا روحا رمضانية شفافة، وأخلاقا متينة، وإرادة منطلقة نحو نهضة أمتنا ورفعتها واستعادة مجدها وتاريخها.. وكل عام وأنتم بخير.